لماذا الخوف من فيدرالية كوردية؟

جان كورد  

كتب مثقف سوري بارع، كان شيوعياً حتى العظام فأصبح ديموقراطياً بأن أسباب المشاكل في العراق هو التدخّل الايراني المستمر في العراق، وكذلك النظام الفيدرالي، والمقصود منه “الفيدرالية الكردية” حيث لا توجد فيدرالية أخرى مطبّقة في العراق حالياً. وتناسى هذا المهتم بشؤون المنطقة الأسباب الحقيقية المتمثلّة بدوام تواجد القوات الأمريكية الذي يتخذه الارهابيون (القاعدة) و(فلول البعثيين) المتوشحين أردية الدين الحنيف خداعاً ومؤقتا ذريعة لهمً. كما لم يذكر التدخلات السورية السياسية والاستخباراتية في الشؤون العراقية، وكأنه لم يسمع ولم يقرأ البتة اتهامات الحكومة العراقية (حكومة المالكي) لسوريا مباشرة، وتكرار التصريحات التي صدرت عن عسكريين أمريكان  في ذلك الاتجاه… وتغاضى تماماً عن التدخّل التركي بشأن موضوعي “كركوك” و”حصول الكورد على مزيد من الصلاحيات الاقليمية”، فالمشكلة ليست في نظر هذا المثقف العتيد وحده “فيدرالية الكورد” وانما في نظر كثيرين من “العروبيين” الذين يرفضون أصلاً أن يكون للكورد شيء من “الادارة الذاتية” أياً كان نوعها، سواءً في العراق أو في سوريا، فمثل هذه “الادارة” تعني نزوعاً كوردياً نحو الانفصال، وأخطر ما يمكن أن يحدث للعرب هو انفصال الكورد عنهم، حتى حدوث انفصال كهذا في الحلم يفزعهم، وهم (العروبيون) منفصلون عن بعضهم بعضاً أكثر من (22) مرّة ولكن هذا لا يهمهم بقدر اهتمامهم ب”انفصال الكورد” الذي هو من وجهة نظر أخرى “وحدة الكورد القومية” التي لاتخالف الشرع الالهي، وهي حق مشروع دولياً أيضاً. 
لقد كتبنا فيما مضى عن الفيدرالية والحكم الذاتي والادارة اللامركزية، وقلنا مثل غيرنا من الناشطين الكورد بأن هذه المطالب “اللامركزية الادارية” كالحكم الذاتي والفيدرالية، ليست “انفصالاً”، بل على العكس تعزز وحدة البلاد ذات القوميات المتعددة، كما نراها مطبّقة في العديد من بلدان العالم، المتقدم والمتأخر وما بينهما من عوالم متفاوتة في التطوّر الاداري – السياسي.
وأعود هنا مرُة أخرى، حيث استمع الآن لدى كتابة هذا المقال إلى معارض سوري “ديموقراطي” وحقوقي من “اعلان دمشق” يتحدّث في احدى غرف البالتوك الكوردية، ناصحاً الكورد السوريين بترك التاريخ جانباً (أي تاريخ مظالمهم ومعاناتهم وحضارتهم) والعمل من أجل “دولة المواطنة” أي الكف تماماً عن المطالبة ياللامركزية الادارية – السياسية (الحكم الذاتي أو الفيدرالية)، فهما برأيه (وهو القانوني الحقوقي) نزوع نحو الانفصال وتفتيت البلاد، ولكنه ذكي ويغطي كلامه ببرقع من المصطلحات الديموقراطية وعبارات الحداثة فيدعو إلى التعلّم من التجربة الأوربية في بناء دولة المواطنة هذه، وكأنه يستغبي شبابنا الكوردي، الذي يعلم تماماً أن هذه الدول الأوربية لاتحث على تطبيق اللامركزية الادارية – السياسية (الحكم الذاتي أو الفيدرالية) فحسب، بل تطبقها بذاتها في العديد من بلدانها تطبيقاً عملياً ذي نتائج إيجابية، كما هو حال الألمان في بلجيكا، والدانماركيين في ألمانيا، والكاتالونيين في اسبانيا، والسويسريين والايطاليين وغيرهم…
إن نظام اللامركزية الادارية (*) يعني تعدد مصادر النشاط الاداري في دولة من الدول، عبر توزيع وظائف الدولة الادارية بين الحكومة المركزية والهيئات المحلية (الاقليمية) ومن خلال القيام بممارسة اختصاصاتها على أساس اقتصادي أو ضمن جغرافية معينة، وهذا النظام الاداري قد يكون على شكل لامركزية صناعية أو فنية أو ثقافية أو رياضية، ولكنها عندما تصبح لامركزية على أساس سياسي فإنها تدعى ب”الفيدرالية” (**). 
هذه الفكرة قديمة وحركية متطورة تاريخياً، ذات تباينات وتعددية في توزيع وظائف الدولة ومؤسساتها المختلفة، الادارية والاقتصادية وسواهما. وهو نظام يعني وجود تنوّع في الصلاحيات والممارسات وتوزيع المهام على وحدات محلية (اقليمية) ذات استقلال ذاتي، تحت رقابة ونظر السلطة المركزية في الدولة، وليس في غياب عنها.
وهذا يقودنا إلى التأكيد على وجود: 
مصالح محلية للمتحدات الاقليمية في الدولة
 وجود هيئات تقوم بأداء المهام وتنفيذ تلك المصالح المحلية
 وجود رقابة عامة (مركزية) على هذه المصالح والهيئات الاقليمية 
طبعاً، هذا لايمكن تحقيقه وتنفيذه دون وجود (ذمّة مالية) مستقلّة عن (الذمة المالية المركزية)، يسبقه اعتراف بوجود الجماعة الاقليمية التي لها الحق في ممارسة هذه المصالح الاقليمية. ومن البدهي أن تعيش هذه الجماعة على أرض (رقعة جغرافية)، كما لا يمكن القيام بأي عمل بشكل فوضوي، لذا يجب السماح لهذه الجماعة أن يكون لها (مجلس محلي “اقليمي”) منتخب، أي نوع من “الاستقلال المحلي الذاتي”، وهنا لا تختلف اللامركزية الادارية عن (الحكم الذاتي الداخلي) الذي فصلنا أمره في مقالات سابقة.  
ولذا يمكن القول بأن من شروط وضرورات استقلال ذاتي كهذا الذي نذكره وجود: 
-شخصية معنوية مستقلّة
 -ذمة مالية اقليمية
 -مصالح اقليمية 
وفي هذا تبيان للفارق بين الدولة المركزية والدولة القائمة على أساس اللامركزية الادارية. وعليه فإن القومية الكوردية التي فرضت عليها ظروف سياسية تاريخية معينة العيش ضمن اطار دول ذات غالبيات سكانية غير كوردية (عربية، فارسية، تركية)، والتي تقوم كأي قومية أخرى على أساس وحدة التاريخ والأصل واللغة والشعور والآلام وألامال المشتركة، وقبل كل شيء العيش على رقعة أرض وفي اطار جغرافيا محددة لا يمكن أن يتجاهلها أو ينكرها إلا جاهل أو ظالم، لها الحق حسب الأفكار الدولية المطبّقة عملياً في أنحاء عديدة من العالم، والمعترف بها دولياً، أن تتمتّع بأن تكون لها مصالح خاصة بها تديرها بنفسها بأسلوب لامركزي، وباستقلال ذاتي، وذمة مالية اقليمية، وأن تحصل على الاعتراف بوجودها على أرضها التاريخية، إن كانت لا تستطيع الحصول بسبب ظروف موضوعية وذاتية حالياً على استقلالها كشعب واحد (الشعب الكوردي) على أرض وطنها (كوردستان) التي اعترف بها سلاطين العثمانيين والفرس من قبل أن تتكوّن الدول القومية العراقية والسورية والتركية بقرون، بل إن تسمية “كوردستان” ربما تكون جاءت من السلاجقة وليس من الكورد أنفسهم. 
State Federal – الدولة الفيدرالية (الاتحادية)
أصل كلمة (فيديرال) آتٍ من (فويودوس) الذي يعني (اتفاق، عصبة، تحالف، عقد وثيق…) لدى الاغريق. 
الفيدرالية أساس للحكم والاتحاد لولايات أواقاليم أو دول تعيش مع بعضها دون انفصال ودون وحدة مركزية تامة. وهي فكرة ادارية عريقة في التاريخ، منها (ائتلاف الولايات اليونانية) تحت اشراف مجلس الأمفكيويين، أو اتحاد مدينتي أثينا وديليا،   قبل الميلاد، وكذلك عمل الهندوس بفكرة الاتحاد (الفيدرالية) في ولايات ﭭيرات، سوبتاجانا، ﭘينجاب. كما عمل المسلمون إلى حد ما بفكرة الفيدرالية، كما في زمن الأيوبيين الذين كانوا تابعين إلى دولة الخلافة في بغداد رسمياً، إلاّ أنهم كانوا يتمتّعون بحرية واسعة للغاية في ادارة بلادهم الواسعة الممتدة من اليمن إلى شمال كوردستان، ومن أعالي ليبيا إلى ولاية صلاح الدين في العراق، بل كانت مصر وسوريا تداران بشكل لامركزي، من سائر النواحي، وبخاصة في مجالي الضريبة والجيش. وتأسست فيما بعد الولايات المتحدة الأمريكية بعد مؤتمر مؤتمر أنابوليس للعلاقات التجارية 1786 ومؤتمر فيلادلفيا عام 1787م.
الدولة الفيدرالية هي التي تتضمّن كيانات دستورية متعددة، لكل منها نظام قانوني خاص واستقلال ذاتي، وتخضع كلها لدستور فيدرالي (عقد سياسي بين مكونات الدولة الفيدرالية) ينظّم البناء القانوني والسياسي للكيانات المتحالفة. والدستور الأمريكي يعتبر التشريعات الاقليمية باطلة إذا ما تعارضت مع نصوصه التي يصفها بعضهم ب”القانون الأعلى” الذي ينص على اختصاصات الدولة الفيدرالية واختصاصات الولايات، ولا يمكن تعديله إلا بموافقة 2 /3 من أصوات أعضاء الكونغرس (إن كان الاقتراح من داخل الكونغرس) وبموافقة ¾ من أصوات الولايات (إن كان الاقتراح منها). كما للدولة الفيدرالية صلاحيات ومصالح في داخل الولايات والأقاليم لايجوز للولايات والأقاليم الاعتراض عليها أو منعها. 
نشوء الدولة الفيدرالية
إما أن تنشأ الدولة الفيدرالية بتفكيك دولة واحدة (مثل الاتحاد السوفييتي 1922، البرازيل 1891، الأرجنتين 1860، المكسيك 1857، تشيكوسلوفاكيا 1969) واعادة بنائها على أساس دولة فيدرالية، أو بتنازل بعض الامارات والولايات والدول عن بعض سلطانها وسيادتها لصالح تكوين دولة فيدرالية (مثل الولايات المتحدة الأمريكية 1787، ألمانيا الفيدرالية 1949، سويسرا 1874، اتحاد الامارات العربية 1971) أو بتغيير دستور دولة موّحدة ومركزية إلى دولة قائمة على أساس فيدرالية ومركز (مثل العراق بعد اسقاط نظام البعث في عام 2003)… وفي كل من هذه الأساليب عنصران يبدوان متناقضين، هما (الاتحاد) و (الاستقلال الذاتي). 
الاتحاد الفيدرالي الذي يشكّل فيه المضمون السياسي أساساً قد يتكوّن بسبب حاجة الشركاء إلى تأمين القوة والمنعة، للدفاع عن النفس، كما في حال الاتحاد السويسري،أو لأسباب تجارية واقتصادية كما في حال اتحاد عدة ولايات شمالية ألمانية (هانزا شتاتن) في عهد المستشار الشهير بسمارك، أولكل هذه الأسباب مجتمعة كاتحاد الامارات العربية، أو انهاءً للصراعات المسلّحة والسياسية بين القوميات كما هو حال العراق، حيث توقفت الحرب بين الحكومة المركزية والكورد باقامة النظام الفيدرالي الجديد، وتحوّل قادة الكورد العسكريون والسياسيون إلى بناة مشاركين في تأسيس الدولة العراقية الجديدة. ولا يخفى أن هذا التنازع المستمر في الدولة الاتحادية بين عنصري (الميول الاتحادية والنزعة الاستقلالية) سيستمر، بل هو الذي يضمن بقاء واستمرار الدولة الفيدرالية.
  قبل الانتقال إلى الجزء الثاني من موضوعنا هذا، أوّد التنويه إلى أن هذه العبارة (ذريعةً” لهم) سقطت سهواً من الجملة الثانية في الجزء الأوّل المنشور في عدة مواقع. ومن ثم أريد التأكيد على أن لا داعي للخوف من فيدراليات كوردية في أجزاء كوردستان المختلفة، فهي ستكون صمام أمان لوحدة تلك البلدان وليس باباً للانفصال. ولذا أوّد متابعة الكتابة عن هذا الموضوع لأنه بالنسبة لي ولشعبي الكوردي هام، ولكنه هام أيضاً بالنسبة للشعوب التي نعيش نحن الكورد معها جنباً إلى جنب، والله تعالى قد خلقنا نحن الناس جميعاً “شعوباً وقبائل” لنتعارف، لا لنتحارب ونتنازع ونتقاتل، فالأصل هو الاعتراف بالوجود القومي لجميع الشعوب، ومنها الشعب الكوردي، وليس الزعم بأنه مجرّد “مواطنين من نوع آخر” منثورين كالبهار الأسود على الرز المسلوق. 
خصائص الدولة الفيدرالية
أساس الدولة الفيدرالية (الاتحادية) هو فكرة “الاتحاد” وليس “الانفصال”، ولذلك سميت بالدولة الاتحادية ولم تسمى بالدولة الانفصالية. وتعبّر فكرة “الاتحاد” هذه عن نفسها من خلال مختلف التنظيمات السياسية والقانونية والادارية للدولة الفيدرالية. ويوجد في هذه الدولة مجلسان بدلاً عن مجلس تشريعي واحد. المجلس الأهم والأعلى والأوسع صلاحية هو المجلس التشريعي للدولة  المركزية، حيث المفترض أن يتساوى ويتعادل فيه  تمثيل الأقاليم أوالولايات، والمجلس الاقليمي الأدنى والأقل صلاحيات، وينتخب بشكل مباشر كأي برلمان آخر من قبل سكان الولاية دون غيرهم من سكان البلاد، وهذا المجلس هو ممثل الشعب في الاقليم، أما في كندا فيتم اختيار مجلس الولايات العام بالتعيين مدى الحياة، في حين يتم انتخاب أعضاء الكونغرس الأمريكي، وكذلك كما كان في الاتحاد السوفييتي سابقاً، أو يتم انتخابه -كما في فنزويلا- من بين أعضاء المجالس التشريعية للاقاليم أو الولايات، في حين أن النظام الفيدرالي الألماني يحكم بوجود ممثلين لكل ولاية ألمانية في المجلس الأعلى (بوندسرات أي المجلس الاتحادي) وهو غير البرلمان الاتحادي الذي ينتخب في كل البلاد انتخاباً مباشراً، كما انتخب البرلمان العراقي الأخير منذ أيام قلائل. 
كان لكل جمهورية فيدرالية في مجلس السوفييت الأعلى (32) نائباً، في حين أن لكل ولاية أمريكية عضوان فقط في الكونغرس، وفي الهند، كما في ألمانيا يتم ذلك على أساس نسبة عدد سكان الولايات ومساحتها وليس على أساس التساوي. 
وجود نواب للاقليم في المجلس الاتحادي الأعلى يقلّص من فرص (الاستقلال) للاقليم، لأن المجلس الأعلى هذا يمثّل كل الدولة الفيدرالية التي ليست اقليماً بحد ذاته من الأقاليم. وتتم فيه التشريعات بأغلبية الأصوات، ولذا يرى بعضهم بأن المجلس التشريعي في ولاية من الولايات هو تابع ومتتم للمجلس الأعلى وليس معزولاً أو بديلاً عنه في الاقليم، كما يتوهّم بعض الأصدقاء غير القادرين على تقبّل فكرة “الفيدرالية الكوردية” أينما كانت. إنهم يريدون الأمة الكوردية كلها، التي تفوق الأأربعين مليوناً من البشر، بدون هيئات ومؤسسات وسلطات خاصة بها، تصون حقوقها وتدافع عنها وتنظّم شؤونها. 
وفي الوقت الذي يظهر المجلس التشريعي الاقليمي الصورة الاستقلالية للاقليم فإن مشاركة أبناء الاقليم بنواب يمثلونهم مباشرة أوعن طريق مجلسهم الاقليمي في المجلس الأعلى يظهر الصورة المعاكسة تماماً، أي صورة الدولة القائمة على الاتحاد وليس الانفصال. وهذه الجدلية هي التي تجعل الدولة الفيدرالية قائمة ومستمرة وفعّالة، وليس مهلهلة ومفتتة كما يحب بعضهم تصويرها للقارىء الكريم. 
إن اختصاصات السلطة الفيدرالية حصرية ومحدودة، وما عدا ذلك تقوم به الاقاليم التي هي الأصل في الدولة الاتحادية، والحكومة المركزية هي الاستثناء، وليس العكس. وهذا مانراه جلياً في سويسرا والمكسيك والأرجنتين، إلاّ أن السلطات الاتحادية الأمريكية قد تمكّنت مع الأيام من تقليص اختصاصات وصلاحيات الولايات من خلال تفسيرات معينة لنصوص دستورية، أو بتعديلات أجرتها على الدستور، أو التضييق على الولايات دون المركز، عن طريق المحكمة الدستورية العليا، وعن طريق السياسة ووضع الشروط على المساعدات والمعونات المالية، والتوغّل إلى داخل الولايات بطرق مختلفة وبذرائع (الحفاظ على الوحدة الوطنية والاستقرار والسيادة الوطنية)، وبرفض تشريعات اقليمية معينة، وما إلى ذلك من فنون الاحتيال القانوني وغير القانوني… كما نشاهدذاتالوضع في العراق الفيدرالي اليوم، حيث لايعترف بعضهم بالمادة الدستورية (140) ويزعمون أن زمنه ولّى، بمعنى أن العرب خرجوا من محنتهم العراقية ولن يقوموا بما هو دستوري وقانوني في كركوك. 
وقد تلعب الظروف الموضوعية (كالحروب والأزمات المالية والتطوُر التكنولوجي، وتزايدالنموالاجتماعي، والأوبئة والكوارث الطبيعية، وتفاقم مشاكل المدن الكبرى، واتساع شبكة المواصلات والاتصالات…) أدواراً كبيرة في تعظيم دور المؤسسات الفيدرالية وأجهزة الدولة المركزية، كما هو الحال في الولايات المتحدة، إذ اتسع جهازالدولة المركزية منذ قيام الدولة الفيدرالية في أواخر القرن الثامن عشر من (3) مؤسسات دستورية مركزية للحكم والحرب والمالية بعدد لايتجاوز المئات من الموظفين إلى أكثر من (13) جهاز فيدرالي  وبأكثر من (3) ملايين موظّف، وارتفعت الميزانية المركزية بالمليارات من الدولارات خمسة أضعاف في أقل من عقدين من الزمن، في الربع الأخير من القرن الماضي، كما ازداد سقف الدعم المالي للولايات علواً في الوقت ذاته بشكل ملحوظ. مما دفع برؤساء مثل رونالد ريغان إلى السعي من أجل الحد من دور المؤسسات المركزية في البلاد لصالح المؤسسات الاقليمية، وأثناء مرحلة مناهضة الشيوعية بشكل سافر، كما بعد 9/11 في عام 2001 نرى تقوية مستمرُة معاكسة لمحاولات ريغان الاصلاحية، وذلك بذرائع الأمن القومي وغير ذلك.
-السلطة التنفيذية الاتحادية 
-هناك أشكال مختلفة من نظم الحكم 
-النظام الرئاسي كما في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ينتخب الرئيس من قبل الشعب مباشرة (أولاً في حزبه) ثم من بين مرشحي الرئاسة للأحزاب الأخرى، عن طريق الانتخاب السري المباشر والديموقراطي في كل أنحاء البلاد، فيختار بعد فوزه مستشارين وكبار موظفي البيت الدولة وقضاة المحكمة العليا، بموافقة ومشورة الكونغرس المنتخب من قبل الشعب أيضاً. ولا أدري لماذا يرفض بعضهم بذرائع مختلفة مثل هكذا انتخاب يبدي فيه كل امرء رأيه في الشخص الذي سيحكمه، وما الخطأ في هذا الأسلوب لو طبّق مبدأ انتخاب الرئيس والبرلمان في بلادنا أيضاً بشكل ديموقراطي وحر وسري ونزيه؟  
أعضاء الحكومة الأمريكية ليسوا نواباً في البرلمان الفيدرالي، وهم مسؤولون مباشرة أمام الرئيس وليس أمام الكونغرس. إلا أن الكونغرس يستطيع التحقيق معهم، بل حتى مع الرئيس ذاته للتأكّد من أنهم /أنه يقوم بواجباته بالشكل المأمول والمطلوب منه.
– نظام الحكومة الجماعية كما في سويسرا، حيث هناك 7 أعضاء منتخبين من البرلمان الفيدرالية لمدة 4 سنوات). والمجلس الفيدرالي السويسري هو الذي ينتخب الجهاز التنفيذي من بين نوابه، وله حق التصويت في البرلمان المنتخب من قبل الشعب مباشرة. ولكن ليس هناك وضوح جيد في الفصل بين السلطات بسبب أن أعضاء الحكومة هم نواب في المجلس (السلطة التشريعية) في الوقت ذاته.
-النظام البرلماني كما في ألمانيا الفيدرالية، حيث المستشار (الكانتسلر) يتولى رئاسة الحكومة الاتحادية المؤّلفة من أعضاء حزبه وحلفائه أو من التكنوقراطيين المنتخبين إلى (البوندستاغ)، أما رئيس الدولة فينتخب من قبل مجلس الولايات الأعلى (بوندسرات) والبرلمان (بوندستاغ) معاً بأكثرية الأصوات التي ينالها المتنافسون على المنصب. الحكومة الاتحادية تحكم بصورة مباشرة وبصورة غير مباشرة عن طريق حكومات الولايات، وهناك أمور تقوم بها في الولايات بصفة “اتحادية” وتدع غيرها للولايات كمشاريع تنفيذية للولايات ذاتها، ويتم هذا تحت اشراف الحكومة الاتحادية ومراقبة لجان البوندستاغ (البرلمان الاتحادي)، إضافة إلى رقابة من قبل المجالس الاقليمية للولايات… وهناك أسلوب مختلط ومتداخل كما هو تداخل وتعاون الأجهزة البوليسة للولايات المتحدة مع البوليس الفيدرالي (ايف بي آي)  وغيره من الأجهزة الأمنية الاتحادية المختلفة.
الهيئة القضائية الفيدرالية: 
الهيئة القضائية الفيدرالية العليا أو المحكمة الدستورية العليا هي التي تفصل الحدود والصلاحيات بين الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات (الأقاليم)، ومثل هذه الهيئة نجده في الولايات المتحدة وكندا والهند وسويسرا وألمانيا وغيرها… وتكون المحاكم في النظام الفيدرالي على مستويات: محاكم الولايات ومحاكم الاستئناف في الولايات، والمحكمة العليا للدولة كلها.  إلا أن النظام الديموقراطي الهندي قد جعل من النظام القضائي لكل البلاد نظاماً واحداً وليس ثنائياً (دولة وولاية)، وقد تكون تباينات في الموضوع حسب كل نظام…إلاّ أن المهم هو تطبيق القانون وتحقيق العدالة ورفع الظلم عن المواطنين، سواء في الدولة الاتحادية أو في الاقليم الفيدرالي، لا كما هو لدينا، حيث تمكّن النظام السياسي من تسخير القضاء والقضاة وتحويلهم إلى جنود لمحاربة من لا يوافقه في آرائه. 
السيادة في الدولة الفيدرالية: 
عند انضمام دول أو اتفاقها على تكوين دولة فيدرالية، وكذلك النسبة للولايات والأقاليم ضمن حدود هكذا دولة، تفقد هذه الدول والولايات والأٌقاليم سيادتها، وهي من وجهة نظر القانون الدولي دولة واحدة ذات سيادة واحدة وطابع مركزي. والدولة الفيدرالية تملك وحدها الشخصية الدولية وتتحمّل المسؤولية عن الولايات، التي لا تملك حق التمثيل الديبلوماسي أو سلطة اعلان الحرب أو ابرام المعاهدات الدولية، ولا يتم مخاطبتها دولياً إلاّ كتابع للدولة الفيدرالية أو كجزء منها:
أما في الاتحاد السوفييتي المنفرط عقده، فكان للجمهوريات الفيدرالية الحق في اقامة العلاقات مع الدول الخارجية وابرام المعاهدات وتبادل الديلوماسيين والقنصليات والمشاركة في نشاط المنظمات الدولية أيضاً، بل كان الهدف الحقيقي من تلك الصلاحيات الواسعة هو إظهارها كدول عدة لامتلاك مزيد من القوّة داخل المنظمات الدولية وتأمين الزيادة في عدد أصوات الاتحاد السوفييتي الذي كان يحكم من قبل الحزب الشيوعي مركزياً وبحزم شديد. فحسب المادة 79 من الدستور السوفييتي لعام 1977، فإن جمهوريتي بيلوروسيا وأوكرايينا كانتا عضوين في الأمم المتحدة.
ومن جهة أخرى، فإن الدول التي تشكّل فيما بينها دولة فيدرالية تسعى لأن لاتتنازل عن كثير من حقوقها، وفي حال تكوين فيدرالية بعد تفكيك دولة ما فإن النظام الفيدرالي هو الأساس لتوافق طموحات الأقاليم، رغم أنه قد يضّم الحد الأدنى من مواصفات الدولة الموّحدة، وكما ذكرنا من قبل فإن لكل اقليم من الناحية الدستورية والقانونية صلاحيات واسعة ولها استقلال ذاتي، وتنظيم ذاتي وذمة مالية مصونة بتشريع قضائي اتحادي. 
وقد يكون للاقليم دستور لا يحتاج إلى تصديق من الادارة المركزية للدولة الفيدرالية، ولكن وظيفة وضعه تقع على عاتق المجلس التشريعي الاقليمي، أما في كندا فإن التعديلات التي يجريها هذا المجلس على دستور الاقليم فتحتاج إلى تصديق من الحكومة الفيدرالية حسب المادة 92 من القانون الأساسي لعام 1867. 
وبذلك يمكن القول إن للاقليم الفيدرالي صلاحيات تشريعية وقضائية وتنفيذية كما هو حال الدول، ولكنه لا يملك السيادة الوطنية، التي هي خاصة بالدولة الفيدرالية وحدها. 
وتختلف تطبيقات بناء السلطات الثلاث في الاقليم الفيدرالي من دولة فيدرالية إلى أخرى، أرى أن الخوض فيها سيأخذ حيزاً كبيراً من وقت القارىء الكريم، ولذا نكتفي بالقول بأن المشاركة في الدولة الفيدرالية من قبل اقليم أو ولاية أو دولة، يعطي هذه الحق في المشاركة في الحكومة المركزية وتكوين الهيئات المركزية الضرورية، وأن أي تعديل في الدستور الفيدرالي يجب أن يحظى بموافقة الاقاليم، وأن تفسيره في كل اقليم يتم حسب التوافق بين مصالح الدولة الفيدرالية ومصالح الاقليم، ولايمكن استثناء اقليم ما أثناء الانتخابات العامة في الدولة الاتحادية، كما من الضروري تزويد الاقاليم بالامكانات المادية الضرورية بشكل عادل وتزويدها بالخبرات والكوادر والدفاع عنها لضمان استمرار الدولة الفيدرالية وبقائها حية.
وأخيراً، فإن الفيدرالية القائمة على (الاتحاد) و(الاستقلال الذاتي) فكرة انسانية تطوُرت عبر العصور، وصقلتها التجارب، وأخذ بها القانون الدولي، وطبقتها دول عديدة بمستويات متباينة من النجاح وباخفاقات أيضاً، سببها عدم نمو الوعي السياسي والأزمات الاقتصادية والمالية الحادة، والحروب الخارجية، ولكنها فكرة سياسية- ادارية تقوم على أسس ومبادىء باتت معروفة عالمياً ومقبولة، ولا أدري لماذا يصر بعض أدعياء الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان،الذين يعيشون بين ظهرانينا ويشاركون في المعارضة الديموقراطية السورية أيضاً، على رفض “الفيدرالية” للشعب الكردي بشكل خاص، فينقلبون بسرعة إلى منافحين عن “الدولة المركزية” ويسخرون من مطلب الكورد في هذا الاتجاه، ويحاولون تسويد صفحة كل تطبيق للفيدرالية في العالم وحتى تبييض وجود النظم الدكتاتورية لايجاد ذرائع لتفكيرهم الرافض ذاك. 
أهي العنصرية التي لاتزال تعشعش في العقول المثقفة؟
أم هي الدكتاتورية التي  تربى عليها هؤلاء في مجتمعاتنا المتخلّفة؟
أم هو الخوف من انفصال الكورد عنهم؟ والانفصال على عدل خير من الاتحاد على ظلم 
أم هي العنصرية  والتربية الدكتاتورية والخوف من المستقبل؟
_______________________________ 
 (Decentralisation) (*) 
 (Federalism) (**)
((مشروع الدولة الفيدرالية في سوريا))
قدمه جان كورد
للمجلس الوطني الكوردستاني –  سوريا
– مقدّمة: 
ينقسم العالم حسب الفكر الديني إلى عالمي الخير والشر، حيث نجد ذلك راسخاً في العقائد الدينية المختلفة، ومنذ عهد الحكيم زرادشت تعرّف التاريخ البشري في منطقتنا على الصراع الأبدي بين “أهورامزد” و” أهريمان”، حيث في نهاية العالم ينتصر الأوّل ويندحر الثاني، ويسود الخير والأمان والسلام والنور على الشر والاضطراب والحرب والظلام… أما من الناحية الجمالية فالعالم ينقسم إلى “جميل” و “قبيح”، وعلى هذا الأساس يجد كل شيء مكانه اللائق به في عالم الألوان والأضواء والخطوط. ومن منطقٍ المادية والاقتصاد والسوق نجد الربح والخسارة في طرفين متعاكسين، ولكن من الناحية السياسية حيث تسعى الحكومات للاستفراد بها ينقسم العالم إلى صديق وعدو، والعدو ليس بالضرورة أن يكون عدواً شخصياً، بل إنه ذلك الذي يتوقّع منه أن يهاجم أو يؤذي أو يغتصب، والحروب التي حدثت ولاتزال تحدث قد زهقت أرواح الملايين من البشر وأذاقت أعداداً كبيرة منهم شتى ألوان العذاب، لم تكن إلاّ نتيجة هذا التفكير التقسيمي للسياسة في العالم. 
ومن أجل القضاء على هذه الشرور التي مصدرها التفكير السياسي لجأ بعض المفكرين إلى طرح فكرة “الدولة العالمية” أو “المنظومة الكونية” التي لن تبقى فيها حدود بين الدول، وتزول بذلك قائمة التصنيف ويختفي الأعداء… ولكن هذا المشروع الذي تتضاءل فيه أهمية السياسة يبدو كحلم إنساني كبير وهدفٍ صعب المنال.    وهناك من فكّر بصورة أقرب إلى الواقع العالمي، فدعا إلى تنظيم الكيانات السياسية بحيث تفقد السلطة المركزية في الدولة الواحدة الاستفراد بالسياسة واحتكارها فطالبوا بتفتيت السلطة المركزية إلى سلطات لا مركزية واقامة الدولة على أساس فيدرالي أو بمنح اقاليم منها حق الحكم الذاتي، إضافة إلى تأهيل وتقوية منظمات المجتمع المدني حتى تمتلك أسباب القوّة وتفرض اللازم على الحكومة في مجالات اجتماعية وإنسانية عديدة، مع ربط الدول بعضها ببعض بمعاهدات دولية متشابكة، جمركية وعسكرية وثقافية واقتصادية، وإيجاد رباط أو اتحاد أو تحالف “فوق وطني” كالاتحاد الأوروبي، أشد تأثيراً وفعالية، بحيث تتضاءل فرص اللجوء إلى استخدام القوة فيما بينها وتزداد فرص التعاون والعمل المشترك في مختلف المجالات التي فيها المصلحة المشتركة، وبخاصة في مجال البيئة والكوارث الطبيعية ومحاولات الاقلال من أخطار سلاح الدمار الشامل وتخفيف وطأة المجاعات والأوبئة على الصعيد الدولي أو على مستوى عدة أقاليم متجاورة، وتفقد السياسة الوطنية قيمتها كسلعة تستفرد بها السلطة المركزية وتستخدمها كعصا غليظة لتحقيق مآرب فئوية على حساب الشعب أو مصالح شعب ما على حساب الشعوب الأخرى.  
وبقدر ما تتزايد قدرات مجتمع ما على امتلاك ناصية القرار العام تضعف أهمية “السياسة” التي تستفرد بها السلطة. ولذا قال العلاّمة الألماني كارل شميدت (1888-1985) في الدولة بأنها تفقد المونوبول (الاستفراد) السياسي عندما تتداخل فيها أيادي المجموعات المجتمعية، وفي هذه الحال تقوم كل مجموعة مجتمعية بتعريف خاص بها عمن هو الصديق ومن هو العدو. ورأى هذا الخبير بشؤون السياسة التي تقوم على فكرة التقسيم (صديق أو عدو) بأن “العداوة” مكوّن أساسي أو عنصر ثابت في النفس البشرية ولكن يمكن اعادة قولبتها أو صياغتها عن طريق تقليم أظافر السلطة الحاكمة، اياً كانت، وعن طريق التربية ومزيد من التعاون والتنسيق وتفتيت السلطة، كما حدث ويحدث عملياً في التاريخ البشري.
–  الفيدرالية كمبدأ عملي: 
الفيدرالية “فيدراليزم” تأتي من الكلمة اليونانية “فيودوس” التي تعني العقد الوثيق والتحالف “العصبة” والاتفاق بين مكونات مختلفة، ومن ذلك نفهم أن فكرة الفيدرالية ليست انفصالية كما يزعم أنصار السلطة المركزية ويهاجمونها، والدولة الفيدرالية (ستيت فيدرال) أو الدولة التعاهدية (ايتات فيدرال) تقوم على أساس للحكم والاتحاد لولايات أو أقاليم أو دول تعيش مع بعضها دون انفصال أو وحدة مركزية شديدة، والفيدرالية تعود تاريخياً إلى عهد “إئتلاف الولايات اليونانية تحت إشراف مجلس الامفكيونيين” أو ما يسمى بمجموعة الدول المؤتلفة، إتحاد أثينا وديليا، الاتحاد الإيخائي… قبل الميلاد. وفي الشرق عمل الهندوس أيضاً بفكرة الفيدرالية كاتحاد ولايات (ﭬيرات، سوبتاجانا، بينجاب)، كما تأسست الولايات المتحدة الأمريكية بعد مؤتمر فيلادلفيا عام 1787 ومؤتمر آنابوليس 1786 للعلاقات التجارية بين الولايات الأمريكية. 
الدولة الفيدرالية تتضمّن كيانات دستورية متعددة، لكل منها نظام قانوني خاص بها واستقلال ذاتي، وتخضع كل الكيانات لدستور منظّم لمجمل البناء التشريعي والسياسي للكيانات المتحالفة ضمن الدولة الفيدرالية. وهذا القانون الأساسي “الدستور” هو عقد سياسي بين مكونات هذه الدولة ملزم للجميع، وأحياناً يسمى ب”القانون الأعلى”. 
هذا الدستور ينص على اختصاصات الهيئات الفيدرالية والاقليمية للولايات، ولا يتم تعديله إلا بموافقة ثلثي أعضاء البرلمان الاتحادي، وينص على أن النظام السياسي مركّب من حيث تعددية السلطة السياسية والمؤسسات الدستورية، وللسطة الفيدرالية صلاحيات في الأقاليم “الولايات” لا يمكن أن تعترض عليها الهيئات الاقليمية رغم تمتعها باستقلال ذاتي وتنظيم ذاتي. وبالنسبة للدستور الفيدرالي الأمريكي – مثلاً –  تعتبر تشريعات الولايات باطلة إن تعارضت مع نصوص صريحة للدستور الفيدرالي. لذا نجد الفدرالية كمبدأ عملي لصالح وحدة البلاد وليس لانفصال أجزاء منها… والتجارب الفيدرالية الشهيرة في العالم بأنها راسخة ومساهمة في وحدة البلاد، وليس على العكس من ذلك.
يمكن أن تنشأ دولة فيدرالية عن طريق تفكيك دولة واحدة واعادة توحيدها على أساس فيدرالي كما في الاتحاد السوفييتي في عام 1922، البرازيل في 1891، الأرجنتين في 1860، المكسيك في 1857 وتشيكوسلوفاكيا في 1969… أو بتنازل الامارات والولايات عن بعض سلطاتها لصالح تكوين دولة فيدرالية مشتركة كما في الولايات المتحدة الأمريكية 1787، ألمانيا الاتحادية 1949، سويسرا 1874 واتحاد الامارات العربية 1971، وكلا الأسلوبين يتضمنان عنصرين متناقضين هما (الاتحاد) و(الاستقلال الذاتي). 
ربما تنشأ الدولة الفيدرالية بسبب حاجة الأقاليم إلى حلفاء وشركاء لتأمين القوة في حال الدفاع عن النفس، كما في الاتحاد الهولندي أو الاتحاد السويسري، وقد يكون في البدء بدوافع تجارية لا سياسية كما في حال اتحاد الولايات الألمانية الشمالية (هانزا شتاتن) في عهد بسمارك أو للسببين معاً كما في حال إتحاد الإمارات العربية. وتلازم النزعة الاستقلالية والاتحادية في الدولة الفيدرالية يوفران لها الأمن والاستقرار ويساهمان رغم تناقضهما في ديمومة الدولة.
من خصائص الدولة الفيدرالية أنها تقوم على أساس فكرة الاتحاد وليس الانفصال، وهذا ما نراه جلياً في دساتير الدول الفيدرالية جميعاً، ووجود نظام المجلسين عوضاً عن المجلس المركزي الواحد، فهناك المجلس الأعلى الاتحادي ومجالس الأقاليم. 
أما عن السلطة التنفيذية الفيدرالية فإنها قد تكون رئاسية يتم فيها انتخاب الرئيس من الشعب مباشرة، كما في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الذي يختار طاقم حكومته ومستشاريه وموظفي الدولة ويعيّن قضاة المحكمة العليا بموافقة ومشورة المجلس الأعلى المنتخب من الشعب أو تكون حكومة جمعية كما في سويسرا، حيث هناك 7 أعضاء منتخبين من البرلمان الفيدرالي لمدة زمنية محددة)، أو نظاماً برلمانياً يتولى فيه (المستشار) رئاسة الحكومة الاتحادية الذي ينتخب من أعضاء البرلمان الاتحادي (البوندستاغ)، في حين يتّم انتخاب رئيس الدولة من قبل المجلسين معاً، البرلمان الاتحادي ومجلس الولايات (البوندسرات). وتتفاوت أساليب عمل الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم في توزيع الصلاحيات والمسؤوليات من حكم مباشر أو غير مباشر أو بأسلوب مختلط، وأبرز مثال على ذلك هو وضع البوليس الفيدرالي الأمريكي “إف بي آي” حيث يتم التنسيق بينه وبين بوليس الولايات. والهيئة القضائية الفيدرالية “محكمة فيدرالية عليا” هي التي تفصل في الحكم بين الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم، وتنظر في نزاعات الأقاليم فيما بينها، كما في الهند وكندا وألمانيا وسويسرا والولايات المتحدة الأمريكية. وتكون هناك محاكم للولايات (ديستريكت كورت) ومحكمة استئناف اقليمية للولاية ( كورت أوف آبيلز)، إضافة  إلى المحكمة العليا (سوبريم كورت). وتتميّز الدولة الفيدرالية الهندية بأنها ذات نظام قضائي موحّد وليس ثنائي (اتحادي واقليمي). 
أما من ناحية السيادة الدولية للأقاليم والولايات والدول المنضمّة للاتحاد الفيدرالي فلا تبقى لها هذه السيادة، حيث تصبح الدولة الفيدرالية في نطاق القانون الدولي دولة واحدة وليس عدة دول، وهي وحدها صاحبة الشخصية الدولية وحاملة المسؤولية عن ولاياتها وأقاليمها، وهي المخاطب الدولي دون ولاياتها، أما في الاتحاد السوفييتي المنفرط فقد كان للحكومات الفيدرالية ضمن الاتحاد حق اقامة العلاقات الخارجية وابرام المعاهدات وتبادل الديبلوماسيين وفتح القنصليات والمساهمة المباشرة في المنظمات الدولية، وحسب المادة 79 من دستور الاتحاد لعام 1977 فقد تمتعت بيلوروسيا وأوكرايينا بالعضوية في الأمم المتحدة. ويكون لكل اقليم مجلس تشريعي ومجلس تنفيذي ونظام قضائي خاص به، ويتّم ذلك حسب الأصول الديموقراطية المعهودة، عن طريق انتخاب رئيس حكومة الاقليم من قبل شعب الولاية مباشرة أو من خلال انتخابه في برلمان الاقليم، أما في الهند فالمادة 155 من دستور الدولة فينص على تعيين حاكم الولاية من قبل رئيس الدولة الاتحادية. 
– لماذا الدولة اللامركزية السورية؟
كانت سوريا أو أجزاء واسعة منها في الامبراطورية الرومانية متمتّعة بصلاحيات اقليمية واسعة كما في حال مملكة زنوبيا التي كانت تنزع للاستقلال وتم القضاء عليها بسبب ذلك الطموح الكبير، وصارت سوريا في عهد الدولة الأموية صدر الدولة العربية الحديثة التي ضمت إليها بلداناً واسعة وبعيدة ومختلفة عن بعضها من عدة وجوه، ولكن نظام الحكم الأموي كان أشبه بالنظام الفيدرالي، من حيث منح صلاحيات واسعة للولايات والأقاليم التابعة للدولة، إلاّ أن الفارق هنا يكمن في أن الدولة الفيدرالية تبنى على أساس توافقي وطوعي وليس عن طريق السيطرة العسكرية والقوة كما في العهدين الروماني والأموي… وبعد أن انتقلت عاصمة الخلافة الاسلامية من دمشق إلى بغداد، صارت سوريا تابعة بعد أن كانت متبوعة، ولكنها تمتّعت على الدوام بصلاحيات اقليمية واسعة، كما في العهدين الزنكي والأيوبي، حيث كانت سوريا تابعة للخليفة في بغداد شكلياً، والسلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، الذي امتدت رقعة دولته من كوردستان إلى اليمن ومصر وليبيا، لم يخرج رغم قوته وسعة مملكته من تبعية الخليفة، إلاّ أنه كان سيد قراره السياسي وكان هو الذي يقرر الحرب والسلام وادارة الدولة الأيوبية كانت في أيدي أتباعه الأيوبيين في القاهرة ودمشق، وليس في أيدي الخليفة في بغداد. وشهدت ممالك سورية كمملكة حلب مثلاً  شبه استقلالية كاملة في الادارة وبخاصة في عهد الملكة الكوردية “ضيفة خاتون” التي تولّت حكم المملكة بعد وفاة زوجها لمدة ست سنوات وكانت تصّد هجمات المغول من ناحية الشرق والصليبيين من ناحية الغرب في الوقت ذاته بهمة وشجاعة، دون العودة إلى المركز الأيوبي في دمشق والقاهرة أو إلى بقايا الخلافة في بغداد. 
أما في عهد الاحتلال الفرنسي، فكانت سوريا تضّم دويلات متجاورة ولكنها كانت غير متناسقة أو متعاونة أو متحالفة بحلف سياسي مثبت ذي اتفاقيات ملزمة، إلاّ أن ارادة الشعب السوري في الاتحاد والقوّة وفي نيل الحرية، دفع بزعماء الطوائف والمذاهب والأديان (السنة، العلوية، الدروز، النصارى، الازيدية والاسماعيلية) وكذلك أبناء القوميات (العربية والكردية والآشوريين والكلدان والسريان والشركس…) إلى التقارب والتعاون والكفاح الثوري المشترك لطرد الفرنسيين وتحقيق الاستقلال الوطني. 
ويجدر بالذكر هنا أن الزعماء العلويين قد تقدّموا بطلب إلى السلطات الفرنسية قبيل استقلال سوريا، تطرّقوا فيه إلى مخاوفهم من سيطرة العرب السنّة على مقاليد الحكم بعد الاستقلال، ودعوا إلى اقامة دولة خاصة بهم في منطقة جبال العلويين المتاخمة للحدود اللبنانية وفي حال تعثّر ذلك يأملون في ضم مناطقهم إلى لبنان ولا يريدون فرض البقاء ضمن الدولة السورية عليهم. 
ومنذ الاستقلال ترسخت فكرة الدولة المركزية ذات السلطة التامة على شؤون البلاد والعباد، وتوالت حكومات بورجوازية وطنية على الحكم لم تكن مصلحة البلاد لديها بتلك الأهمية التي كانت عليها مصالحهم الطبقية، ثم جاءت حقبة طويلة من الانقلابات العسكرية الدموية، التي أضرّت بالتوجه الديموقراطي للبلاد وبالاقتصاد الوطني على حد سواء، وتعرّضت اللحمة الوطنية إلى هزات عميقة بسبب السلوك الطائفي أو الحزبي أو الآيديولوجي لبعض الزعماء السياسيين والجنرالات العسكريين، إضافة إلى تدخلات خارجية بتأثير ظروف “الحرب الباردة” على المنطقة برمتها.
وأثبتت الوحدة بين مصر وسوريا (1958-1961) فشل النظام المركزي، حيث تم إدارة القطر الشمالي (سوريا) كمنطقة تابعة للقطر الجنوبي (مصر) من قبل الادارة الناصرية التي اختارت وسائل القمع والأجهزة الأمنية والتصرّف القاسي حيال الضباط السوريين وانتهجت نهج الاقصاء للسياسيين السوريين المطالبين بتنظيم العلاقة في الجمهورية العربية المتحدة على أساس وطني توحيدي ديموقراطي، ولقي الشعب الكوردي على أيدي جلاوذة النظام الناصري ومجرميه من أمثال عبد الحميد سرّاج شتى ألوان الارهاب السياسي، وهو الشعب الذي قدّم تضحيات كبرى من أجل الحرية والاستقلال منذ أن خرج وزير الدفاع الكوردي (يوسف العظمة) لمقاتلة الفرنسيين لدى قدومهم صوب دمشق في عام 1920 وإلى خروج آخر جندي فرنسي من البلاد في17 نيسان من عام 1946. ولا يمكن نسيان الضربة المؤلمة التي تلقاها الضباط الكورد في الجيش السوري الذي ساهموا بقوة في تأسيسه وتطويره، حيث تّم تسريح المئات منهم بقرارات تعسفية وعنصرية خلال فترة وجيزة. 
ولم تتمكن البورجوازية الوطنية السورية من اعادة بناء النظام الديموقراطي الصحيح بعد حدوث الانفصال (1961-1963)، بل تبعثرت جهودها بسبب التحارب الحزبي الضيّق الأفق، والاهتمام بالمصالح المالية والتجارية دون المصالح الوطنية الجامعة، واستمرّت في ممارسة سياسة عنصرية ضد الشعب الكوردي، حيث يعود قانون الاحصاء الاستثنائي الذي طبّق على الكورد دون سواهم في مناطق الجزيرة إلى عام 1962 حيث كان الانفصاليون لايزالون في الحكم… ويجدر بالذكر أن الدراسة العنصرية للمقبور محمد طلب هلال (ضابط أمن سياسي) بصدد محافظة الجزيرة والحسكة ومشروعه لتهجير الكورد ومحو وجودهم القومي بأسلوب رهيب قد كتبت في ذلك العهد، مما زاد في اتساع الشرخً بين الكورد والحكومة المركزية التي لم يهمل الدستور السوري وجودهم القومي كمكوّن اثني أساسي إلى جانب العرب وسواهم فحسب، وإنما تعرّض لتمييز قومي صارخ منذ قيام السوريين بخطواتهم الأولى في عالم الحرية والديموقراطية بعد الاستقلال.
هذه السياسة الفاشلة للأحزاب الانفصالية هي التي مهدت الطريق لأن يستولي على الحكم في سوريا حزب عنصري متزمت آيديولوجيا ومتأثر عميقاً بأفكار النازية الألمانية والفاشية الايطالية، بل هو وليد عقائدهما الفاسدة، ألا وهو حزب البعث العربي الاشتراكي، وذلك عن طريق انقلاب عسكري دموي في 8 آذار عام 1963، ودعم ذلك وصول البعث إلى حكم العراق أيضاً، وهما بلدان متجاوران، لهما ذات الطموحات والمصالح والأهداف، ولهما المشاكل الاقتصادية والسياسية المتشابهة.  
تفنن حزب البعث الذي يحمل شعار (الوحدة والحرية والاشتراكية) في ابتكار وسائل القمع الرهيب ضد الأحزاب الديموقراطية والشخصيات الوطنية السورية الرافضة لنظام وفكرة “الحزب القائد” وحارب بشكل فظيع الاسلاميين والشيوعيين والناصريين والمنافسين الاشتراكيين في الوقت ذاته، ولكن أشد الطغيان والظلم أصاب القومية الكوردية واليهود السوريين، وهذا لايستطيع أحد انكاره، بل إنه أرسل قوات عسكرية (قوات اليرموك) بقيادة العقيد فهد الشاعر (درزي) للمساهمة في حرب النظام المركزي العراقي ضد الثورة الكوردية التي كان يقودها الملا مصطفى البارزاني منذ عام 1961، وكانت الأوامر صريحة وواضحة “اقتلوا الكورد وارهبوهم” فالكورد حسب نظر البعثيين عاملون على إنشاء “اسرائيل ثانية” وانتزاع أراضي “عربية” من العراق وسوريا. وتاريخ البشرية يثبت بأن الكورد يعيشون على أرض وطنهم التاريخي من قبل أن يفد العرب من اليمن والحجاز حيث موطنهم الأصلي إلى كوردستان، فزاد البعث بذلك في تعميق الشرخ بين الشعب الكوردي ونظامهم العنصري حتى العظم. 
يجدر بالذكر أن ممارساتهم العنصرية هذه  نالت الدروز أيضاً، حيث تّم تغيير اسم “جبل الدروز” إلى “جبل العرب”، ولم يقم وهو الحزب التقدمي الثوري الاشتراكي برفع الغبن عن المواطنين العلويين الذين كانوا يعيشون في ظروف اقتصادية سيئة منذ عقودٍ طويلة من الزمن ويعانون من اقصاء ٍ سياسي –  ثقافي وتمييز ديني باستمرار، وغرقوا في بحر من الأمواج المتلاطمة من انقلابات عسكرية على بعضهم بعضاً (12 إنقلاب فاشل) تحمّل السوريين نتائجها الوخيمة سياسياً واقتصادياً وانعكس ذلك  سلبيياً على وحدتهم الوطنية اجتماعياً، وهذا ما أفسح المجال أمام الضباط العلويين للقيام بانقلاب ناجح، تمكنوا بعده مباشرة إلى قلب الموازيين واعادة نسج الخريطة السياسية للبلاد السورية ووضع الشروط التي يرغبون بها لاعادة ترميم البيت السوري. ثم قام الجنرال حافظ الأسد (قائد سلاح الجو، ثم وزير الدفاع) بالانقلاب على رفاقه الحزبيين من سنة وعلوية، فأسس منذ عام 1970 ما أطلق عليه اسم “الحركة التصحيحية”، إلاّ أن النظام تحوّل من جراء ذلك إلى حكم العائلة – الطائفة، فتم تصفية المعارضين في الحزب “القائد” وفي الجيش، وأسس لدولة المخابرات أي “الدولة السرّية” التي صار مركز قرارها السياسي ليس العاصمة دمشق وإنما قرية “قرداحة: سابقاً كرداغه” موطن الرئيس الأسد، ولم تعد سوريا كما كانت عليه قبل انقلابه الأبيض، بل صارت مزرعة للنهب والسلب من قبل العائلة والأقارب وبعض ضباط الطائفة ومن والاهم من أبناء الطوائف الأخرى وتأليه “القائد إلى الأبد” والحكم المطلق للأجهزة الأمنية، ولم يكن تشكيل ما يسمى ب”الجبهة الوطنية التقدمية” من البعثيين والاشتراكيين وغلاة القوميين العرب والشيوعيين إلاّ تقليداً للطغاة الشيوعيين في أوروبا الشرقية الذين انتهجوا ذات السلوك للسيطرة على المعارضة.
لقد بدأ عهد جديد منذ عام 1970 يتسم باثارة المزيد من الحقد والكراهية بين مكونات الشعب السوري وانتهاج سياسة “فرّق تسد” والضرب على أوتار العروبة المثالية و”تحرير فلسطين” ودعم “المقاومة”، وفي الحقيقة فإن النظام السوري لم يكن جاداً في أي مشروع بدليل أنه لم يحقق شيئاً من أهدافه المعلنة وهو يحكم البلاد منذ عقودٍ طويلة، لا في الوحدة العربية ولا في حرية الشعوب العربية ولا في تطبيق الاشتراكية، ولكن النظام استفاد في تثبيت دعائمه على الدعم الكبير من قبل المنظومة الشيوعية له، واعتباره عنصر “أمن واستقرار” في المنطقة من قبل العالم الحر الديموقراطي آنذاك.
شنّ النظام الأسدي الحرب على الاسلاميين منذ عام 1977 واشتد أوار الصراع بين الطرفين ( 1980-1982) إلى درجة ارتكاب النظام لمجازر وحشية للمواطنين المدنيين ومن أبرزها مجزرتا مدينة حماه وسجن تدمر العسكري. وهذا ما دق اسفيناً بينه وبين المكوّن السني السوري بشكل قوي. أما سياسته حيال الشعب الكوردي فقد تميّزت بتطبيقه لمشروع “الحزام العربي” بجلب العشائر العربية من منطقة حوض الفرات وتوطينها في أكثر من 40 مزرعة من “مزارع دولة” بهدف تغيير التركيب الديموغرافي للمناطق الكوردية على امتداد الحدود التركية – العراقية السورية بعمق 15 كم وطول يزيد عن 300 كم، وذلك لفصل كورد سوريا عن أشقائهم في العراق وتركيا، كما استمر في نهج منع الثقافة الكوردية وسلوك سلوك عنصري إقصائي إزاء الكورد في مختلف مناحي الحياة السياسية للبلاد. 
ولهذا، فإن مساهمات النظام القائم بنفسه في تعميق الشرخ بين مكونات البلاد الاثنية والدينية هي التي أوصلت سوريا إلى هذا اليوم الذي نرى فيه احتقاناً صارخاً، وتجاذبات قوية، قد تؤدي في ظل السياسات الحمقاء للأسد النجل وطاقمه الحاكم من الحرس القديم لأبيه إلى ضربة قاصمة للوحدة الوطنية السورية، والحديث المستمر لبعض المعارضين الكبار من أمثال الأستاذ عبد الرزاق عيد، رئيس المجلس الوطني لاعلان دمشق، أكبر التجمعات السياسية المعارضة في البلاد، عن إحداث النظام لفتنة “طائفية” بهدف تقسيم البلاد في حال عدم قدرته على سحق الاحتجاجات والمظاهرات الداعية لاسقاطه ولاقامة نظام ديموقراطي حر، حديث جاد ويجب عدم إهماله، أو الاستخفاف به. فسوريا بعد طول الحقبة الأسدية منذ عام 1970 وإلى الآن ودوام اللعب على وتر “الطائفة” لن تعود إلى سابق عهدها، وعلينا تفهّم مخاوف أبناء وبنات الطائفة العلوية التي تدرك مخاطر انزلاق النظام إلى هذه الأوضاع، فهذه الطائفة لن تسمح لأحد بأن يعاقبها بسبب طغيان أو انحراف بعض منتسبيها الذين يستغلّون اسمها لتثبيت سلطانهم، وبخاصة بعد الغلو في الارهاب السياسي والاستخدام المفرط للقوة من قبل النظام الأسدي ضد المواطنين، حيث تتصاعد نعرات “الانتقام” لدى بعض الذين ما عادوا يتحمّلون رؤية المناظر العدوانية الرهيبة التي تبثها الأقنية التلفزيونية عما يحدث في الشارع السوري، وسيسعى العلويون نتيجة المخاوف من المستقبل والقلق النفسي إلى مزيد من التماسك والمطالبة مثلما يطالب الكورد الذين أعياهم  سوء الادارة تجاههم وعدم الاعتراف بهم كقومية متميّزة، بأن يتوّلوا بأنفسهم إدارة مناطقهم، أو حتى الانفصال عن سوريا وبناء دويلة علوية صغيرة في غرب البلاد، وهذا سيشجّع الدروز أيضاً في جنوب البلاد وفي هضبة الجولان ولبنان واسرائيل على طرح مطالب شبيهة عندما تضعف الدولة السورية في مركزها السياسي. كما أن السوريين السنة لن يقبلوا بأي شكل من الأشكال أن ينفذ المجرمون الذين آذوهم وأقصوهم عن الحكم طوال عقودٍ من الزمن وأهدروا دماءهم وسلبوهم أموالهم  دون عقاب، وسيعملون على فرض قوتهم من خلال تمتّعهم ب”الأكثرية السكانية” حسب قناعتهم… 
لذا لا بد من طرح مشروع وطني بديل للانفراط والانفكاك، ويختلف تماماً عن الدولة المركزية والسلطة الأحادية التي ضربت الوحدة الوطنية بقمعها الطائفي والحزبي واستخدامها المفرط للقوة تجاه مكونات البلاد الاثنية والدينية. 
– مشروع الفيدرالية السورية:
قبل كل شيء يجب أن يكون لسوريا دستور جديد، يضمن احترام اختلاف عقائد الشعب السوري وحقوق الإنسان، بغض النظر عن اللون والجنس والدين واللغة والمركز الاجتماعي، أي أن يكون حضارياً بكل معنى الكلمة، أسسه العدل والمساواة بين الجميع، أفراداً وجماعات، بعيداً عن العصبية الحزبية أو القبلية أو الدينية…. وهذا الأساس ضرورة للتقارب والتضامن والشعور بالانتماء للوطن الواحد المشترك. كما يجب أن يصون الحق في اللامركزية وقيام نظام إتحادي على أسس واضحة وراسخة دستورياً. 
النقطة الأساسية الأخرى في هذا المجال هي تحييد الجيش وقوى الأمن الداخلي دستورياً، واسناد وظائفها حسب اختصاصها لها، وإيجاء المناخ القانوني الملائم لاعادة بناء وتنظيم قوى الدفاع عن الوطن والمواطن، وإخضاعهما بشكل تام لمؤسسات الحكومة، وعدم استخدامهما كقوة قمع سلطوية ضد الشعب السوري.
حيث أن العدالة أساس كل حكم صالح، يمكن أن يكون هناك اتفاق وطني على الحفاظ على وحدة البناء القضائي للبلاد، وصون السلطة القضائية دستورياً، وإنشاء محكمة دستورية عليا، وبالمقابل إفساح المجال أمام قيام محاكم اقليمية في الولايات (الأقاليم) تخضع من حيث هرميتها للنظام القضائي العام في البلاد. وبهذا الشكل يتم منح (الاستقلال القضائي الذاتي) للولايات مع ارتباطها المسلكي مع القضاء الاتحادي الفيدرالي، دون إفراط أو تفريط.  
لا يمكن الخلاص من نتائج المرحلة القمعية الحالية، دون التخلّص من شرور “الدولة السرية” ووضع حدٍ للذين زهقوا أرواح المواطنين وانتهكوا الحرمات ومارسوا التعذيب النفسي والجسدي ونهبوا الأموال العامة والخاصة، وهذا يعني اعادة النظر في مجمل مسيرة التاريخية الخاطئة لحزب البعث العربي الاشتراكي والنظام الأسدي، على قاعدة منح كل ذي حقٍ حقه، ومحاسبة المسؤولين عن التراكم الاجرامي تاريخياً… 
في حين تتألف الولايات المتحدة الأمريكية من (52)، وجمهورية ألمانيا الاتحادية من (16) ولاية اتحادية، فإن سويسرا تتألف من (3) ولايات (مقاطعات إتحادية) فقط، والعراق الحالي من فيدرالية واحدة هي الفيدرالية الكوردية في جسم الدولة العراقية، وعليه يمكن تقسيم سوريا إدارياً إلى أربع مقاطعات (أقاليم، ولايات) اتحادية: 
– مقاطعة الوسط، وتضم سائر المناطق السنيّة في وسط سوريا وشرقها بشكل خاص
– مقاطعة علوية وتضم مناطق الطائفة العلوية الاساسية في غرب البلاد، والتي منها منطقة جبال العلويين.
– مقاطعة كوردية (قومية) تضم المناطق الشمالية من سوريا، الجزيرة وكوباني (عين العرب) وجبل الأكراد (كورداغ)، حيث الأغلبية السكانية الكوردية (وهم في أغلبهم سنة وجزء منهم ازيديون مع تواجد قرية علوية واحدة بينهم في منطقة جبل الأكراد غرب حلب). وبتصفية مزارع الدولة ومشروع “الحزام العربي” بصورة لا تضيع معها حقوق المجلوبين العرب في مراحل سابقة، يمكن القول بأن هذه المناطق تضم أغلبية ساحقة من الكورد وأقلية مسيحية من (سريان – كلدان ، وآشوريين). 
– مقاطعة درزية في جنوب سوريا، حيث المناطق المتاخمة لاسرائيل (هضبة الجولان) ومناطق قريبة من الحدود اللبنانية. 
و يمكن إضافة لهذه المقاطعات الأساسية التي تضم بمجموعها الأكثرية الساحقة من مكونات الشعب السوري، تخصيص منطقتين حكم ذاتي للاسماعيليين في مقاطعة الوسط السوري، وللمسيحيين في المقاطعة الكوردية الشمالية.
ولكن مع ذلك تبقى هنالك أقليات قومية أو دينية في سائر المقاطعات يجب ضمان حقوقها العقيدية أو القومية بشكل راسخ في القانون الأساسي (الدستور الاتحادي السوري)، وفي دساتير الولايات أو الأقاليم (المقاطعات) بصورة دقيقة. 
وقد يتساءل البعض عن جدوى هذا التقسيم، ولذلك من الضروري تذكيرهم بأن هناك مدن ألمانية مثل (برلين وهامبورغ) تتمتّع بحقها الفيدرالي في الاستقلال الذاتي، لها برلمانات ودساتير وحكومات وميزانيات، وهذا ما يقوّي من الدولة الألمانية التي استفادت استفادة قصوى من تاريخها، ولا تسمح لأن يعود إلى الحكم نظام شبيه بنظام النازية الهتلرية التي استغلّت نظام الدولة المركزبة لتتحول إلى غول سفاح ضد البشرية…. ولا يقل البعث في طغيانه وفساده وإرهابه ضد الشعوب السورية إجراماً عن النازية أو الفاشية، ونستطيع اثبات ذلك بالوقائع والبيانات والاثباتات الدقيقة.
وإننا إذ نؤكّد على ضرورة تعميق الوحدة الوطنية للبلاد السورية مع ضمان الحقوق الإنسانية وترسيخ مبادىء العدل والاحسان والمساواة بين المواطنين، ننزع بمشروعنا هذا فتيل الفتن الطائفية والنزعات العنصرية ونسد الطريق على التطرّف العقيدي أو القومي وكذلك نمنع وصول تيارات حزبية مجرمة بحق الشعب السوري أو قيام الطائشين بانقلابات عسكرية دموية على الشرعية الدستورية والحياة المشتركة في اتحادٍ طوعي متين.   
 *عاشت سوريا فيدرالية حضارية متحدة  
12 أبريل / نيسان 2011 
مع فائق الاحترام والتقدير
أخوكم  جان كورد

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…