د. محمود عباس
دور الحراك الكوردي، وهل يمكن مواجهة المشروع، وإيقافه؟
كيف يجب أن يكون الرد؟
ينتصر المتكالبون على أمتنا بسهولة؛ عندما نظل سجون مفاهيمنا الكلاسيكية، وأسراء تجارب ماضينا الفاشل، ويصبح التشتت الداخلي حالة مزمنة. كما ويتحول الطغاة إلى حكماء؛ عندما تتحول خلافاتنا إلى وباء ثقافي، ونجد لهم ألف مبرر ومبرر. ويتعقد الخلاص من الواقع المزري، وتبتعد مرحلة إمكانية مواجهة المتربصين بنا، عندما ينسخ حراكنا السياسي، أساليب وثقافة السلطات الشمولية، وبعضهم يقلدون المعارضة الانتهازية المخترقة.
على السلطتين الكورديتين ألا تتبجح، والمعارضة ألا تعبث وتخرب، عليهم وعلينا جميعا واجبات متراكمة منذ قرن وأكثر، فبالوعي الجاري لن نحقق نجاحا، ولن نتجاوز مراحل التيه، ونبلغ حواف التحرر.
يجب أن ندرك أننا نواجه صراع معقد ومتعدد الأوجه، والإشكاليات التي تعترضنا تشبه الحرباء، تتغير ألوانها مع الظروف؛ ومع مصالح العلاقات الدولية، وتكاد تكون الحالة الكوردستانية شبه استثنائية بين جميع حركات التحرر العالمية، فمعالجتها بالأساليب الكلاسيكية، لم تجدي نفعا ولم تنقذنا من كوارثنا، ولم تزيح الاحتلال عن وطننا وجغرافيتنا.
تكرار الماضي، وبنفس الطرق أدت إلى ديمومة الاحتلال، ونقلتنا من فشل إلى فشل، رغم التضحيات الجسام والثورات الدموية المتتالية. كما واستنساخنا لتجارب الشعوب، عكست جهالتنا لاحتياجات قضيتنا، وبينت عدم إدراكنا لواقعنا الذي لا يشبه أي منهم، فقد كنا نداوي وباء غريب بأدوية أمراض دارجة، ولا نحاول، حتى اللحظة، تغيير الدواء، وأساليب المعالجة.
وفر الحضور الأمريكي وقبله الروسي إمكانيات مناسبة لحراكنا، لكن التشتت خلقت عورات عصرية، وأعادت آلام الماضي، لحقتها الأنانية والتفرد، والمواقف الهشة والضحالة الدبلوماسية؛ وتخبطها بين القوى الإقليمية والطموح الساذج نحو الصداقات الدائمة مع القوى الكبرى.
لا زلنا لا ندرك كيفية مواجهة الأعداء ومخططاتهم بحق أمتنا وقضيتنا، لم نتجاوز سوية خلق منظمات بأسماء مختلفة وأوجه جديدة، بمضامين هي ذاتها، وأساليب نضال ليست سوى نسخ من ماضي الأحزاب، حيث طغيان صياغة البيانات التنديدية، جلها خجولة مثلما كانت في الماضي؛ تحت مبررات الظروف والعلاقات السياسية، مع استثناءات قليلة؛ تهمش، أو تعترض، إما بتخطيط أو لعدم الدراية، كالتي ظهرت في الأسابيع الماضية حول مشروع أردوغان بتوطين مليون ونصف من السوريين العرب المغتربين في المنطقة الكوردية.
أساليبنا وواقعنا الكارثي، يضعف أمل إيقاف المخطط، أو إثارة القوى الكبرى للضغط على تركيا وأدواتها، وإعادة النظر فيه، أو تغييره، ومن المؤلم أن بيئة واقعنا الداخلي مهيأة لكل التوقعات السلبية، إلى حد احتمالية إحياء أردوغان مشروعه الكلي الذي أتفق عليه مع دونالد ترمب، قبل أن يختصرها بوتين، ما بين سري كانيه وكري سبي، وذلك باجتياح أغلبية جغرافية غربي كوردستان، وتوطين المليون نصف عربي سوري فيها، وإدارتها من خلال أدواته من المعارضة السورية التكفيرية.
رغم حصولنا على بعض المكتسبات، خلال العقد الماضي، والتي صعدت من الأمل بقادم مشرق، على خلفية الصراعات الدولية والمتوقعة أنها كانت تصب في مصلحة الحضور الكوردي، السياسي والديمغرافي، وتفاؤلنا كان يزداد مع السنين في هذا الجانب، لكن الرهبة بدأت تظهر يوما بعد أخر، من أن نخسرها، على خلفية عدم قدرتنا كحراك مجاراة التغييرات الدولية والمكتسبات الداخلية، فأصبحنا كالرابح الذي يخسر الرهان لعدم معرفة كيفية حمايته.
رغم وجود تبريرات على التالي، من حيث الإمكانيات الشحيحة، والقدرات الهزيلة، وتربص الأعداء، إلا أن:
1- ما تقوم به الإدارة الذاتية وقوات قسد دون مستوى الأحداث، من البعد الداخلي، والمتطلب تكوين جبهة قومية-وطنية، وتحسين الواقع المعيشي في الداخل، وإعادة النظر في القضية القومية الكوردية، من الرموز؛ إلى قضية إعادة أراضي الكورد؛ وحيث ديمومة رسوخ، المستوطنين الغمريين، والمربعات الأمنية، ومحاربتها لأطراف من الحراك الكوردي المعارض، إلى جانب المنهجية الأممية على حساب القضية الكوردية، والتي لم تحد من نزعة الهجرة الكوردية إلى الخارج، والعربية القادمة إلى المنطقة؛ على الأقل.
2- كما وأن المجلس الوطني الكوردي، والتي خسرت مع الزمن وزنها، دبلوماسيا وسياسيا، داخليا وخارجيا، وتحولت: من احتمالية تمثيل الشارع الكوردي يوما ما فيما لو توسعت، إلى أدوات بسيطة مطيعة للقوى المعارضة العربية، أو الإقليمية، إما على خلفية المصالح الذاتية لبعض الشخصيات المسيطرة عليه، أو ضعف الإمكانيات الذاتية، والإصرار على العمل بشكل انفرادي، وتقييم الأطراف الكوردية الأخرى من منطق إما معنا أو ضدنا، وغيرها من الإشكاليات الذاتية بعضها المرتبطة بالقوى الكوردستانية.
3- خارجيا، التحركات الدبلوماسية للطرفين هزيلة، ودون مستوى القضية؛ ومثلهم ممثلو الأطراف والمنظمات الأخرى، لا زالوا دون سوية تمثيل الشعب الكوردي في المحافل الدولية بقدر ما يمثلون مجموعات ناشئة أو تابعة للأحزاب، لا قدرة لها بإقناع الدول، وخاصة الكبرى بالتخلي عن مصالحهم ومواجهة المخططات التركية وأدواتها، ومن بينها مشروع التغيير الديمغرافي للشعب الكوردي، الجاري منذ احتلالها لعفرين.
لذلك لا بد للأطراف المتفرقة من الحراك الكوردي، تحفيز البعض للعمل بأساليب حديثة، ودراسة تجارب الأنظمة المتطورة، ودخول أروقتها الدبلوماسية، والتي لم تعد بحاجة إلى اللقاءات المباشرة وحيث سهولة التواصل العصري.
وتوعية الذات والمجتمع، والتعامل بالأساليب العصرية داخليا وخارجيا، لإنقاذ الشارع الكوردي من شرخ الخلافات على الأقل، وقد يخلق هذا أملا بتحرير حراكنا من إملاءات القوى الخارجية، والتي تعد من إحدى أهم ضرورات النجاح.
كما ومن الغرابة، أننا لم نتطور؛ حتى في انتقاداتنا للبعض وفي منهجية خلافاتنا، ومحاربة بعضنا، ولا نتمكن من استخدام الأساليب الديمقراطية في الانتقاد ومحاربة بعضنا.
ويتطلب من المنظمات المدنية والثقافية والإعلامية، التحرر من هيمنة الأحزاب الكلاسيكية، التي لا تملك إمكانيات تحرير ذاتها من اجترار الماضي بكل أخطاءه، فقد ثبت عدمية أساليبهم الكلاسيكية على إحداث أي تغيير في الواقع الكارثي.
المسيرة طويلة، وشاقة، نحتاج إلى حركة تنويرية، وقيادة واعية حكيمة، لتحقيق ما نوهنا إليه، وتخلق لأمتنا الأمل بالنجاح، وإلا فأردوغان وغيره من المتربصين بقضيتنا، سينعمون بنجاحاتهم المستمرة، والتي يتقدمون بها خطوة خطوة وبكل تمهل. ولا نستبعد أن ينجح في توطين المليون عربي سوري وفلسطيني في غربي كوردستان، فيما إذا لم نخلق أساليب حديثة في المواجهة واستخدام ما نملكه من الإمكانيات الكافية.
الولايات المتحدة الأمريكية
3/5/2022م