حوار مع صديقي الآبوجي

Pênûsa ronahî

لا حياة من دون الزعيم القائد…. هكذا قلت لي منذ أكثر من ثلاثين سنة، وها نحن ذا يا صديقي ننعم في كنف ذاك الزعيم وفلسفته سنين عديدة، وقد طافت إنجازاتكم، وغمرت الحفر في شوارعنا الحزينة.
لا خبز، ولا ماء، ولا أمان، ولا كهرباء، ولا حاضر نتمسّك به، ولا مستقبل للأبناء… سكنَ الخوف مدينة الحُب (قامشلو) وغادرها الأمل… وخيّم الجمود على (ديريك) ورحلت من حولها المياه والسنابل، وعلى الخط الواصل بين المدينتين تتنفّس (كركي لكي) برئة المارقين غبار الأنفاق ودخان الحرائق، وعلى كتف الطرقات المتكسّرة تغفو قرى طينية خاوية إلّا من الأشباح والعجائز!
لا شيء من معالم الحياة تبدو على (جلاغا وترب سبي) سوى شعارات باهتة فقدت الألوان والمعاني خطّها الطغاة الجُدد على جدران الطغاة السابقين، وكذا حال سائر البلدات في (روج آفا) تزفّ أبناءها وعاداتها ودينها إلى حدود الموت، وتدفع مهورهم بالعملة الصعبة ليفروا من تراب الوطن المتشبّع بالفقر والشقاء … 
لله درّك أيها القائد الخالد ما أعظمك! كم هم أذكياء أولئك الذين صنعوك وأرسلوك إلى هذا الشعب الطيب المسكين! لقد محوت بعنترياتك صدى الوطنية والقومية في كردستان تركيا، وأفسدت بعنجهية رجالك صفاء كردستان العراق، واستعملك الصفويون لتخمد جذوة الكرد في كردستان إيران، وها أنت ذا ومنذ عشرات السنين تنخر في كردستان سوريا! كم من فتية سلبتَ زهرة شبابهم وجعلتهم يمزقون شهاداتهم لتعبر بهم الحدود فيُقتلوا في تلك الكهوف والمغاور!
وفي الصفقة الأخيرة استأجروا أتباعك ليحرقوا بذور الكرد في جزيرتنا ويخلطوا أنسابهم بدعوى أخوّة الشعوب، لقد قدّمتم (عفرين وسر كانيي) قرابين للغاصبين، وتسببتم باغتصاب (كوباني) مرات ومرات، ولا زلتم تسمسرون على ما تبقى من الأرض والعِرض! وحذار يا صديقي الآبوجي أن تظن أنكم طرف في هذه الصفقات وأن لكم حصّة كما بقية اللاعبين، إنما مجرد أدوات مستعملة، تُقطّعون أوصالَكم وتَقتلون أنفسَكم!
ونحن المساكين ذاكرتنا قصيرة جدًا، نسينا كل شيء، وفرحنا كما الأطفال بلعبتكم الجديدة المسماة (الإدارة الذاتية)، 
فلسفة هجينة عجيبة، ظاهرها العِزّ والثقافة والحرية وفي حقيقتها الذلّ والتخلف والعبودية، سلبتمونا الأقلام لنحمل السلاح، وننهش في بعضنا، وندوس عَلَمنا بأقدامنا، نرفع رايات غريبة غطت عقولنا الصغيرة!
 كم سيضحك التاريخ منا! نقدّم الأولاد والبنات والزوجات والأموال والمستقبل لشعارات حماسية صدئة! نسلب خيراتنا لغيرنا، نبدّل ديننا، ويهون علينا عرضنا، ونمزق أرضنا وتاريخنا! 
أي شعب نحن؟ نهزمُ البنادق وتهزمنا العواطف! نزغرد على جثث أولادنا، وندبك على مقابرهم، ونهتف لمن قادهم إلى ذلك المصير! لقد أقنعونا ببساطة أن نمجّد الموت بدل أن نصنع الحياة!
ترى ما الذي يجب أن يحصل لنا بعد حتى نقول كفانا ذلًّا وخداعًا؟  
متى سنجيب عن أسئلة كان من المفترض أن نجيب عنها قبل سنوات وسنوات؟
من أين جاء إخوة التراب بكل مسمياتهم العبثية؟ ومن الذي يدعمهم؟ ويقودهم؟ ويموّلهم؟
 لماذا يصرّون على إغلاق مدارسنا؟ ويحاربون المعرفة والمروءة في ضمائرنا؟ لماذا يشوّهون المرأة وينتزعون منها الحياء والفطرة، لماذا يهدمون الدّين، ويبنون الفساد، ويدعمون السارق ويحاربون الشريف؟ لماذا يبيعوننا الشعارات والكلام ويبيعون أرضنا ومصيرنا للغزاة؟ لماذا يبيحون لأنفسهم الصراخ والحروب، ويحرّمون علينا الكلام والسلام؟
وإن كان إلى الآن ثمة عاقل يغطي شمس الحقيقة بغرباله الأخرق، فليسأل نفسه سؤالًا واحدًا أخيرًا:
ما إنجازات الإدارة الذاتية طيلة هذه السنوات، غير الهندسة الجميلة لشكل المقابر؟
وحتى ندرك حقيقة الإنجازات المخزية يجب أن لا تنطلي علينا مسرحية داعش التي كانت شريكًا وجزءًا من المسلسل الفاشل حتى يقبل الناس بأبطال الجبال المخلّصين، فلولا داعش ما وجد هؤلاء طريقهم إلينا وصادرونا.
أعلمُ صديقي، أنه في النهاية لا يفيد اللطم ولا البكاء، ولا اللوم ولا العتاب، والشيء الوحيد الذي يفيد هو البحث عن الحل لواقع معقّد لا زال ينزف من كل الجهات… وأعتقد أن كل الحلول الممكنة تؤدي إلى كلمة سر واحدة لا بد منها لنجاح أي حل، ألا وهي (الوعي) إنه النور الطارد للظلمة، فمتى ما توافر الوعي لدينا تلاشى الضباب عن أعيننا، واختفت الشياطين من حولنا، وحينها ستشرق شمس الحقيقة لترينا الخسائر الحقيقية الصادمة الظاهرة والباطنة، وعسانا نلملم جراحنا بما تبقى لنا من عزيمة، فنتصالح ونتكاتف لنعيد إعمار القيم وهيبة الأخلاق وحلاوة العلم والمعرفة، وحينها ستنهض رايتنا من تحت أقدامهم المطرودة، وتعود الطيور المهاجرة كما الجداول والسنابل.
أُقدّر شعورك صديقي، فقد قتلوا أخاك وسموه شهيدًا، وخطفوا أختك من مدرستها وسموها خبات، ووظفوك ببعض مالك لتمشي في مواكبهم وتهتف باسم قائدهم، حصروا أحلامك في الطعام والشراب والهواء، وأغلقوا أمامك كل المنافذ سوى نافذة الحدود… أما آن الأوان أن تقول كفى؟! 
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. أما الظالمون فلهم يوم لن يخلفوه.
لا تبتسموا أحبّتي تهكمًّا على أملي … فنحن لا نملك سوى الأمل.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…