تساؤلات في تأبين موسكوفا الروسية

نزار بعريني 

ألا ينبغي على السوريين  الذين ما زالوا يصدّقون دعاية الكرملين ، ويناصرون حربه الظالمة على أوكرانيا ، رغم ما نتج عنها من أهوال ، وخلّفته من مآسي في أوكرانيا ، وعلى روسيا ، ودمّرته من روابط بين الاوروبيين ، التشكيك برواية وزارة الدفاع الروسية حول ظروف إغراق الطرّاد  ” موسكوفا”، تاج البحرية الروسية ومفخرتها ،وبالتالي  طرح التساؤلات الصحيحة حول طبيعة الحرب ، و أهدافها ، وقراءة موضوعية لنتائجها وآفاق نيرانها المستعرة ؛ في سياق استراتيجيات الولايات المتحدة  الأمريكية للهيمنة على أوروبا،والسيطرة العالمية؛ وبما يقرّب وجهات نظر السوريين المتناقضة حول طبيعة الدور الروسي في الصراع على سوريا ؟  
بداية ، إذا كنّا نتعاطف مع روسيا لأسباب مختلفة ،خاصّة فيما نعتبره مواجهة ضدّ سياسات الهيمنة الامريكية، وهذا موقف مفهوم ،  ألا يحقّ لنا جميعا، كسوريين معنيين مباشرة بالصراع ، أن نتساءل: 
 هل تخدم نتائج الحرب،وطبيعة معاركها، ومآلاتها  الاهداف الروسية الخاصّة التي روّجت لها دعاية الرئيس بوتين ، وتساعدنا نحن السوريين  في خروجنا من النفق الذي نعيشه طيلة سنوات؟ هل تتناقض مسارات الحرب ونتائجها مع مصالح روسيا وأوكرانيا، وتعزز سياسات السيطرة الإمبريالية للولايات المتّحدة، وتنعكس سلبا على واقعنا السياسي والإقتصادي الذي وصل إلى مستويات  غير مسبوقة من البؤس؟!  
إذا وضعنا جانبا التفسير الأمريكي لأسباب الحدث  كما أعلنه  مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأمريكية يوم الجمعة ، مدّعيا أنّ ” الطرّاد الروسي أُغرق بصاروخين أوكرانيين من طراز نبتون “، ومرجّحا سقوط ضحايا ، وتفهّمنا دوافع إعلان وزارة الدفاع الأوكرانية  بأّن” موسكوفا”  أُصيب في ضربة صاروخية شنتها قواتها من الساحل شقّت جسم السفينة التي تعود للعهد السوفياتي”، ( دخل الخدمة ١٩٨٣ )،وركّزنا  على التفسير الرسمي لوزارة  الدفاع  الروسية ، التي أعلنت ” أنّ بارجتها الرئيسية في اسطول البحر الأسود تضررت بشدّة  جرّاء حريق ،  أدّى إلى انفجار الذخيرة” ، وأنّه ” في أثناء جرّ طراد (موسكوفا) إلى ميناء الوصول، فقدت السفينة توازنها بسبب الأضرار اللاحقة بهيكلها في أثناء الحريق الناجم عن انفجار ذخيرة، وقد  غرقت السفينة في الظروف العاصفة في البحر”، لانستطيع التهرّب من مواجهة  تساؤلات كبيرة تطرح نفسها : 
١-كيف يمكن لحريق أن يندلع ، لاي سبب ،في طرّاد يملك كلّ تلك التقنيات والاسلحة التي تجعل منه ” قائد ” اسطول دولة عظمى ، تعيش حالة حرب كبرى ، وفي اكثر مناطق أمنها القومي حساسية ، ويصل الى مخازن  الذخائر ، ويفجّرها  ؟ هل هو مركب صيد ( تحدّثت بعض المصادر المحلية في طرطوس عن  حريق انفجار ” ذخيرة ” في احد قوارب الصيد ، قرب عمريت ، وقد هرعت سيارات الاسعاف الى منطقة الحادث! )، وبتقنيات حماية ذاتية ” إلى هذه الدرجة من اللافاعلية والتخلّف   ؟
٢- لنفترض انّه حصل حريق لسبب ما ،هل يُعقل أن يفتقد هذا النوع من السفن الحربية الحديثة  على  وسائل اخماد وحماية كافية لإحتواء الحريق،ومنع ألسنة اللهب من الوصول الى مخازن السلاح؟
لنتذكّر أنّ الطراد في حالة حرب ، وليس في رحلة استجمام ، وانّ طاقمه  في اعلى درجات التأهّب والحيطة !!
٣- وفقا لما اعلنته  وزارة الدفاع الروسية، في ساعة متأخرة من مساء الخميس، فقد” غَرقَ الطراد الصاروخي “موسكوفا” في أثناء جره إلى الوجهة المقصودة في ظروف العاصفة، بسبب تضرر هيكله جراء الحريق الناجم عن انفجار ذخيرة”. 
فإذا كان ” الطرّاد قد تعرّض لحريق ، وقد نجحوا في إخماده قبل قرار قطره إلى مكان آمن، لماذا فشلت عملية جرّه ، وحمايته من الغرق ؟ هل تتحمّل ” العاصفة “وحدها المسؤولية ؟ 
 ٤- في نفس الإطار، لماذا استبعدت  وزارة الدفاع الروسية إحتمال أن يكون قد تعرّض الطرّاد إلى هجوم صاروخي ، وهو في ساحة معركة ضروس – وقد  شارك في القتال ضدّ أوكرانيا ، أو أنّه سيلعب دور كبير في المعارك القادمة المرتقبة في ” اوديسا “،مما يجعله هدفا مشروعا لأنظمة الدفاع والهجوم  الأوكرانية-  ورغم  اعلان وزارة الدفاع الأوكرانية  مسؤوليتها عن الهجوم الذي استهدفه ، بصواريخ” سوفياتية ” مطوّرة  وتأكيدها الاستعداد لتوجيه ضربات جديدة موجعة لسلاح البحرية الروسي  ؟ 
٥- ألا يضعف هذا السلوك بنظركم مصداقية المواقف الروسية، وسياساتها المعلنة ، ويهمّش صدقية المبررات  التي ساقها الرئيس بوتين لأسباب الغزو واهدافه،  في خطبه المتتالية ،  ويؤكّد فشل  اهداف حملته العسكرية ، المستمرة منذ ٢٤ شباط الماضي ، وبكل ما تصنعه من دمار ، خاصّة ، حول  منع استخدام اوكرانيا كقاعدة  لمهاجمة روسيا ، ولحماية الأمن القومي الروسي واستعادة حقوق بلاده التاريخية في اوكرانيا وهيبة الدول الروسية ؟ 
٦- هل يؤسس ذاك ” الانتصار” المزعوم –  في تدمير مدن اوكرانيا وتهجير شعبها ، وارتكاب مجازر بحق مدنيين  ، وهذه الهزيمة الساحقة في حماية اهمّ رموز العظمة والسيادة الروسية ، الجيش والأسطول ، وعزل روسيا عن محيطها الجيوسياسي الأوربي ، وتأجيج احقاد قوميّة متطرّفة – لشروط نهوض روسيا ، وتحويلها الى قطب عالمي ، يملك امكانات تحدّي الولايات المتحدّة والحدّ من نفوذها في اوروبا ، والعالم ؟ اليست الولايات المتحدّة هي الرابح الأكبر من نتائج هذه الحرب العدوانية ، على جميع الصعد والمستويات ؛ وستعيد نتائج هذه الحرب الكارثية” روسيا الإتحادية    الى موقع أضعف أوروبيّا وعالميا مما كانت عليه قبل الحرب ؟ 
  اذ يفتقد الشعب الروسي لأدوات قانونية لمساءلة “رئيسه”- بشكل شفاف ووفقا لدستور عادل ، بسبب طبيعة النظام البوتيني الحالي، الذي كان ” للولايات المتّحدة ” اليد الطولى في تأسيسه  في اعقاب تفكك الإتحاد السوفياتي ١٩٩١،وحيث يسيطر  نظام غير ديمقراطي ، تتركّز جميع سلطاته بيد  رئيس السلطة التنفيذية-  وكشف نتائج اخطائه الكارثية ، ومحاكمته على ما ينتج عنها من اضرار ،كما يفترض في ظل مؤسسات الدولة الديمقراطية، فمالذي يمنعكم من محاكمة ” افكار مسبقة”، تشكّلت بفعل سيل جارف من الدعاية الستالينية والبوتينية ،  وتنفصل كليّا عن حقائق الواقع العنيدة ، وتتناقض مع مصلحة جميع السوريين ، وتطلّعهم  لإستعادة وحدة سوريا ، وبناء نظام ديمقراطي ؟
الا تقتضي مصالحنا  في بناء افضل العلاقات مع روسيا وشعبها ، وانحيازنا لقضايا الشعوب العادلة، وتوقنا للسلام ، أن نرفض الحرب ، وندعوا  لوقفها ونتضامن مع معناة ضحاياها؟! 
هل” الوهم ” ابقى من الحقيقة ، واكثر جاذبية ؟!! 
نيسان – ٢٠٢٢ 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…