العالم إلى أين ؟

أحمد مرعان

تتداعى الأمم بالتخبط جراء السياسات العالمية المتجددة في كل وقت وحين، لإيمانها بمحوها من قواميس التدبر أن لم تشارك باقتسام الكعكة والحصول على فتات منها، وإلا لن يحالفها الحظ بفاعليتها بإعداد القرار الدولي لإثبات وجودها، لئلا يطمح بها الآخرون وتكون لقمة سهلة وسائغة على موائد المتحكمين بالمصير العالمي المجهول، وما يُعد في كواليس المطابخ الساخنة .
الصراعات الدولية متمثلة بداعميها في الخفاء أولا ، ثم ما تلبث أن تطفو على السطح ويكون الإعلان قاب قوسين أو أدنى عندما تتوضح الأمور ومجريات الأحداث على الساحة ، وتبدأ مرحلة التهافت والتكالب في جني مقدرات الشعوب المتمثلة بالدول على الخارطة الجغرافية ، ومدى عمالة حكامها للحفاظ على مقتنياتهم ووارداتهم الموهوبة والمسلوبة من شعوبهم الضآلة تحت وطأتهم والنيل منهم بأساليب الابتزاز والتضليل والمحاكمات الصّورية لإيهام الرأي العام .
هل يعقل أن يحاكم الجناة جناة آخرين ؟
نعم إنه النظام العالمي الساحر، وكبيرهم الذي علمهم السحر ، والتمرس في لعبة الكيد الإعلامية والقدرة على إقناع المشاهدين بصوابية آرائهم المبتذلة .
لست ضالعا في قراءة السياسة، وما أنا إلا متفرج على الرقعة وأرى ما يحيط بها من مناصرين وخصوم ، هذا يصفق لخطوة حليفه وذاك يكتظ غيظا بالرد المناسب في الوقت المناسب ، وينسج الشباك لصيد خصمه في خطوات قادمة، لتعم الفوضى الهوجاء ، وهذا ما يبتغيه الكبار لنيل نصيبهم الأعظم ، وفي المحصلة لن يدفع الضريبة إلا السواد الأعظم من الشعب المنهك والمغلوب على أمره .
إلى متى تحكمنا هذه العقلية وهذه المفاهيم الضآلة ؟
هذا بالمفهوم الدولي وما آلت إليه الصراعات الدامية والمنتشرة من حروب ودمار وتشريد وتجويع وتنكليل وما إلى ذلك على الصعيد العام ، أما في المنظور الخاص وما يثار في المناطق الكردية وامتدادها على جغرافية الدول المتقاسمة لكردستان ، حيث يتعرض الكرد إلى الإجحاف والتضليل والتهميش بالمشاركة الفعالة في التمثيل الحكومي لدى السلطات المتحكمة ، والنظر إليهم بدونية وتقصير ، ومحط اتهام بعدم وفائهم وإخلاصهم وبالتالي تلفيق التهم الجاهزة والمنوطة بالتأثير على وطنيتهم المشبوهة على حد زعمهم ، باقتطاع جزء من الوطن ونعتهم بالخيانة ، علما أن من يطلق هذه التهم يبيع الوطن في المزادات العالمية والعلنية بأبخس الأثمان ، وتلك الدول غير قادرة على إدارة أزماتها وفق القوانين الوضعية التي أُنجزت من قبل لجان مختصة برسم خطط سنوية وخمسية وما يزيد وفق معطيات المرحلة وإيرادات الموازين وطرق إنفاقها في الإصلاح والتطوير والنهوض بالبلد إلى مصاف الدول المتقدمة ، طبعا هذا وفق النظريات الطوباوية في الاجتماعات المغلقة لبيان مدى الحرص وفق برامج توفيقية ودراسة مستفيضة على حد زعمهم ، بينما على أرض الواقع الممارسات تشي إلى عكس ذلك ، حتى بات الشعب متيقنا بأن ما تطرحه الحكومات هو عكس ما تريده بالمنظور التفاضلي ( كلمة حق يراد بها باطل ) .
بذلك فقد الشعب مصداقيته بالحكومة ، ونتيحة الحاجة والعوز اضطر البعض للعمل لدى المتنفذين من شخصيات تستغل مناصبها الحكومية باستدراج هؤلاء الضعفاء ، ومنهم من لديه روح المغامرة لعدم وجود شيء يخسره حيث لا يمتلك الضمير والأخلاق ، إلى مسارات التهريب والتخريب لمصالحهم الخاصة ، لذا تسمع بولادة حيتان بين الفينة والأخرى جراء تخصصها في مجالات محددة ، وأصبحت علامات تجارية خاصة بهذا دون ذاك ، وهكذا دواليك ، والكل يدفع ضريبته المستورة إلى الحوت الأكبر بخفاء ، وترى بالتالي انسلاخ المجتمع إلى قلة طفت على السطح بفعل ممارساتها واستغلالها لنفوذها ، وطبقات تهوي إلى الحضيض للاكتفاء بالعيش ، وهذا يؤدي إلى إضعاف واضمحلال الطبقة الوسطى التي تعتبر بيضة القبان كما يقال في الحفاظ على التوازنات بسيرورة المجتمع بشيء من القبول ، نتيجة غياب العدالة والقانون للانضباط والمحاكمة وفق الدستور .
قس على هذه القراءة حال المجتمع الدولي كنقطة إنطلاق للتوازنات المتأرجحة وما آلت إليه النظريات الشكلية التي بدت تحكم العالم وفق قانون المصالح .
تلك أولويات الحالة التي يتيقن منها كل فرد على المستوى المعيشي ، والخطوط المتشابكة والعنكبوتية التي أضلت بالبوصلة للوصول إلى بر الأمان الذي يشتهيه كل أحد .
هل من سبيل للخلاص من براثن تلك الأزمات المتكررة ، أم ستؤول بنا الأحوال إلى  ما لا يحمد عقباه ؟
هل نحن على أبواب حرب عالمية ثالثة لتبيان المنتصر ، والتحكم من جديد لمؤثرات جديدة لمرحلة زمنية قادمة ؟
هل ستكون النتائج كارثية وستعم الفوضى والسلب والنهب والجنون لتطغى شريعة العاب من جديد ؟
وها قد نرى أسماكا تتمطى طولا وعرضا شهوة بأن تكون حيتانا في يوم ما أسوة بغيرهم .
مهما توسعنا بالحديث ، ومهما استدللنا بوقائع ، ومهما أجزنا بالسرد ، فالخلاصة يفهمها ويدركها الجميع .
ما وصل إلينا من نجاح ثورات في بقاع الأرض من جميع الاتجاهات كانت وليدة معطيات من واقعها ومن الواقع العالمي العام ، حيث تمكنت السلطات القائمة من مد جسورالعون والمساعدة مع مثيلاتها من السلطات للحفاظ على مكاسبها ، بسد الثغرات لإفشال كل المخططات التي تضر بمصالحها من خلال زرع شبكات التجسس الشخصي والتكنولوجي ، إضافة إلى تشكيل جيوش خاصة مدربة بحمايتها والدفاع عنها بامتيازات مادية ومعنوية على حساب شعوبها المقهورة والمهددة بضربها وقتلها وتدميرها بيد من حديد دون رحمة ولا شفقة ولا اعتبار للقوانين .
وما الربيع العربي المزعوم إلا دليلا صارخا على هكذا مفاهيم وممارسات ، بتصنيع جبهات تحارب بعضها وتتهم بالإرهاب لما تخلفه من قتل وتمثيل ، وتسوقها للرأي العام لتبيض صفحتها ، وربطها بأجندات خارجية وداعمة لها ، وبالتالي تفقد الثورة أهدافها وتفرغ من مفاهيمها الثورية ومحتواها في التحدي للظلم والقهر والاستبداد ، والوصول إلى المبتغى المرجو .
تُرى من وراء ذلك ؟  وما السبيل للخلاص ؟

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…