مروان سليمان
إن تركيا تنظر إلى المنطقة على أنها من محددات هويتها و تبني سياستاتها على أساس أولوياتها الإسترتيجية و العسكرية فإذا ما أدركنا هذه الحقيقة فإننا نستطيع أن نستنتج و نحلل أهداف السياسة التركية في المنطقة و معرفة السيناريوهات التي تخطط لها تركيا في رسم المعالم التي تريد أن تقوم بها و شكل دورها المستقبلي في هذه المنطقة. لأن تركيا تعد من الدول المؤثرة في الشرق الأوسط، لأسباب ربما ترتبط بمقدرات القوة الشاملة سواء السياسية أو العسكرية، فضلا عن تبينها طوال السنوات الماضية مقاربة للتأثير في تفاعلات الأحداث الإقليمية سواء من الناحية الإيجابية أو السلبية.
بما أن الأكراد يشكلون في معادلة ما بعد داعش الطرف الأضعف، في ظل التهديدات التركية بالهجوم على المنطقة الكردية في سوريا حيث التناقضات الدولية و عدم إتخاذ قرارات قطعية بمنع تركيا من شن عملياتها حيث أن الأمريكان سبق لهم الخروج من المناطق التي تحتلها تركيا الآن في سري كانية وغيرها، حيث يخشى الكرد من تكرار سيناريوهات عفرين و سري كانيه بحكمهما مدينتان محتلتان من قبل تركيا و لكن الفصائل الإرهابية المسلحة لا تزال تعيث فسادأ حيث التهجير القسري للسكان الكرد و قطع الأشجار و الإعتقالات و الإغتيالات حيث حكم العصابات و من هنا نجد بأن الرابح الأكبر من هذه العمليات و التهديدات هو نفسه النظام السوري الذي تريد تركيا أن تتصالح معه في الفترة الأخيرة و يبدو أن مصالحها تشارف أن تنتهي مع المعارضة السورية حتى تقوم ببيعها في الفترة القادمة في سوق النخاسة كما حصل من قبل من جماعة الإخوان المصرية.
بوادر التصريحات على مستوى عال لا تأتي بمعزل عن صورة الوضع الذي آلت إليه الحرب في سوريا؛ إذ استعاد النظام السيطرة على البلاد بعد هزيمة مشروع المعارضة السورية المدعومة من تركيا مما دفعت روسيا بكل ثقلها في إيجاد توافقات مع النظام التركي في سبيل مراجعة تركيا لمواقفها المتشددة تجاه النظام السوري و فتح قنوات التواصل معه و فتح القنوات الدبلوماسية على مستويات أعلى في المرحلة المقبلة و هنا كان لا بد أن يسلك الأتراك طريق طهران من أجل تسهيل المهمة بهذا الخصوص.
على الرغم من كل ذلك فإن الوقائع على الأرض تغير من طبيعة التصريحات بسبب الإحتلال التركي للشمال السوري و سعي تركيا من أجل الحصول على موطئ قدم ثابت لها بحجة محاربة الأكراد و الخطر الكردي و بناء منطقة آمنة و هذ ما يرفضه النظام السوري حتى الآن بشكل قطعي و خاصة أن تركيا ليست لديها النية و لا ترغب من الإنسحاب من المناطق التي احتلتها بقوة السلاح مثل عفرين و سري كانية الكردية بالإضافة إلى محافظة إدلب
يبدو أن الكثيرين لم يستوعبوا بعد السياسة التركية منذ القديم و حتى الآن لأن حقيقة التحالفات التي تقيمها أنقرة مع الدول الأخرى تبدو صعبة و أكثر تعقيداً مما يظنه البعض و حتى لا يكرروا ما أصابهم خلال الحرب العالمية الأولى عندما فقدوا السيطرة على المناطق التي كانوا يحتلونها إبان الإمبراطورية العثمانية إذ وجدوا أنفسهم ضعفاء أمام القوى الكبرى التي أصبحت تتحكم في مصير الدول و لذلك تلجأ تركيا إلى تبني سياسة خارجية تتوافق مع كل من يبدي استعدادا لحماية المصالح التركية في الوقت الحالي و بما أن الكرد يشكلون أكبر تهديد لتركيا حسب وجهة النظر التركية فإن التحالفات القائمة بين تركيا و الدول الأخرى يجب أن تكون عدائية للكرد و الشعب الكردي على وجه الخصوص.
إن تحقيق التوازنات الجيوسياسية لدى تركيا تعني أن تكون لها علاقات جيدة مع الجميع حتى لا تتضرر مصالحها لدى أية دولة و تحاول جاهدة من أجل التوافق في هذا الإتجاه فمن ناحية تظهر أنها مؤيدة للحقوق الأوكرانية في الدفاع عن وجودها دون أن تعارض العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا بشكل علني بسبب خشية تركيا من الغضب الروسي الذي سوف ينعكس على التفاهمات بين الطرفين في سوريا أو عمليات نقل الحبوب الأوكرانية.
بشكل عام أن الأحداث في المنطقة و الحروب أصبحت بمثابة فرصة لتركيا لإعادة تطوير علاقاتها مع المجتمع الدولي حيث كانت قد فقدتها نتيجة مطامعها في ليبيا و العراق و سوريا و الأزمة بينها و بين اليونان و زعزعة الإستقرار في منطقة البحر المتوسط بسبب النفط و الغاز، و نتيجة للتعدد الأقليمي لموقع تركيا و التعدد الفكري و القومي و الثقافي لشعوبها و نظراً للطبيعة العنصرية التي تقوم عليها الدولة التركية على الأسس الأتاتوركية جعل منها ظاهرة غير مقبولة كدولة بين الدول الأوربية التي تتبنى الديمقراطية و الحرية فقد جعل هذا التناقض موجوداً على صعيد السياسة الخارجية التركية و التي تسمى بالطبيعة المزدوجة (ذات الوجهين) لعملية السياسة الخارجية التركية في امتزاج التاريخ العثماني مع الموقع الأستراتيجي لفرض سياساتها على دول الجوار.
مروان سليمان
السلك التربوي- المانيا
03.09.2022