هل يكفي للسيد اردوغان مساندة الرئيس السوري له ؟!!

عبدالباقي اليوسف*

       منذ اكثر من عام تتزايد باستمرار جلجلة الدولة التركية بتهديداتها المستمرة لاقليم كردستان مرة بقطع المنافذ الارضية والجوية ، وقطع الطريق امام التجارة مع هذا الاقليم او بتحويل طريق التجارة بين تركيا والعراق الى منافذ اخرى من خلال المرور بسوريا .

مرة بادعاءات تركية بحقوقها التاريخية في كركوك أوالدفاع عن الاقلية التركمانية فيها ، والتي لم نسمعها يوما ايام حكم صدام حسين ومشروعه التعريبي لكركوك وتهجيره للكرد والتركمان منها ، مرورا بالتهديدات الحالية باجتياح اقليم كردستان بحجة حماية اقليم كردستان لقوات حزب العمال الكردستاني – تركيا، متناسية ان القوات المذكورة كانت موجودة منذ عهد صدام حسين في تلك المناطق
ورغم الحملات العسكرية التركية ضد الحزب من خلال اجتياح الحدود العراقية والتي كانت مسموحة لها حينها ، الا ان القوات التركية لم تتمكن من القضاء على مسلحي الحزب المذكور ، ورغم مساعدة القوى الكردستانية العراقية لتركيا اعوام 1995 ، و 1997 لم تتمكن من اخراج الحزب المذكور .

و ان الجهود العسكرية المشتركة لم تؤدي الى نجاح يذكر في انهاء تواجد مسلحي  PKKمن المناطق الجبلية الوعرة المحاذية للحدود التركية ، كما ان نشاط الحزب لم يتوقف حتى في داخل تركيا .


       لا شك ان التهديدات التركية الحالية تقف خلفها دوافع اخرى ، لان تركيا الحكومة والجيش على علم تام بان القضية القضية الكردية في تركيا لن تحل بالحملات العسكرية ، ان كانت القضية كذلك لما راينا اليوم مشكلة كردية في تركيا .

فحتى حملات الابادة الجماعية والتي ستحاسب عليها تركيا من قبل المجتمع الدولي يوما لم تتمكن من انهاء القضبة ، وتركيا شاءت ام ابت سيتحتم عليها فتح باب الحوار مع القوى السياسية الكردية في كردستان تركيا للتوصل الى حل عادل ، يؤمن حقوق الشعب الكردي ، ويضمن الاستقرار والسلام الاهلي لكل تركيا وليس لمنطقة محددة من تركيا .
     دوافع التهديدات التركية لاقليم كردستان العراق في جوهرها ليس بخافية على احد ، انها تستهدف التجربة الديمقراطية الكردية في العراق ، لان تركيا  حتى اليوم بقواها العلمانية ، والاسلامية ، ضد الاعتراف بالهوية الكردية ، وقبول الكرد كشعب من شعوب المنطقة له الحق كما لغيره من الشعوب .
     اما الجلجلة الحالية فتعود الى اكثر من سبب :
1-      سعي تركيا الى مقايضة الادارة الامريكية بعدم التدخل في اقليم كردستان مقابل  تعطيل تمرير القرار  الذي اتخذته لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الامريكي في مجلس النواب ، والذي يحمل تركيا مسؤولية الابادة الجماعية للارمن عام 1915.
2-      محاولة تركيا لاظهار هيبتها ، خاصة وان دورها الاقليمي في تراجع مستمر .
3-      توقيت اتخاذ لجنة العلاقات الخارجية لهذا القرار ، حيث ياتي في وقت يشتد فيه الصراع في تركيا بين القوى التي تدعي العلمانية ، والجناح الاسلامي والذي سيطر على معظم مؤوسسات الدولة ، حتى مؤوسسة الرئاسة ، والتي دافع عنها الجيش التركي كثيرا من دون جدوى ، لان القرار سيحرج القوى الاسلامية امام الجيش .
4-      اقتراب موعد تنفيذ المادة 140 من الدستور العرقي بخصوص كركوك ومناطق النزاع.
     لا شك ان حزب العدالة والتنمية بزعامة اردوغان حقق نجاحات اقتصادية كبيرة في تركيا ، انعكست تلك النجاحات في انتزاع حتى موقع الرئاسة ايضا ، وكان موقف ضباط الجيش من ذلك في غاية السلبية .

فهل النجاح الذي حققه حزب العدالة والتنمية قد وصل الى القمة ، وقد بدا بالهبوط .
     دخول الحرب قد يكون بارادة طرف واحد لكن الخروج من الحرب ليس بالامر السهل ، حيث ستتدخل فيها اكثر من ارادة  ، خاصة وان الشعب الكردستاني بقيادة قواه السياسية هذه المرة لن يتعاون مع تركيا وبالعكس سيدافعون عن تجربتهم الديمقراطية ، وهذا ما اعلن عنه رسميا الناطق باسم رئاسة اقليم كردستان ، هذا من ناحية ، من ناحية اخرى ليعلم السيد اردوغان ان منح الجيش قرار الاجتياح يعني انتقال زمام المبادرة من حزب العدالة والتنمية الى ضباط الجيش ، وبالتالي ستكون عواقبه وخيمة على الحكومة ، وعلى مشروع حزب العدالة والتنمية في اجراء الاصلاحات  الديمقراطية وادخال الاصلاحات على الدستور ، ومشروع انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي .
   المصيبة لدى ساسة تركيا بجناحيها ، لا يريدون ان يستوعبوا المتغيرات الدولية ، انهم لا يزالون ينطلقون من كبرياء الدولة العثمانية ، دون تحمل المسؤوليات التي تترتب على ذلك من حملات الابادة الجماعية ضد الارمن والكرد وشعوب اوروبية .

يجب ان يقتنع الاتراك بان “قطار العولمة لا يمكن ان يعكس اتجاهه” ، كما ان قضايا الشعوب وحقوق الانسان لم تعد قضايا داخلية ، بل قضايا تمس المجتمع الدولي.
     من المستغرب ان يقارن السيد اردوغان بلاده وحكومته بدولة مثل امريكا في تصريح له ” كيف تجيز امريكا لنفسها ان تدخل العراق التي تبعد عنها الاف الكيلومترات وتمنع ذلك على تركيا ” متناسيا تجربة التدخل التركي في قبرص وانشاء كيان سياسي للقبارصة الاتراك ، ورغم مرور اكثر من 30 عاما لم يعترف بهذا الكيان سوى الدولة التركية ،  واليوم تحول هذا الكيان الى عبئ يلاحق الدولة التركية.
      من الحكمة ان تراجع الحكومة التركية لمواقفها المتشنجة جاه تجربة اقليم كردستان ، وتعيد النظر في موقفها تجاه الشعب الكردي في تركيا ، فالقضية لن تحل بالاساليب العسكرية .

حتى اليوم لم تلقى الحكومة التركية اي مساندة دولية او اقليمية سوى من الرئيس السوري والذي تنصلت وزارته الخارجية من تصريحاته في تركيا ، بينما تتلقى تركيا تحذيرات رسمية من ثلاث اكبر القوى الدولية ، الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الامريكية.
  19/10/2007
……………

*عضو اللجنة السياسية لحزب يكيتي الكردي في سوريا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…