شاهين أحمد
بداية نود التذكير بأن شعبنا يدرك أن روسيا دولة عظمى ، وعضو دائم في مجلس الأمن الدولي ، ومؤثرة وأساسية في كل مايتعلق بسوريا وأزمتها ومستقبل الحل أو التسوية فيها. وبالتالي ليس من الحكمة التفكير بمقاطعتها أو تهميشها في إطار التواصل والعلاقات ،لامن جانب المعارضة السورية ولا من جانب ممثلي الشعب الكوردي . لكن بنفس القدرعلينا أن نراجع أنفسنا، ونقلب صفحات التاريخ، ونتصفح ذاكرتنا مع هذا البلد، ونتذكر ماحصل لـ جمهورية كوردستان (عاصمتها مهاباد ) سنة 1946عقب إنتهاء الحرب العالمية الثانية وإنسحاب القوات السوفيتية وترك الكورد وجمهوريتهم الفتية عرضة للمجازر والمذابح الوحشية على أيدي عسكر نظام الشاه .
وكذلك الموقف المخزي للاتحاد السوفيتي السابق الذي كان يقوده الروس تجاه القصف الكيميائي ومجازر الأنفال وعمليات الإبادة الجماعية التي قام بها نظام صدام حسين بحق شعبنا في كوردستان العراق . وكذلك ماحصل لشعبنا في كوردستان الحمراء، وما حصل في بعض مناطق كوردستان سوريا نتيجة المراهنة الخاطئة على الموقف الروسي …إلخ. ونعرف أنه في جميع تلك المحطات كانت روسيا حاضرة وموجودة في الطرف السلبي من مصلحة شعبنا. ولم نتلمس من روسيا أي موقف مبدئي – سياسي جدي إيجابي من قضية شعبنا الكوردي في سوريا سوى عبارات عامة ضبابية، وتصريحات مناسباتية تصدر من جانب قيادات روسية مهمة كلما حصل خلاف أو توترت العلاقات بين روسيا وتركيا !. وهنا يجد المرء نفسه في مواجهة السؤال :
لماذا هذا الاهتمام الروسي المفاجئ والمناسباتي بقضية الشعب الكوردي في سوريا ؟.
مناسبة هذه العجالة هي التصريحات المتتالية من المسؤولين الروس منذ أن بدأت الأزمة بين روسيا وأوكرانيا تشهد تصعيداً على مختلف الصعد، وتفاعل المجتمع الدولي مع هذه الأزمة، وموقف الأطراف الدولية والاقليمية منها،وبالتالي ماصدر قبل فترة من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأنه يمكن أن يكون لكورد سوريا تجربة مماثلة لكورد العراق!. ويوم أمس يصرح نائبه ميخائيل بوغدانوف بأن مشاركة الكورد في عملية الإصلاح الدستوري في سوريا ” أمر ضروري “. بدون أدنى شك أن هذه التصريحات مهمة وإيجابية إلى حدٍ ما، كونها صادرة من جانب مسؤولين وقادة لدولة عظمى، وعضو دائم في مجلس الأمن الدولي، ووريثة الاتحاد السوفيتي السابق الذي كان يحكم نصف العالم . ومن جهة أخرى فإنها – روسيا – الدولة الأكثر تأثيراً ونفوذاً في سوريا، وبالتالي أي تصريح يصدر من مسؤوليها ينظر إليه بمنتهى الاهتمام، وبنفس الوقت يوضع أمامه أكثر من إشارة استفهام . ومكانة وثقل روسيا يفرض على ممثلي شعبنا الكوردي في سوريا التعامل معها بكل حكمة وجدية خدمةً لقضيتنا القومية الكوردية والوطنية السورية . لكن علينا في نفس الوقت وبنفس القدر الانتباه إلى نقطة في غاية الأهمية والخطورة وهي : لماذا لانسمع مثل هذه التصريحات أو المواقف من مسؤولي تلك الدولة إلا عندما تتوتر العلاقات بينها وبين تركيا؟. ولماذا لاتتحول هذه التصريحات إلى موقف سياسي – مبدئي من قضية الشعب الكوردي في سوريا؟. وخاصةً أن الذاكرة تدفعنا إلى التشكيك في تلك التصريحات، وبأنها تأتي في إطار استخدام قضية شعبنا العادلة في حقول الابتزاز والتخويف ليس إلا. ولاننسى وجود عامل مساعد وذرائعي يتجسد بالوجود الغير شرعي والإشكالي لحزب العمال الكوردستاني في مناطق كوردستان سوريا والذي يشكل أساساً يبنى عليه تلك المخاوف. من الأهمية هنا أن نذكّر الجميع بمن فيهم الروس بأننا في الحركة التحررية الكوردية في سوريا لانبني سياساتنا على التناقضات بين الدول بالرغم من مشروعية الاستفادة من أية فرصة في هذه الحالة . لأننا نعتبر أن قضيتنا القومية هي قضية وطنية سورية تخص كافة الوطنيين السوريين ومن مختلف المكونات، وبالتالي نناضل ونسعى لحلها في الإطار الوطني السوري، ومن خلال مشروع وطني سوري تغييري شامل يأخذ بعين الاعتبار وجود وحقوق كافة مكونات الشعب السوري القومية والدينية والمذهبية . ومايتعلق بالموقف والعلاقة مع تركيا ننظر إليها كدولة جارة لها توجساتها ومصالحها ،ونسعى ونتطلع بأن تكون العلاقة بين شعوب تركيا وشعوب سوريا علاقة حسن جوار واحترام متبادل وعدم التدخل وتكامل اقتصادي، وأن يسود الحدود المشتركة السلام والأمان. وننطلق في علاقاتنا من واقع وجود حدود جغرافية مشتركة تمتد لمئات الكيلومترات . ولم نكن ولن نكون أدواتاً في الصراع بين الدول إدراكاً منا بأن الصراعات بين الدول تبقى مؤقتة، والمصالح المشتركة هي الدائمة ، وأكبر من مصالحهم مع الشعب السوري والواقع يؤكد ماذهبنا إليه . أما بخصوص الصراع الدموي بين تركيا وحزب العمال الكوردستاني فإن الحركة التحررية الكوردية في سوريا موقفها واضح تماماً ويتلخص في ضرورة خروج pkk من جميع مناطق كوردستان سوريا والعراق وإيران والعودة إلى ساحته ،وترك السلاح جانباً، ونبذ العنف بكافة أشكاله، والانخراط في العملية السياسية والبرلمانية بشكل سلمي . كما ترفض الحركة التحررية الكوردية الاستثمار في أبناء شعبنا واستخدامهم في الحروب العبثية للعمال الكوردستاني . إضافة إلى النقطة التي ذكرناها سابقاً من خلال التصريحات الروسية والمتعلقة بإرسال إشارات تخويفية لتركيا بهدف الابتزاز وإبعادها عن الصراع في أوكرانيا، هناك نقطة أخرى تتعلق بالرؤية الروسية للأزمة ومستقبل التسوية في سوريا والتي تتلخص في عودة النظام إلى كامل الجغرافية السورية، ومن ثم إجراء بعض التعديلات الدستورية الشكلية والخجولة. ومن هذا المنظار تنطلق روسيا وتحاول التخلص من الواقع الموجود على الأرض والمتعلق بقوات سوريا الديمقراطية وإدارة حزب الاتحاد الديمقراطي أولاً، وكذلك من وجود المجلس الوطني الكوردي في المؤسسات السياسية للمعارضة السورية ثانياً، وتحاول دفع الكورد من الاتجاهين المذكورين نحو النظام، ولاننسى هنا أن روسيا تحاول خلق توجسات لدى المكون العربي داخل المعارضة السورية بالمخاطر المزعومة للكورد على وحدة سوريا .
ملخص الكلام
نعم روسيا دولة عظمى ومؤثرة وأساسية في كل مايتعلق بمستقبل سوريا وأزمتها وشكل الحل فيها، وبالتالي ليس من المنطقي مقاطعتها أو تهميشها في إطار العلاقات لامن جانب الكورد ولا من جانب المعارضة السورية بشكل عام، وضرورة التواصل والحوار معها . لكن على روسيا أن تعلم بأن قضية الشعب الكوردي في سوريا ليست طارئة على المشهد السوري حتى يتم التلاعب بها أو استخدامها كورقة ابتزاز في البازارات السياسية ، ولن تكون ورقة في جيب أحد ،لأنها قضية شعب يعيش على أرضه التاريخية، هذا الشعب الذي بقي مع أرضه داخل الحدود الإدارية والسياسية للدولة السورية الحديثة، تلك الحدود التي تم رسمها من قبل المنتصرين في الحرب العالمية الأولى ومن خلال اتفاقيات دولية جائرة وخاصة سايكس – بيكو لعام 1916، بين فرنسا وبريطانيا وروسيا وانسحاب الأخيرة منها بعد قيام الثورة الاشتراكية بقيادة لينين في اكتوبر 1917 . وكذلك اتفاقية لوزان عام 1923 والتفاهمات اللاحقة بشأن رسم الحدود التي تم فرضها على شعوب المنطقة رغماً عن إرادتها. وحل القضية الكوردية سيكون وطنياً من خلال مشروع وطني سوري تغييري شامل أركانه الشراكة والتوافق والتوازن ،ويأخذ بعين الاعتبار وجود وحقوق كافة مكونات الشعب السوري . ولن يكون هناك استقرار في سوريا خلاف ذلك . وكورد سوريا لم ولن يكونوا عامل توتر أو خطر لا على سوريا ولا على الجوار الاقليمي .