الكرد السورييون بالبلدان الاوروبية : ماذا لديهم وماذا عليهم ؟.. قضية للنقاش (215)

صلاح بدرالدين
اعتبارات عدة دفعتني على طرح هذا الموضوع للنقاش، أولها : الثقل البشري الذي يشغله الكرد السورييون في القارة الأوروبية ليس من جهة العدد فحسب الذي ورغم عدم توفر الاحصائيات الدقيقة يقترب من نصف المليون، بل من حيث النوعية المميزة بين النساء والرجال، في مجالات الاعمار الشابة، والتعليم الاكاديمي، والمهني، والاعمال التجارية الحرة، والنشاط الثقافي، وثانيها : ظهور مايشبه النقد، او معاتبة المقيمين في الآونة الأخيرة بالتقصير، وعدم المشاركة في النشاطات الاحتجاجية أمام سفارات بعض بلدان الشرق الأوسط التي تحكم أجزاء من الكرد، ووطنهم، وانتشار ذلك على صفحات التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، وثالث تلك الاعتبارات هو ضرورة تناول دور الكرد السوريين بالمهاجر عموما، وفي البلدان الديموقراطية كما في أوروبا في عملية  تجديد، وتطوير وتوحيد الحركة الكردية السورية كمهام آنية في المرحلة الراهنة .
الكرد السورييون كانوا في صدارة النشاطات الاحتجاجية 
منذ سبعينات القرن الماضي وحتى الاعوام الأخيرة نادرا ماحدث أي تحرك احتجاجي ضد الأنظمة الشوفينية المقسمة للكرد ووطنهم في البلدان الأوروبية الا وكان الكرد السورييون في القلب منها ومحركوها، وقد علمت مرارا وعلى سبيل المثال، ان مظاهرة احتجاجية جرت بالمدينة الأوروبية الفلانية تضامنا مع كرد العراق او ايران او تركيا، وغاب عنها كرد تلك البلدان، وحضر فقط الكرد السورييون، او ان الكرد السوريين تظاهروا بالبلد الأوروبي الفلاني تضامنا مع شعبهم بسوريا وضد نظام البعث ولم يشاركهم اكراد الأجزاء الأخرى الا ماندر.
تقاطع في الأولويات 
في العقد الأخير وتحديدا بعد اندلاع الثورة السورية، حصلت هزات عميقة علىى الصعيد الكردي العام، أدت الى ماتشبه المراجعة النقدية الصامتة لدى الكردي السوري،وإعادة النظر في العديد من المفاهيم القومية، واولوياتها، وذلك بسبب التطورات التالية:
أولا – ترسيخ سياسة المحاور الحزبية  المتصارعة بين المراكز القومية خصوصا ( قنديل وهولير ) من دون وضوح الرؤا تماما، أو طرح البرامج السياسية المتمايزة، وقضايا الخلاف الفكرية، والسياسية، ومدى صلة ذلك الصراع بالاجزاء الأخرى من كردستان، وبالمسائل المختلفة عليها حول فكر، ونهج، الحركة القومية الكردية في المرحلة الراهنة، فقط نحن امام مواجهات عسكرية متقطعة غير شاملة، وحملات إعلامية تأخذ الطابع الحزبي، واجتهادات من هنا وهناك وغالبا من جانب أحزاب توالي هذا الطرف او ذاك، ولاتمس الجوهر من الصراع، الى جانب استعداد الأطراف للتفاهم، والعودة الى اتفاقيات سابقة، أو ابرام اتفاقيات جديدة، بمعنى عدم وضوح جوهر الصراع، وانتشار البلبلة في الأوساط الشعبية .
ثانيا – توسع الفجوة مابين القومي، والوطني  لمصلحة الأخير كتطور موضوعي في مختلف الساحات الكردستانية، خاصة امام افتقار الحالة القومية العامة الى مركز متوافق عليه، وصيغة مدروسة موثقة معترف بها  للعلاقات القومية بين تعبيرات الأجزاء الأربعة هل هي علاقات تنسيق ام تبعية ؟ هل ترضخ لمبادئ ديموقراطية ثابتة، ام للامزجة، ام ان الضعيف يتبع للقوي ؟ وكمثال على حالة الفراغ (القومي) دخول الالاف من مسلحي – ب ك ك – الى المناطق الكردية السورية من دون ليس التشاور مع كرد سوريا والاجزاء الأخرى فقط، بل حتى دون اعلامهم، وعندما قررت قيادة إقليم كردستان العراق اجراء استفاء الاستقلال (وهو حق الاشقاء الطبيعي) لم تستشر كرد الأجزاء الأخرى، كل ذلك تعبير عن حالة واقعية في العلاقات القومية، وهذا مايتأثر به ولو متأخرا الكرد السورييون، والبعض منهم يصاب بما يشبه الصدمة .
ثالثا – الهجمة الواسعة من جانب جماعات – ب ك ك – للسيطرة على مقدرات الكرد السوريين بما تشبه – الغزو – أو ( التالان ) بالكردية، وبحظوة كبيرة للكردي التركي – الكادرو – في مواقع المسؤوليات العسكرية، والأمنية، والمالية، وحجبها عن الكرد السوريين بالرغم من الكفاءة المتقدمة، وهو أيضا تجسيد للنهج ( القطري ) اذا صح التعبير على حساب القومي.
رابعا – تضارب المصالح السياسية ( القطرية ) في الكثير من المراحل بين تعبيرات  الكرد السوريين من جهة وأحزاب ومجموعات كرد الأجزاء الأخرى، حول من هو العدو الرئيسي، وكذلك بشأن الموقف من نظام الاستبداد السوري،  والقضية السورية، وقضايا الكرد السوريين، وكذلك الموقف من القوى الدولية المحتلة، وعلى سبيل المثال في اوج الثورة السورية، ومشاركة جزء كبير من الكرد السوريين فيها، واعتقال واستشهاد بعضهم، كانت قوىى سياسية كردستانية تتواصل مع نظام الأسد .
خامسا – تمادي تنظيمات – ب ك ك – في تشويه المعاني الديموقراطية، الحضارية للتظاهرات السلمية التي اقامتها فيي البلدان الأوروبية، وتحولت الىى مادة تستخدم ضد مصالح الكرد خاصة عندما امتزجت بالعنف، ومخالفة القوانين المرعية، وتهديد طبائع الحياة الاجتماعية في تلك البلدان، والمحاولة في تجيير أي تحرك لمصلحة الحزب الموسوم في تلك الدول بالإرهاب.
لسنا هنا بمجال تبرير (انكماش) الكرد السورين، وتراجع مشاركاتهمم كالسابق في مختلف المناسبات خصوصا بعد محاولات احزابهم أيضا في استثمارهم لمصالحها الضيقة، واستغلال حتى المناسبات القومية مثل – نوروز -، وقد لاحظنا على سبيل المثال قيام الغالبية الساحقة من الكرد السوريين المقيمين ببلدان أوروبا باحياء حفلات نوروز بمعزل عن احتفالات الأحزاب وهي خطوة متقدمة تعبر عن الاستياء من أداء الأحزاب، والمطالبة بتوحيد الحركة الكردية، واستعادة شرعيتها.
الامر الآخر الذي يؤرقنا جميعا ويدعو الى القلق هو تعدد المنصات، والمراكز، والجمعيات، والمواقع الاعلامية والتي تخدم آيديولوجيات معينة، وتتلقى الدعم ( غير القانوني ) من الأحزاب، والجهات المتعددة، وتستخدمها لبث الفرقة والانقسام، واثارة الشائعات المغرضة بحق المناضلين،  اما الجادة الحريصة على مصالح الكرد منها، فانها أيضا منقسمة على بعضها وتسودها – الشخصنة – والفردانية، وهي تقلد الأحزاب في هذا المجال، وتحتاج الى التجديد، والدماء الجديدة حتى تقدم الخدمات لقضايانا المشتركة مع الشعوب الاخرى، وتنجز مهامها  القومية الثقافية، والديموقراطية، والانسانية فيي اطار احترام قوانين تلك الدول، فمن غيير المعقول ان تجد البعض يتربعون على (عروش) ! جمعيات في بلدان انتقلت السلطة فيها من حزب حاكم  الى آخر عشرات المرات، وفي اكثر الأحيان يسخر هذا البعض تلك الجمعيات لمآرب شخصية، ومصالح خاصة تماما مثل ممارسات مسؤولي (أحزابنا)، كل تلك السيئات أثرت أيضا في تفاعل الكرد السوريين مع الاحداث.
اذا كان هناك تقصير، او تراجع في النشاطات، فمرد ذلك بالنهاية الى انقسامات الحركة الكردية السورية بالوطن، وتعدد المحاور، والولاءات، وانعكاس ذلك عليهم،  ولن تستقيم الأمور، ولن تعود لطبيعتها الا بإعادة بناء الحركة، وتوحيدها، عبر المسالك الديموقراطية المدنية، ولاشك ان للكرد السوريين في الشتات دور كبير في المساهمة الفاعلة، وذلك كل في مجاله، وفي اطار عمله .
والقضية تحتاج الى نقاش
  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…