عنايت ديكو
في بطون الليالي والشتاءات الباردة التي اختزلت جلّ طفولتنا، وقبل نصف قرنٍ زماني من اليوم، كنا صغاراً ، وفي الجلسات العائلية أحياناً، كنا نسترق السمع من أطراف وجنبات الحديث العائلي الصاخب، فكان جدّي يحتل العرش ويقص علينا الحكايا والمآثر والبطولات وقصص الحب والجمال بالقرب من موقدة النار الهائجة ” PIXARE “، بينما أبي كان منشغلاً في أدوات صيدهِ وزوّادته الجبلية، وببارودته التي كان يعشقها ويعتبرها من الكرامات العائلية والجمعية، وأمي كانت منهمكة في نسج وحياكة مزيّنات سرج الفرس الأسمر الگوگارچيني.
أما نحن … فكنّا نلعب ونبادل الودّ مع القطة المنزلية البديعة والوديعة، وأحياناً أيضاً كنا نستمتع بالغناء الملحمي وبالدندنة المستترة من ردهات الشوق عند الوالدة.!
وفجأة يقول جدّي : حذاراً يا أولادي … فالشجرة هي مثل الأولاد والبنون … فكل شجرة زيتونٍ هي بمثابة ولد بحالهِ … فيسود الصمت المعتاد بعد سردية الجدّ العظيم … وأنا أضع النظر الحادّ في عيون والدي … فيُكرّرها جدّي عبارته ثانيةً … أجل، فكلّ شجرة هنا، سقيناها بالرّوح وبالدماء، فأياكم … ثم إياكم الافراط بها، أو اقتلاعها أو تكسيرها أو لطمها أو حرقها… فهي شجرة الحياة وبنيان الجنّة… إنها شجرة “الزيتون المقدسة “.!
واليوم … أسأل نفسي و أسألكم … فكيف تتجرأ هذه العصابات اليوم، على قطع أوصال هذه المقدسات في كورداغ .!
عفرين أكبر من أكبركم
…………………