بهزاد قاسم
أن تاريخ الحركة التحررية الكوردية منذ أكثر من مئتي عام مرتبط بالبارزانيين، و بعد نهاية الحرب العالمية الأولى غدا اسم البارزاني مصطفى شعلة للكورد و في الاجزاء الأربعة من كوردستان و في كل بقاع الأرض ، حيث اقترن اسم الشعب الكوردي باسمه ، ولد مصطفى البارزاني في 14 آذار عام 1903 في قرية بارزان ، ولد البارزاني و هو في حضن أمه ذاق مرارة سجون ديار بكر و الموصل ، و بعد سنوات السجن قضى عدة سنوات من عمره في المنفى ، و شاهد وهو عمره 11 عاماً نعش أخيه الشيخ عبدالسلام ، بعد أن أعدم من قبل العثمانيين في الموصل ، و في تلك المحطة بالذات أتخذ قراره و أقسم على عدم الاستسلام للعدو مهما كان الثمن ، و بقي صادقاً للعهد الذي قطعه على نفسه .
امتلك البارزاني الصفات القيادية منذ يوم ولادته ، و كان يكتسب قوته و قدرته من شخصيته ، و لم يكتسب القوة و القدرة من الموقع القيادي الذي كان فيه ، لقد خاص بإمكانيات عسكرية بدائية و ضئيلة ، معارك عسكرية كثيرة و حقق انتصارات عظيمة ضد أعداء يمتلكون قدرات عسكرية كبيرة ، كما و الى جانب القدرات القيادية في الميادين العسكرية فإنه كان يمتلك قدرات قيادية في الجانب الاداري ، لقد استطاع البارزاني من احياء قضية الشعب الكوردي كمن يحيي ميتاً ، بعد أن قيل أن قضية الكورد قد مات و لن يستطيع أحد احياءها مرة أخرى ، و خاصةً بعد القضاء على ثورات في شمال كوردستان ثورات الشيخ سعيد و ثورة ديرسم و المجازر الذي قام بها الكماليون ضد الشعب الكوردي ، و القضاء على ثورات الشيخ عبد السلام البارزاني و الشيخ محمود في جنوب كوردستان . لقد تمكن البارزاني من تكوين و تنظيم قوات البيشمركة ، و استنهاض روح المقاومة فيهم مرة اخرى ، و جعلهم يقاتلون كالاسود في جبهات القتال ، و تمكن من توحيد صفوف الشعب الكوردي ، في الاحزاء الاربعة من كوردستان خلف قيادته ، و لأول مرة في التاريخ منذ ثلاثة آلاف عام .
لم يكن البارزاني أسير الافكار و الأيديولوجيات التي سيطرت في تلك المرحلة ، بل كان يستمد أفكاره السياسية و استراتيجيته من الحقائق الإجتماعية و التاريخية للمجتمع الكوردي ، كان قائداً للشعب الكوردي لأنه كان يمتلك القدرة على الاندماج الروحي مع الشعب و القدرة على تمثيله .
استند البارزاني في حياته و في نضاله السياسي الى مجموعة من القيم الانسانية و الاخلاقية ، لم يكن يقبل المذلة و العبودية لأي شخص كائناً من كان ، لذا لم يقبل أن يعيش الشعب الكوردي الذي كان ينتسب اليه في مذلة و عبودية مسلوب الارادة و الشخصية من قبل الآخرين ، و محروم من كافة حقوقه السياسية و الثقافية ، كان البارزاني يعرف بأن الشعب الكوردي هو من اكثر شعوب الشرق الاوسط أصالةً ، و قد تم تقسيم وطنه الى عدة أقسام و اجبر على العيش تحت نير الظلم و الاستبداد ، لذلك فإن انقاذ الشعب الكوردي من مذلة العيش ، و جعله يمتلك مقاليد حكم بلاده و العيش بحرية و كرامة ، كان يشكل الهدف الاساسي للبارزاني .
لقد رسخ البارزاني سنين عمره من اجل حقوق شعبه مضحياً بنعم الحياة و الترف ، الذي كان موجوداً فيه ، علماً أنه كان يستطيع الحصول عليها بكل سهولة ، غير أنه اختار طريقاً مليئاً بالمشاق و الصعاب .
الصفة الرئيسية التي كان يميز البارزاني عن باقي القادة و الملوك و يجعله شبيهاً بالأنبياء هو تواضعه ، فعلى الرغم من أنه اكتسب احترام و تقدير كافة القادة و الملوك في العالم و نال اعجاب الاعداء قبل الاصدقاء ، كما أنه يعتبر اسطورة بين أفراد الشعب الكوردي ، إلا أنه لم ينغر أبداً و بقي بيشمركة يشارك البيشمركة في حياتهم .
لم يهمل البارزاني يوماً واجباته الدينية الى جانب انه كان متمسكاً بالعادات و الأعراف الكوردية الأصيلة ، و لم يفرق بين منتمي الأديان الأخرى في كوردستان ، كما انه كان يتابع باستمرار الأفكار الحديثة و في تصالح مستمر مع تلك الافكار ، و لم يؤسس حزبًا دينياً بل اسس حزب يتناسب و متطلبات العصر و الذي كان من أهداف الديمقراطية و العدالة الاجتماعية .
نعم البارزانية و الحركة البارزانية ليست بحركة تشكلت بصورة آنية و تنطفىء وميضها كما الفيضان الذي يكسح و يقلع كل شي بسرعة و من ثم يغيب بسرعة ، الحركة البارزانية تشبه الماء العذب الذي يسيل من مصدر نظيف ، يصب بالخير و الخيرات على من هو موجود في أطرافه و يسيل بصورة منتظمة الى مصبه و يقضي على جميع العقبات التي تعترض طريقه بصبر و تأني و يستمر بعدها في المضي قدماً بخطى ثابتة .
و هكذا نرى أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي أسسه البارزاني على أُسُس سليمة ، تمكن بقيادة الرئيس مسعود بارزاني ، الذي خلف البارزاني الأب في قيادة الحزب و قيادة كل الوطنيين الكورد و على نهج البارزاني الخالد من رفع راية كوردستان عاليًا في جنوب كوردستان ، و سيبقى البارزانية شعلة الكورد و ثورة مستمرة حتى الاستقلال و الخلاص للأجزاء الاربعة من كوردستان .