مستجدّات «الإدارة الذاتية»، دروس ومهام !

نزار بعريني. 
ما يحدث اليوم في مناطق ” الإدارة الذاتية ” هو درس آخر ، ينبغي قراءة سياقه وحيثياته بشكل موضوعي ، لِمَن يحرص  على حقوق السوريين ، وفي مقدمتهم الكرد!!(١)
الحقيقة التي يجهلها ، او  يحاول تجاهلها البعض ،لأسبابهم الخاصّة ،هي أنّ “حزب العمال الكردستاني التركي”PKK – وفرعه السوري PYD ، الذين يحكمون مناطق الإدارة الذاتية، كما تحكم حماس ” غزّة “، لا يملكون من اهداف “المشروع الديمقراطي” سوى اليافطة الصفراء  ، ولا يمثلون مصالح  الكرد السوريين ، ولم يكن يقلّ  دورهم في صناعة صيرورة هزيمة ” المشروع الديمقراطي”  للشعب السوري عن ادوار ميليشات” الثورة المضادة” الطائفية ، التي ارتهنت لقوى  الخارج ، الإقليمية والدولية !
منذ انطلاقها  خلال ثمانينات القرن الماضي، بنت قيادات حزب PKK نموذجا ستالينيّا ، وقدّمت  كلّ اشكال الخدمات لجميع انظمة المنطقة، وفي مقدمتها النظام التركي ، وللقوى الدولية- خاصة الولايات المتّحدة  وروسيا -على حساب دماء شعوب المنطقة، وفي مقدمتهم الكرد ، وكان لها الدور الكبير في هزيمة قوى واهداف شعوب المنطقة، في التحرر والديمقراطية !
اذا كان لايوجد أي أمل بحدوث تغيّرٌ ايجابي بعقول وأدوار قيادات الصف الاوّل ، المهيمنة ، المرتهنة ،  او بسياسات مشغليهم ، يبقى  الأمل أن تقوم أحزاب ” مسد  و ” المؤتمر الوطني الكردي “، وجميع شرفاء النخب ، بإجراء دراسة نقدية شاملة لرؤيتها ومواقفها ، قبل فوات الأوان!!
إذا كان ما يحصل  من مستجدّات نوعية راهنة هو رسالة واضحة للقوى ” الديمقراطية السورية ” التي تسير اليوم على طريق ربط “مستقبلها السياسي” بمشروع “قسد “- على أرضية  قراءات و  مبررات غير موضوعية، وتتناقض مع مصالح جميع السوريين- أعتقد أنّه  من مصلحة جميع السوريين، وفي مقدمتهم الكرد ، ان تُظهر النخب الشجاعة والموضوعية ،لكي تعترف ،  للكرد ، قبل غيرهم ،  وقبل فوات الأوان- وتجرّع كؤوس الخيبات والهزائم  التي ذاقها شركاؤهم  ” العرب “، نخبا وجمهورا –   أنّ مشاكل شعوبنا لا تنحصر في إطار “الحقوق القومية ” المشروعة للجميع دون استثناء ،  وأن هذه الحقوق  لا يمكن تحقيقها في إطار ” مشروع قومي ” ، وَهْمي ، غير قابل للتحقق ، بل في سياق بناء “مشروع ديمقراطي وطني “، يتطلّب نجاحه  وحدة الجميع ، وبما  يضمن  حقوق المواطنة المتساوية للجميع  – في ظل قانون عادل ، ومؤسسات الدولة الديمقراطية.
تفتيت الشعوب ، على اسس قومية وطائفية  ،كان هدف ومسعى جميع القوى المعادية ،  ولم يكن دفع “النخب القومية”   للتركيز على اهداف مشاريعهم الخاصة ، على حساب العام  السوري ، المشترك ، إلّا في هذا السياق ، ومن أجل دقّ أسفين في وحدة النضال الديمقراطي للشعب السوري، ولإبعاد الجميع عن ساحات المعركة الأساسيّة : بناء مقوّمات المشروع  الديمقراطي ، الوطني  ! 
خلال النصف الثاني  من القرن الماضي، حقيقة” الأدوار “التي نفّذتها ” نخب  القومية العربية” ،  وما نتج عنها، هي تجربة ماثلة أمامنا ، ولا يليق بالنخب الصادقة تجاهل دروسها !!
” الايدولوجيا القومية “( على غرار باقي الايدولوجيات الشمولية ،  المتناقضة مع أهداف المشروع الديمقراطي، والتي ابتُليت بها نخب شعوب المنطقة !) ، في هذه المرحلة التاريخية -مرحلة بناء مقوّمات المشروع الديمقراطي الوطني – ليست سوى أداة  لتضليل الشعوب ، ودفعها  الى ساحات معارك خلّبية ، لإبعادهم عن ساحة الصراع الجوهري ، وكان من الطبيعي أن ينتصر كلّ أعداء الديمقراطية ، ويخسر “القوميون ”   كلّ شيء …حتى الكرامة !!
السلام والعدالة لجميع السوريين.
(١)-
جاء في” بيان إدانة و استنكار للعدوان التركي لمناطق في “القامشلي ” بريف الحسكة ” من قبل مجموعات “منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان في سوريا ” :
“… استهداف قوات الاحتلال التركية مدينة القامشلي(قامشلو)، مدينة المحبة والتسامح، بالطائرات المسيرة وبالصواريخ، بتاريخ6-982022, وذلك على المناطق التالية:  حي الصناعة وعلى منطقة مشفى جيان – كوقيد 19 شمال مدينة القامشلي بالقرب من الحزام الشمالي وعلى حي قناة السويس إضافة الى قصف قرية سيركا شرق القامشلي وقرية ملا سباط على الطريق الدولي في ريف مدينة القامشلي, ولقد أدى الاستهداف العدواني التركي إلى وقوع العديد من الضحايا-القتلى والجرحى, من مدنيين وعسكرين، من المواطنين السوريين, ووفقا لمصادر اعلامية متطابقة، وفي حصيلة  غير نهائية, فقد اسفرت عن مقتل 8 مواطنين سوريين  وإصابة أكثر من 14 مواطنا سوريا ،بينهم أطفال ونساء وشيوخ, بجروح متفاوتة، وفيهم حالات حرجة. كما أسفرت التفجيرات الإرهابية عن إلحاق الأضرار المادية الكبيرة بالممتلكات وبالسيارات والأبنية والمحال المجاورة.
علاوة على ذلك ، وفي نفس السياق ، تحدّث تقارير إخبارية عن انسحاب ” ميليشيا قسد ” بأشراف وتحت سيطرة ” القوات الروسية ” من مناطق الشريط الحدودي الجنوبي  مع تركيا ، وعلى عمق ٣٢كم ؛ وهي المناطق التي كانت قد كلّفت بإدارتها من قبل النظام السوري خلال ٢٠١٢.
آب – ٢٠٢٢
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…