حوار مع مثقف فرنسي

بهزاد عجمو

  
في عام 1990 قبل اندلاع الانتفاضة الباسلة لأهلنا في إقليم كوردستان بعام حيث القضية الكردية في تلك الفترة كانت منسية فيما كنت جالسا عند صديق لي بمتجره في قامشلو دخل الينا أحد معارفه وبرفقته شابين فرنسيين وكاميراتهم معلقة في رقبتهم حيث لم يكن يوجد الهاتف النقال في تلك الفترة فأكرمهما صديقي بترحاب وقدم لهما الشاي ومن خلال حديثي معهما بالفرنسية عرفت أنهما قد أنهيا دراسة كلية العلاقات الدولية في باريس وأنهما ينويان العمل في السلك الدبلوماسي وبعد برهة أخرج أحدهم كاميرته من رقبته وقال بالفرنسية كيف تريد أن تصوره أنه يشبه الغجر فرد عليه بكل فظاظة ووقاحة ( الكرد كلهم مثل الغجر ) وذلك لأن الغجر ليس لديهم وطن مستقل والكرد ليس لهم وطن مستقل وثانيا الغجر منتشرين في معظم دول أوربا والكرد أيضا منتشرين في معظم دول أوربا 
هنا انتابني الغضب والغيظ ولكن تمالكت نفسي وحاولت أن أكتم غضبي وأن أسيطر على أعصابي وأن أكون هادئا في حديثي حتى أستطيع أن أرتب أفكاري فقلت له بهدوء حسنا سأرد عليك نقطة بنقطة ولكن أرجو  أن لا تقاطعني  أولا عندما تقول بأن الكرد ليس لهم وطن فوطن الكورد معروف ويدعى كوردستان وحدودها معروفة للقاصي والداني ولكن أنتم والانكليز قسمتم هذا الوطن إلى أربعة أجزاء ففي عام 1916 أجتمع قنصلكم في بيروت شالز جورج بيكو مع نظيره الانكليزي مارك سايكس واتفقوا على تقسيم وطننا وعرفت هذه الاتفاقية باتفاقية ( سايكس بيكو ) فأخذتم جزء من وطننا التي تقع شرق الفرات كما أخذتم جنوب كوردستان أو بالأحرى إقليم كوردستان ولكن تنازلتم عن هذا الجزء للإنكليز لقاء سماح الإنكليز لكم بالسيطرة على منطقة الألزاس ومنطقة أخرى تقع في أوربا أما شرق كوردستان فكانت من حصة الإنكليز أما شمال كوردستان فقد أعطيتموها للسلطات التركية بسبب عدم وجود النفط بها فلم يكن لكم مطامع فيها ثم الحقتم شرق الفرات ببلاد الشام وأسميتموها سوريا أي ( موطن السريان ) وكل المؤرخين يعرفون بأن هذه المنطقة لم تكن يوما ما عبر التاريخ موطن السريان وأن موطن السريان الحقيقي  هو جبل طور عابدين التي تقع الآن تحت احتلال السلطة التركية فهنا زيفتم التاريخ والجغرافيا من أجل مصالحكم وأنانيتكم  وآرائكم أكبر جريمة في التاريخ بحق شعب لم يؤذوكم في يومٍ من الأيام ومع ذلك فنحن نحترم المبادئ التي قامت على أساسها الثورة الفرنسية وننظر بأعجاب إلى نظرية ( العقد الاجتماعي ) التي نادى بها (جان جاك روسو ) ف القرن التاسع عشر ونحترم نضال الشعب الفرنسي في تلك الفترة من أجل الحرية والمساواة والعدالة والإخاء والعدالة الاجتماعية ولكن منذ بداية القرن العشرين تأثرتم كثيرا بسياسة جيرانكم الإنكليز التي تقوم على البراغماتية والمراوغة والكذب والخداع والنفاق واعطاء الوعود  الكاذبة للشعوب المستضعفة والتنصل من تلك الوعود بين ليلة وضحاها والأنكر من ذلك أصبحتم تقلدونهم في سياستكم الخارجية وتنظرون الينا كأننا بيادق أو بالأحرى كأننا دمى تلعبون بمصيرنا أو كأوراق ضغط من أجل تحقيق مصالحكم السياسية والاقتصادية دون أي رادع انساني أو أخلاقي وفقدتم كل الثقة والمصداقية وتبررون كل هذه الأفعال الخسيسة والشنيعة بأنها سياسة براغماتية أو سياسة واقعية كما تسموها أنتم فما هذه التبريرات سوى قناع تخفون من ورائها وجهكم القبيح لقد كنت في بداية حديثك معي قاسيا فلذا سأكون معك قاسيا ايضا وأنكم أنتم وكل الدول الغربية مستعدين أن  تبيعوا كل شعوب العالم ببرميل نفط وأن تحرقوا أوطان هذه الشعوب لتشعلوا سيكارتكم لقد كنا في الأول مخدوعين بشعاراتكم التي ترفعوها مثل الدفاع  عن الديمقراطية وحقوق الانسان ولكن انكشفت حقيقتكم لنا وأن ما قمتم بهذه الجريمة النكراء بتقسيم وطننا وأدخلتمونا في مسيرة مأساوية ومحاولتكم اجهاض حلمنا وتطلعاتنا الوطنية بالتعاون مع الدول المحتلة لكوردستان منذ أكثر من مائة عام كل هذا لن يثني من عزيمتنا وأعدك بانه لن يكون هناك استقرار ولا سلام في الشرق الأوسط  إلى أن يعود الحق إلى نصابها فلو بقي طفل كوردي واحد على ارض هذا الوطن سيطالب بكامل حقوقه
لقد قلت لي في بداية حديثك معي بأنك خريج كلية العلاقات الدولية وأنك تنوي العمل في السلك الدبلوماسي فكان من المفروض أن يكون حديثك أكثر دبلوماسية وفيها نوع من المجاملة ولذا فأنا بالمقابل سأتخلى عن المجاملة فأنكم أنتم الأوربيين والأمريكيين لقد سقطتم انسانيا وأخلاقيا في نظرنا منذ مأساة حلبجة وعمليات الأنفال عندما أغلقتم عيونكم وأذانكم عن هذه  الفظائع التي ارتكبت بحق الكرد وأصبحتم في نظرنا بحكم الساقطين  لأن بوصلة مواقفكم هي مصالحكم الاقتصادية ولا شيء اخر فلو كانت لكم مصالح معنا لقلتم بأن الكورد من أعرق وأرقى شعوب العالم ، لذا فأن آراءكم لا يهمنا ومواقفكم هي موضع شك ووعودكم لا نثق بها أعود مرة أخرى إلى حديثك الجارح لقد قلت بأن الكرد مثل الغجر منتشرين في معظم دول أوربا يعود عزيزي أن تواجد الكرد في أوربا يعود إلى قبل الميلاد وأن كنت لا تصدق فعد إلى ما كتبه مؤرخيكم حيث يقولون بأن هناك هجرات عديدة وكبيرة اتت من بلاد ما بين النهرين أي كوردستان الحالية وأصبحوا من سكان أوربا الأصليين هذا قبل الميلاد وربما قبل التاريخ حسنا فاللغة التي نتحدث بها معا الآن  أي الفرنسية فيوجد فيها العديد من المفردات الكردية وقس على ذلك الكثير من اللغات الأوربية الأخرى هل تستطيع أن تقول لي كيف دخلت المفردات الكردية إلى اللغة الفرنسية وإلى اللغات الأوربية الاخرى أن لم يكن جذور الكثير من الشعوب الأوربية  تعود إلى الكرد لأن كوردستان هي مهد البشرية فإذا كنا نحن بغجر فهذا يعني أنكم أيضا غجر وحتى أوكد لك بأن أصولكم تعود إلى الكرد ، تقولون أنتم و الألمان ومعظم الأوربيين : بأن الساميين و الآريين و الحاميين هؤلاء كانوا أبناء نوح و يتابعون بأن هكذا ورد في التوراة  مع قناعاتنا بأن الثورة فيها الكثير من الأساطير ولكن ليس لدينا تفسير آخر ،و سأقول لك بأن كلمة ” آر ” تعني النار بلغة زارادشت  و هو نبي الكرد و هذا النبي كان يبقي النار مشتعلة في معبده ، لذا يعتقد البعض بأن الزارادشتيين كانوا يعبدون النار و هذا خطأ كبير بل أنهم كانوا يقدسون النار و يعدونها رمزاً للحياة و قد اقتبستم أنتم المسيحيين هذه الفكرة فتشعلون الشموع في كنائسكم و أن ديانتنا الزرادشتية القديمة هي أقدم ديانة سماوية و كل الديانات السماوية و غير السماوية قد اقتبسوا منها بعض التعاليم و حتى أثبت لك بأنها ديانة سماوية فعندما ولد السيد المسيح في بيت لحم وكان لازال في المهد استطاع الكهان الزرادشتين عن طريق نجوم السماء معرفة بانه قد ولد  نبي واستطاعوا أن يصلوا إلى بيت لحم عن طريق نجوم السماء ولهم قول مأثور قد ورد في الإنجيل ( رأينا نجمة في المشرق فجئنا لنسجد له ) فقل لي الآن كيف تقولون  بأننا أريين إن لم يكن أصولكم أنتم ومعظم الشعوب الأوربية تعود إلى كوردستان منبع الديانة الزرادشتية وقبل أن أنهي حديثي معك أود أن أذكرك بأننا أحفاد صلاح الدين أيوبي ولنا الفخر في ذلك هذا السلطان الذي يضرب به المثل بالعدالة والإنسانية والأخلاق والحكمة والحنكة والشجاعة ولكن يبدوا أنك تجهل التاريخ لأن إذا ذكر اسم صلاح الدين يرفع مؤرخيكم لهذه الشخصية قبعاتهم لأن لم يعرف التاريخ قائدا سياسيا وعسكريا أرحم من صلاح الدين
وسأوري لك حادثتين جرت خلال الحروب الصليبية كما تسمونها أنتم بلغتكم وفي كتب تاريخكم أما صلاح الدين فكان يطلق عليها تسمية حروب الفرنجة أي الفرنسيين لأن اللغة الفرنسية كانت لغة الكنيسة الكاثوليكية التي قامت بالجملة أعود إلى الحادثتين التي قلت بأنني سأذكرها لك والتي جرت في عهد صلاح الدين والتي تعبر عن إنسانية أسلافنا الكرد ففي احدى غزوات صلاح الدين طفل أمراه فرنجية دون علم صلاح الدين فبعد الغزوة  أتت أم هذا الطفل  إلى معسكر صلاح الدين لأنها قد سمعت عن عدالته وإنسانيته فقالوا لها الناس بأنه ليس موجود وأنه الآن في معركة وسيعود قريبا فجلست تنتظر عودته وبعد فترة عاد من المعركة وهو متعب ومنهك ويتقدم مجموعة من جنده فقامت هذه المرأة وتقدمت وأمسكت برسن حصانه وقالت أريد ابني يا صلاح الدين فرد عليها أين ابنك أيتها المرأة فأجابت لقد خطفه احد جندك فهنا التفت صلاح الدين إلى قادة جنده وقال ( والله لن أنزل من صهوة هذا الحصان حتى تأتوا بأبن هذه المرأة )
وفعلا بعد لحظات أتوا بأبنها وسلموه لها فاحتضنت المرأة ابنها ودموع الفرح تسيل من عينيها وتقدمت إلى صلاح الدين وشكرته حينئذ نزل من حصانه وذهب إلى خيمته ليرتاح قليلا هذه هي عدالة  وإنسانية أسلافنا الكرد هذه من جهة وبالمقابل سأذكر لك حادثة تعبر عن همجية ولا إنسانية للغرب المتوحش فأثناء الحروب الصليبية احتل أسلافكم مدينة نصيبين التي لا تبتعد عن هنا سوى خمسة كيلو مترات وأن كنت تريد سأريك موقع الجريمة التي ارتكبها أسلافكم بالعين المجردة وقد لا يعرف الكثيرين بأن جحافل الصليبين قد وصلوا حتى جزيرة بوطان ففي نصيبين كان جنود الصليبين يبقرون بطون النساء الكورديات الحوامل بحرابهم فيقتلون النساء مع جنينهم وهذه الجريمة الشنعاء لقد قرأتها في كتب التاريخ وهذا الحقد الدفين لازلتم حتى الآن تحملنوه تجاه صلاح الدين وأحفاده فعندما احتلت القوات الفرنسية دمشق في بداية القرن الماضي ذهب قائد الحملة الجنرال غورو إلى ضريح صلاح الدين ووضع رجله على الضريح وقال ( ها قد عدنا ثانية يا صلاح الدين ) وأقول لك بمنتهى الشفافية منذ بداية القرن العشرين وانتشار موجة النزعة القومية لدى شعوب الشرق الأوسط كنا مخدوعين بالشعارات التي كنتم ترفعونها وأنكم ستقفون يوما ما إلى جانبنا لنيل حقوقنا ولكن كل آمالنا بكم مع الأسف كانت سرابا وخيالا وأنكم في أي يوم لم تقفوا مع الحق فأنكم والغرب برمته وحتى الولايات المتحدة الأمريكية لا تقفون إلا إلى جانب مصالحكم ولا شيء اخر فإذا دارات الأيام لأن في السياسة لا يوجد شيء ثابت وحدثت تقلبات سياسية في منطقة الشرق الأوسط وهذه التقلبات أدت إلى أن تكون لكم مصلحة مع الشعب الكردي والقضية الكردية ستأتون أنتم وكل الغرب حكومات وشعوب تتوسلون إلينا لكسب ودنا ومناصرتنا والدفاع عن قضيتنا وهذا اليوم اعتبره قريب وذلك لموقع وطننا الاستراتيجي والحساس في العالم وثانيا لأننا كتلة بشرية كبيرة لا يمكن لأحد الاستهانة بها وثالثا لوجود احتياطي لا بأس به من النفط في وطننا ورابعا الصراعات الجيو سياسية  العديدة في الشرق الأوسط فهناك خطر على استراتيجيتكم من أطراف عديدة ولا يوجد سوى الكورد صادقين معكم والتجارب أثبتت ذلك فانطلاقا من ذلك فأنتم الأوربيين والأمريكيين بأمس الحاجة إلى الكرد وأنا على يقين في النهاية ستعودن إلينا كما تعود الطيور إلى عشها الآمن 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…