قمّة طهران ، في الدوافع والنتائج ومآلات الصراع على سوريا !!

نزار بعريني

كيف نقرأ  أسباب  ودوافع، ونتائج  هذا النشاط السياسي الإستثنائي الذي جمع في وقت واحد على ضفتي الخليج  ” العربوفارسي ” قادة الدولتين الأقوى عالميا، والاكثر تنافسا على تقاسم حصص ومناطق النفوذ في الإقليم ، وأوروبّا ، وحول العالم .  ما هي طبيعة المصالح التي سعت الولايات المتّحدة  وروسيا، بالدرجة الأولى، وجميع الأطراف المشاركة في درجات تالية ، لتحقيقها ؟
ما هي نتائجها الملموسة ، او بعيدة المدى ،  المتوقّعة،او المفاجئة، على صعيد الصراع في سوريا؟  
الرؤية الموضوعية في تقديري توجّب قراءة قمم القدس وجدّة وطهران، في سياقين مترابطين جدليّا؛ الإقليمي العام- وفي قلبه الصراع على سوريا- إضافة إلى سياق الصراع “الروسي الأمريكي”  على أوكرانيا  ،في إطار التنافس الروسي الأمريكي على الهيمنة الإقليمية بشكل عام ، ومصادر الطاقة ، بشكل خاص . 
أوّلا ،
في قمّة طهران. 
١- في الأسباب ، والدوافع !
أ- في هواجس الحرب الأوكرانيّة  ،  من الطبيعي أن  تأتي ” الطاقة “-سلاح الرئيس بوتين الرئيسي في مواجهة  التحالف “الأورو أمريكي”-في رأس اولويات الرئيس الروسي؛ الذي تخوض” إدراته ” معركة قاسية في كلٌّ من طهران والرياض ،  بشكل خاص، في محاولة  لتفشيل مساعي واشنطن لتخفيض أسعارها ؛على أمل حرمان الروس من موارد مالية ضخمة ، تُستخدم في تشغيل ماكينة الحرب  .
في نفس الإطار ،تشغل بال الرئيس الروسي   قضيّة “الوساطة ” التركية لإنجاح جهود صفقة روسية / أوكرانية، تسمح بالتصدير الآمن للقمح الأوكراني  عبر البحر الاسود .
ب- في سياق الصراع على سوريا. 
مما لاشكّ فيه أنّ الهدف الرئيسي “لقمّة طهران” بين زعماء الدول  الرئيسة المتورّط في حروب تقاسم   الحصص  ومناطق النفوذ  ، المستمرّة منذ ٢٠١٥ ، هو، بالنسبة للرئيس التركي على الأقل ، الوصول إلى “صفقة سياسية” ، تلبّي ما يضعه  النظامين الايراني والروسي  من شروط ، مقابل حصوله على “ضوء اخضر” لتنفيذ  حملته العسكرية الخامسة ،والتي تستهدف ، كما هو مُعلن إلحاق ” منبج وتل رفعت “و ” عين عيسى ” بجغرافية ” المنطقة الآمنة “، التي تزعم   تركيا بحقّها في إقامتها على امتداد  ما يقارب  من ٤٥٠ كم  على طول تخومها الجنوبية مع سوريا، وبعرض يصل إلى ٣٥ كم ،بذريعة  إصرار  “محور ” الولايات المتّحدة  على منع تحقيق حل سياسي شامل ، يشكّل الطريق الوحيد  لطمأنة هواجس الأمن القومي التركي ، التي نتجت عن مسار الخيار العسكري الطائفي – اللاجئين وسلطة قسد – وذهاب الولايات المتّحدة بعيدا  في تنفيذ مشروع ” التهدئة ” بين سلطات الأمرالواقع ، التي تقتسم السلطة السوريّة ، وبما ينتج عنه من تشكّل مظلّة حماية دولية ، وشرعنة سورية، لسلطة وسلاح  عدو تركيا الإستراتيجي ، PKK ، وفرعه السوري ، PYD .
الرئيسان الروسي ، والتركي ، من جهتهما ، يسعيان إمّا للحصول على”  ثمن مجز ” مقابل إعطاء موافقة ضمنية ومشروطة ، أو ، وهو الأرجح ، لثني الرئيس التركي عن قرار الحرب  ، وإقناعه بخيار بديل ، قد يلبّي شروط الجميع !
٢- في النتائج !
أ- يبدو جليّا نجاح الرئيسين التركي والروسي بوضع اللمسات الأخيرة لأتفاق الحبوب ؛ ونجاح الرئيس الروسي بالحصول على تطمينات من القيادة الإيرانية حول بقاء حصص أوبك على حالها ،  وحول  سياسيات إيران النفطية في مرحلة مابعد توقيع الاتفاق النووي مع واشنطن. ربما يسعى الرئيس الروسي الى اقناع حليفه الإيراني  بمزايا التنسيق والتكامل مع سياسات بلاده” الطاقوية” تجاه أوروبا  ؛ بما يشجّع الرئيس الإيراني على إنتهاج سياسة أكثر  تشدّدا في الجولات القادمة من مفاوضات ” التصفية ”  في ” الملف النووي”!
.ب- بخصوص ” الملّف ” السوري، ومع ملاحظة  أنّ أبرز أحداث اليوم التالي لنهاية  القمّة  أتت على شكل  “رسائل دموية “- في موقع سياحي ، في منطقة زاخو ، محافظة دهوك ، التابعة لإقليم كردستان العراقي ، والهجمات ” الروسية ”  في إدلب ، وما واكبهما من تصعيد تركي (١)، يمكن الإعتقاد بفشل المتصارعين على اقتسام الجسد السوري في الوصول إلى “صفقة سياسيّة” ، تلبّي شروط الجميع !!
٣-ما هي الآفاق ؟
يمكن الاعتقاد أنّ الصراع الروسي/  الأمريكي  في أوكرانيا ،و حول قضايا الطاقة والسيطرة الإستراتيجية على أوروبا، لن ينعكس مباشرة على علاقات البلدين حول الصراع السوري ، التي تميّزت طيلة سنوات الصراع بعمق الشراكة في الاهداف، والتنسيق في  الوسائل ، وليس من المتوقّع أن يتجاوز السجال السياسي الذي أطلقه الروس بضرورة انسحاب الولايات المتّحدة  ، وإعادة بسط سلطة النظام  على كامل الجغرافيا السوريّة،  مستويات الدعاية السياسية.
على أيّة حال ، ربّما يكون” نجاح ” قمّة طهران في عدم الوصول إلى تفاهمات  صفقة، تُعطي الضوء الأخضر لتركيا بإطلاق عملية عسكرية جديدة ،  حافزا وفرصة تاريخية  لإنجاح جهود  موسكو وطهران في التقريب بين أنقرة والنظام من جهة  ، وبين النظام وقسد ، من جهة ثانية ، بما يُعيد رسم المشهد السياسي السوري  على صعيد الشمال السوري، وعلى المستوى السياسي العام ، على حساب مشروع واشنطن التقسيمي ،  ومصالحها واوراق هيمنتها ، وقد يكون  وصول  وزير خارجية  النظام  إلى العاصمة الإيرانية، حتّى  قبل مغادرة الوفود، مؤشّرا كبيرا على ما قد تحمله الايام والأسابيع القليلة القادمة من تغيّرات في قواعد لعبة السيطرة على الشمال السوري ؛دون أن ننسى للحظة واحدة قدرة واشنطن على خلط الأوراق ، وقلب الطاولة على رؤوس الجميع !!
   فتأجيل تنفيذ  خطط الحرب، كما هو مرجّح  في ضوء فشل الرئيسي التركي في الحصول على ضوء أخضر ، انتظارا لفرصة أخرى – وما  قد يؤدّي إليه من  رفع وتيرة التهديدات التركية ، وما يقابلها من تصعيد إعلامي  ” قسدي ،  و تبادل المزيد من رسائل الموت والدمار، سواء  على صعيد المواجهة  المباشرة بين ” قسد ” وتركيا  ، او الغير مباشرة مع ايران وروسيا ؛  في محاولة كلّ طرف لتحسين شروطه في صفقة سياسية  قادمة – قد يُعطي الولايات المتّحدة فرصة لتقويض فرص إرتقاء التنسيق بين أطراف قمّة طهران إلى مستويات تتجاوز خطط وسياسات السيطرة الأمريكية!!
بناء عليه ، يمكن الإعتقاد بأنّ  صراعات المنطقة مقبلة على ثلاثة  إحتمالات ،إثنين  راهنين ، وثالث  ،  إستراتيجي :
▪︎ المسار الأوّل ،وهو الإحتمال الأرجح ،  تسخين لبؤر المواجهة المباشرة بين القوى المتصارعة على تقاسم الحصص  ، في محاولة كلّ طرف لتسجيل المزيد من النقاط ، على أمل تثقيل ميزان قواه في بازار سياسي قادم ، و في سياق  المشروع الأمريكي الذي ينفّذ عمليّا منذ ٢٠١٥ ، ونتح عنه  بروز سلطات الأمر الواقع، على حساب حل سياسي شامل ، ووحدة الجغرافيا السوريّة. 
▪︎ المسار الثاني ، إحتمال ممكن ،  تنسيق” فعّال”   وحقيقي، على جميع الصعد،بين” روسيا وتركيا وإيران”  لتفشيل خطط واشنطن وسياساتها الساعية الى تأهيل سلطات الأمر الواقع، والعمل على بناء خارطة تحالفات جديدة ، تلبّي مطالب  تركيا ” الأمنية ” ( قسد واللاجئين )،ومطالب خصومها ، الروسي والإيراني ؛ إعادة بسط  سلطة النظام على معظم الجغرافيا السوريّة. 
▪︎المسار الثالث ، الإستراتيجي ،غير مطروح اليوم  ،لكنّه غير مستحيل ،  يرتبط بتركيا بشكل خاص ، ويعتمد على توافق سياسي وطني ، تقوده حكومة قومية ، ثمثّل غالبية الطيف السياسي الداخلي ، وتقوم على تغيير جذري للنهج الذي تتعامل فيه الحكومة التركية تجاه الصراع على سوريا ، عبر مسار آستنة ، وفي سياق تقاسم مناطق الشمال إلى حصص مع شركاء الإحتلال، الأمريكي والروسي والإيراني. هو تغيير استراتيجي ، يذهب باتجاه حسم الصراع عسكريا  بأي ثمن ، بما يحقق اهداف المنطقة الآمنة ، ويضع القوى أخرى أمام حقائق جديدة ، تدفعها للبحث الجدّي العودة إلى مسار جنيف ، وفرض انتقال سياسي شامل ، يضع السوريين أمام خارطة طريق وطنية، تُعيد الأمل بتوحيد سوريا ، على اسس دولة مدنية ، ديمقراطية .
المسار الأوّل، كان قد  وصل إلى مرحلة متقدّمة قبل أن توقف  بعض خطواته  تداعيات الحرب على اوكرانيا، خاصّة مساعي النظام  التركي لزيادة حصّة بلاده ، عبر ضمّ منبج وتل رفعت !!
العقبات الرئيسة أمام المسار الثاني هي مصالح وسياسات واشنطن . فهل تحصل واشنطن على ضمانات الحفاظ عليها ،  مقابل السماح بتقدّم مشروع ” الثلاثي “، وبما يؤدّي في المدى المتوسّط الى إجراء ” إنسحاب تكتيكي ” أمريكي ، وإعطاء الشركاء” توكيل عام ”  بإدارة المصالح المشتركة في سوريا  ؟! 
في حال رفضت واشنطن ،هل يستطيع شركاؤها   في الخيار العسكري الطائفي ، روسيا وإيران ، الخروج عن إرادة وسياسات ولي نعمتهم في واشنطن ؟!  
الخيار الثالث ، يحتاج نجاحه إلى ترتيبات  جديدة سياسية وعسكرية  ونوعية ، على الصعد التركية ، والسوريّة التابعة لتركيا ، وعلى الصعيد الإقليمي. 
يحتاج النظام التركي بالدرجة الثانية إلى اعادة انتاج صيغة توافق وطني ، تضع المصالح الاستراتيجية التركية في سوريا والمنطقة في رأس اولوياتها ، وقاعدة توافقاتها.
يحتاج بالدرجة الثانية، إلى ترتيب صفوف القوى التي تتبع لتركيا ، السياسية والميليشياوية.
يحتاج بالدرجة الثالثة ، رسم خارطة تحالفات جديدة ، تثتثني النظام الايراني ، وتجيير عواقب الحرب الروسية على اوكرانيا في محاولة لتحييد الموقف الروسي ، ونسج خيوط تحالف استراتيجي مع الانظمة العربية التي تتعارض مصالحها مع نهج واهداف مسار آستنة الأمريكي ، الساعي الى تأهيل سلطات الأمرالواقع، عوضا عن ايجاد حل سياسي شامل.  المواجهة المفتوحة مع الولايات المتحدة مرحلة اولى لابدّ منها ، قبل أن تنجح الاستراتيجية التركية الجديدة في فرض اهدافها وشروطها على سياسات واشنطن ، ودفعها لقبول تسوية سياسية ، لصالح ايجاد حل سياسي شامل ، او الخروج كليّا من الشمال السوري. 
إنّ غدا لناظره قريب !!
(١)-
وفق شبكات إخبارية محلية، أكدت مقتل عنصر من قوات النظام السوري وإصابة آخرين في عمليات تصعيد جديدة   للجيش التركي وفصائل المعارضة السورية المرتبطة به من وتيرة القصف المدفعي والجوي لمواقع تابعة لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، وقوات النظام في الشمال السوري.
في ريف الحسكة الشمالي، قصف الجيش التركي، صباح  الأحد، ٢٤ بالأسلحة المدفعية والصاروخية مركز ناحية زركان ( قرى أسدية ومجبيرة وتل أمير ومشيرفة وتل شنان والدردارة)، ومحيط القاعدة الروسية شمالي تل تمر، وقرى سكر الأحيمر وتل جمعة وتل الطويل والغيبش والطويلة والدشيشة وقصر توما يلدا.
يُضاف إلى ذلك ، تحدّثت مصادر مختلفة عن مقتل وإصابة  عدد من المدنيين في عفرين، جراء استهداف من المناطق الخاضعة لـ”قسد” لمخيم “كويت الرحمة” للنازحين، على أطراف المدينة الخاضعة لفصائل المعارضة السورية في ريف حلب الشمالي .كما استهدفت  مدفعية الفصائل المعارضة، يوم  السبت، قرية أم الكيف بريف تل تمر، غربي الحسكة، ما أسفر عن خروج محطة تحويل الكهرباء في تل تمر عن الخدمة،وقُتلت، الجمعة ، قيادية في “قسد”، مسؤولة عن التنسيق مع التحالف الدولي، بقصف تركي من طائرة مسيّرة استهدف سيارة كانت تقلها في ريف القامشلي.
كما وأدّى القصف أيضاً إلى مقتل قياديتين في “وحدات حماية الشعب الكردية”، النواة الرئيسية لـ”قسد”. 
واعتبر قائد “قوات سورية الديمقراطية” مظلوم عبدي، في تغريده على “توتير”، أن “الاستهداف التركي انتهاك يقوّض الحرب على تنظيم داعش”، مطالباً من أسماهم بـ”الشركاء” بإيقاف هذه الاعتداءات”.
تموّز ، ٢٧ ، ٢٠٢٢. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…