ماجد ع محمد
مِن الناس مَن تراهم ماثلون أمامك، يعيشون بالقرب منك، يتناولون نفس الأغذية التي تتناولها، ويتنفسون نفس الهواء الذي تستنشقه، إلاَّ أن الإيمان الأعمى يحشرهم في مضائقه الخاصة، وحيث أن كل المداخل والمخارج لا تُفضي لديهم إلاّ إلى متاهةٍ تمنعهم من رؤية ما يجري في العالم الواقعي من حولهم، فتجعلهم الأدلجة حاضرين بأجسادهم، ولكنهم غارقون بمخيالهم في قاعٍ مجازيٍّ مظلمٍ لا يمت لنور الحقيقة بصلة، فهم يعيشون في زمن ما، ولكن واقعهم العملي يشير إلى أن إنشغالاتهم وتصوراتهم وممارساتهم تدل على أنهم خارج الزمان والمكان يعيشون.
ويبدو أن هكذا نماذج بشرية وجد مَن يماثلها في أغلب الأزمان والعصور، وعلى سبيل الذكر وليس الحصر يتحدث المفكر الإيراني الراحل علي شريعتي في كتابه “النباهة والإستحمار” عن نموذجٍ من الشعراء والشعر يعود تاريخه إلى سنة 618 هجرية عام دخول المغول لإيران والذي حوّل البلد إلى أنقاض وترك إيران آنذاك حسب تعبيره تسبح في لجة من الدماء، إلاّ أن كل الخراب والدمار والقتل والتنكيل لم يحرك أحاسيس وعقول ذلك النموذج من الأدباء للتفاعل مع ما يجري ميدانياً من حولهم، إنما تركوا كل الويلات والمصائب والكوارث وراحوا يؤلفون قصائد طويلة عن مواضيع لا تخص الوقت العصيب الذي كانوا يمرون به ويتجرع الناس مرارته، فيتساءل شريعتي يا ترى ما الفائدة من هذا العمل الشعري، بينما جنكيزخان يجول البلاد طولاً وعرضاً، يقتل وينهب ويحرق، وفي النهاية يفر شاعرنا طالباً النجاة ككل الناس “أنظر كيف يُمسخ الإنسان إنه لضحية الإستحمار”؟
ومن كانوا في مقام الشعراء الذين تحدث عنهم شريعتي في المجتمع الكردي في زماننا هذا هم الحشد الأوجلاني، باعتبار أنه كلما قامت تركيا بتهديد منطقة كردية ما خرجوا بمظاهرةٍ رفعوا فيها صور عبدالله أوجلان المسجون في تركيا، والذي تستخدمه تركيا كذريعة دائمة عندما تود استهداف أي منطقة كردية سواء التي داخل تركيا أم التي تقع خارج أسوار دولتها، فعندما حشدت تركيا قواتها على تخوم منطقة عفرين للسيطرة عليها وانتزاعها من حزب الاتحاد الديمقراطي المحسوب على حزب العمال الكردستاني قامت حشود الحزب برفع صور زعيمها على الحدود وكأن بهم كانوا يقولون ها نحن هنا لماذا لا تهاجموننا لنستمتع بمشهد دوس أعلام وصور رموزنا من قِبلكم؟ كما حدث الأمر ذاته في رأس العين وتل أبيض وقامشلي، ولكن بما أن قوات نظام الأسد موجودة في قامشلي فعلى الأغلب لن تهاجمها تركيا، وليس من المتوقع أن تهاجم تركيا أي طرف آخر من بين كل القوات والميليشيات الموجودة في سورية، باستثناء المناطق الكردية الواقعة تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي أو ربما أي حزب كردي آخر وذلك باعتبار أن “كل من عدوه بين عيونه” ودائماً تكون ذريعة الهجمات هي محاربة تنظيم pkk، حتى أن توغل تركيا في إقليم كردستان العراق وإنشاء قواعد عسكرية دائمة لها هناك كان بحجة هذا التنظيم الذي يرى مراقبون بأنه عبارة عن مارد علاء الدين الذي يلبي طلبات الدولة التركية عند الضرورة وينقذ الحكومة التركية من الإشكاليات الداخلية، وحيث يقوم التنظيم المذكور بإشغال الشارع التركي كلما شعرت الدولة بأنها داخلياً في مأزق اقتصادي أو غدت أمام اِمتحان صعب مع شارعها.
وبخصوص المقارنة بين الحشود المساقة وبين نوعٍ من الزواحف ألا وهي الحرباء، فمعروف أن الحرباء عند اقتراب أي عدو منها تموه نفسها وتغير لونها وتتماهى مع طبيعة المكان الذي هي فيه، وذلك حتى تحمي نفسها ممن يودن مهاجمتها أو القضاء عليها، بينما حشود حزب العمال الكردستاني المسحوب من دماغها فضيلة التفكير فهم بخلاف تلك الفصيلة من الزواحف، لذا فبدلاً من أن يموهوا ذواتهم، وبدلاً من إخفاء ميولهم وأهدافهم، وبدلاً من الإنحناء أمام العاصفة التي تعادل قوتهم ألف مرة، فهم كالسنابل الفارغة يشمخون أمام العاصفة، وعوض التمويه يلتحفون بأغلظ اليافطات ويلوحون بالألوان الفاقعة والحارة، وذلك حتى يراهم العدو على بُعد آلاف الكيلومترات، وفوقها يُحسبون على الكائنات البشرية التي من المفروض أن ما يميزها عن الكائنات الحية الأخرى فضيلة العقل ونعمة التفكير؛ بينما الحرباء فتحسب على الحيوانات الزاحفة، أي أنها لا تقرأ، ولا تكتب، وليس لها القدرة على الاطلاع على التاريخ والأحداث والكوارث التي حلت ببني قومها قبل قرون أو قبل أربع سنوات، ومع ذلك فتلك الزاحفة تعرف كيف تحمي نفسها، وتدرك زمنها، وتفهم ظروفها، وتعي قدرتها، لذا تغيّر لونها إن شعرت بأي خطر يهدّد حياتها، كما أنها تغير سحنتها كي تجاري البيئة من حولها، وتغير لونها وفق الظروف الطارئة التي تمر بها، وتغيِّر أصباغها لتحمي نفسها من الأعداء المتربصين بها!!
ومن أجل إعطاء الموضوع الذي كان التفاعل معه في الأيام الأخيرة كبيراً على وسائل التواصل الاجتماعي حقه، ومن أجل إشباعه من خلال إيراد الزوايا المتنوعة التي تم التطرق إليها من قبل مجموعة من الكتاب، ولكي تكتمل الفكرة في ذهن القارئ ويطلع على أكثر من وجهة نظر بهذا الخصوص، ويقارب القضية التي تقلق راحة أكثر من مليون شخص في شمال وشرق سورية، سنورد أبرز ما تم تناوله بخصوص التصرف الأخرق للحشد المساق الذي لا يُقدم عليه في الأوقات الحرجة إلاَّ مباعٌ صرف أو متهور أحمق.
وعن الحركة البلهاء التي قامت بها حشود بشرية في منطقة عين العرب(كوباني) كتب الإعلامي السوري سمير متيني قائلاً: “إن الذين نظموا مظاهرات كوباني اليوم ورفعوا صور زعيمهم في الوقت الذي تحشد فيه تركيا لاحتلال كوباني والشمال السوري هؤلاء الساسة، إما عملاء للمحتل أو حمقى لا بد من طردهم من العمل بالشأن العام أو مجانين يجب وضعهم بمصحات عقلية، ونطالب بمحاكمتهم، ونقول لهؤلاء، كفى لعب دور الزعران بالمنطقة، وبالعاااامية حلوااا عن سما هالشعب!؟”.
أما الناشط السياسي مرفان كلش فكتب تحت عنوان: “العقل الشمولي بين الغباء والوقاحة والاختراق، وقال: في الوقت الذي كان مجلس الأمن القومي التركي يعقد اجتماعاً مُهدداً بإجتياح ما تبقى من المناطق الكُردية في سوريا، خرج علينا الـ: ب ي د بمسيرة في كوباني تحت يافطات عاطفية مخزية /على طريقة؛ كاد المريب أن يقول خذوني!/ إلى جانب التلويح بالعشرات من صور عبد الله أوجلان /امتنعت عن نشر الصور عمداً لكي لا أصبح شريكاً في هذا الغباء المطلق!/ هل من عاقل واحد من داخل هذه المنظومة الشمولية المتحجرة يستطيع أن يقنعنا بالفائدة السياسية المرجوة لهذه المسيرات!؟ أليس الحكمة تقتضي أن ننزع الذرائع والحجج من يد العدو حتى ولو كانت لمجرد التحجج لا أكثر؟ يا لذكاء عدونا وحنكته، ويا لغباء من يصفون أنفسهم بقادة عباقرة يقودهم “فيلسوف!”! يا لقوة عدونا ويا لضعفنا وهواننا”.
بينما كتب مراسل قناة العربية جمعة عكاش الذي كان في موقع المهزلة أن عنوان مظاهرة كوباني اليوم وكأنه: “الحياة للقائد .. الموت للشعب، بينما تقف كوباني على خط النار التركي ويبحث مجلس أمنها اجتياحها خلال ساعات يقدم المسؤولون على المظاهرة بالتزامن وجبة على “طبق من ذهب” للجيش التركي عبر رفع صور القائد الكردي عبدالله اوجلان وأعلام حزب العمال الكردستاني وكأنهم يريدون أن يبلغوا تركيا نعم نحن حزب العمال الكردستاني .. في منطق القانون هذا تآمر وخيانة … هل سيتحرك القضاء لمحاسبة هؤلاء “.
فيما دوّن الصحفي والشاعر عمر كوجري قائلاً إن “الكثير كتبوا عن تظاهرة رفع وفك العزلة عن السيد أوجلان في كوباني ورفع صوره..وأعلام ال ب ك ك ..البعض اتهم من أصدروا قرار المظاهرة بالغباء وفي توقيت غير مثالي، لا أبداً ..فهؤلاء يعرفون تمام المعرفة مقصد قرارهم…وبرأيي نجحوا..!!! شخصياً لا أستبعد أن تطلق قوات قسد بعض الصواريخ ( الخلبية) باتجاه الأراضي التركية لتعمد الاستفزاز..وتسريع تنفيذ الجيش التركي لتهديده باجتياح مناطق جديدة من غربي كوردستان”.
أما الكاتب والباحث خورشيد دلي فقال في منشوره بهذا الخصوص: “الذين نظموا تظاهرة كوباني اليوم .. ورفعوا صور أوجلان .. في الوقت الذي كان مجلس الأمن القومي التركي مجتمعا وأردوغان يهدد بعدوان عسكري .. باختصار إما أنكم جهلة إلى حد النخاع، أو أنكم عملاء لأردوغان .. يجب محاسبتكم على هذه الممارسات المشبوهة”.
ونختتم الآراء التي تناولت التصرفات الحمقاء للحشود الأوجلانية المنقادة بما دوّنه الدكتورمحمد زينو على صفحته الشخصية قائلاً: “في وقتٍ يحاول الكثير من الدول والجهات الدولية ورجال السياسة والخيرين من أهل المنطقة لجم هوس وشراسة زعماء الدولة التركية الظالمة ضد الكرد؛ في وقتٍ يحاول الكثير من الأصدقاء وضع الفرق بين الإدارة الذاتية وحزب العمال الكردستاني لسحب الحجة من تركيا؛ يخرج من بين رجال الإدارة الذاتية نفسها أشخاص يطيحون بتلك المحاولات، كأن بهم يقولون: لا لمحاولاتكم وجهودكم…..نحن الإدارة الذاتية نقر بالسيد عبدالله أوجلان زعمياً لنا، أنتم مخطئون والدولة التركية على حق، لا فرق بين ب ك ك و الإدارة الذاتية، لا يهمنا الشعب والقضية والأرض والعرض والحقوق والمطالب، كل ما يهمنا في هذه الدنيا هو صحة وسلامة خصيان الزعيم”.