صلاح بدرالدين
أولا – الثورة المغدورة
ماهو معلوم لكل السوريين، واصبح جزء من تاريخ البلاد الذي لايختلف عليه اثنان، ويعرفه القاصي، والداني، ان انتفاضة سلمية عفوية شعبية، شبابية وقعت في آذار من عام ٢٠١١، ومالبثت ان تحولت الى ثورة وطنية دفاعية شاملة بمشاركة جميع المكونات السورية وبينها المكون الكردي، بعد تلاحم الحراك الثوري مع الضباط والجنود الذين انشقوا عن جيش النظام، والتحقوا بصفوف الشعب الثائر.
وماحصل كان امتدادا لنضالات السوريين منذ أجيال ضد الدكتاتورية، ومن اجل الديموقراطية، خصوصا منذ تسلط حزب البعث على مقاليد السلطة، كما كان جزء من الموجة الاحتجاجية ضد الاستبداد في اكثر من بلد عربي واطلق عليها ثورات الربيع التي نشبت في تونس، واليمن، ومصر، وليبيا، وفي نسخته الثانية بالسودان وبالعراق، ولبنان، والجزائر .
ولم تكن الثورة السورية بمعزل عن مجمل العوامل والمؤثرات الإقليمية، والدولية، ولان أهدافها المرسومة، وشعاراتها المرفوعة، تمحورت بكل وضوح وبمنتهى الشفافية، حول : ١ – اسقاط نظام الاستبداد ومحاكمة رموز الاجرام، والفساد، ٢ – اجراء التغيير الديموقراطي، وانتخاب برلمان الشعب ٣ – استعادة الحرية والكرامة، ٤ – حلول سلمية ديموقراطية لكافة القضايا وفي المقدمة القضية الكردية، لذلك كان النظام والمحتلون الايرانييون وميليشياته المذهبية، والمحتل الروسي لاحقا لها بالمرصاد .
بعد تسلل الإسلام السياسي، ثم الوافدون الجدد من أوساط النظام، ومجموعات من الانتهازيين من مختلف التيارات السياسية، والسيطرة على مصادر القرار، وتكالب القوى المحلية، والإقليمية، وخذلان المجتمع الدولي، بدات الثورة بالتراجع، وكنا حذرنا من الكارثة منذ عام ٢٠١٢، ووجهنا نداءات باسم حراك ” بزاف “، ودعونا الى مؤتمر وطني سوري لإنقاذ الثورة .
لكل العوامل، والأسباب السالفة الذكر، اجتمعت ارادات أصحاب المصلحة في وأد الثورة السورية من السوريين، والنظام العربي، والإقليمي الرسمي، وفي هذا السياق يجب التأكيد على مشاركة أصحاب ( الثورة الأخرى ! ) في عملية اجهاض الثورة الوطنية المغدورة وهي كانت مازالت بعامها الثاني .
٢ – الثورة المزعومة
المدهش الى درجة الصدمة مايروج له اعلام – ب ي د – عن احتفاء ( بالذكرى العاشرة لثورة ١٩ تموز الديمقراطية .. ومعمارها القائد عبد الله اوجلان .. وهي الشعلة الأولى التي انارت الدرب امام الشعب الكردي وشعوب الشرق الأوسط .. مثلها مثل كل الاحداث والثورات التاريخية .. والقت الثورة بشعاعها الى عفرين ثم مناطق الجزيرة لتصبح ثورة روزآفا ..) كما جاء حرفيا في مقاطع من بيان هذا الحزب .
ماينشر بهذا الصدد يفوق بالتضليل على مبالغات – غوبلز – المستندة على مبدأ ( اكذب ثم اكذب فستجد حتما من يصدقك )، في حقيقة الامر على اعلام – ب ي د – الاحتفال بحركته المضادة لثورة سورية وطنية كانت مندلعة، وذلك بالاتفاق مع النظام السوري ( اتفاقية آصف شوكت – مراد قرايلان )، ثم ان اية ثورة يجب ان تكون لها اهداف معلنة، وشعارات مرفوعة، وفي المقدمة الثورة على أنظمة الاستبداد، ومن اجل التغيير الديموقراطي، واذا كانت ( ثورة ) ب ي د المزعومة بقيادة ( معمارها ) اوجلان فالكل يعلم انه كان محميا من نظام الأسد طوال مدة وجوده بسوريا ومتعاونا معه الى اقصى الحدود، وحتى بعد طرده لم يطرح يوما موقف اسقاط النظام والثورة عليه، ومن الغريب تزامن البيان مع اعلان قائدهم ( مظلوم ) بالطلب من النظام لان يحتل جيشه من جديد مناطق نفوذ – ب ي د – او – قسد – .
اما اذا كان القصود مواجهة – داعش – فليس كل من حارب، ويحارب تنظيم الدولة الإسلامية هو ثوري او يقود ثورة، هل يمكن القول ان النظام السوري، او حزب الله، او الحشد الشعبي الشيعي العراقي، او الحرس الثوري الايراني الذين واجهوا أيضا – داعش – هم ثوار ومناضلون من اجل الديموقراطية ؟ وماذا عن ( شعاع ثورتهم الملقى على عفرين ؟! ) هل هو شعاع جلب الاحتلال ؟ خاصة وقد سبق ذلك زيارات مكوكية لقيادات – ب ي د – الى تركيا، اوليس علينا التامل، والتوقف مليا على الحقيقة المغيبة التالية : قبل توافد مسلحي – ب ي د – كان الكرد السورييون امام خياري بقاء سلطة النظام او سيطرة الثورة السورية، وبعد التوافد تغيرت المعادلة واصبحنا امام خياري سلطة النظام او الاحتلال التركي، وهذا يعني عمليا الغاء القضية الكردية السورية من المعادلة الوطنية .
٣ – الثورة المطلوبة
على ضوء انحرافات كيانات المعارضة السورية الرسمية في وقت مبكر، وخروج فصائلها العسكرية عن خط الثورة في السنوات الأخيرة بعد اجهاضها من جانب جماعات الإسلام السياسي، وتحول المعارضة السياسية ( الائتلاف، وهيئة التفاوض ومختلف مؤسساتها ) الى مجرد منفذ وظيفي لاجندات خارجية، فقد توصلت النخب الوطنية، والثورية وبينها النخب الكردية وبعد العامين الاولين من عمر الثورة المغدورة الى قناعة بوجوب اجراء مراجعة بالعمق، والعمل على عقد مؤتمر وطني سوري لانقاذ الثورة وتجديدها، وهناك وحتى اللحظة محاولات على هذا الطريق من مشاريع، ومبادرات، وبرامج .
مايتم الاعداد له، وبمختلف الصور والاشكال، عبارة عن توجهات ترمي الى التوصل على اكتمال أسباب، وشروط القيام ” بثورة ” على ” الثورة ” والخروج بكيان توافقي ديموقراطي يعبر عن مصالح وطموحات كل المكونات السورية، وتياراتها السياسية الوطنية، مبني على الاستفادة من دروس الماضي، والعبرة من كل الانحرافات، والخطايا التي اقترفت بحق الثورة السورية .
اما على صعيد الحالة الكردية التي تفوق تازما، وانهيارا، وخطورة، على الحالة السورية العامة، فقد اختار الوطنييون المستقلون عن الأحزاب، والاوساط الشبابية من النساء والرجال، والمثقفون الملتزمون بقضايا الشعب والوطن، طريق القيام بثورة فكرية، ثقافية، عبر اطلاق النقاش والحوار، من اجل الوصول الى مرحلة الترميم السياسي من خلال آلية ديموقراطية مدنية كفيلة بإعادة بناء الأداة النضالية أي الحركة الكردية السياسية، وتوحيدها، واستعادة شرعيتها، وإقرار مشروعها البرنامجي، وانتخاب من يمثلها لمواجهة التحديات .
وحينها وبعد انجاز المطلوب نكون قد طوينا اكثر الصفحات قتامة في تاريخنا القومي، والوطني .
والقضية تحتاج الى نقاش