ماذا يعني «القرار الكردي السوري المستقل ؟ ».. قضية للنقاش (222)

صلاح بدرالدين
  ظهر مصطلح ” القرار المستقل ” للمرة الأولى في أدبيات الحركة الكردية السورية، مابعد كونفرانس الخامس من آب ١٩٦٥ في خطاب (البارتي اليساري – الاتحاد الشعبي)، وذلك بوجه كل من التيار اليميني في دعوته موالاة النظام، وتسخير قرار الحركة الكردية لارادته، ومحاولات جناح المرحوم – الطالباني – ومن ثم حزبه الاتحاد الوطني الكردستاني الذي اعلن من دمشق عام ١٩٧٥بدعم مباشر من نظام حافظ الأسد في التدخل بشؤون الحركة الكردية السورية، وتعاونه مع الرجل القوي آنذاك (اللواء علي دوبا) رئيس المخابرات العسكرية، من اجل  تشكيل حزب كردي سوري جديد، حيث توصل الطرفان با الاستفادة من معلومات الحزب الشيوعي السوري (بكداش)، وخبرة عضوه القيادي المرحوم– رمو شيخو – الى قائمة من خمسين عضوا من كرد سوريا كنواة للحزب المنشود.
وقد كان المرحوم الطالباني يروج بان الدافع من وراء ذلك هو بناء حزب قوي ومعقول لكرد سوريا، ولكن الحقيقة كانت غير ذلك وهي ضرب (اليسار – الاتحاد الشعبي) بعد تصحيحه لمسار الحركة، وتبنيه لمبدأ تقرير المصير، ومعارضته للنظام، وعدم الخضوع لتهديداته من جهة، ومغرياته من الجهة الأخرى، وبناء تحالفات كردية – وطنية – إقليمية – كردستانية – اممية، ودحره لفكر ومواقف اليمين بين أوساط الجماهير، واتخاذه الموقف المناقض لمواقف النظام وحزب الطالباني بخصوص الثورة الكردية بكردستان العراق، وقائدها الراحل مصطفى بارزاني.  
  في الواقع كان الطالباني يطمح بالاستيلاء على جميع مفاصل الحركة الكردية خارج العراق، في صراعه مع قيادة الزعيم الراحل بارزاني، والظهور بمظهر (التقدمي)، وكان اعتماده الرئيسي على نظام دمشق، حيث تبادلا الخدمات من اجل المصالح المشتركة، وكان التركيز شديدا على كرد سوريا، وتركيا، وحصلت تدخلات، وصرفت أموال، وأقيمت تنظيمات وأحزاب في الساحتين، ويطول الحديث في هذا المجال حيث تناولته بمناسبات عديدة، وجئت على ذكره بمذكراتي، ولكن الموضوع بايجاز شديد هو ان الطالباني قد سبق – اوجلان –  بربط مصير حزبه واعوانه بسياسات نظام الأسد في المنطقة كان يتفاخر بصورة له وهو يحمل جوازا سفرا دبلوماسيا سوريا مع قوله: سوريا بلدي الأول ؟! ويقصد سوريا نظام الأسد، وهنا استطيع ان ازعم اننا في (الاتحاد الشعبي) أبطأنا واوقفنا كل خططه بشان الحركة الكردية في الساحتين السورية اعتمادا على جماهيرنا واصدقائنا، والتركية بالتنسيق مع رفاقنا في التيار القومي الديموقراطي اليساري الكردستاني هناك في ذلك الوقت.
المرحلة الثانية في موضوعة استقلالية القرار
   بعد وصول – اوجلان – الى سوريا، وتوافد رفاقه، ومسلحيه، وإرساء علاقة التبعية المطلقة لنظام الأسد، وبعد انتشار الأحزاب الكردية العراقية المعارضة لنظام الدكتاتور صدام، في البلدان المجاورة للعراق (سوريا – ايران – تركيا)، وبعد الاعتماد الكامل لحزبي ديموقراطي كردستان ايران، والمجموعات الكردية الإيرانية الأخرى على النظام العراقي ضد نظام طهران، وبعد توجه وفد اليمين الى بغداد أواخر ١٩٩٣من وراء ظهر الحركة الكردية في العراق، بعد كل ذلك تبدل مصطلح ” القرار الكردي المستقل ” الى مبدأ، واستحوذ على اهتمام اكبر، بل اصبح شعارا في مصاف الشعارات الكبرى الاستراتيجية، بعدما ظهر عمليا ان هذه الانظمة في الدول المقسمة للكرد ووطنهم، ليست بوارد دعم واسناد قضية حرية الكرد بل تسعى الى استخدام حركتهم لتنفيذ مخططاتها، وضرب الكرد ببعضهم، وقد كانت هذه الأنظمة وجنبا الى جنب استقبال ممثلي الأحزاب من هذا البلد وذاك تعمل جاهدة من اجل التنسيق الأمني فيما بينها (ثنائي وثلاثي ورباعي)  لمحاربة الحركة الكردية أينما كانت وخصوصا بالعراق بعد صعودها وحصولها على المكتسبات القومية  .
  في هذه المرحلة وبالرغم من فشل جميع الأحزاب، والحركات الكردية، والكردستانية من تحقيق أهدافها المعلنة بالاعتماد على هذا النظام اوذاك، الا انها لم تراجع أخطأءها بهذا المجال، ولم تعلن أي موقف نقدي تجاه هذه المسألة الخطيرة، بل ان من وقف ضد مبدأ الاعتماد على الأنظمة الغاصبة شكل (اقلية) وكاد ان ينحصر (بالاتحاد الشعبي) الذي حورب من اجل ذلك، وتعرض لابشع أنواع الدعايات التحريضية، عبر طبع ونسخ وثائق مزورة في مكاتب المخابرات العسكرية، ومحاولات الاختراق والشق، الى درجة انه هو من اصبح متهما بالتعامل مع تلك الأنظمة، وليس التي تمارسها ليل نهار،و وهي مفارقة غريبة على أي حال.
المرحلة الثالثة في موضوعة استقلالية القرار
  وهي مانعيشها الان منذ بدايات الثورة السورية، حيث تحولت – استقلالية القرار –  كمصطلح، وشعار، ومبدأ، الى احدى المفاصل الأساسية في القضيتين القومية والوطنية، وذلك بعد تصفية الثورة، وتحريف خط سير المعارضة، وتوالي المحتلين، وتوزيع مناطق النفوذ بينهم، وبين النظام، والفصائل والميلشيات المسلحة، وبعد الانقسامات الحادة في الساحة الكردية السورية، وارتباط أحزاب طرفي الاستقطاب بالمحاور الخارجية .
  في هذه المرحلة لم يعد القرار بايدي السوريين، واصبح الخارج سيد الموقف، هذا الخارج الذي لن يحقق السلم والاستقرار، بل سيدير الازمة كما يشاء، وحسب مصالحه ونفوذه في سوريا، والمنطقة، والعالم، لذلك فان السوريين جميعا وخصوصا المعارضون للاستبداد، والباحثون عن سوريا جديدة ديموقراطية تعددية تشاركية، ليس امامهم سوى انجاز عدد من المهام  العاجلة لتحقيق الهدف المنشود، وفي المقدمة استعادة قرارهم الوطني المستقل .
   في الساحة الكردية وبالرغم من ان مبدأ استعادة القرار المستقل تحول الى مطلب شعبي عام، الا انه لن يتحقق في ظل المعادلة الحزبية الراهنة الرابطة بين أحزاب طرفي الاستقطاب، والتي تنازلت عنه عمليا،  وتحقيقه يشكل جزء من المهام الأخرى، بل مرتبط بانجازها، فبدون توحيد الحركة الكردية، واستعادة شرعيتها، لن ينجز القرار المستقل، ولن تتوحد وتتشرعن الحركة الا بإعادة بنائها من جديد، ولن يعاد بناؤها عبر الاتفاقات الحزبية الخاضعة بدورها الى قرار الخارج، بل عن طريق عقد المؤتمر الكردي السوري الجامع .
  القرار القومي او الوطني الكردي المستقل في هذه المرحلة يكاد ان يتمحور حول الحركة الكردية كبداية وكمدخل، يعني ان يقرر كرد سوريا بأنفسهم توحيد، وتعزيز طاقات حركتهم، وان يضعوا بأنفسهم مشروعهم القومي، وبرنامجهم الوطني ليعبرا بصدق وواقعية  عن مصالحهم، وطموحاتهم، وان يحافظوا على شخصيتهم من الذوبان، أو خدمة اجندات الاخرين، ولايعني انعزالا عن البعد الكردستاني بل سعيا وراء التنسيق، والعمل المشترك على قاعدة الحوار الديموقراطي، والاحترام المتبادل للخصوصيات، وتقدير المصالح المتبادلة، يعني ان تقوم الحركة باسم الكرد السوريين بالدور الإيجابي المتقدم في الشأن القومي العام بعيدا عن المزايدات، والنفاق، والمكاسب الشخصية، يعني ان تشكل تجربة حركتنا في استعادة القرار المستقل نموذجا لشركائنا بالوطن، ودرسا لاشقائنا في الحركة الكردستانية بالمنطقة .
   والقضية تحتاج الى نقاش
  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…