اليس من السذاجة ان نتفاجأ بتصريحات المسؤولين الاتراك ؟ .. قضية للنقاش 238)

صلاح بدرالدين

 تواصلت ردود الفعل على تصريحات وزير الخارجية التركي بشان مصافحته (السريعة !) لنظيره وزير خارجية الأسد، وحول ماتداولته وسائل الاعلام عن قرب تطبيع العلاقات التركية السورية بالكامل بوساطة روسية، ومن بينها تجمعات السوريين في بعض المدن التركية، والمناطق، ومخيمات النزوح والهجرة، ومن بين هؤلاء المحتجين من ذوي النوايا الصافية، ومن قدموا التضحيات، ويعيشون بالمعاناة، في حين كان عليهم توجيه جام غضبهم على من تصدر صفوف (المجلس والائتلاف) ثم اجهض الثورة وباعها، واغتنى على حساب دماء ودموع الاخرين، وحقق مكاسب مادية شخصية وعائلية، بعد ان اخفوا الحقائق التالية عن الشعب :
  أولا – في كل علاقات، ولقاءات (المجلس) كاول كيان (معارض) ومن بعده (الائتلاف) مع المسؤولين في دول النظام الرسمي العربي، والإقليمي، والعالمي التي تعاطفت مع االشعب السوري، والتي بلغت نحو ستين بلدا، وبينها تركيا، لم تظهر او تنشر وثيقة رسمية تلتزم بها تلك الأطراف عبر وزارات الخارجية، وتتضمن التاييد الصريح، والواضح لاهداف الثورة السورية (اسقاط نظام الاستبداد، واجراء التغيير الديموقراطي، وتحقيق الحرية والكرامة، وحل جميع قضايا الشعب السوري، بإرادة السوريين، وحسب اختياراتهم، ومن دون التدخل بشؤونهم …)، ولم يلتزم أي طرف بقطع العلاقات بالكامل مع نظام الأسد او باحلال ممثلين عن الثورة بدلا من ممثلي النظام لا بالسفارات والقنصليات، ولا بالجامعة العربية، ولا بالمؤتمر الإسلامي، ولا بمؤسسات هيئة الأمم المتحدة، مع العلم ومن الطبيعي ان هذه المهام لن ينجزها احد بالنيابة عن الشعب السوري .
  ثانيا – ان جميع أنظمة تلك الدول الصغيرة، والكبيرة، والعظمى، لها مصالح استراتيجية مع إقليم الشرق الأوسط قبل اندلاع الثورة السورية وخلالها، وبعدها، ولن تتوقف، وتعاملت مع موجات ثورات الربيع بدقة وبعد دراسة، وتمحيص، وبكثير من الحذر، كان العنوان الرئيسي لتناول الجميع : استيعاب هذه الثورات، ولجم اندفاعاتها الشعبية الثورية، والاستفادة منها للحفاظ على مصالحها، واستخدامها ضد مناوئيها في ساحات الصراع الإقليمية، والدولية، وكذلك الحفاظ على التوازن القائم بالمنطقة من دون هزات عنيفة، او ظهور تحديات جديدة لايمكن السيطرة عليها، فافساح المجال وتوفير شروط الانتصار بمايتعلق بالعوامل الخارجية، من اجل ان تحقق تلك الثورات وفي مقدمتها الثورة السورية كامل أهدافها، كان يعني تهديد استقرار معظم تلك الدول، وانتظار دورها واحدة تلو الأخرى لان شعوب غالبيتها تعاني من الاستبداد، وانعدام الديموقراطية، لذلك أقول بان مسؤولي (المجلس والائتلاف) استغبوا السوريين وضللوهم عندما صوروا الوضع عكس ذلك  .
  ثالثا – صحيح ان تركيا كدولة جارة لسوريا، وبحدود تقارب الالف كيلومتر، فتحت أبوابها لملايين اللاجئين السوريين، واستقبلت المعارضين، وسمحت في البداية بكل أنواع النشاطات السياسية، والعسكرية، ضد النظام السوري، فلها حساباتها الخاصة تجاه سوريا منذ مشكلة لواء الاسكندرون، وتواجد اوجلان في سوريا، وتشعبات اتفاقية أضنة عام ،١٩٨٩ ولكنها فعلت ذلك خدمة لمصالحها، ولأمنها القومي حسب رؤيتها هي أولا وأخيرا، خصوصا بعد اتفاقية (آصف شوكت – قرايلان) (وهي الاتفاقية بنسختها الثانية) نهاية ٢٠١١ وبداية ٢٠١٢، وجلب مسلحي ب ك ك من قنديل، وانتشارهم طول الحدود السورية التركية خصوصا في جيايي كرمانج .
  رابعا – وجدت تركيا – حزب العدالة والتنمية – ذو التوجه الإسلامي في تنصيب جماعة الاخوان المسلمين السورية على رأس المعارضة السورية بالرغم من حجمها المتواضع، وعدم اهليتها لقيادة معارضة مجتمع متعدد الاقوام، والأديان، والمذاهب، ضمانة للاستيعاب، واللجم، والالتزام بعدم تجاوز الخطوط الحمر، خصوصا وان مرحلة (المجلس الوطني) شهدت نشاطات، ومحاولات إقليمية محمومة، لتحقيق مشروع اسلمة، وأخونة ثورات الربيع، بدلا من تثوير ودمقرطة المنطقة، ولم يكن المشروع بمعزل عن رضا إدارة أوباما، ومعظم الدول الأوروبية .
  خامسا – نشرت سابقا في عدة مناسبات انني شخصيا وخلال دعوتي الى وزارة الخارجية التركية عام ٢٠١٠ كشخصية وطنية كردية مستقلة، ولقائي مع وكيل الوزارة السيد – سنرلي اوغلو ومسؤول الملف السوري خالد جيفيك – آنذاك، صارحتهما بالقول ان هناك عتب من جانب سوريي المعارضة لانحيازكم الى جماعة الاخوان وهي لاتستحق بل تشكل عامل تفرقة واستفزاز للمجتمع السوري المتعدد الاطياف، فكان الجواب انهم كدولة علمانية ليسوا كذلك ولكن قد يكون لحكومة حزب العدالة موقف آخر ؟ ولم اكن بحاجة لمن يخبرني عكس ماكنت اتصوره وهو ان تركيا أيضا تعمل من اجل مصالحها، وليست اجيرة لدى البيانوني والشقفة  .
  سادسا – وبسبب الصراعات بين محاور دول الخليج، والتنافس بين اطراف النظام العربي الرسمي، وكذلك الاقليمي، وبعد تلكؤ مشروع الاسلمة والاخونة، حيث واجهته الدول الخليجية الرئيسية، استعيض عنه بحل وسط، بتشكيل (الائتلاف) على انقاض (المجلس)، كتحالف مستجد بين الإسلام السياسي، والوافدين من مؤسسات النظام الإدارية، والحزبية، والأمنية، وكتسوية لادارة الازمة السورية، وليس دعم المعارضة لتحقيق اهداف الثورة .
  سابعا  – جميع الدول، والأطراف التي تعاملت مع الملف السوري مابعد الثورة، وبدون استثناء، لم تقطع العلاقات مع النظام السوري فحسب، بل وسعت معه وعمقت وتيرة العلاقات الأمنية تحت ذرائع متعددة مثل تحرير او تبادل السجناء، والمختطفين، او المساعدات الإنسانية، وقد شملت ذلك حتى ميليشيات حزب الله، وجماعات أخرى متهمة بالإرهاب، واكثر من ذلك واصل بعضها تقديم الأموال لها حتى يومنا هذا،  وذلك خدمة لمصالحها، فهل سمع احد يوما  ان (المجلس والائتلاف) طرحا هذا الموضوع، او توقفوا عنده، او وجهوا النقد الى تلك الدول، والأطراف ؟ .
  ثامنا – حتى عشية اندلاع الثورة السورية، وقبلها باعوام، كانت جماعة الاخوان المسلمين السورية تتواصل مع أجهزة الامن السورية، وتستجدي تركيا للقيام بدور الوسيط، (وقد تاكدنا من ذلك عام ٢٠٠٦ خلال احد اللقاءات للامانة العامة لجبهة الخلاص في بروكسل حيث واجهنا البيانوني بمعلومات حولها)،  فاذا كانت من قادت الثورة والمعارضة منذ قيام (المجلس)  تقترف العمل الشنيع المناقض لمصالح السوريين، بل اكثر من ذلك كان الايرانييون وسطاء في عدة مراحل  فلماذا معاتبة غير السوري ؟ اليست مسؤولية هذه الجريمة السياسية تقع أولا على عاتق (الاخوان) ومن عمل تحت رايتهم كملحقين من مدعي اليسار، والليبرالية، وتمثيل الكرد السوريين ؟ الى درجة ان احد هؤلاء المنافقين كتب قبل أسبوع مقالة تحت عنوان (القضية السورية في بازار الصفقات الدولية) ؟! ملمحا ان ذلك حصل مابعد (مجلسه) ؟؟!.
  تاسعا – لكل تلك الأسباب، ومن اجل طي صفحات الحقائق، وطمس قرائن وآثار الجريمة، وقفت قيادات (المجلس) أساسا، و(الائتلاف) ضد أي عملية مراجعة منذ أعوام،  ومساعي عقد مؤتمر وطني سوري شامل الذي سيتكشف فيه المستور، وسيصدر فيه حكم الشعب على كل من تآمر، واستغل الدماء، والمعاناة لمصالح حزبية، وآيديولوجية، وشللية، وفردية، وبالاخير فان أعداء شعبنا وخصومهم بالخارج معروفون، مذ ماقبل الثورة وحين نحرها، ومابعدها حتى الان، وماهو غير واضح حتى الان لعامة الشعب مسؤولية السوريين من متصدري المعارضة، ولكن لااعتقد ان الهروب الى امام، ورمي القذارات على العامل الخارجي  فقط لن يفيد هؤلاء ولن ينقذهم من لعنة الأجيال .
  وهنا لن نتفاجأ ابدا  بتصريحات المسؤولين الاتراك لانها لا تحمل جديدا، وانها لن تقدم ولن تؤخر المعادلة الراهنة المتحكمة بالمصير السوري، كما لن نتفاجأ ابدا بنفاق، ومزايدات متصدري (المعارضة)  الذين اجهضوا ثورتنا المغدورة وهي في ريعان الشباب، مانحن بحاجة اليه هو مؤتمر وطني سوري بالرغم من صعوبته في ظل الظروف الراهنة، وعلى السوريين ان يتاكدوا للمرة الالف، ان الارادات الإقليمية، والدولية (وبسبب انحراف المعارضة وضعفها) تميل منذ البداية لمصلحة استمرارية نظام الاستبداد، وإعادة سيطرته على كامل المناطق، الى جانب رغبة العديد من الفصائل، والميليشيات ، والأحزاب، والتيارات لتحقيق ذلك، وبينها اطراف حزبية كردية معروفة، وذلك بعد ان اوصلوا الشعب الى وضع يترحم على الماضي بكل مساوئه  .
  والقضية قد تحتاج الى النقاش 
  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…