العدوان الجديد على غزّة، وملامح تشقق جدار المقاومة!!

نزار بعريني

الحرب العدوانية الأخيرة  على ” غزّة”- عمليّة” بزوغ  الفجر ” وفقا لدعاية الحرب الإسرائيلية، و ” وحدة  الساحات “، كما تمنّتها أن تكون “حركة سرايا القدس” ، الجناح العسكري  ” لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين “- هي  الحرب الخامسة  التي   يشنّها “جيش الإحتلال  الإسرائيلي” ، على غزّة منذ انسحابه  ٢٠٠٥؛  وقد استهدفَ   قيادات “حركة الجهاد الإسلامي” في الضفّة ، ومواقع جناحها العسكري في غزة! 
جاء في  الرواية” الإسرائيلية” :
” فاجأ الجيش الإسرائيلي ، بعد ظهر يوم الجمعة ، ٥ آب ٢٠٢٢ ، حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين باغتيال  “تيسير الجعبري” ، قائد منطقة شمال قطاع غزة في سرايا القدس ، الذي كان مسؤولاً عن عمليات إرهابية واسعة…
بالتزامن مع ذلك ، تم إيقاف قائد المجموعة المضادة للدبابات التابعة للتنظيم في شمال غزة وعصابات الإرهابيين الذين كانوا في طريقهم لإطلاق صواريخ مضادة للدبابات والقنص على الإسرائيليين في محيط غزة. وبهذه الطريقة ، أحبط الجيش الإسرائيلي استعدادات الجهاد الإسلامي في فلسطين لمهاجمة إسرائيليين رداً على اعتقال” بسام السعدي” ، القيادي البارز في الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية”. 
صحيفة” التايمز البريطانية”  قالت ” أن إسرائيل كانت تخطط منذ عدة أشهر لعملية “قطع رأس” حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، وأنها استغلت الانقسام بين قيادات الحركة لتنفّذ الضربة …”!
من جهة ثانية ، واصل  السيّد ” زياد النخالة “، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي ” ، (الذي تلقّى خبر استشهاد ” تيسير الجعبري ” من داخل استديو ” قناة الميادين “في طهران ، حيث كان في زيارة تشاورية  حول أفضل الوسائل لمواجهة ما تبدو حملة عسكرية جديدة(١) ، تستهدف قيادات الصفّ الأول لحركة الجهاد الإسلامي  في الضفة الغربية،  التي  بدأت بالاعتقال المُهين للشيخ  ” بسام السعدي “، القيادي  البارز ، وعشرات آخرين ، مساء الاثنين ،١/٨ ، وتسعى ، كما يعتقد  ،  كسر معادلة ” توحيد الساحات “بين غزّة والضفّة والقدس والأراضي المحتلّة عام ٤٨، التي فرضتها معركة “سيف القدس “(٢)،وكانت حركة الجهاد الإسلامي من أبرز اعمدتها )،  زيارته إلى إيران ، والتقى بعدد من المسؤولين ، وفي مقدمتهم الرئيس” ابراهيم رئيسي” ووزير الخارجية ” حسين أمير عبد اللهيان “. 
في حواره الخاص بالحدث ، على قناة الميادين ، قال السيّد زياد  في جواب عن سؤال حول طبيعة ” المستجدّات ،في ضوء  العدوان الإٍسرائيلي  الجديد  ، وأسباب الزيارة و أهدافها وخيارات الحركة للردّ:
” هذا يومٌ للقتال طويل ..العدو الصهيوني ابتدأ هذا العدوان وعليه أن يتوقّع  قتالنا بدون توقّف حتى النصر….على كلّ مقاتلي الشعب الفلسطيني  أن يقفوا وقفة واحدة . المقاومة في غزّة ستكون موحّدة تحت عنوان ” المقاومة الفلسطينية، بدون تسميات فصائلية . نحن ذاهبون للقتال، ونسأل الله التوفيق للمجاهدين في الميدان. سيقع الألم داخل المجتمع الإسرائيلي  كما يقع الألم على الشعب الفلسطيني.”.
    مصادر ” الجهاد الإسلامي ” من جهتها أكّدت في بيان أنّها “ردّت  في عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى “بعملية سمّتها “وحدة الساحات”، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية. 
      بداية ، نودّ معرفة حقيقية  أهدف العدوان الإٍسرائيلي الجديد. 
تعتقد بعض المواقع  الإعلامية ” الإسرائيلية ” أنّ اهمّ الاهداف   التي حددتها السلطة السياسية ترتبط بالسعي” للقضاء  على خطر الهجوم بنيران مضادة للدبابات على أهدف إسرائيلية  في المنطقة القريبة من حدود غزة ،وتوجيه ضربة قاسية للجهاد الإسلامي وإضعاف أذرعه العسكرية والسياسية ، و كبح جماح  بعض” العناصر الإرهابية”  الأخرى ؛ وتعزيز  سياسة ” فرّق تسد ” ، لتعميق   التمايز وتقليص  الصلات بين ساحات النضال الفلسطيني ، خاصّة ︎إبقاء  “حماس” خارج  الحملة، بل وخارج  “محادثات وقف إطلاق النار” ، بما يؤدّي إلى إضعاف صورتها كقائدة لمعسكر “المقاومة”. اهداف اخرى قد تكون سعت لتحقيقها القيادة السياسية الإسرائيلية ، يمكن رصدها في سياق القراءة  التالية . 
كيف نفهم السياقات ، وما هي أهمّ  نتائج  ومآلات الجولة الحالية  من الحرب الإسرائيلية المستمرة لتقويض  النضال الوطني  الفلسطيني ؟
أوّلا ، 
على الصعيد  الأمريكي !
اذا كانت قد حصلت سياسات الحكومات  الإسرائيلية المتعاقبة على دعم أمريكي متزايد لجهود تعزيز عوامل ” الأمن القومي ” الإسرائيلي، توافقا مع طبيعة الدور الذي  تمارسه  ” كوكيل  عسكري ” ، وفي مقدمتها منع قيام دولة فلسطينية مستقلّة إلى جوار ” إسرائيل “، فقد اكّدت” قمّة القدس” الآخيرة بين “بايدن “والقيادات الاسرائيلية  على” سحب يد الأميركيين  من الموضوع الفلسطيني،  الأكثر أهمية للإسرائيليين “و تخلّي واشنطن عن سياساتها المُعلنة ، الداعمة لحلّ الدولتين ، وإعطاء حكومة الكيان حقّ التصرّف بما تجده مناسبا”، في ظرف وصلت فيه خطوات التطبيع بين الأنظمة العربية وإسرائيل إلى درجة قيام ” حلف عسكري ” إقليمي ، وفي ظل سعي النظام الايراني لتوقيع تفاهمات ” هدنة ” طويلة الأمد ، تحت غطاء ”  اتفاق نووي” ؛ وهي  عوامل  مهمة  لفهم أبعاد المعركة الحالية !!
ثانيا ،
على الصعيد الإيراني ، 
في تفاصيل الموقف الإيراني ، ثمّة مسعى حثيث   لتجيير عواقب الغزو الروسي لأوكرانيا ،(خاصّة ” قضيّة الطاقة “، وحاجة الولايات المتّحدة لملايين براميل النفط الايراني لتعويض أوروبا من جهة ، ولمنع ارتفاع أسعار النفط، من جهة ثانية) ، و استثمار نجاحات مشروع السيطرة الإقليميّة”  الإيرو أمريكي” ، خاصّة في سوريا واليمن ، لرسم معالم مرحلة ” تطبيع  ” علنية  في علاقات النظام الايراني  الأمريكيّة والإقليمية –  في مواجهة  خطوات إسرائيلية سعودية  لعزله ، وضغوط أمريكية متصاعدة –  بما يجعل من  هدف  توقيع” اتفاق نووي ” مع إدارة بايدن-  بشروط السيّد على خامنئي-  الأولوية في سياسات النظام الايراني، الذي يحاول أستخدام   جميع “اوراق قوّته” الإقليميّة والدولية  لوضع ضغوط على الولايات المتّحدة ، او لمواجهة ضغوط واشنطن لقبول شروطه التي ما تزال تعطّل التوافق النهائي على الصيغة المطروحة(  بقاء  ” الحرس الثوري الإيراني  على قائمة العقوبات الأمريكية ). ضمن هذا السياق العام، يصبح من الطبيعي أن تستغلّ القيادة الايرانية اعتداءات اسرائيل المستمرة على الشعب الفلسطيني، وسعيها لتحجيم ” حركة الجهاد ” وتقويض مرتكزاتها في الضفة ، لتأجيج الصراع إلى اقصى حد ، وتعميمه ، بما يحرج القيادة الاسرائيلية،ويدفعها لطلب وساطة” التهدئة ” الإيرانية!(٣). 
ثالثا،  في  الخندق الإسرائيلي. 
يمكن ملاحظة وجود استراتيجية إسرائيل طويلة المدى – تعززت  خطوات تنفيذها بموازاة مسار ” السلام ” خلال التسعينات  ، ومن اجل تفشيل اتفاقات أوسلو الأولى والثانية ، ٩٣/ ٩٥، وما حازت عليه من تأييد عربي وعالمي لمسار”حلّ سياسي” للصراع الفلسطيني / الإسرائيلي يقوم على مبدأ ” الدولتين “،لتشمل الدولة الفلسطينية الموعودة ” الضفة الغربية  والقدس الشرقية وغزّة”، بقيادة ” منظمة التحرير الفلسطينية –  تركّزت على خلق شروط  فصل جغرافي وسياسي بين مرتكزات الدولة الفلسطينية ، بما يمنع  وحدة الجغرافيا ، وتوفّر الموارد الاقتصادية، وانسجام ديموغرافي ، ومقوّمات السيادة   .
من نافل القول  انّه في سعي  الحكومات الإسرائيلية  المتعاقبة لتحقيق تلك الأهداف قد حصلت على تجاهل الدول “الضامنة ” لاتفاق أوسلو ، ودول مجلس الأمن، الذي ارتكزت على قراراته، ٢٢٤ – ٣٣٨،تلك الاتفاقات ، وواجهت مقاومة “خلّبيّة ” من  الأنظمة العربية . علاوة على ذلك ، كانت قد حصلت  على دعم أمريكي غير محدود  لسياسات زرع المزيد من المستوطنات في الضفة، وتبرير قضمها ،  وتهويد القدس ؛ وقد  كان أبرزها ” قانون تشريع القدس ” ١٩٩٥، وسياسات  ترامب ” التنفيذيّة ” ، التي كرّست قرار الكونغرس باعتبار ” القدس ” عاصمة لإسرائيل، وجزءا لايتجزأ من الدولة اليهودية ، ونقلت  السفارة الأمريكية اليها .(٤)
ضمن السياق السابق ، نفّذت ” إسرائيل ” انسحابا تكتيكيا”  ناجحا  من قطاع غزة ٢٠٠٥ ، تاركة  ثاني أكبر تجمّع للشعب الفلسطيني و  أرضه في انتظار قدره المجهول ، الذي ستحدده نتائج الصراع بين مشروعي ” حماس” و ” السلطة ” وهي على إدراك بطبيعة الدعم الإقليمي الذي يحظى به مشروع حماس!! .٢٠٠٦، فازت حماس بانتخابات نيابة ، اوصلتها الى درجة من القوّة جعلتها تستفرد بالسلطة ب”انقلاب عسكري” ، أخرج فتح كلياً من غزة في حزيران ٢٠٠٧  ، لتصبح ” فلسطين – مقسّمة واقعيا بين قيادتين متصارعتين ؛ السلطة في الضّفة ، يقاسمها النفوذ حركتي الجهاد وحماس ،  وسلطة حماس  على غزة ،تنافسها حركة  “الجهاد الإسلامي “، مدمّرة بذاك الإنجاز أهمّ مقومات قيام” دولة فلسطينية “- وحدة الجغرافيا !!
علاوة على ذلك ، كان إرتهان” السلطتين” إلى مشاريع القوى الخارجية أكثر تدميرا !!
في حين  تطلّب قيام” السطة الفلسطينية” في الضفة “علاقات خاصّة”  مع إسرائيل  ، وجدت” قيادات حماس والجهاد “ضالّتيهما في سياسات القوى الإقليمية التي تنافس المشروع الصهيوني على مناطق النفوذ ، والساعية لتجيير ورقتي حماس والجهاد في سياق صراعات السيطرة الإقليمية ، فتعزّزت علاقات ” جهاديّة” مع قيادة وأذرع ” الحرس الثوري الإيراني”، وحصلت على مساعدات ” سخيّة ” من   السعودية و تركيا ، و  ” إمارة قطر العظمى” التي برعت قيادتها في ” استثمار” الثروة الوطنية لإنجاح  أدوارها الوظيفيّة لصالح الجميع !!
من هنا نفهم مصادر وطبيعة  الدعم المالي والعسكري والاعلامي  الذي  تتلقّاها الحركتين  ؛ وقد ساعدت  علاقات حماس الخاصّة مع بعض الأنظمة العربية، في كونها  امتداد مباشر” لحركة الأخوان المسلمين” الإقليمية ،في تعزيز دورها  القيادي في مشروع” حكم ” غزّة. 
رابعا ،
 في مصالح حماس ، ومأزق  موقفها المقاوم !!(٦)
إذا كان من مصلحة “إسرائيل” تعزيز سلطة حماس  على قطاع غزة – في تناسب طردي مع تحوّلها إلى سلطة  “نظام حكم “،و تعميق الشرخ الذي سينتج في العلاقات بين حماس  والنظام الايراني من جهة ، وبين حماس ، وحركة الجهاد الإسلامي، من جهة ثانية – فأنّ من مصلحة ” سلطة حماس “، التي  يتطلّع قادتها لتأبيد حكم الحركة ، ” الإندماج ” بمشروع إسرائيل” الخاص برؤيتها ” للحل السياسي “،  وبناء مؤسسات سلطتها  الذاتية، حتّى  في مواجهة ” القوى الفلسطينية المنافسة “، والقوى الإقليمية المتضررة !! 
في هذا السياق تصبّ سياسات”  الجزرة”  التي تمارسها إسرائيل  لتعزيز مصادر  موارد الحركة  المالية ، الداخلية والإقليمية ،  التي تتراكم  من خلال علاقات خاصة مع مصر ، ودعم مشاريع اقتصادية من قبل قطر وغيرها. لايخرج عنه  تركّز   جهد القيادتين السياسية والعسكرية والدبلوماسية الإسرائيلية “للإستفراد” بحركة الجهاد الإسلامي، من  خلال محاولة تقويض بنيتها التحتية في الضفة  ، وتدمير  قواعدها وقياداتها ومقاتليها في القطاع ، وقد حقّقت نجاحا كبيرا ،   لتقاطع هذه الأهداف مع مصالح السلطتين الفلسطينيتين في ” القطاع ” و ” غزة ” ، ومع تصاعد حالة الصراع الإقليمي ضدّ ايران ، الداعم الرئيسي لحركة الجهاد الإسلامي!!
 تفسّر تلك العوامل  عدم وجود مصلحة لحماس ،وعدم إظهارها  اهتماما بالمشاركة في الرد على الضربات العسكرية الإسرائيلية ، خشية أن تضع عراقيل أمام ” صيرورة التطبيع ” ، خاصّة  الاتفاقيات التي توصّلت إليها مع إسرائيل على زيادة عدد تصاريح العمل الممنوحة إلى فلسطينيين من غزة للعمل داخل إسرائيل وخطط إنشاء البُنى التحتية الجديدة،  التي تموّلها قطر ، وربّما اعتقادها أنّ ” النخالة” قد  تعرّض لضغوط / او حصل على دعم خاص،لتحويل العدوان الإٍسرائيلي إلى حرب شاملة  على ” التخوم ” الإسرائيلية، تأمل إيران ان تصبّ نتائجها  في خدمة جهودها لفرض شروطها على طاولة  مفاوضات ” الملف النووي “، التي تتعثّر أمام إصرار” المرشد الأعلى ”  على رفع العقوبات عن ” الحرس الثوري ” ، الذي يخضع  لسلطته المباشرة !!
ليست خيارات حماس سهلة !!
إذا اختارت  الانضمام إلى القتال ، فسيتعين على إسرائيل  إلغاء جميع الامتيازات الممنوحة لحماس والقطاع ، ورفض ما يقدّم لها من دعم اقتصادي ، على اساس انّ بنيتها لاتسمح لها بالتحوّل إلى جهاز حكومي ، وبالتالي  أداء دور استقرار طويل المدى. إذا نجحت حماس في خيار” الانصياع “للتفاهمات بشأن استمرار التهدئة ، تكون قد خطت على طريق التحوّل الى سلطة ، على غرار ” منظمة التحرير ” ؛ ويكون سلوكها مؤشّرا لما سيواجه ” محور المقاومة ” من تحدّيات   خطيرة !!
بكل الأحوال ، يساعد حماس على سلوك هذا الطريق نجاح جهود إسرائيل من  أجل إنهاء سريع للقتال ، و بفضل وساطة مصرية/ قطرية .  
خامسا  ،
في  استراتيجية الخروج من الحرب ؟ 
إذا كانت قد  بادرت اسرائيل بالحرب ، وحددت زمانها ومكانها ،  وفاجأت الجهاد الاسلامي بضربة افتتاحية ناجحة حقّقت  معظم أهداف العملية، فكان الخطر الرئيسي على تثبيت إنجازات الحرب    هو اضطرار ” حماس” للخروج من حالة ” الحياد “و والانضمام إلى الحملة. هذا التحول في الأحداث    كان سيؤدي بالضرورة إلى إطالة الحرب وتوسيع نطاقها، وتآكل نجاحاتها الإسرائيلية ،  وكان  من مصلحة إسرائيل أن تحاول إنهاء العملية ، بأسرع ما يمكن . 
وهنا يتكامل الدور المصري  في خدمة استراتيجية إسرائيل للخروج من الحرب  في افضل الظروف ،  مع استراتيجية إسرائيل  لتحديد  ردود افعال حماس  !!
في الوساطة المصرية/ القطرية (٧)!
في نهاية ثلاثة  أيام من التصعيد في غزة ، أثبتت مصر مرة أخرى مهارتها كوسيط ، وحقّقت وقفًا سريعًا لإطلاق النار ، وأثنت عليها جميع الأطراف.  
لقد تمّ التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار  بفضل ثلاثة نجاحات مصرية:
١-  منعت “حماس ” من المشاركة في المعركة.
 اعطت منافع تشغيل  المعابر الحدودية في رفح وإمداد غزة بالسلع والوقود وعملية إعادة الإعمار في القطاع ، القيادة المصرية فرصة  إستخدام  ” الجزرة ” بنجاح  ” لإقناع ” قيادة  حماس  !! 
٢- منح  التنسيق المتزايد  بين مصر وقطر  القاهرة قنوات  تأثير أكثر تنوّعاً على الجهات الفاعلة ، وفي مقدمتها  حماس والجهاد الإسلامي وإيران ؛ عوضا عن  التنافس على دور الوسيط كما حدث في ظروف مشابهة!  لقد  تعلّمت  مصر ،  وقطر  أيضا  العمل معًا، لتحقيق التوازن بين معادلة العصا والجزرة!  
٣-   ” تعهّد ” مصر بالعمل على إطلاق سراح معتقلي الجهاد الإسلامي”  خليل عواودة”  و”بسام السعدي” أعطى الجهاد الإسلامي” سلّماً للنزول” إلى أرض الواقع ، وإدراك موازين قواه ، وبالتالي إدراك قيادته لأهميّّة التجاوب مع جهود مصر ، دون أن ننسى الموقف الصعب الذي ستكون فيه العلاقات المصرية مع حركة  الجهاد،  إذا لم تتم الاستجابة لإطلاق سراح المعتقلين في ظل تصريحات إسرائيلية بعدم تعهّدها بذلك، وهي احدى نقاط ضعف شروط وقف إطلاق النار ، منعت  إغلاق باب  المشكلة التي أدّت إلى التصعيد  – الإفراج عن معتقلي الجهاد الإسلامي في فلسطين- وقد تعطي إسرائيل فرصة جديدة ، لشنّ أخرى ! تؤكّد هذه المخاوف ما  أعلن الأمين العام للجهاد الإسلامي في فلسطين ، النخالة ، في نهاية المطاف أنه “إذا لم يلتزم العدو بتنفيذ المطالب التي وافق عليها ، فسنعتبر ذلك انتهاكًا للاتفاق ونستأنف الحملة”. 
سادسا  ،
ملامح ” تصدّع ” محور المقاومة !!
اذا كان الهدف الاوّل للقيادة الايرانية هو توقيع “اتفاق نووي “مع الولايات المتّحدة يسمح لها بالتنعّم بعوائد مالية ضخمة ، ويعطيها مبررات “التطبيع”  مع سياسات خصومها  في واشنطن ، ومنافسيها الإقليميين، في” الرياض ”  و”القدس المحتلّة” ، واذا كان من مصلحة النظام السوري الانخراط في سياسات المشروع الأمريكي، الساعية الى خلق تفاهمات بين قوى الصراع السورية والإقليمية، وتوفير شروط ” تهدئة ” دائمة ، تعزّز سلطات النظام بالدرجة الأولى، فما الذي يمنع قوى الصف الثاني من محور المقاومة إعطاء الأولوية لمصالحها الخاصة !!؟
في اليوم الثالث للعملية ، يبدو واضحا  بروز تقاطع مصالح مشتركة بين إسرائيل وحماس، شكّل عاملا رئيسيا في الوصول إلى وقف إطلاق النار، و أحدث شرخا كبيرا في وحدة المقاومة الفلسطينية!!
عدم  اهتمام  حماس  بدعم الجهاد ،  وما تبذله من جهد  مع المصريين والقطريين لإنهاء العملية يفسّره  ما تنعم  به  قيادة الحركة  من ثمار” التطبيع ” مع اسرائيل! 
لم يخف ِ قادة الجهاد الإسلامي في فلسطين محنتهم بسبب عزلتهم وتحدثوا عن الحاجة إلى التضامن والمساعدة والدعم من “الأمة”!!
“الوعي الجديد ” لايقتصر على حماس ! 
دعا السيد” حسن  نصرالله ” ، الأمين العام لحزب الله اللبناني ، ” كل مسلم وعربي الى مساعدة الجهاد الاسلامي” دون أن يدعو أيّاً من أذرعه العسكرية الضاربة” للتضامن” مع حركة الجهاد.  
السيّد حسن ، يُدرك أكثر من غيره ، فائدة ما تقدّمه ترسانته العسكرية” لإقناع” القيادة الإسرائلية  بجدوى مشاركته في منافع  موارد الغاز الضخمة على تخوم لبنان البحرية مع” الدولة العبرية ” ، ويعرف جيّدا اهميّة تلك الموارد في تعزيز سيطرة الحزب على مفاصل الدولة اللبنانية؛ ولا ضير لإسرائيل في ذلك ، طالما ستشكّل حوافز تلك الصيرورة المصلحة و الحرص  على وقف الإعمال العدائية ، وتعزيز منافع التطبيع   !! !
في الختام ، ودورس الواقع : 
إذا كانت المصالح هي العامل الأهم في صناعة السياسات ، فهل يمكن تصوّر  إبقاء سياسات  قوى محور المقاومة موحّدة ،  في ظروف تتفارق فيها مصالح أطرافها ؟ أعتقد أنّه  من السابق لأوانه القول باحتمال ظهور تشقّق في جدار المقاومة الموحّدة  ، لكنّ  المؤكّد أنّ لسياسات  للمصالح الخاصّة  القول الفصل  !! الحقيقية التي عمل الجميع على ” تهشيمها ” ، وغيّبت عن الرأي العام لشعوب المنطقة، تكمن في واقع  عدم اقتصار تقاطع المصالح بين المتصارعين على مناطق النفوذ والسيطرة الإقليمية  على طرفي ” خندق المقاومة ”  على المنافع الأقتصادية ، بل يأتي في سياق  سياسي استراتيجي ، ويتجسّد في تعارض مصالح الجميع ، محليّا وإقليميّا وأمريكيا / روسيّا ، مع سياقات واهداف وقوى نضال شعوب المنطقة  لبناء مقوّمات مشروع ديمقراطي ، حضاري ، حديث—وهو العامل الجوهري الذي يفسّر ما وصلت اليه شعوب ودول المنطقة  من تفشيل ، خاصّة في اعقاب نجاح جهود الجميع في إلحاق هزيمة تاريخيّة  مدمّرة بثورات ” الربيع العربي “!!
السلام والعدالة والديمقراطية لجميع شعوب المنطقة المنكوبة !
(١)- 
“زيارتي لإيران زيارة روتينية وطبيعية في الأصل، وصادف أن الأحداث وقعت ونحن في إيران. نحن دائما نقوم بزيارات لإيران لما لها من موقف مساند للشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية”. زياد نخالة. 
(٢)-
حرب عام ٢٠٢١، “حارس الأسوار” /”سيف القدس”!
اندلعت معركة “سيف القدس” التي سمتها إسرائيل “حارس الأسوار”، بعد استيلاء مستوطنين على بيوت مقدسيين في حي الشيخ جراح، وكذلك بسبب اقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى.
تصاعدت وتيرة الأحداث  نتيجة اعتداءات إسرائيل على حي الشيخ جرّاح والمسجد الأقصى،  وتدحرجت التطورات حتى وصلت إلى مواجهة عسكرية مع   قطاع غزة في ١٠  أيّار ،  استمرّت لمدة ١١ يوما، وتميّزت بتكامل المقاومة الفلسطينية  في جميع ساحات النضال الفلسطيني. 
(٣)-
أكّد القائد العام للحرس الثوري الإيراني ، اللواء “حسين سلامي”،  لدى استقباله الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة ” يوم السبت  ، ” أنّ الرد السريع للمقاومة الفلسطينية على الجرائم الصهيونية تدل وبلا شك على أن المقاومة تعيش فصلا جديدا من القوة” ، مشددا على أنّ ” قوة المقاومة الفلسطينية تظهر القدرة على إدارة الحروب الكبيرة”.
وقال اللواء سلامي في هذا اللقاء الذي عقد في مقر قيادة الحرس الثوري “إن العالم الاسلامي والمنطقة الحاضنة للمقاومة يعيشان اليوم ظروفا خاصة “، و ” أنّ تحرير فلسطين هو أكثر من أمنية بل هو إستراتيجية حتمية للشعب الإيراني”؛ وشدد  على” أنّ مسار الأحداث في فلسطين وتراجع قوة الاحتلال “نحو الزوال والانهيار هو مسار دون رجعة وأن تحرير القدس بات وشيكا”.
وفي ذات السياق، جاء قول  قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، اللواء” إسماعيل قآني”  : أن.ّإيران” تخطط للتعامل مع كافة الجرائم التي ترتكبها أميركا والكيان الصهيوني، وأنها سترد عليها بشكل حاسم في الوقت المناسب”.
وأكد في تصريحات له اليوم السبت أن المقاومة الفلسطينية “توجه الضربات الأخيرة للكيان الصهيوني”، وقال إنه لا يمكن لإسرائيل مقاومة أبناء الأراضي الفلسطينية المحتلة وغزة ولبنان، مشددا على أن “أمن إسرائيل آخذ في التراجع”.
وكان الرئيس الإيراني” إبراهيم رئيسي”  قد ثمّن مقاومة الشعب الفلسطيني، وعبر عن إدانته لجرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
وقال في تصريحات اليوم إن “الكيان الصهيوني في جريمة الليلة الماضية أظهر للعالم مرة أخرى نزعته في الاحتلال والعدوان، لكن مقاومة سكان غزة ستسرع بزوال هذا الكيان القاتل للأطفال”. 
(٤)-
في اخطر محطّاتها ، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطاب ألقاه مساء  الأربعاء  ،٦/١٢/٢٠١٧ الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ، ونقل عاصمة بلادها من تل أبيب ، في قرار تاريخي يطوي صفحة عقود من “مماطلة”   الرؤساء الأمريكان  في  تنفيذ “تشريع سفارة القدس لعام  1995 (بالإنجليزية: Jerusalem Embassy Act of 1995) ، الذي  أقرّه الكونغرس لأمريكي في دورته رقم ١٠٤ في ٢٣ تشرين الأول، قبل أشهر من  توقيع أتفاق أوسلو ٢ في واشنطن ، ١٣ ك١ ، ويلغي مرجعيته الدولية ، القرار ٢٤٢  ، و يُعبّر بصراحة عن رغبة الولايات المتحدة بنقل سفارتها في إسرائيل إلى القدس بدلاً من تل أبيب، والاعتراف بالقدس كعاصمة للدولة العبريّة، وذلك في موعد أقصاه أيار، ١٩٩٩.
وأكد ترامب في كلمته من البيت الأبيض:  “قررت أنّه آن الأوان للاعتراف رسميا بالقدس عاصمة لإسرائيل”، معتبرا  موقفه  ” تعبيرا عن مقاربة جديدة لحلّ النزاع العربي / الإسرائيلي “!  
(٥) -صحيح أنّه بعد صدمة الضربة الأولى ، تعافى الجهاد الإسلامي في   فلسطين واستأنف إطلاق مئات الصواريخ   (حوالي ٦٠٠ حتى الآن ، تم اعتراض معظمها من قبل الدفاع الجوي للجيش الإسرائيلي) وإطلاق قذائف الهاون من القطاع على إسرائيل. حتى الآن ، استهدفت النيران بشكل أساسي التجمعات السكانية الإسرائيلية بالقرب من قطاع غزة ، على الرغم من وجود محاولات أيضًا لإطلاق صواريخ باتجاه وسط إسرائيل ومنطقة تل أبيب ، وفي وقت مبكر من صباح يوم الأحد ٧ أغسطس ، على القدس أيضًا ، حيث كانت هناك مجموعات من المدنيين  اليهود في طريقهم  إلى” جبل الهيكل” للاحتفال بصوم” تيشا بآف”(الذي يحيي ذكرى تدمير المعبدين اليهوديين !!). ردا على ذلك ، واصل الجيش الإسرائيلي قصفه لأهداف الجهاد الإسلامي في القطاع ، مع التركيز على الاغتيال المستهدف لكبار قادة الجهاد الإسلامي في فلسطين (مثل خالد منصور ، قائد منطقة جنوب غزة) ، والهجمات على مواقع إنتاج الصواريخ وقذائف الهاون ، ومراكز القيادة،  ومخزونات الأسلحة، مما ساعد  الجيش الإسرائيلي أيضًا في  تحديد مواقع المجموعات التي تطلق الصواريخ على إسرائيل وتحييدها. 
(٦)-
وهو مأزق إسرائيلي ، أيضا .
بينما تحارب إسرائيل” الجهاد الإسلامي”  ، فإنّ عوامل نجاح معركتها ضدّ الحركة  لاتقتصر على الجانب الحربي .
علاوة على ذلك ، نجاح استراتيجية اسرائيل لتحييد حركة الجهاد يعتمد أيضا على قدرتها ، وجدّيتها في توفير عوامل  التحسّن الملحوظ في الوضع الاقتصادي والتوظيفي  في القطاع ، وهي ترتبط مباشرة بسلطة حماس، وتعزيز اسباب سيطرتها  . 
حسب المنطق الإسرائيلي ، إن الارتياح الاقتصادي يقوي حماس بالفعل ،  وبالتالي يصبح حافزا لدفع حماس إلى كبح جماح “العناصر الإرهابية”  في القطاع . صحيح أنّ حماس لم تشارك  في القتال في هذه الجولة ، لكنها  لا تمارس  حتّى اللحظة “مسؤوليتها” في منع تحضيرات الجهاد الإسلامي في فلسطين لضرب إسرائيل، ليبقى الهاجس الإٍسرائيلي:
هل ستصل سياسيات  الجزرة  الى مرحلة من تشابك المصالح  مع حماس يجعلها تمارس  ضغوطا على الجهاد الاسلامي  لوقف التصعيد في القطاع ، كما تفعل السلطة في الضفة ؟! 
(٧)-
علنا ، خلال  أيام العملية ، هاجمت قطر كالعادة إسرائيل بشكل رئيسي على  شبكة الجزيرة واستنكرتها. ومع ذلك ، ورد أن “الإمارة” بذلت وراء الكواليس جهودًا لتحقيق وقف إطلاق النار واستخدمت علاقاتها مع إيران  لهذا الغرض – لإقناعها للضغط على الجهاد الإسلامي للموافقة على  وقف إطلاق النار . 
سعت قطر إلى  تعزيز وقف إطلاق النار من أجل منع الإضرار بجهود إعادة الإعمار في  غزة ، ومن باب المصلحة في الحصول على الفضل ، لا سيما في واشنطن ، كعنصر  فاعل يساهم في الهدوء والاستقرار الإقليميين ، وبالتالي  زيادة مكانتها ونفوذها. 
 في تقييمها لنتائج الحرب  التي ساهمت في وقف معركتها الحالية ، تُدرك قطر أنّ قوة الجهاد الإسلامي في حالة ” تقهقر ” ، بينما التنظيم  الأقرب إليها – حماس – لم يتضرر ، بل ويعزز موقعه النسبي  في القطاع، وهو ما ينسجم مع سياسيات إسرائيل !
ضمن هذا الوعي لتقاطع المصالح ، من المتوقع أن تواصل قطر” تحدي” إسرائيل في  سياستها ،بما  يمكّنها من  لعب دورًا أكثر إيجابية، تستطيع إسرائيل   الاستفادة منه في  العمليات المستقبلية؛ سواء في  جهود الوساطة، أو آليات “الحل  النهائي  “!
آب – ٢٠٢٢ 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…