في تهافت السلطة والمعارضة وما بينهما ..!

اكرم حسين
 
كمقدمة . لابد من معرفة انني كنت احد اولئك المنخرطين في المظاهرات التي جرت في المنطقة الكردية ، والتي انطلقت من قامشلو واستتبعتها المدن الكردية الاخرى ، وكنت مقتنعاً طيلة الفترة التي سبقت الثورة باستقلالية القرار الكردي السوري ، وبناء شخصية كردية سورية تتفاعل مع محيطها الوطني السوري وتتصالح مع عمقها القومي الكردستاني على اساس وحدة الاهداف  والمصير مع الاخذ بالواقع العياني الملموس وخصوصية كل جزء وحقه في اختيار شكل النضال وبناء التحالفات ووضع البرامج والشعارات حسب الواقع الموضوعي والقدرات الذاتية ، وبالتالي كنت من الداعين الى العمل والانخراط في صفوف المعارضة السورية ، وتبني شعاراتها ، والعمل على تحقيق اهدافها ،
 لاعتقادي العميق بانني في ذلك اخدم قضية الكرد السوريين في  اصطفافات القوى المختلفة على الارض السورية بعيدا عن المعارضة الاصولية التي تحمل السلاح وكل ما تعنيه عسكرة الثورة من تهتك ودور ملحق بالسياسة الاخوانية المرتهنة لتركيا والخليج عموماً بتناقضاتها العميقة واختلافاتها الواسعة ، وقناعاتي بان الاستقلالية تتعلق بالتحالفات والمهمات والوسائل المتنوعة . الا ان سير الوقائع والاحداث وتفاصيلها على الارض ، وما جرى من تسليم واستلام وما نتج بعد هجوم داعش على كوباني واعلان الادارة الذاتية والتحالف مع امريكا في مواجهة  داعش قد فرض نسقا من التفكير والوقائع والعلاقات تجاوز ما كنا نفكر به او نعتقد بحدوثه ، وهو الرحيل السريع للنظام ، وما يتمخض  عنه من ادوات وملاحق ، وتحقيق الكثير من الافكار والتصورات والشعارات التي انتفض السوريون في سبيلها ، ومنها الحرية والكرامة والمساواة والعدالة ، والمشكلة بان النظام يتهرب اليوم كما تهرب عام 2011 من مواجهة الحقائق والتعاطي الايجابي مع مطالب السوريين المحقة . فلا يعترف بالحقوق القومية الكردية ، ويمارس دورا سلبيا تجاه الكرد في سوريا بوصفهم ب” الانفصال”  و”العمالة”  لأمريكا وبانهم أي الكرد هم السبب في كل ما حصل بسوريا من ازمات ، وفي فقدان المشتقات النفطية وارتفاع الاسعار في مناطق سيطرته التي رهن وجود السوريين جميعا بوجوده عندما رفع شعار الاسد او نحرق البلد ، اضف الى ذلك تهافت  وبؤس المعارضة السورية التي لم نجد حتى الان سوى بعض الاصوات الخافتة ، ولم تتمكن من التقدم نحو الاعتراف بالوجود الكردي التاريخي ، وما يترتب عنه من حقوق ، وتتنصل من الوثيقة التي ابرمتها مع المجلس الوطني الكردي وتنسى  مضمونها عند تقديم اوراقها في جولات اللجنة الدستورية في جنيف .
النظام والمعارضة يحاولان تصريف الوقت ، وتحسين شروطهما في تجاهل تام لحقوق الكرد القومية ، واختزالها في المواطنة والادارة المحلية  وبعض الحقوق اللغوية ، وهذا برأيي غير كاف . فالكرد كما الاخرين شعب اصيل في مناطقه . تعرض خلال العقود المنصرمة الى الصهر والانكار والتهجير ، كل ذلك يجري في غياب التوافق الامريكي الروسي حول الحل في سوريا واشتداد التناقض والصراع بينهما حول اوكرانيا على خلفية الغزو الروسي لها .
بالنتيجة لا يسعني الا التأكيد بان القوة هي المولدة للتاريخ العام والخاص ، بكافة اشكالها وتأثيراتها الواسعة ، والمتسمة بالاختلاف والتنوع من حالة الى اخرى فهي – أي-  القوة – الاكثر حسما في الكثير من القضايا لكنها احيانا قد تكون مولدة للانقسام الوطني ، ولها تداعيات كبيرة على وحدة الموقف كما هو حاصل الان في كردستان سوريا . فالقوة التي تمتلكها الادارة الذاتية تتسبب في القهر والتشتت والانقسام الى درجة بان الادارة لا ترى في الاخر الا شيئا “نافلا “…..”يفتقد” الى الشعور الوطني او يقع في خانة “العمالة ” لتركيا ، وهذا ما يعمق الشرخ ويبعد الموقف ويدفع المجتمع الى الاحتراب الداخلي .
الخضوع للمراجعات النقدية الجريئة ، والتقاط الدروس ، والاستفادة من تجارب التاريخ في التعامل مع هكذا اوضاع وابتداع صيغ عمل تشاركية مختلفة تستوعب الجميع سلطة ومعارضة وتضع حدا للتوحش والقوة العمياء مع ضرورة ان يعيد ب ي د النظر في العلاقة باعتباره صورة حقيقية للقيمة الحركية الفعلية للقوة والسلطة وتناقضاتها مع الاطراف المعارضة او المناوئة ، والمولدة لكافة انواع الصراعات نتيجة لاستخدامه كافة اشكال القوة الناعمة او العنيفة بشكل مباشر او بطريقة غير مباشرة . فان محصلات تأثير وارتدادات ذلك يعكس الاتجاه العام في الفكر والثقافة والقيم والاخلاق والايديولوجيا والطبيعة ذاتها ، بحيث يصبح هذا العنف الممارس ضد المجتمع ، قضية عامة تخص الجميع  وينتقل من الحيز الخاص الى الفضاء العام ليصبح  عداء واحتراباً ، وهذا ما يجعل ب ي د يعيد انتاج نفسه دون ان يتكيف او يتجاوز مخاطر سياسته ، وينزلق ليقع في الفخ الذي نصبه له النظام وتركيا .
ينبغي على ب ي د اليوم واكثر من أي وقت سابق تجنب الهيمنة واستخدام القوة ، والبحث الجاد والرصين عن صيغة علاقات قوة مستترة تدير المنطقة بطريقة مختلفة عما مارسه طيلة الفترات المنصرمة كي لا تستطيع القوى الناقمة اوالحاقدة ان تتغلغل في شقوق هذه الادارة  التي اتسعت وتعمقت مؤخراً ، وتعمل على نسفها .
ان اعادة ضبط فائض القوة المتوفر لدى ب ي د ووضعه في موقع الخضوع لمصلحة تطلعات الكرد السوريين ، ومصالح المجتمع ككل هو طموح مشروع لا بد من تحقيقه قبل فوات الاوان وفي القلب منها يقع البدء باستئناف المفاوضات الكردية  بين المجلس الوطني الكردي واحزاب الوحدة الوطنية ، والعمل على انجاحها بكل الطرق والوسائل ، وهذا يقتضي التضحية ونكران الذات بما فيه تقديم التنازلات المؤلمة .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…