اكرم حسين
نعيش منذ عام 2011 وحتى الان مرحلة تاريخية غير مسبوقة تتعلق بسيادة مجموعات مارقة وميليشيات غير شرعية، وشخصيات تافهة على جميع مفاصل الحياة المدنية والعسكرية في سوريا مما نتج عنه صعوداً غريبا لأخلاقيات وقواعد سِمَتُهَا الرداءة والانحطاط، والابتعاد عن حقوق الانسان، وتدهور لقيم ومتطلبات الرقي والتقدم والاداء الرفيع، وتدمير لمنظومات السمو والاخلاق، وانتشار الاذواق الهابطة، وابعاد الاكفاء والمتخصصين، والناجحين من مواقع المسؤولية والقرار وسيطرة شريحة كاملة من التابعين، والمتسلقين، والمنحطين فكرياً تحت شعارات الديمقراطية، والشعبوية، والعدالة الاجتماعية، ومشاركة المجتمع ….!
والسؤال الاساسي الذي يحرق اللسان هنا هو كيف لامة او شعب يبحث عن حقه في الحياة وتقرير المصير من دون ان يدمر نفسه، وان يستفيد من الحضارة التي يعيش فيها دون ان يصل الى هذا الهبوط ؟ وهل هناك حل للمعضلة التي يعيشها السوريون وسط الدمار، والحروب دون الاستسلام لكل المساوئ، وانتشار ثقافة التسطيح، وعطب المؤسسات، والفساد وتسليع الحياة العامة، والابتذال، وانحطاط التعليم، وانتشار الجريمة المنظمة، وعدم تمكينها كي لا تصبح منهجية، ونظاماً في تربتنا الاجتماعية والسياسية ….!
هذه المخاوف وغيرها من الصعوبة بمكان السيطرة عليها، وتطرح المزيد من النقاش والتحليل والتفكير السياسي لمعالجة هذه المعضلة التي باتت تخترق المجتمع ، رغم المرارات التاريخية التي تعتمل داخل نفوس الكرد السوريين، ودوافعهم العميقة لهدم الدولة المركزية القديمة واستبدالها بدولة اتحادية حديثة تقر وتعترف بحقوق جميع ابنائها ومكوناتها على قاعدة الحرية والعدالة والمساواة دون هيمنة او اقصاء …!
من المؤكد سيلعب توازن القوى الدور الاكبر في شكل سوريا الجديدة حيث يغيب منطق الحقائق والحقوق، ويمتزج بعضها بالقوة والمصالح ، ويخفي الكثير منها …!
ميدانيا تشهد مناطق الاحتلال التركي في شمال سوريا (درع الفرات-غصن الزيتون—نبع السلام) حوادث متصاعدة حيث الفلتان الامني، والاحتجاجات الشعبية، والاقتتال الفصائلي والعشائري بالتزامن مع استمرار تركيا بالتلويح بشن عملية عسكرية، واقامة منطقة “امنية ” بعمق 30 كم على حدودها للحفاظ على امنها القومي، وتوطين مليون لاجئ سوري فيها في حين ان القرار 2254 لازال في مربعه الاول حيث يتهرب النظام السوري من تنفيذه مما يبقي الصراع في سوريا ساخناً، ومشتعلاً، وقابلاً لمزيد من الدمار والقتل، وتهديد السلم والامن في المنطقة . بينما يتسم الوضع برمته بالجمود في ظل ارتباط الصراع بأجندات القوى الاقليمية والدولية المنخرطة بالوضع السوري .
ونتيجة لحالة الاستنقاع لا بل التعفن، والفساد المعمم بنيوياً، قل اهتمام الناس بالشأن العام وانعدمت الثقة بالقوى والاحزاب والشخصيات، واقتصرت همومهم على فردياتهم الصغيرة وعدم انحدار مستواهم الاجتماعي والاقتصادي، وسقوطهم او تدحرجهم من السفح الى الهاوية…! في حين تترنح السياسة الكردية السورية، وتستمر في استخدم ذات اللغة الخشبية الجوفاء الصالحة لكل زمان ومكان، والمتكئة على التعميم ، والحشو، والتكرار، وبعبارات توحي بان هناك جديداً يدفع بها الى الامام رغم ان واقع الامر ليس الا ضرباً من الكلام غايته “التفاصح”، و”التشدق”…!
اذاً تعيش السياسة الكردية اليوم منعطفاً خطيراً بعد ان اصبحت تمتلك السلطة، والمال، والجماهير، وتستغل العاطفة القومية، والشعارات المثيرة، والاستعراضات الشعبية، والانفعالات العاطفية في تحفيز العواطف الجمعية، وتعبئتها لإنتاج سلوك عدواني او اشغال الناس بشؤون الحياة، والمعيشة مثل نقاشات الاسعار، والصحة، والراتب ، والضرائب، وندرة المواد، ورداءة الخبز، وقلة المحروقات، والكهرباء …الخ دون الاشارة الى الجهة المسببة ….!
هذا ما يجعل فرص التوصل الى اتفاق كردي سوري ضئيلة بسبب غلبة الشروط الذاتية والحسابات الاقليمية على الوحدة، وهو مما دفع احد مسؤولي حزب ال ب ي د الى عدم اخفاء الموقف، والاعلان عن انهاء المفاوضات من طرف واحد، والسؤال الجوهري هو في كيفية استعادة المفاوضات او العودة اليها بعد ان خفت الحماسة، وأعيدت الخطوط الحمر الى الواجهة وبلغت التطورات الخارجية والداخلية هذا المنحى الخطير…! لان كل ما يفعله الامريكان هو اللقاء منفردا مع هذا الطرف او ذاك او نقل رسائل بين المجلس وال ب ي د دون ايجاد صيغ للحلول الوسط او ممارسة الضغط في تحفيز المفاوضات او انتزاع اتفاق عبر تقديم تنازلات متبادلة، خاصة وان ب ي د يعتقد بعدم جدوى أي اتفاق قد يقيده ….!
ما نحتاجه في مناطق سلطات الامر الواقع عامة هو نوع من الحوكمة التي تحقق التوازن بين الاهداف الخاصة لهذه المجموعات ، والاهداف المجتمعية التي توائم بين مصالح الافراد والسلطة والمجتمع بشكل متسق قدرالمستطاع دون ان يعني ذلك الفاظاً لا تؤدي في النهاية الا الى المزيد من الفساد والطغيان والاستلاب ….!