أليس التيار الصدري جزء من «الشيعية السياسية» ؟ قضية للنقاش (243)

صلاح بدرالدين
  ثبت بشكل قاطع وعلى صعيد الوقائع اليومية في  معظم بلدان الشرق الأوسط خلال العشرة أعوام الأخيرة، ان الوظيفة الأولى لجميع حركات، وأحزاب، وجماعات ” الشيعية السياسية ” هي التصدي بكافة السبل لحركات الشعوب الثورية المناضلة ضد اشكال الدكتاتورية والاستبداد،  والطامحة للتقدم الاجتماعي، والاقتصادي، والتغيير الديموقراطي، وانتزاع حق تقرير المصير،  هذه التوجهات المشروعة التي تجسدت بالعقد الأخير في ما سميت بثورات الربيع التي اندلعت أواخر ٢٠١٠ في تونس، ووصلت موجاتها الأولى والثانية الى اكثر من بلد، ومازالت مستمرة أو مشروع الاندلاع هنا وهناك وباشكال مختلفة، حتى يزال الاستبداد، وتتحقق الحرية، والكرامة .
  نحن ندرك ان مناهضة ثورات الربيع لاتقتصر على ” الشيعية السياسية ” فقط بل هناك أطرافا محلية، وإقليمية، ودولية عديدة تعاديها، وتحاربها وتمد يد العون الى اعدائها من أنظمة الحكم  الشمولية ومن بينها بطبيعة الحال بعض أطراف ” السنية السياسية “، مثل (القاعدة وداعش، والعديد من مجموعات الاسلام السياسي السني، وبعض النظام الإقليمي الرسمي)  ولكن ليس كهدف أساسي رئيسي مباشر، ووظيفة مخططة بكل جوانبها العسكرية، والأمنية، والمالية، او كمعركة – حياة او موت – كما في الحالة الأولى، انها تتعامل معها باسم الصداقة وتوكل من ينوب عنها لاجهاضها (مثل حركات الاخوان المسلمين)، او تحريفها عن نهجها، واستغلالها وقت الحاجة  .
مرجعية ” الشيعية السياسية ” وحظوتها لدى النظام العالمي
  ليس خافيا ان نظام جمهورية ايران الإسلامية، هو المرجعية الآيديولوجية، والدعوية الثقافية، والتمويلية لجميع تلك الحركات، وحامي حماها، وايا كانت تسمية انقلاب الخميني ورجال الدين الشيعة (وهم من غلاة القوميين الشوفينيين) الذين سرقوا ثورة الشعوب الإيرانية، وسيطروا على الحكم عبر اساليبهمم الخبيثة، فان الأوساط المقررة الغربية لم تكن بعيدة عن كل محطات انهيار نظام الشاه، وعودة الخميني عبر باريس، والحرص الأوروبي الواضح على التمسك بالعلاقات الدبلوماسية، والتجارية مع طهران – الخمينية – والاستعداد الأمريكي حتى للتنازل في مفاوضات – فيينا -، والدلال الذي يحظى به نظام ايران من جانب روسيا والصين  واضح للعيان ومتواصل، ومن المسائل التي لم يتم تداولها حتى الان من جانب المتابعين، والمراقبين مدى قدرة الدولة الإيرانية العميقة في لملمة المنتمين الى الشيعة من مختلف ميولهم الفكرية، واطيافهم الثقافية، وانتماءاتهم القومية، وتاطير طاقاتهم، واختصاصاتهم، وتنظيمها في خدمة مشروع الولي الفقيه، فتجد العربي، الى جانب الفارسي، وتجد الماركسي، والشيوعي، والليبرالي، والغني والفقير على قلب رجل واحد، وبطرق شتى على قاعدة مبدأ الباطنية وفي منتهى السرية .
  فالشيعية السياسية بمركزها الإيراني تعتبر ثورات الربيع تهديدا وجوديا ان نجحت، وتمددت ستشمل كل شعوب ايران بما فيها الفرس، وعندما تنتصر ستعيد الحكم للشعب، وتحقق التغيير الديموقراطي، وتبني اوطانا تكون للجميع والدين والمذهب لله، وتفصل بين الدولة والدين، وتصبح قم مجرد مركز ديني للتعليم وتهذيب النفس  وليس لتنصيب خريجي الحوزة حكاما ومقررين، لانهم ببساطة ليسو رجال دولة بل مستفيدون ومفسدون وغير محصنين امام اغراءات السلطة ولنن يتوقفوا الا  ببناء الدولة المدنية بسواعد بنات وأبناء شعوب ايران . 
  أضف الى ذلك عدم تقبل النظام السياسي العالمي المهيمن لاية ثورة تغييرية في منطقتنا التي لاطرافها مصالح استراتيجية فيها وترفض بالتالي ان تحكمها شعوبها بشكل ديموقراطي التي قد تخرج عن  السيطرة، كل ذلك يطرح السؤال الجوهري : هل الغرب والشرق متفقان على دور مرجعية ” الشيعية السياسية ” الراهن بخصوص قضايا المنطقة ؟ وهل هناك اتفاق ضمني من اجل مواصلة دورها في مجال – الثورة المضادة – ومواجهة الحركة الثورية، والديموقراطية لشعوب المنطقة ؟ خصوصا وانه بات واضحا (خذلان الغرب الديموقراطي !) لجميع ثورات الربيع، والعداء المستفحل للروس والصينيين لها، لذلك هناك نقاط التقاء بشكل وآخر رغم التستر عليها بهذا الشأن بين الأطراف الثلاثة .
التيار الصدري بالعراق جزء فاعل في ” الشيعية السياسية ” 
  مركز طهران كمرجعية لديه مشروع متكامل، واستراتيجية محكمة، وتخطيط مفصل حول الوسائل، والأدوات، والاذرع الإعلامية، والدعاوية، والعسكرية الميليشياوية، وفرق الاغتيالات، وشبكات ترويج المخدرات، والاتجار بالبشر، في معظم بلدان المنطقة خاصة التي يتوزع فيها المنتمون الى المذهب الشيعي مثل : (لبنان والعراق، وسوريا، واليمن، وافغانستان، وأوروبا، وامريكا اللاتينية)، بالإضافة الى التغلغل في منظمات محسوبة على ” السنية السياسية ” مثل ميليشيات غزة من حماس، والجهاد الإسلامي، وكذلك القاعدة، وبعض تنظيمات الاخوان المسلمين .
  هناك تنوع في مستوى التصدي لثورات الشعوب الربيعية من بداياتها وحتى الان والمشاركة مع النظم الاستبدادية في الحروب، فقد تتم المواجهة الحربية العسكرية بالميدان كما يحصل في سوريا، او بالضغط والتهديد، والاغتيالات، والتدخل المباشر لفك التظاهرات كما يحصل بلبنان، او الدعم العسكري المباشر بلا حدود عبر الوكلاء المحليين ، وارسال الخبراء والمستشارين، كما يحصل باليمن، او الدعم المالي والعسكري كما يحصل في غزة .
العراق
  كما هو معروف فان العراق يشهد منذ أعوام الموجة الثانية من انتفاضة (ثورات الربيع)، والتي شاركت فيها الفئات الشعبية الواسعة يتصدرها الشباب من الجنسين، والطبقة الوسطى من المهنيين تحت شعارات واضحة كمكافحة الفساد، ومحاكمة المفسدين، وتنحي الطبقة السياسية الحاكمة، وتجريم الأحزاب الطائفية، واجراء انتخابات نزيهة باشراف دولي، وإعادة الأموال المنهوبة الى خزينة الدولة، وإصدار دستور جديد للبلاد، وإنقاذ العراق من الاحتلال الإيراني، وحل الميليشيات، وقدموا التضحيات الجسيمة في سبيل ذلك ومازالوا مستمرون بعد ان حققوا الفوز لمجموعة من المستقلين في الانتخابات النيابية الأخيرة .
  لقد جوبه متظاهرو الموجة الثانية بالرفض من جانب جميع القوى الحاكمة، وبشكل اخص من جانب اطراف الاطار التنسيقي الأكثر فسادا وتبعية، واجراما، في تاريخ العراق، والميليشيات الولائية، وتم استهدافهم مرارا من قبل المسلحين المحسوبين على الحرس الثوري الايراني وهذا امر معروف  غير مفاجئ.
    اما التيار الصدري الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي – مقتدى الصدر – وهو لايريد  ولن يستطيع القطع النهائي مع نظام طهران ولكن بنوع من الاستقلالية، وحرية الحركة في الحالة العراقية الخاصة من اجل ليس توحيد البيت الشيعي فحسب بل توحيد البيت العراقي بزعامة الشيعة، وهو وتياره بمثابة – الولد المزعج – في البيت الشيعي الروحي والسياسي بحسب (حسن نصرالله الذي تردد انه من اقنع الصدر بمكالمة هاتفية بالخطوات الأخيرة)،  فقد اضر هذا التيار بالمتظاهرين الثوار اكثر من الأطراف الأخرى، فبعد محاولة تضليل الجماهير بان التيار يشارك بالثورة أراد بالوقت ذاته احتواء الحراك، والسيطرة عليه، وبعد الإخفاق بدأ بتوجيه الضربات، وممارسة العنف تجاه الثوار، ثم رفع شعارات الثائرين والاتجار بها ليس من اجل اجراء التغيير الديموقراطي بل للتغلب على المنافسين من اطراف – الشيعية السياسية – والحصول على موقع الصدارة في البيت الشيعي لتعزيز مكانته لدى الولي الفقيه بطهران، وسائر انظمة المنطقة، والمجتمع الدولي .
  اليس غريبا حقا هذه القدرة الفائقة لدى هذا المعمم، وهو من اغنى اثرياء العراق يقود قطيعا واسعا يضم الصالح والطالح من المريدين بالاشارات، ان يشعل ثورات ثم يوقفها خلال ستين دقيقة ؟؟ (يالها من ثورة !) ثم يتلقى المدح والثناء من الدول العظمى والكبرى والصغرى بالغرب والشرق، ومن سائر العرب، والعجم ؟؟ .
   اليست القضية بحاجة الى نقاش ؟
  

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…