الحلم التركي بين فكي ثروات كوردستان وجبال قنديل

 صلاح الدين بلال

بعد سقوط طاغية العراق صدام حسين ودخول جيوش التحالف إلى العاصمة بغداد, وتحرير العراق من براثن الديكتاتورية, دخل العراق مرحلة جديدة من الصراعات التي أطاحت بالمكاسب التي  ضحت بها المعارضة العراقية للظفر بيو النصر على الطاغية وذهبت شعارات المعارضة العراقية ادراج الرياح, لتدخل البلاد في نفق الفوض والأرهاب والصراعات السياسية والطائفية على حساب تحقيق الأمن والأستقرار للشعب العراقي الذي عانى الكثير من ظلم وعنف الحكم السابق

, وفي خضم الفوضى أصيبت المؤسسات والمرافق العامة ومرافق الخدمات بالشلل والركود, بينما ما تزال الحكومات المتعاقبة في حالة من العجز, وما قامت تتخبط في المربع الأول للأنهيار الأمني وتفشي الفساد, وتحركاتها محصورة ضمن حلقة المكاسب الحزبية والطائفية والانتماءات والأوامر الخارجية, بينما لم تحقق ما هو مطلوب منها وما يطمح له المواطن العراقي من النهوض بالبلاد من كبوة الجمود الاقتصادي الى الحداثة العمرانية والانفتاح التجاري والاستثماري وتحسين مستوى المعيشة وزيادة الخدمات وتطوير أدوات البنى التحتية لقيام عراق جديد.

في الطرف الآخر من شمال العراق شهد إقليم كوردستان العراق على عكس ما يجري في باقي مناطق الوسط والجنوب وبغداد من فوضى الى تحقيق فضاء من الأمن والأستقرار, حيث أخذت أمور إدارة الأقليم تتطور بشكل هادئ  ظاهريا ولكن على المستوى العملي فقد أوجدت حالة من الأستقرار الأمني وعملت على أيجاد الحلول لحزمة كبيرة من المهام الملقاة عليها لينعم بها أهل الإقليم, وذلك بفضل قيام حكومة قوية وبرلمان منتخب, أستطاعت أن تدير شؤون البلاد بخطط وببرامج نقلت الإقليم إلى وضع أصبحت فيها الانظار مشدود إليها وإلى تلك التجربة الديمقراطية التي نهضت بالإقليم الى خلية من النحل لا يهدئ فيها النهار والليل وأصبح الإقليم يعج بمئات الشركات والتجار الباحثين عن فرص أستثمارية لهم وعمالة تدفقت على الإقليم من جنسيات مختلفة  تسعى إلى تأمين مصدر رزق وفير لها.
الأستقرار الذي تحقق في الإقليم الكوردي شجع عشرات الشركات الأجنبية لدخول كوردستان بعد عام / 2003 / ودخلت الشركات فيما بينها في حمى التنافس لأقتناص العقود والظفر بإدارة مشاريع إستثمارية ضخمة وحيوية في الإقليم.



فما هي الامكانيات التي أغرت هذه الشركات في الهرولة لدخول أسواق كوردستان
.


وما هي حجم الثروات التي يملكها الأقليم من قوى بشرية عاملة وثروة زراعية وحيوانية ونفطية  ليخوض بها ثورة من العمران والبناء الأقتصادي والتجاري في أقليم لا تتعدى امكانياته التي ورثها من حكومة البعث سوى بضع من المرافق المشلولة والطرق المدمرة وبطالة كبيرة وأزمة أجتماعية خانقة وفقر متقع وجبال محروقة وقطعان صغيرة من المواشي

عدد سكان كوردستان .

 يبلغ تعداد سكان إقليم كوردستان / 2 ,  4 / مليون نسمة وعدى ذلك يوجد عمالة أجنبية وافدة إليها من تركيا واإيران وسوريا ومن وسط وجنوب العراق ومن بعض الدول الاسيوية والعربية حيث زادت من حجم القوى البشرية الموجودة فيها بشكل كبير وحققت هذه العمالة تحقيق برامج أقتصادية  محققة لوجود عمالة ماهرة ونشطة ضمن سكان الإقليم والوافدين إليها للأسراع في تنفيذ المشاريع وسددت حاجات هذه الشركات من أحتياجات القوى العاملة.
أما بالنسبة للثروة الزراعية فقد تشكل الأراضي الزراعية الخصبة في إقليم كوردستان مساحة قدرها أكثر من / 9/ ملايين دونم, وتقوم الدولة بدعم المزارعين من خلال توفير الأسمدة الضرورية والأليات الزراعية وكما تساهم في تشجيع المستثمرين في الحقل الزراعي وتعمل على تشجيع التشجير المثمر والحراجي, حيث تبلغ الأشجار التي توزع سنويا ومن كل الأنواع والأصناف على المواطنين / 6/ مليون شتلة لزراعتها في القرى وفي محيط المدن وتقدر الأراضي المروية في الأقليم / 384 / ألف دونم يتم أستثمارها في  زراعة الخضار والقمح والقطن والشوندر والتبغ.
أما فيما يخص الثروة الحيوانية: تمتلك كوردستان ثروة لا بأس بها ومهمة في المجال الحيواني حيث تتوفر الأجواء والأراضي والمياه والبحيرات والأنهر الملائمة  لقيام ثروة كبيرة من الأغنام والماعز, و تساعد طبيعة المنطقة أيضا لزيادتها مستقبلا وتبلغ تعداد الأغنام في إقليم كوردستان حوالي / 4/ أربعة مليون و 822 ألف رأس وأيضا يبلغ تعداد الماعز في الإقليم أكثر من / 2 /  مليون ونصف, وهناك / 567 / رأسا من الأبقار و ثروة سمكية يجري تطويرها حاليا لتغطية السوق المحلية منها وموجودة في السدود الكبيرة وفي الانهاروالبحيرات المتواجدة في الإقليم, أما النفط فتقدر الأحصاءات الى وجود / 45/  بليون برميل من النفط ومائة تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي وهناك أبار قديمة يتم العمل فيها وكذلك جرى الكشف والتنقيب عن أبار جديدة تم الكشف عنها مؤخرا, وقد تم التعاقد مع عدة شركات أجنبية للتنقيب وأستثمار بعض منها, وقد سمح قانون النفط الخاص بالأقليم على الأستفادة من هذه الثروة وتسخير مواردها في مجال الخدمات للمواطنيين وتأمين الكهرباء مجانا وتوسيع الطرق وبناء المرافق العامة والخدمية التي يحتاجها الإقليم في نهضته الشاملة.
وتحاول حكومة الإقليم من خلال الأجواء السانحة من حيث الأمن والأستقرار الى جذب الأستثمارات والشركات الأجنبية اليها من كل حدب وصوب, لذا فقد سنت لذلك قانون الأستثمار رقم / 4/  لعام  2006, الذي منح يموجبه تسهيلات وأمتيازات كبيرة للشركات الوافدة, والتي لا تتوفر مثيلها في قوانيين أنشط المراكز التجارية في العالم كدبي وهونغ كونغ, حيث يجيز القانون  للمستثمر الأجنبي القادم للأقليم  الحق في شراء الأراضي والتملك العقاري وبنسبة 100 % , ومنحه أيضا أعفاء ات من الضرائب لمدة عشر سنوات وحرية في نقل رؤوس الأموال والأرباح والعائدات للشركات العاملة  ونقلها من داخل الأقليم وإلى خارج كوردستان بحرية.
 وبهذه التسهيلات والأمكانيات التي توفرت في الأقليم الآمن والمستقر بلغ تعداد الشركات المسجلة في السجل التجاري للأقليم حوالي خمسة الآف شركة محلية منها  / 600/ شركة أجنبية ومنها /500/ شركة تركية لوحدها.

الشركات التركية في الإقليم
:
ذكرنا سابقا ان الشركات التركية حصلت على نصيب الأسد في العقود الأستثمارية في الإقليم حيث بلغت قيمة العقود الموقعة والتي في قيد الموافقة إلى / 15/ مليار دولار ؟؟؟؟ وحسب ما أوردته غرفة التجارة في  (ديار بكر) فإن الصادرات التركية لإقليم كوردستان من المواد الغذائية ومواد البناء وصلت الى / 5 / مليارات من الدولارات, وذكرت الغرفة ان شركات البناء التركية في عام 2003 وقعت عقود وصلت قيمتها الى / 2 / مليار دولار أمريكي وكذلك بلغت عدد الشاحنات العابرة للحدود أكثر من / 700 / شاحنة يوميا محملة بمواد البناء والحديد وماتحتاجه الشركات هناك بلأضافة الى المواد الغذائية التي تصدرالى كل أنحاء العراق أيضا.
 ففي مجال الكهرباء حصلت شركة تركية على عقد بناء محطة توليد للطاقة الكهربائية في منطقة الموصل منذ  28 / 10 /  2004, وأيضا هناك شركات تركية مختلطة كالشركة التركية الكندية (توبكو) التي تعمل في الإنشاءات ومجموعات شركات (نورسوي) التي تنشط في بناء / 700 / وحدة سكنية.
أما شركة /ماك يوك جنكيز/ والتي تمتلكها عائلة (شبي) المقربة من رئيس حزب العدالة والتنمية وقريب رجب طيب اردوغان, قد فازت ببناء المقرات الجديدة لشبكة التلفزيون الكوردي وبعقد بناء المطار الدولي حيث بلغت قيمته / 240 / مليون دولار وأيضا بعقود بناء بعض الجامعات, ويذكر أن القصر الرئاسي قامت ببنائه أيضا شركة تركية.
وكما قامت مجموعة شركة (تيبي) بالفوز بعقود بناء جامعة السليمانية وبكلفة قدرها / 250 / مليون دولار, وعلى عقد المطار الدولي الجديد بقيمة /  480 /  مليون دولار أما مشاريع الطرق فتوزعت على كبرى الشركات التركية كشركة (ماك يول للطرق) و (مجموعة  77 )  و (غولماك) و (شركة غوناي) للإنشاءات.
وهناك مشاريع أخرى تديرها رؤوس أموال مختلطة عربية وأجنبية وعراقية منها المدينة الإعلامية التي تبلغ كلفة بنائه / 800 / مليون دولار ومشروع وسط أربيل التجاري التي وصلت كلفته الى /3/ مليارات دولار والتي تعود الى رجل الأعمال العراقي (نزار حنا) كما هناك مشاريع مشتركة في الأقليم كمشاريع القرية الأمريكية والقرية الكندية والقرية الأنكليزية والقرية الألمانية وتبلغ قيمة هذه المشاريع بحوالي / 1 / مليار دولار.
كما هناك جهود نشطة لمفاوضات لدخول السوق الكوردستاني تجري مع مسؤولين أكراد لثلاثة من أكبر شركات التصدير العقاري في دولة الأمارات العربية التي تطمح إلى العمل والاستثمار في كوردستان.
وبالرغم من نوايا الغزو والتدخل التركي في أراضي كوردستان نتجية قلق بعض الشركات فإن ما مجموع الشركات التركية العاملة في الإقليم لم يسجل سوى أنسحاب / 23 / شركة تركية وأغلبها انتهت عقودها, وقد كانت آخر شركة تركية سجلت خروجها من أراضي كوردستان شركة /تاشيابي/ التي أنهت مؤخرا مشروع إنشاء طرق جديدة بمبلغ / 60 / مليون دولار والتي يرأسها رجل الأعمال (أمر الله تورنال) والذي صرح لأحد الصحف التركية على أن النشاطات التركية قد بلغت في عام 2006 نحو  / 2 / ونصف المليار من الدولارات.


وكما بلغت الصادرات التركية نسبة 80 % من الواردات التي أجتازت حدود  إقليم كوردستان والتي تقدر قيمتها بمئات الملايين من الدولارات التي تسفيد منها الشركات والمصانع والتجار الأتراك ومن خلالها يتم تأمين فرص العمل لألوف العمال الأتراك.


فهل يتخلى الأتراك عن مليارات السوق الكوردستاني وهل يتحمل الاقتصاد التركي المصاب بعجز دائم أن يغض النظرعن حجم الاستثمارات هناك وهل تقوى الليرة التركية على طلاق مليارات الدولارات القادمة من كوردستان التي تعينها في ثباتها و الوقوف أمام العواصف التي تضرب بالأقتصاد التركي جراء المصاريف الحربية التي يقوم بها ضد الشعب الكوردي وضد حزب العمال الكوردستاني وأخرى تصرف على مخططات التدخل بالشأن الكوردستاني في العراق, هذا أذا علمنا إن مصاريف الدولة التركية لعام 2006 وصلت الى 9, 174 مليار ليرة تركية في حين وصلت العائدات إلى الخزينة  160 مليار ليرة تركية أي بعجز وصل إلى 14 مليار ليرة تركية وبلغ دخل القومي للمواطن التركي الفرد مبلغ 750 , 3 وحسب أحصاءات البنك الدولي, فهل يمكن تحقيق توصيات المجلس القومي الأعلى التركي بفرض حصار أقتصادي على إقليم كوردستان, إن الأرقام المبينة أعلاه تبين الجهة المستفيدة من غزو الشركات التركية للأقليم وهي: الحكومة والشركات والاقتصاد في تر كيا, على عكس الأمور فإن إقليم كوردستان يمكنها التعويض عن عمل الشركات التركية والواردات الواردة اليها  بشركات بديلة تطمح ليل نهار لدخول أسواق كوردستان وتبحث عن منافذ وشخصيات ومراكز قرار لتزكيتها هناك, وتبدأ  البدائل الممكنة لأستيراد البضائع  وأستقبال الشركات عبرالدول المجاورة أيران وسوريا والأردن والسعودية ودول الخليج وتنتهي في الصين وماليزيا وكوريا وأوروبا وأمريكا.
  فهل تدخل خطوة المجلس القومي التركي في أستخدام الحصار الأقتصادي التي تدفع بها الحكومة والعسكر على دخول تركيا حدود إقليم كوردستان في لعبة كسر العظم وعبر مزاعم ملاحقة مقاتلي العمال الكوردستاني وهل بأستطاعة حكومة اردوغان الأسلامية التخلي عن جنة الأرض التي تبيض ذهبا أم أنها مناورات أخرى لصيد مكاسب سياسية وأقتصادية أكثر أو لبلع البيضة الذهبية وقشرها والوصاية على إقليم كوردستان وصهره في ظل البوتقة التركية.
المتغيرات الجديدة والمواقف الأقليمية والدولية قد تضيف عوامل جديدة على الأرض وقد تحمل مفاجاءات تغير وجه المشهد الحالي وتقلب أحلام النشوة القومية ألى كابوس سيضرب تركيا أولا والمنطقة عموما وقد تصل لاحقا إلى أوروبا غربا.

ليدخل الجميع في نفق مجهول ومستقبلا مظلما.


salaheldinbilal@hotmail.com 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…