«حكلَي لحكلَك» أردوغان لبايدن

فرمز حسين

من منطلق أن ميدان السياسية العالمية سوق مفتوح بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بافتتاح “البازار” من خلال اعلانه الاعتراض على طلب كل من السويد و فنلندة الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي الناتو ، و جدير بالذكر بأن تركيا تنطلق من موقف قوي بوصفها واحدة من أهم و أقدم أعضاء الحلف و صاحبة ثاني أقوى جيش في الناتو بعد الولايات المتحدة. مقابل ذلك هناك ضعف كل من السويد و فنلندة في هذا التوقيت بالذات و ذلك نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا الأمر الذي ساهم في هرولة كلا الدولتين بتقديم طلب العضوية في الحلف المذكور و مايزيد الموقف حساسية هو تحذيرات الخارجية الروسية و تهديداتها بالعواقب التي قد تحل بالدولتين في حال طلب الانضمام  للحلف و لأن الاحتماء بمظلة الناتو من الجار القوي خلال فترة البث في طلب العضوية غير مضمون فان ذلك يجعل من اسراع البث في الطلب امراً في غاية الأهمية بالنسبة للبلدين.
 السويد من جهتها كانت قد أجرت تحليلاً شاملاً حول مسألة انضمامها للحلف من مختلف الجوانب من ضمنها امكانية ترحيب الدول الأعضاء الثلاثون من قبولها المبدأي والخطورات الأمنية في الفترة الواقعة مابين تاريخ تقديم طلب الانضمام و حتى مرحلة قبول العضوية الكاملة دون توقع مسار سلبي. لذلك جاء موقف تركيا المعارض مفاجأً ، ما دفع الكثيرين إلى الاعتقاد بأن غاية تركيا هي الحصول على بعض التنازلات ليس إلا و ذلك لأنها لم تصرح عن أية أراء سلبية قبل تقديم الطلب رسمياً من البلدين و كأنها أرادت وضع السويد تحت الأمر الواقع للحصول منها على بعض التنازلات!
المصالح السياسية أثبتت دائماً و على مدى العصور أولويتها و انتصارها في المحصلة على كل شيء آخر في الخلافات و الصراعات الدولية. و مايجعل من مسألة التفاوض أمراً دسماً من وجهة النظر التركية  هو أن الدول التسعة و العشرون أعضاء الحلف بما فيهم الولايات المتحدة يؤيدون قبول السويد و فنلندة بل و يريدون التعجيل لانضمام الدولتين و ذلك للتضييق على روسيا من جهة الشمال مع بحر البلطيق، الأمر الذي يشجع حكومة أردوغان على التمسك بالفيتو التركي لممارسة المزيد من الضغط و بالتالي دفع كل من أوروبا و أمريكا لمراضاتها و القبول بمبدأ  أردوغان التفاوضي و الذي يأتي على غرار مقولتنا السورية: “حكلَي لحكلَك”.
قائمة ما تريده تركيا من السويد طويلة من بينها قطع اتصالاتها مع قوات حماية الشعب الكردية في سورية التي تعتبرها أنقرة منظمة ارهابية و امتداداً لحزب العمال الكردستاني ، تسليمها سياسيين يتمتعون بحق اللجوء في السويد ، رفع الحظر عن بيع الأسلحة لتركيا الخ، هذا ما تصرح به على أية حال حكومة أردوغان تجاه السويد.  أما من أمريكا و حسب “صحيفة سفينسكاداغبلادت” الصباحية السويدية فان أربعة  أمريكيين من المختصين في العلوم السياسية و خبراء في العلاقات التركية الأمريكية استبعدوا فكرة أن يكون وراء اعتراض تركيا رغبتها في التمكن من شراء العديد من الطائرات الحربية الأمريكية لكي تظهر شدتها تجاه حزب العمال الكردستاني بل هناك دوافع أخرى أهمها مرارة الرفض الأوروبي المتكرر لانضمام تركيا إلى نادي الاتحاد الاوروبي و عندما جرت المناقشة عن الاسراع في قبول عضوية أوكرانيا في  الاتحاد الاوروبي طالبت تركيا على لسان مساعد وزير خارجيتها المعاملة بالمثل.
علينا ألا ننسى بأن السويد من بين الدول المعارضة على قبول عضوية تركيا في الاتحاد نظراً لعدم استيفاء تركيا شروط القبول مثل غياب الديمقراطية ،سوء معاملة الأقليات  و تطبيق الأحكام التعسفية بحق سجناء الرأي و غيرها من الأسباب التي تجعلها غير مؤهلة لعضوية النادي الأوروبي. 
 ربما في المحصلة يكون الثمن هو تأثير أمريكا على السويد وغيرها من البلدان المعارضة لفكرة قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي بدل من تركها تقترب أكثر فأكثر من روسيا فأردوغان اليوم في ممارساته و سياساته الداخلية و الخارجية هو عملياً أقرب منه إلى بوتين عن الاتحاد الأوروبي أو الناتو  و لا يتوانى في تحدي أمريكا وعقد صفقات أسلحة مع روسية و بالتالي فهو عالق في منتصف الطريق  بنصف ولاء لروسيا و النصف الآخر للناتو و أن مسألة الحريات و غياب الديمقراطية  يمكن وضعها على الرف الآن على أية حال ، لعل وعسى أن تتعلم تركيا من دول الاتحاد في داخلها  فذلك أفضل من بقاءها خارجاً.
2022-05-23
ستوكهولم

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…