في تجليات الوضع السوري كرديا – 2

ليلى قمر / ديريك 

 
ما كادت الامور أن استقرت بنظام حافظ الاسد ومن ثم جلبه للمغمورين من منطقة الفرات وإسكناهم في القرى النموذجية التي تم بنائها خصيصا لهم، حتى بدأ يخطو سياسيا، وذلك بتخصيصه جهدا كبيرا بدا في ظاهره وكأنه نوع من الإنفتاح على القوى السياسية، وفي واقع الحال هي اشبه بحالة التهام فعلي لتلك القوى، فشكل الجبهة الوطنية التقدمية، واصدر قانون ما سمي بالإداراة المحلية على اساس المحافظات، ودعا الى انتخابات لها، وكرديا سخر النظام كل جهده في التطبيق العملي لكل المخططات ومشاريع القوانين التي وضعت لإستهدافهم، وسعى وبكل السبل الممنهجة لتشتيت الحركة السياسية الكردية ومعها حتى الاحزاب العربية والشيوعيين ايضا، وامتدت يده الامنية تطوق حتى حزب البعث بذاته، وان غلف غالبيتها بغطاء هلامي وتحت مسمى الجبهة كما ذكرنا اعلاه،
 وقد كان قانون الإدارة المحلية الذي اصدره النظام تحت بند ذات الإسم ( قانون الإدارة المحلية )، والتي زنرها بألغام مسيسة طغت عليها هيمنة الدولة المركزية وبغلاف محلي ديكوري، هذا القانون الذي لايزال غالبية العنصريين والتوجهات العروبية تسعى لتعويمه مع بعض الرتوش كحل للامركزية مزعومة، وعلى ارضية ذات القانون كان باكورة الإنتخابات في بداية عهده سنة 1972 صورة حقيقية عن الملمح القادم، حيث سمح لجميع القوى المشاركة الفعلية في الإنتخابات، ولكن اظهر فقط ما اراده هو ونظامه من نتائج واستحقاقات المرحلة، ولم تمض فترة قصيرة حتى بدأت مسلسلات التشظي والإنشقاقات الحزبية، الى ( مثنى وثلاثا ورباعا ) وليحوطها تطويقا، فقد اطر اغلبها في برواظ ديكوري بقي هو من خلال حزبه كقائد للمجتمع والدولة، هكذا كانت ولادة ما اسماها بالجبهة الوطنية التقدمية، وللحق فقد برع النظام في الهيمنة على القوى السياسية وابدعت تلك القوى في إظهار آيات الخضوع، وكرديا : فقد نفذ النظام اكبر حملة اعتقالات بحق الكرد وخاصة على خلفية التنفيذ الفعلي لمخطط التعريب وجلب المغمورين كما اسلفنا، ليسكنهم في ذات القرى النموذجية التي بنتها لهم القيادة القطرية للبعث ( لجنة اعمار مزارع الدولة )، ومع استقدامهم والإحتجاج السياسي الكردي المنضبط، قابلها موجات الإعتقالات التي طالت غالبية قيادة البارتي وعلى راسهم سكرتير الحزب حينها ( الراحل دهام ميرو ) وليتم اسكان المغمورين في ذات القرى وتوزيع الاراضي الزراعية التي تم الإستيلاء عليها من الفلاحين الكرد، وللتاريخ وهي كلمات حق : أن غالبية المخططات واشد القرارات التعسفية والتطبيقية التي مورست وطبقت بحق الشعب الكردي في سورية وحملات الإعتقالات الكبرى التي طالت قيادات وكوادر كردية وظلت معتقلة لفترات طويلة ومن دون محاكمات، وباختصار : ان كل اللوائح التمييزية والتي نفذت بالفعل هي التي تم تطبيقها بعد عام 1970، ومعها كذلك الإستجوابات والتوقيفات المؤقتة تحت سقف الاحكام العرفية هي في ذات الفترة، والاخطر من كل شيء كان : تغلغل اليد الامنية داخل الأطر الحزبية، وذلك الخلط العجيب من الإنشقاقات و تاطيرها – غالبيتها – تحت سقف جبهته الوطنية المزعومة، فتشظت الحركة الكردية الى عدة احزاب وكذلك القوميين العرب، ومعهم الشيوعيين، لابل حتى البعث ذاته، إن ما مارسه النظام في بدايات سيطرته على الحكم ولفترة امتدت الى مرحلة حرب السادس من تشرين والذي سخره عمليا النظام كرافعة دعائية حاول حافظ الأسد ان يستغلها، لابل يعوض بها ما لفق او ارتبط به شخصيا كوزير للدفاع في حرب حزيران عام 1967 وبالفعل راينا كيف تراصت الجبهة الداخلية في حرب تشرين وتناست كل القوى والشرائح السورية تناقضاتها مع النظام وسعت بكل امكاناتها في ترصيص الجبهة الداخلية ومنها الحركة الكردية التي اصدرت بيانات صريحة وواضحة في هذا المنحى وطالبت الجماهير الكردية بتناسي كل الخلافات مع النظام والإنخراط العملي في دعم ومساندة الجيش السوري وترصيص الجبهة الداخلية، وإن سجلت على النظام عدم اطلاق سراح المعتقلين الكرد وايضا عفوا عاما عن جميع المعتقلين السياسيين . وما كادت الحرب ان تضع اوارها وتم ما تم من جرد سياسي وعسكري وايضا بنتائجها، وفي لحظات كان الشعب السوري ينتظر من النظام ردا جميلا للحمة الوطنية التي تمت، إلا انه اصر ان يحتفظ بالمعتقلين من جهة، ورفدها بحملات اعتقالات متجددة طالت قوى تقدمية ووطنية، وظل هدف النظام الاساس هو التاسيس لضبط قمعي ممنهج لكل القوى السياسبة حتى داخل هيكلة حزبه ايضا ..
   يتبع

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…