وليد حاج عبدالقادر / دبي
خاص لموقع ولاتي مه
في عام ١٩٩٠ وبيوم احياء الحداد بذكرى حلبجة ، كما كانت قد قررتها آنذاك غالبية احزاب الحركة الكردية في سوريا ، والذي كان مقررا في الساعة 11 صباحا ، وكنت في شارع فلسطين بمدينة الحسكة ، وفي حوالي الساعة العاشرة والنصف كانت عندما انعطفت إليها ولألتقي به وجها لوجه ولم يكن غيره المساعد أبو وسام من الأمن السياسي والذي الى الآن ولمجرد ذكر اسمه يلسع خلايا جسدي من لدغات كبله الرباعي واتذكر آلية التواء جسدي داخل إطار سيارة صغيرة وقدماي قد لفهما حزام كلاشينكوف بواسطة عنصر وهات ياكبل رباعي ، وهو يضرب بحقد وقوة شديدين وكان اقدامي لم تشف غليله واخذت لسعات الحبل تؤلم اجزاءا اخرى من جسدي ..
استوقفني المجرم وأول شيء فعله خطف جريدة تشرين التي كانت ملفوفة بيدي وأخذ يبحث داخلها عن شيء ما وقال : وين المنشورات ولا ؟ قلت : على إيش عمال تحكي ؟ رد : أو عامل حالك ما تفهم ؟ الى أين انت ذاهب ؟ لا تقل تسوق لأنك راح تكذب ! أكيد رايح تشترك بالفرحة التي تسمونها أنتم حداد ولاك والله ما حدا أعطاكم يللي تستاهلوه غير صدام حسين فعلا تستاهلون كلكم رش بالكيمياء _ بس هذا رأيك أنت مو الحكومة ؟ هس ولاك ؟ وبعد أن ناولني الجريدة قال لي انقلع قبل أن أناولك الكف بنص الشارع _ والآن أتمنى أن يكون ابو وسام على قيد الحياة ويبقى حتى سقوط النظام لا لأضعه بالدولاب وأبلش بالكبل الرباعي أو أن ألف قدميه وأحصرهما بحمالة البارودة وأبلش بالكبل من جديد ولا حتى أن أحرجه أو أهينه كإنسان وفقط سأقول له : لقد مات صدام وهاهي حلبجة شامخة وبأطفالها تفرح .
…
كنا في الصف الخامس الإبتدائي في الستينات وبمدرسة المأمون الريفية بديريك وكان لدينا معلم درزي اسمه عبدالله يدرسنا العلوم والحساب … طويل وبشنبات كثيفة ، دخل ذات يوم وبيده تلك المسطرة التي طولها متر أي مائة سنتيمتر وأحد أطرافها حادة مثل نصل سكين .. بعد القيام والجلوس وأتذكّر أن عريف الصف كان المرحوم محي الدين سيد نذير تمشى المعلّم في الصف وهو يتأملنا أوقف واحد كان يشاركني وعبدالملك حسين مراد سأله شو إسمك ؟ رد التلميذ قائلا .. عمانوئيل حنا .. أقعد .. قال له المعلم .. حام حول مقعدنا كثيرا وهو يتطلّع فينا وأخيرا قال يللي منكون كردي خليه يوقف .. طبيعي قمنا أنا وعبدالملك والراحلين محي الدين وبشير عبدالله ومحمد عبدالله ونوري أحمد .. ناداني أن اخرج من المقعد فخرجت وجلب الكرسي المصنوع من الخيزران بلونه اللامع وقال لي أجلس .. جلست على الكرسي ونادى عمانوئيل وطلب منه أن يرفع قدمي الى الأعلى ـ طبعا بعد خلعي لحذائي ـ وكانت أوّل فلقة في حياتي خاصة ولسبب كرديتي وللآن كلما أرى كرسيا من الخيزران أو مسطرة خشبية أتذكره عبدالله الدرزي وآثار تلك الفلقة التي انطبعت على قدميّ أنا و ـ عفدوكي حسيني مراد ـ الأستاذ عبدالملك حيث حالف الحظ البقية كون جرس الحصة قرع .. ( وليتكرر المشهد في فرع الأمن السياسي وبيوم ظهور نتائجنا الثانوية ونجاحي فيها حيث كان الإستدعاء الأول لي عند فرع الأمن السياسي وهو موضوع آخر .. ) بقي أمر جد مهم .. نعم كانت المنافسة قويّة بيننا نحن الثلاثة في المقعد ـ عمانوئيل وأنا وعبدالملك ـ وما نسيتها حتى الآن لا كلمات عمانوئيل ولا طعم الحليل الذي اعطانيه هو في الفرصة حينما تقدّم مني وقال : اخوي وليد إنت تعرف بأنني لم أستطع رفض طلب استاذ عبدالله .. ومع هذا ليسامحه الله ـ استاذ عبدالله … وهذا التوارد كان لسبب بسيط .. نعم دخولي لمطعم ـ كراتشي دربار ـ بدبي وكراسيه المصنوعة من الخيزران إياه .. الله يازمن كم كنت ومازلت حلوة ورائعة ـ ديريك ـ الجميلة ..
..
كان يوما جميلا في المعتقل وجميع رفاقي يستعدون لزياراتهم ما عداي حيث وبحسب توقعاتي فان زيارتي القادمة لن تكون قبل اسبوعين او ثلاث ومع هذا وللإحتياط فقد كانت تقاليدنا نحن المعتقلين جميعا أن نستعد لزيارات مفاجئة ، فكنا نحلق ونلبس استعدادا لأية زيارة طارئة . كانت الأسماء تقرأ في التاسعة صباحا وتتتالى ، وكعادة الراحل الوالد في زياراته التي كنت قد حفظتها حيث كانت مواعيده بعد العاشرة لذلك كنت أستعد للعودة الى يومياتي العادية بعد الحادية عشرة .. ويومها غفت قليلا .. و اتاني زميل من حزب العمل الشيوعي يوقظني من غفوتي .. ينادونك للزيارة ! ..
انطلقت مسرعا الى البوابة وقادني عنصر الى شبك الزيارة ، لمحت الوالد ومعه الأخ الأصغر فينا ( .سيبان ) وولدي ( هفراز ) الذي كان قد زارني قبلها باسبوعين مع امه واخوته ووالدي ، تلك الزيارة التي أحدثت ضجة وردة فعل لا يزال اولادي يتذكرونها والقصة بدأت حينما سمح المساعد اول ابو حسين رئيس الوردية لواحد من المعتقلين وكان من اللاذقية بتقبيل ولده ولمحت ابنتي ( بنار ) ذلك وطلبت من امها ان تقبلني وكذلك ولدي الطفل كان حينها ( كوران ) وارتفع نحيب بكائهم ووالدي كان مشغولا يسلم على رفاقي حينها .. تقدمت من ابو حسين وطلبت منه ان اقبل اطفالي ؟ رد بخشونة : ممنوع .. ممنوع .. ( كوران ) بكى اكثر وامه تحمله و ( بنار ) تطلعت فيه بنظرات تكاد ان تحرقه ولما رجع الوالد ولاحظ الحالة سأل عن السبب ! شرحنا له وتقدم منه / وكان الراحل جسورا ويتكلم بجرأة ولا يبالي / ولما رآه المساعد أدار ظهره وغادر تكلم مع الذي بمكانه وكان لطيفا معنا حتى داخل الزنزانات .. طلب ان يأتوا الأولاد .. رفضت ! .. وعند مغادرتهم وعودتنا الى مهاجعنا استوقفني أبو حسين وأحسست بأنه ينوي الإعتذار ولكنه صمت ، وفي العودة الى زيارة والدي وأخي وحيث انه المساعد نفسه كان تقدم نحوي وقال ( الصغار شو يقربوك ) قلت : الكبير اخي الأصغر والثاني ابني .. شو إسمو : قلت هفراز .. كرر الإسم وناداه : هفراز هفراز .. تقدم هفراز وقال لي : تعال وعند الطاقة قال له : قبل ابوك ! .. إلا أن هفراز رفض وتمتم بالكردية .. اختي الصغيرة واخي هم من بقيت الحسرة بقلبهم وبكوا كثيرا .. ناداه لأكثرة من مرة وانا وابني وابي نتطلع في عيون بعضنا و .. قال المساعد ابو حسين : الآن عرفت ليش ابوك هون وأكيد رح تكون متلو هون ! .. قاطعته وانا أؤشر على والدي : نعم لأنه هو ايضا كان هون … وانحنى والدي يقبل ابني هفراز وهو يقول مازحا / ما ماجكرنا من آن يابابي تا / .. رحمك الله يا أبي ! .. في الكردايتي ما خاب ظني في اعتبارك قدوتي .. ( الوالد رحم الله كان من معتقلي أول دفعة للحركة القومية الكردية مع د . نورالدين ظاظا واوصمان صبري وآخرون وما الاصفر سنا بينهم ) .
( ملاحظة ) : في آخر يوم لنا بمعتقل عدرا الذي دام حوالي السنتين ، وصباح إعادتنا الى فرع القامشلي للأمن السياسي كان نفسه المساعد اول ابو حسين واثناء تسليم وثائقنا كان يفتش كل واحد تفتيشا دقيقا ولما جائني الدور سلمني أغراضي وربت على كتفي وقال : ثق تعذبت كثيرا بعد ذلك واتمنى ان تعتذر لي وبطريقتك من اطفالك .. مع السلامة وهذه اغراضك
….
في سنة ١٩٨٠ قدمت لجنة بحثية من جامعة استوكهولم الى كردستان سوريا وتركيا مع مجموعة من الطلاب وبرئاسة وإشراف أكثر من بروفيسور وكانت الغاية الأساسية حينها الإطلاع على واقع الأخوة المسيحيين فيها وبالتالي الواقع الكوردي ايضا وكان الوفد يضم أيضا حينها الأخ ( كيا ) من كردستان تركيا والذي أصبح بعدها رئيسا للفيدراسيون الكردي هناك ، وبالمختصر فقد تواصلنا مع البعثة ووضعنا لهم برنامجا توضيحيا وبالتالي زيارات لمواقع عدة وهي وإن كانت تحت سقف ( حزب الإتحاد الشعبي ) حينذاك إلا أن المبادرات الشخصية هي التي كانت سائدة واستعنا بمترجمين كرد من اساتذة اللغة الفرنسية والإنكليزية وقد كان لجهود الأستاذ عبدالباقي فارس من مصطفاوية في الترجمة من الإنكليزية الى الكردية وهكذا ، وبالرغم من وجود مخفر شرطة هناك إلا أننا قمنا بجولة تفقدية في القرية والبروفيسورة تلتقط الصور وكلما تلمح طفلا تعطيه رزمة من الأقلام والصور الملونة و .. المهم هنا : لاحظت واحدة من الطالبات في البعثة بأن أية مبنى رسمي لا يخلو من كتابات وأعلام وهنا سألتني بالإنكليزية ماذا يعني ذلك وكنا حينها بجانب مدرسة / دمر قابو / باب الحديد وفي ميكروباص متوجهين الى عين ديوار وهنا طلبت مساعدة الصديق كيا فقلت بأنه مكتوب الى الأبد الى الأبد ياحافظ الأسد والعلمان المتشابكان هما علم سوريا والآخر علم حزب البعث .. قالت : يعني الدولة والحزب في صف واحد ؟! .. أجبتها عبر المترجم لا / والقائد المخلد فوق الإثنين !! / .. وهنا قالت ولازالت جملتها المترجمة لي تطن في أذني / فقط الله يعلم كم طنا من الإزالات والبقايا وكم تريلا سيلزم في كل موقع لرمي هكذا صور وتحطيم هكذا جدران ؟! / .. حقا .. صدقت أيتها السويدية في كلامك منذ أكثر من اربعين سنة توقعت انت ذلك !! …