خليل جندي
أطراف ذات العلاقة مع الفيدرالية / ضد أو مع :
كل ما قيل في الصفحات السابقة حول صيغة حق تقرير المصير للشعب الكوردستاني بدءاً من بنود إتفاقية سيفر 1920 (الدولة الكوردية المستقلة) الى الدستور العراقي الدائم في مادتها 140 (الفيدرالية) ، شعار يدخل ضمن الباب النظري ولم يتحقق منه شئ يدعو الى الارتياح المنشود بالنسبة للمناطق المتنازع عليها بدءاً من مندلي وبدرة وجصان مروراً بخانقين وكركوك الى أن تصل الى مخمور وسهل نينوى وتنتهي بمنطقة زمار وشنكال،وبدون إسترجاع تلك المناطق دستورياً ورسمياً الى أحضان الوطن الأم تبقى مفهوم الفيدرالية ناقصاً ولا يعادل تضحيات الشعب الكوردستاني ، لذا جاء عنوان المقال يحمل إسم (الأمل).
أما (الواقع) ، واقع تطبيق الفيدرالية، فأنه شئ مختلف تماماً تدخل فيه جهات وأطراف عديدة، وتتقاطع فيه مصالح جهات ودول كثيرة، اللاعبون فيها قوى داخلية وأقليمة ودولية إضافة الى الطرف الكوردستاني صاحب القضية.
الطريق الى تطبيق بنود المادة 140 شاق وصعب.
سأحاول بشكل مكثف الاشارة الى توجهات كل طرف والضجة الهيسترية التي صاحبت قرار مجلس الشيوخ الأمريكي غير الملزم بشأن تقسيم العراق الى ثلاث فيدراليات.
وسوف أستخدم المصطلحات الدينينة والمذهبية والقومية المتداولة والتي أصبحت واقعاً لا فكاك منه في الوقت الحاضر رغم نرفزة البعض من سماعها ومحاولته في عدم تصديقها.
كما نستخدم هذه المصطلحات بمعناه المسيس والحزبي (الدينية المسيسة) وليس استخدامها العام حيث نكن لتلك المكونات الدينية والقومية كل التقدير والاحترام:
أولاً / الطرف الشيعي :
يجب أن نقر بوجود شيعة معتدلين ومتنورين يمكن التفاهم والعمل معهم، الى جانب وجود شيعة متعصبين وعنصريين فيما يخص الموقف من الشعب الكوردي عموماً والفيدرالية (م140) خصوصاً.
وحتى نكون صريحين مع أنفسنا ومع الآخرين ، يبقى أتباع كلا المذهبين (الشيعي والسنّي) مشدوداً الى أمجاده القومية ونظرته العروبية، ومن هذا المنطلق يبقى التعصب القومي العربي مسيطراً على ذهنية هؤلاء، وهنا حتى بالنسبة للتيار المعتدل الذي قبل في ظرف ما بفيدرالية كوردستان وإدخال المادة 58 ضمن قانون إدارة الدولة المؤقت والمادة 140 في الدستور العراقي الدائم، لم يكن باعتقادي إيماناُ منه بحق الكورد في تقرير مصيره، وإنما كان – كما قيل في مكان سابق- إنهيار مؤسسات الدولة والفوضى العارمة ، ومن أجل أن يعترف الطرف الكوردستاني القوي والمؤثر نفسه بفيدرالية الوسط والجنوب.
لتأكيد كلامنا هذا عندما طرح العام الماضي مشروع فيدرالية الوسط والجنوب ولاقى معارضة قوية من جميع الأطراف السنيّة ومن أطراف شيعية (التيار الصدري وحزب الفضيلة) ولم يتمكنوا من تمرير المشروع، قلّ حماس المسؤولين الشيعة الكبار في الدولة في تطيسق البند الأول من المادة 140 ألا وهو التطبيع، ووقف نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي بقوة ضد مشروع قرار الكونغرس الأمريكي بتقسيم العراق الى ثلاثة ولايات ووصفه بالكارثة!.
يمكن فقط- حسب إعتقادي- اعتبار موقف عمار الحكيم، نجل عبدالعزيز الحكيم رئيس المجلس الاسلامي العراقي الأعلى، من بين المواقف المعتدلة الواقعية يستحق التوقف عندها.
هل هنالك أسباب أخرى وراء رفض الشيعة للفيدرالية الكوردستانية؟
أن ساسه الشيعة وغالبية أتباعهم يعادون الفيدرالية ويقفون ضد تطبيقها للأسباب التالية:
1- النظرة القومية العروبية الإستعلائية، العنصرية ان شئت، تجاه القوميات والأديان غير العربية (الكورد نموذجاً) في الرقعة الجغراقية التي يطلق عليها الوطن العربي؛
2- إعتقاد العرب عموماً أنهم شعب الله المختار والقرآن نزل بلسانهم العربي المبين وما على الآخرين إلاّ طاعتهم وخدمتهم، إضافة الى ذلك إعتقاد الشيعة أنهم من مذهب آل البيت ولا يرتقى اليها الآخرون؛
3- إعتقاد ساسة الشيعة وأتباعهم الموالين لإيران أن إنشاء كيان كوردي (فيدرالية أو غيرها) ربما يضرّ بدولة إيران الاسلامية ويألب عليهم الكورد السنّة في الشمال والشيعة في الجنوب (كرمنشاه وعيلام ولورستان)؛
4- يشكل غالبية العرب المرحلين الى كركوك من العرب الشيعة ومن أتباع الحركة الصدرية؛
ان الأسباب المارة ذكرها وأخرى لم تذكر بالنسبة للمواقف الشوفينية من العرب أو الترك ، تعبر بالنتيجة عن ثقافة الصحراء التي ترفض الآخر المخالف قومياً ودينياً وفكرياً.
أن تطبيق الفيدرالية على مستوى العراق وكوردستان يأتي حسب قناعتي التامة نجاح ومكسب تاريخي لصالح المذهب الشيعي في العراق وغيره من البلدان العربية والإسلامية للتخلص من غبن أربعة عشر قرناً، وهو مكسب لإيران إذا ترغب أن تبقى دولة قوية في المنطقة وتفلت من بين مخالب أمريكا وتساعدها على إستتباب الأمن والاستقرار في العراق، حيث أن قيام عراق جديد مسالم بدون صراعات مذهبية وقومية وإنشاء كيان فيدرالي مقتدرفي الوسط والجنوب تكون جارة طيبة لإيران عكس الأنظمة العراقية السنية المعادية لها.
ان الأطراف السنية السياسية (والسياسية الدينية) ومعهم جميع الأنظمة العربية – خاصة الخليجية ومصر- يعادون الفيدرالية عموماً وفيدرالية الوسط والجنوب كون الأكثرية هم على المذهب الشيعي، أنهم يخشون أن يشكل ذلك عمقاً استراتيجياً لدولة إيران ويتكون بعد ذلك ما يطلقون عليه (الهلال الشيعي) الذي يشكل خطراً على مصالحهم ووجودهم كأنظمة.
ثانياً / الطرف السنّي :
ماعدا القوى اليسارية الحقيقية وبعض الشخصيات السنّية العلمانية والمتنورة، فإن بقية الأطراف السنّية من بقايا النظام البعثي المقبور، القوميون، ما يسمى “هيئة علماء المسلمين”، جبهة التوافق ، كتلة الحوار والمصالحة، الأحزاب والقوى التركمانية المرتبطة بتركيا،…الخ يقفون بشكل علني وصارخ ضد الفيدرالية عموماً، وما تحركاتهم السابقة واللاحقة على جميع الأصعدة، الداخلية والخارجية ودعم الارهاب وارهابيين، وخروج جبهة التوافق من الحكومة وكومة شروطها على حكومة المالكي ومن ضمنها إعادة صياغة الدستور الدائم (أي إلغاء الفيدرالية الكوردستانية) وقانون إجتثاث البعث، وقانون النفط ، والمصالحة الوطنية (أي عودة كبار البعث)، وإطلاق سراح السجناء (جلهم من الإرهابين منفذي الجرائم والانفجارات)…الخ.
هذه التحركات ومؤتمرات اسطنبول والقاهرة والأردن واللقاءات مع الزمر البعثية مثل عزت الدوري وغيره المدعومين من جميع الأنظمة العربية والاسلامية ومن إيران عبر سوريا، ومن الجامعة العربية والمنظمات العربية والاسلامية ومليارات البعث المنهوبة من مال العراقيين التي تصرف على الارهابيين، تصب جميعها في إيقاف عجلة التغيير الحاصل في العراق، والعمل من أجل عودة البعث والنظام المركزي الديكتاتوري بلباس آخر، وإعادة أمجاد طرف واحد (السنّي السياسي) ، وضرب حقوق الشعب الكوردستاني ونسف الفيدرالية وبالتالي إرجاع العراق الى المربع الأول.
ويمكن التأكيد على أن تجارب الشعب الكوردي المريرة مع جميع الأنظمة العراقية (ذات الطابع السني الغالب) بدءاً من العهد الملكي الى النظام البعثي، خير دليل على معاداتهم للحقوق القومية المشروعة للشعب الكوردي.
ثالثاً / مواقف الدول الأقليمية :
ليس من باب التعميم والمبالغة القول أن جميع الدول الجارة والدول العربية القريبة والبعيدة يعادون النظام الفيدرالي في العراق أساساً ، وعلى الأساس الطائفي المذهبي الشيعي (الوسط والجنوب) خاصة، كل لإعتباراته ومصالحه وتربيته الثقافية والقومية.
فالدول العربية تعتبر العراق بأكمله جزءاً لا يتجزأ من تراب الوطن العربي ولا تحق لقومية أو مجموعة اثنية أن تطالب بأرضها وحقوقها، هذه من جهة ومن جهة أخرى فأن بناء دولة عراقية على أساس فيدرالي إتحادي برلماني تعددي ديمقراطي تهدد عروشهم وتقوض أنظمتهم الديكتاتورية البوليسية.
كما أن الدول العربية الجارة للعراق ومعها بقية الدول الخليجية وإصطفاف تركيا معها، تقف بقوة ضد فكرة فيدرالية الوسط والجنوب إعتقاداً منها أن ذلك يقوي من شوكة الشيعة ، خاصة أن منطقة البصرة والعمارة ، تعوم على بحر من الاحتياطي النفطي وتصبح تلك الفيدرالية في المستقبل عمقاً لدولة إيران الاسلامية وتشكل معها هلالاً شيعياً يبدأ من إيران وينتهي بلبنان! وهذا ما لا تقلبه ولا ترضاه الدول العربية ولا تركيا السنّية ، وربما إسرائيل كون الشيعة – حسب نظرهم- أكثر معاداة لهم من السنّة!..
أن الدول الثلاث (تركيا وسوريا وإيران) إضافة الى تربيتهم الشوفينة وإستعلائهم القومي ، فأنهم يرون في أية فيدرالية كوردستانية وضم كركوك الغنية بالنفط اليها، سؤف يؤدي الى إثارة أكراد تلك الدول ويطالبون بحقهم في تقرير مصيرهم ، وهذا ما ترفضه هذه الدول لحد الآن.
رابعاً / الموقف الأمريكي والبريطاني (الدولي):
يقرأ موقف هاتين الدولتين العظميتين والشريكين الرئيسيين في قوات التحالف والمتعددة الجنسيات لتحرير العراق من النظام الديكتاتوري في ضوء مصالحهما السياسية والاقتصادية والاستراتيجية وعلاقاتهما مع جميع الدول العربية وغيرها ذات العلاقة بالشأن العراقي.
وهنا يمكن القول أن أمريكا وبريطانيا في قرارة نفسيهما لا يحبذان فيدرالية شيعية، لأن ذلك حسب نظرتهما سوف يقوي شوكة الشيعة ، وربما يكونون مع النظام الإيراني حلفاً ضد كليهما ويطالبونهما سحب قواتهما والرحيل من العراق.
وأن شيعة ضعفاء – بل وسنّة ضعفاء أيضاً- أفضل لأمريكا وبريطانيا واستراتيجيتهما للسيطرة على المنطقة والبقاء قريبين من منابع النفط في البصرة العمارة حتى كركوك.
ربّ سائل يسأل: ما دامت هذه هي النظرة الأمريكية، إذن لماذا صدور مشروع قرار مجلس الشيوخ الأمريكي ب”تقسيم” العراق الى ثلاثة فيدراليات إحداها وأكبرها وأغناها ستكون شيعية؟.
سوف أرجع الى هذه النقطة لاحقاً.
يضاف الى ما قيل أعلاه ، ان لأمريكا وبريطانيا علاقات ومصالح كبيرة ومتعددة مع الدول العربية والإسلامية، هذا إضافة الى قوة وتأثير الدين الاسلامي على أتباعها والتي تحسب لها أمريكا وبريطانيا والغرب عموماً ألف حساب.
ما دمنا بصدد موقف هاتين الدولتين من الفيدرالية وعموم العملية السياسية في العراق، من المفيد الإشارة بشكل مختصر للموقف الأمريكي فقط من الفيدرالية الكوردستانية وكركوك، على أن نناقش المزيد ضمن فقرة (مشروع قرار مجلس الشيوخ الأمريكي وردود الأفعال).
لقد وقف الكورد، قيادة وشعباً، مع قوات التحالف في حربها ضد النظام الديكتاتوري العراقي، ذلك النظام الذي ذاقهم جميع صنوف الاضطهاد والحرمان والقتل والتهجير والابادة الجماعية في حلبجه وجريمة الأنفال التي راحت ضحيتها ما يقارب 182 ألف كوردي برئ.
وسقط نظام الصنم كما هو معروف يوم التاسع من نيسان/2003.
ويمكن الانتباه هنا الى نقطة مهمة ألا وهي أن القوات الأمريكية أوقفت القوات الكوردية بعد التحرير عند حدود المنطقة الآمنة حسب قرار مجلس الأمن الدولي رقم (688) ولم تسمح لها السيطرة على بقية مناطق كوردستان وراء خط 36.
الى جانب ذلك لا يمكن تصور إدخال مادة الفيدرالية (58 و 140 فيما بعد) الى قانون إدارة الجكم والدستور الدائم من دون علم وموافقة الجانب الأمريكي والبريطاني.
لكن يبقى السؤال الأهم: هل تكون الفيدرالية الكوردية (أقليم كوردستان) محصوراً في ثلاثة محافظات/ دهوك، أربيل والسليمانية، أم سوف تضم اليها بقية المناطق المتنازع عليها؛ محافظة كركوك ، وأقضية عقرة والشيخان وشنكال وتلعفر وتلكيف وقره قوش ونواحي زمار وبعشيقة وآسكي كلك من محافظة نينوى، وقضائي خانقين ومندلي من محافظة ديالى، وقضاء بدرة وناحية جصان من محافظة واسط بحدودها الإدارية قبل عام 1968، كما جاء في الباب الأول ، المادة2 الفقرة الأولى من نص مشروع دستور كوردستان- العراق؟
على الأرض هنالك إشارات مشجعة بالنسبة لفيدرالية أقليم كوردستان من الجانب الأمريكي والبريطاني وبقية الدول الغربية الى حد ما، فإن إستقبال السيد مسعود البارزاني من قبل رئيس أكبر دولة جورج بوش في البيت الأبيض كرئيس أقليم كوردستان، وكذلك إستقباله بنفس الصفة في بريطانيا وإيطاليا والبرلمان الاوربي، وكذا الحال في التعامل مع برلمان وحكومة أقليم كوردستان، وفتح قنصليات العديد من الدول في أربيل عاصمة الأقليم، إضافة الى وقائع أخرى كلها دلائل تبعث على الارتياح.
هل يقودنا هذا التفاؤل أن نفكر بوجود إتفاقية (سايكس-بيكو) جديدة في ظل ظروف عالمية جديدة؟!.
وإذا كانت الكثير من دول العالم وخاصة أوربا تتجه الى التقارب وتشكيل وحدات إقتصادية وربما إزالة الحدود فيما بينها، فهل أن الاستراتيجية الأمريكية وحلفائها في الشرق الأوسط والأقصى تتجه تقليم أظافر الدول الديكتاتورية وتفتيت الدول المركزية القوية كما هو الحال مع دول الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا السابقتين، والدور ينتظر العراق ودول عربية وأقليمية أخرى، بغية سهولة السيطرة عليها وتأمين أمن الدولة الاسرائلية؟!.وبعد زوال القطب الآخر المعادي لأمريكا المسمى ب(المعسكر الاشتراكي) ، ماهي القوى التي ستوقف بوجهها؟..أعتقد أن من بين أحد خططها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط ستكون إذكاء نار الفتنة بين الطوائف الاسلامية أنفسها وبشكل خاص بين السنّة والشيعة!.
مع ذلك فأن كبار المحللين والسياسيين يعجزون في أحيان كثير من فهم السياسة الأمريكية، وعليه يفترض بالشعب الكوردي وقيادته السياسية أن يتذكر مواقف هذه الدول عبر التاريخ القريب من القضية الكوردية وحركته المسلحة.
ولا يتم إهمال ما ورد من موقف في تقرير بيكر- هاملتون الذي يلتف على الفيدرالية الكوردستانية ويدعوا الى عودة البعث وتقوية النظام المركزي وبالتالي عدم عودة كركوك الى أقليم كوردستان.
ويلى ذلك التقرير أيضاً تصريحات لزلماي خليل زاده في الأمم المتحدة وكذلك تصريحات كروكر السفير المريكي في بغداد، وغيرهم بشأن تأجيل الاستفتاء أو تحويل ملف كركوك الى الأمم المتحدة.
ألا تبعث هذه المواقف الى القلق والسؤال : هل هي محاولة من قبل أمريكا لإجهاض الفيدرالية الكوردية في الخفاء؟!
السؤال الذي يجب أن لا يغيب عن ذهن أي كوردي: إذا كان إكتشاف النفط عام 1923 في الموصل عاملاً باضد من أماني الكورد ، وكان سبباً أساسياً في إلغاء بنود معاهدة سيفر المتعلقة بحق الكورد في تأسيس دولتهم، فهل يكون نفط كركوك هذه المرة نقمة أيضاً على الشعب الكوردستاني يؤدي الى ضياع نظامه الفيدرالي؟!!.
علماً أن كركوك ، تلك المدينة التاريخية للكورد، هي العنوان الرئيسي للأمن والإستراتيجية الكوردستانية! وأن نفط بابا كوركور الذي إكتشف منذ عام 1927 يحتوي حسب تقديرات الخبراء على إحتياطي عشر مليار برميل من النفط الخام، أي 7,5% من إحتياطي العالم.
هذا، ولو تعاملنا مع جميع المؤشرات التي هي لصالح الكورد بحسن نيه، ولو طلبت القيادة الكوردستانية من أمريكا وبريطانيا ببقاء قواتهما في كوردستان وإنشاء قواعد لهما، فأن كوردستان ستبقى محاطة بدول معادية للكورد ولا يستطيعون الحركة بدون دعم أمريكي قوي، وقرار دولي من الأمم المتحدة.
خامساً / الطرف الكوردستاني ؛ عوامل القوة والضعف :
بعيداً عن العاطفة، بعيداً عن الإطراء والمدح غير الواقعي، نستطيع القول أن قادة الكورد حققوا بفضل نضال شعبهم ودماء شهدائهم العديد، ولا نقول جميع، من حقوق ومطاليب الشعب الكوردستاني في المجالات السياسية والاقتصادية والإدارية والدبلوماسية والتعليمية ، تصرفوا بحكمة سواء قبل تحرير العراق أو بعده، وتمكنوا من إدارة الصراع مع الأطراف العراقية زمن المعارضة واليوم في حكم العراق.
وتعاملوا بتعقل مع أمريكا وبريطانيا وجميع دول التحالف والدول الأقليمية والعالمية، وتمكنوا من تثبيت النظام الفيدرالي في الدستور العراقي الدائم، ويلعبون اليوم دوراً فعالاً في العملية السياسية في العراق والمنطقة، وأصبح العامل الكوردي عامل إستقرار في المنطقة.
وخلال عام 1991 ولحد اليوم تم تحقيق مكاسب كثيرة على مستوى أقليم كوردستان من ناحية: تشكيل برلمان وحكومة كوردستان منذ عام 1992 وإدارة المنطقة رغم الحصار الاقتصادي والسياسي والنفسي من جميع الجهات؛ بناء نواة قوة نظامية ” قوات البيشمركه” وأخرى أمنية لحماية الأقليم وأمن المواطنين؛ إطلاق حرية الصحافة والنشر والأعلام وفتح عدة قنوات فضائية؛ تطوير حركة العمران والبناء والنقل؛ وإنشاء مطارين كأحد أسس البناء التحتي؛ الإهتمام بالتريبة والتعليم والصحة؛ جعل القضية الكوردية تخرج من إطارها المحلي الضيق وتكوين علاقات مع الدول والمنظمات الخارجية؛ وأخيراً توحيد الإدارتين التي كانتا موزعتين بين السليمانية وأربيل ، والإتفاقية الإستراتيجية الموقعة بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني الكوردستاني ، والإنجاز الأهم هو حالة الأمن والاستقرار التي ينعم به أقليم كوردستان قياساً لحالة الانفلات الأمني والارهاب والقتل المستفحل في بقية مناطق العراق، هذا إضافة الى مكاسب كثيرة أخرى في فترة زمنية قصيرة.
إلاّ أنه الى جانب تلك المكاسب والانجازات فأن هنالك بالتأكيد نواقص وثغرات وتخوف، يتمنى ويطالب الشعب الكوردستاني من قيادة الدولة والحكومة ومن قيادة الأحزاب الكوردستانية الحاكمة على تجاوزها، ويطرحون هموماً وأسئلة لعلها تجد طريقها للمعالجة خدمة لمصلحة عموم الشعب ولتطوير الأقليم ونجاح الفيدرالية ، ويمكن تلخيص بعضها في النقاط التالية:
– هل هنالك وثيقة مكتوبة، ولو من وراء الكواليس، بيد القوى الكوردستانية الحاكمة التي دخلت في تحالف مع أمريكا وبريطانيا ضد النظام الديكتاتوري، تتعهد فيها تلك الدول لتحقيق الفيدرالية وعدم خيانة الشعب الكوردي هذه المرة؟
– إنتشار ظاهرة الفساد الإداري في مفاصل الجهاز الحكومي والحزبي والذي أدى الى مضاعفات خطيرة بحيث ظهرت طبقة طفيلية تملك ملايين الدولارات ، وتستولي على العقارات والمشاريع.
الى جانبهم توجد طبقة معدومة تكافح من أجل الحصول على لقمة العيش أمام غلاء الأسعاء والايجارات.
ومن مظاهر الفساد أيضاً إنتشار المحسوبية والمنسوبية والارتياحات الشخصية في التعيينات بدل الاعتماد على الكفاءات والنزاهة والوطنية.
ومن الأشياء الملفة للنظر هو أنه من مجموع حوالي 5و3 ثلاثة ملايين ونصف لثلاثة محافظات فقط( السليمانية، أربيل ودهوك) يوجد هنالك حوالي 2و1 مليون ومائتا ألف موظف يستلمون الرواتب من الدولة، والغريب أن البعض يستلم أكثرمن ثمانية رواتب باسماء متنوعة! وقد ظهرت تقارير دولية تنتقد ظاهرة الفساد هذه.
وفي أقليم صغير ككوردستان يوجد هنالك (40) وزير ووكيل وزير؛ وهذا ما يؤدي الى شلل في العمل الوزاري بسبب المحاصصة الحزبية.
إجمالاً أن جميع هذه المظاهر السلبية في العمل الإداري والحكومي أدى ويؤدي الى إضعاف الشعور القومي الوطني وتقوية التيار الديني والعشائري واللاأبالية على أقل تقدير.
– هنالك رأي يقول ، ما دامت كركوك هي أحد العناوين الاستراتيجية للأمن القومي الكوردستاني، كان يفترض القيادة الكوردستانية أن تقدم على ارجاع أكبر عدد ممكن سكانها المرحلين اليها بعد تحريرها مباشرة ، ولم تدع القادمين اليها زمن النظام العودة اليها مرة أخرى كي يصبح فيما بعد أمراً واقعاً؛
– وبسبب خصوصية كركوك بالذات كونها عنوان الأمن القومي وكذلك بقية المناطق الكوردستانية المتنازع عليها بدءاً من مندلي وإنهاءاً بشنكان، كان يفترض أن تجري التعامل معها من قبل الحزبين الكوردستانيين الحاكمين (فروع الحزب الديمقراطي الكوردستاني ومراكز الاتحاد الوطني الكوردستاني) منذ تحريرها معاملة خاصة بعيدة عن النظرة الحزبية والكسب الحزبي؛ كأن يكون تنظيم مشترك غير تابع لأي حزب يكون هدفه ال”كوردايتي” فقط وليس الكسب الحزبي لطرف معين.
يقال بأن المنافسة الحزبية الضيقة أفسد الكثير في كركوك وخانقين وشنكال وبقية المناطق ولم تقدم الخدمات المطلوبة، ولم يتم إرجاع أهالي كركوك ومندلي وخانقين الى أماكنهم ، وربما تؤثر ذلك على نتائج الاستفتاء مستقبلاً؛
– بما أن الأحزاب الكوردستانية تحولت من ” أحزاب جبال” أي أحزاب الكفاح المسلح وحرب العصابات الى ” أحزاب مدن” أي إستلام وإدارة السلطة، يفترض والحالة هذه أن تتغير نهجها من فضاء ضيق الى فضاء أوسع وأشمل من جميع النواحي.
ويجب أن يختار الوزراء وأعضاء البرلمان ، ومستشاري الرئيس والمحيطين به ومستشاري رئيس الوزراء وجميع مسؤولي الحكومة الكبار وفي المراكز الحساسة من ذوي الكفاءة والتاريخ الجديد والنزاهة ، وأن يمتازوا بالاستقلالية الفكرية وله رأيه المستقل، وليسوا من الصنف الذي يرددون فقط “نعم”!
– ولا نجاح للفيدرالية وبناء كيان دولة ، كفيدرالية كوردستان المهددة من كل جانب، بدون دمقرطة الأحزاب الكوردستانية، ودمقرطة الحياة السياسية والاقتصادية في أقليم كوردستان؛
– من المتفق عليه أن كورد كوردستان الجنوبي/ كوردستان العراق هم جزء لا يتجزأون من الشعب الكوردي في بقية أجزاء كوردستان ولهم هدف واحد ومصير مشترك، وعليه إذا لم تكن هنالك إستراتيجية واضحة للجميع ، من الصعب الحديث عن وحدة الشعب الكوردستاني، وهنا فأن الشعب بحاجة الى التربية النشطة بالمصالح القومية ، وهو بحاجة الى التربية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
الشعب بحاجة الى حملة ثقافية إعلامية واسعة.
– نجاح تطبيق المادة140 والفيدرالية عموماً لا يتحقق على ما يسجل على الورق بين الأطراف السياسية، وما يبحث في محادثات القادة في غرف مغلقة، وإنما يتحقق على ما ينجز على الأرض خاصة في وضع أسس البناء التحتي وتقوية الاقتصاد الوطني، وإذا إستثنينا مطاري كوردستان كأحد معالم البناء التحتي، هل هنالك أية مشاريع ومصانع إنتاجية أخرى أنشأت في الأقليم منذ خمسة عشر عاماً الماضية؟..
يعتمد الأقليم بشكل أساسي لحد اليوم على ثلاث دول معادية في إستيراداتها حتى أن اللبن والأجبان تستورد من تركيا؟ فمتى ما سدّت تلك الدول معابرها الحدودية ومنعت دخول بضائعها ، سوف تكون العواقب وخيمة على الوضع الاقتصادي في الاقليم!.
– هنالك إرتياح تام بشأن الاتفاقية الاستراتيجية بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني، إلا أن أمنية الناس أن لا تبقى تلك الاتفاقية بين رئيس الحزبين السيد مسعود البارزاني والسيد جلال الطالباني وبين مكتبهما السياسيين ، بل أن ينزل الى قاعدة الحزبين والى منظماتهم الحزبية والجماهيرية ودوائر الحكومة.
ويستفسر البعض لماذا لم تكن الاتفاقية أوسع لتظم اليها بقية الأحزاب الكوردستانية؟
– هنالك رأي سائد ويطرح بقوة يقول: أن كوردستان بحاجة الى حملة تثقيفية إعلامية فعّالة للتوعية وتغيير نمط تفكيير الناس، بدل صرف رواتب لمليون ومائتا ألف مواطن ، والآلاف منهم يستلمون بأسماء وهميه وبذلك تعليم اولئك الناس على التملق والانتهازية والتمسك بالمصالح الشخصية.
وأن يجري تغيير تفكير الناس نحو الأفضل قبل رفع الشعارات.
– هناك من يعتقد من أبناء الشعب الكوردي أن تحالف القيادة الكوردستانية الزائد مع الأطراف الشيعية والتحالف الرباعي الأخير معه لم تكن سياسة دقيقة لعدة إعتبارات، أولاً ارتباطها بإيران، ثانياً توجهاتها الدينية، ثالثاً ، إثارة حفيظة التيار الصدري وحزب الفضيلة ، وأخيراً الاعتقاد أن أحد أهداف تعاون أمريكا مع السنّة سواء في الأنبار أو غيرها من المناطق إضافة الى إضعاف إندفاع الشيعة نحو إيران، هو تغيير مفهوم الفيدرالية إذا لم نقل إلغائها، وعدم ضم كركوك الى أقليم كوردستان! وهنالك من يرى أن تكون السياسة الكوردية وتحالفاتها مع أمريكا فقط.
– ومن النقاط التي يتداوله الناس، أن القيادة لم تأخذ بنظر الاعتبار نتيجة الاستفتاء الشعبي عام 2004 والذي صوت نسبة أكثر من 95% لصالح الاستقلال؛
* المقال ذات صلة – الحلقة الثالثة –