صلاح بدرالدين
طوال مراحل تاريخ الحركة التحررية الكردية، ظهرت تيارات فكرية انتهازية، غير مستقرة، وغير مستقلة، مالبثت ان انحرفت عن الخطوط العامة، والتحقت بالقوى الشوفينية بالانظمة الاستبدادية الحاكمة المقسمة للشعب الكردي، وبينها من انتهجت سبل التضليل لتخفي انحرافاتها، وقامت بطرح مقولات مبهمة لاتاريخية بشان القضية القومية من صنع خيالاتها الواسعة.
ومن جملة البدع المضللة بالساحة الكردية عبارة ” الامة الديمقراطية ” حديثة التداول وتكاد تنحصر في كتابات زعيم – ب ك ك – واعلامه الحزبي، والملاحظ تم الترويج لها اكثر في مراحل مابعد اعتقال – اوجلان – وابداء الاستعداد للتنازل، والتفاهم مع السلطات التركية، والتعاون على ترسيخ السلام بحسب التصريحات المنشورة حينذاك، واعتمدت بعد تخلي حزبه عن فكرة تحرير وتوحيد كردستان، حيث تم تغيير برنامج الحزب وحذف كل المقاطع، والتعابير التي تشير الى إقامة كردستان مستقلة، وبعد تعزيز علاقاته مع الأنظمة في الدول المقسمة للكرد، التي ترفض بشكل قاطع تلك الفكرة .
ومن الملاحظ وبعد التخلي عن البرنامج القديم الذي قام عليه – ب ك ك – وترجمته السياسة او النهج الجديد بالاقدام على نسج علاقات متقدمة، وتعاون اوثق مع أنظمة المنطقة في طهران الخمينية وبغداد صدام ومابعد صدام عبر الشيعية السياسية وميليشيات الحشد الشعبي، ونظام الأسد الصغير كمرحلة جديدة متطورة من العلاقات منذ اندلاع الثورة السورية .
هذه الأنظمة التي تضطهد الكرد وتعادي حركتهم القومية والحركة الديموقراطية عموما، لم تجد بالنسخة المستحدثة من – ب ك ك – ” وامته الديممقراطية ” أي خطر مستقبلي على مصالحها، بل عملت على استغلاله في احداث الفتن بين الكرد، واستخدامه ضد منجزات شعب كردستان العراق، ومن اجل تفكيك الحركة الكردية السورية، وتصفية قضية كرد سوريا، وتحويلها الى مسالة صراع مع تركيا، بل اكثر من ذلك فان قادة هذا الحزب بقنديل، وفروعه بسوريا، والعراق يعلنون على رؤوس الاشهاد عن براءتهم من النضال القومي التحرري الكردي، وتمسكهم بلفظية ” الامة الديموقراطية ” وتعريفها حسب الامزجة، وبدون مقاييس علمية، نظرية .
والمقولة هذه ليست نظرية سياسية متكاملة، معتمدة لدى شعوب العالم، ولم ترد ذكرها في وثائق الأمم المتحدة، وليست فلسفة فكرية كما يزعم البعض، ولم ترد في وثائق حركات التحرر لشعوب المنطقة، والشرق عموما، ومختلف قارات العالم من آسيا الى افريقيا، الى أمريكا اللاتينية، والملفت انه قد تزامن اعتماد – ب ك ك – مقولة ” الامة الديمقراطية ” سيطرة عناصر يسارية قومية تركية متطرفة على مركز قيادة قنديل وتوجيه سياسته التدميرية بالمنطقة، وهي تقف ضد طموحات كرد تركيا بالخلاص والحرية والتعايش السلمي المشترك خصوصا ، وضد جميع اهداف الحركات الكردية بالمنطقة وذلك بذريعة ان البديل هو ” الامة الديموقراطية ” وقد لوحظ تخلي العديد من الديموقراطيين الاتراك عن تاييد – ب ك ك – لهذا السبب، وبينهم المفكر والكاتب التركي المعروف إسماعيل بشكجي .
ولنفس السبب وأسباب أخرى تعرض – ب ك ك – الى جملة من الانقسامات، والتصفيات الجسدية عن طريق فرق الاغتيالات التي لاحقت العناصر المنشقة حتى في أوروبا، كما ان ابرز واهم انقسام فكري – سياسي بهذا الصدد كان مغادرة بضعة آلاف من الكوادر المتقدمة، والمقاتلين قنديل قبل عدة سنوات، بزعامة القيادي البارز المعروف – بوتان – الذي يقود الان جناحا سياسيا – عسكريا، بنهج جديد، ومواقف مستجدة متطورة .
” الامة الديمقراطية ” ضد مبدأ تقرير المصير
في حقيقة الامر من الأنسب توصيف هذه المقولة ( بهدية ترضية ) من قادة – ب ك ك – الى أنظمة المنطقة، وفي الوقت ذاته جواز مرور لهم، ومصدر رزق، وعربون صدق النوايا لها، وفي الوقت ذاته سوء النية والطالع للكرد وقضيتهم بالمنطقة، ففي بداية علاقاتهم بالمرحلة الثانية ( بعد ٢٠١١ ) مع نظام بشار الأسد، وخلال تعاونهم ومفاوضاتهم وكما نعلم لم تشكل مقولة او شعار ” الامة الديمقراطية ” سببا في الخلاف بل لم يتم ذكر الموضوع، ولم يشكل ماخذا من جانب ممثلي النظام من الأجهزة الأمنية والسبب هو ان هذا الطرح جاء بالضد من مبدأ تقرير المصير ومايحمل من حقوق قومية معروفة لاتلاقي الآذان الصاغية من نظم وحكومات سوريا منذ الاستقلال وحتى الان، وحسب ظني هذا الموضوع أحد الأسباب المشجعة لتوجه بعض ( المعارضين !) السوريين القوميين والبعثيين من بقايا النظام وبعض الفاشلين لمد يد التعاون معهم كما ظهرت صورهم بلقاءات – ستوكهولم – والتي شكلت حافزا لاعادة النظر من جانب حكومة السويد، وإصدار البيان المشترك الثلاثي ” ٢٩ – ٦ ” ( تركيا – السويد – فنلندا ) وتحت رعاية الأمين العام للحلف الأطلسي – الناتو – بإدانة ( ب ك ك – ب ي د – ي ب د ) ووسمها جميعا بالإرهاب .
مبدأ تقرير المصير كمنطلق ثابت للحركة الكردية
نشأت الحركة القومية التحررية الكردية منذ القرن الماضي وكسائر حركات الشعوب التحررية على قاعدة النضال من اجل الخلاص، وتحقيق الديموقراطية، وحل القضية الكردية عبر الحوار السلمي في اطار مبدأ حق تقرير المصير، الذي ارتضه البشرية، وقبل به المجتمع الدولي منذ قيام – عصبة الأمم ثم هيئة الامم المتحدة، التي جسدته في وثائقها المعتمدة، وصادقت عليها أعضاء المنظمة الدولية التي تربو على المائة والتسعين، وفي ظل هذا المبدأ وبفضله تحررت آلاف الشعوب، واستقلت عشرات الدول، واذا كان هناك خلافات حول العديد من القضايا بين دول العالم الراسمالية، والغنية، والفقيرة، فان هذا المبدأ ليس محل خلاف بين الجميع ( بغض النظر عن التقصير في التطبيق العملي، واختلاف الآليات )، وأول ماظهرت ملامحه في عمل الفلاسفة الغربيين، والثورة الفرنسية، مالبث ان تبناه الاشتراكييون بعد ثورة أكتوبر العظمى ١٩١٧، وكذلك الراسمالييون خلال مبدأ الرئيس الأمريكي – وودر ويلسون – عام ١٩١٩، ثم تم اعتماده في وثائق المنظمات الدولية، وشرعة حقوق الانسان، ودساتير الدول، وبرامج منظمات المجتمع المدني بما في ذلك الأحزاب القومية الديموقراطية وفي المقدمة المنظمات السياسية الكردية .
حزب الاتحاد الشعبي الكردي في سوريا والذي تشرفت بقيادته عقودا من الزمن ( ١٩٦٥ – ٢٠٠٣ ) اول حزب كردي سوري تبنى مبدأ حق تقرير المصير واحدى خياراته المتعددة في استفتاء الكرد بحرية، كمنطلق لحل القضية الكردية في اطار سوريا ديموقراطية تشاركية، وكان ذلك سببا في محاربة هذا الحزب من خلال ارسال القصر الجمهوري الضابط الأمني – محمد منصورة – للتعامل معه، وشقه عبر نفر من ضعاف النفوس، وملاحقة قياداته، وكوادره، ونشطائه، ان حل قضية أي شعب وقومية يمر عبر هذا المبدأ السامي، وهاهم اشقاؤنا في كردستان العراق وجدوا الحل الفيدرالي كخيار من تقرير المصير، ومن الممكن تبديل الخيارات حسب الظروف الموضوعية، والارادة الشعبية .
والقضية قد تحتاج الى نقاش