مؤتمر ميونخ وإعادة تعريف قضايا الصراع الدولي

صلاح بدرالدين
التأم الاجتماع السنوي ” لمؤتمر ميونخ للامن – MSK- في دورته الثامنة والخمسين بين (18 – 20 2 – 2022 ) بمشاركة واسعة، في أجواء التصعيد الروسي، والحشود العسكرية، والمناورات النووية حول أوكرانيا، وتهديد امن واستقرار سائر دول أوروبا، وفي ظل هبوب الحرب الباردة من جديد بين الشرق والغرب، مما دفع كل ذلك المشاركين الى التركيز على راهنية الاحداث، وتناول القضايا المتعلقة، بالعلاقات الدولية، والنظام العالمي، والامن، والاستقرار في أوروبا، وسبل الحفاظ على الحوار والحلول الدبلوماسية لقضايا الخلاف.
ملامسة قضايا الحاضر والمستقبل
انعقد مؤتمر هذا العام في مرحلة يصفها المراقبون بالانتقالية، وعدم الاستقرار، شبيهة بالفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية، حيث توافق الحلفاء المنتصرون على النازية، والفاشية، حول ترتيبات جديدة، مستندة الى توازن القوى بين القطبين الشرقي الاشتراكي، والغربي الراسمالي، في توزيع مناطق النفوذ في العالم، والتنافس السلمي في مجالات العلوم، والاقتصاد، والتكنولوجيا، ولكن بعد تصعيد الحرب الباردة، وغلبة المعسكر الغربي، وسقوط حلف وارسو، والاتحاد السوفييتي بداية تسعينات القرن المنصرم، تحول العالم من جديد الى القطبية الواحدة، واعيد النظر في العديد من المسائل الدولية، الى ان بدأ صعود الصين، وروسيا الى سدة منافسة القطب الراسمالي الغربي، والتوجه نحو إرساء مبادئ جديدة للنظام العالمي، وما نشهده الان من أزمات ماهي الا مقدمات لذلك.
وفي هذا المجال يمكن تلمس العديد من الإشارات حول استشراف مستقبل البشرية، وقضايا الصراع وسبل حلها، في كلمات، ومداخلات النخب السياسية، والأمنية، والفكرية، المشاركة في مؤتمر ميونخ ومن ابرزها:
أولا – في تشخيص جوهر الصراعات الراهنة أشار البعض ومن بينهم – وزيرة خارجية المانيا – الى انه (يدور بين قيم الديموقراطية، والليبرالية، من جهة، وقوى الاستبداد، والإرهاب من الجهة الأخرى)، والتقييم هذا اقرب الى الصواب، ففي مرحلة صراع القطبين كان يدور بين النظامين الراسمالي، والاشتراكي، والان فان روسيا، والصين لم يعودا نظامان اشتراكييان، ويصنفان في عداد الأنظمة الراسمالية  بدون مؤسسات ديموقراطية كما في الغرب الراسمالي ويداران بطرق فردية وفئوية، ويسود فيهما الفساد، والمحسوبية، والتعصب القومي، وهذه الصفات تظهر اكثر في التجربة الروسية.
  ثانيا – وفي تعريف صفات المرحلة الراهنة عبر الأمين العام للأمم المتحدة عن تشاؤمه واعتبر الوضع (اكثر تعقيدا مما كان عليه خلال الحرب الباردة ومواجهات القطبين)، وكذلك السيولة في حدوث (الانقلابات العسكرية) بالعالم خاصة بافريقيا، إضافة الى ( عجز الأنظمة للاستجابة لمتطلبات الشعوب)، اما رئيس المؤتمر فلخص الوضع (بالعجز المستدام).
  ثالثا – وفي قراءة التحرك الروسي، وارسال عشرات الالاف من الجنود الى حدود أوكرانيا، واجراء المناورات النووية على الحدود المشتركة، وخطوتها الأخيرة في اقتطاع مناطق من أوكرانيا والاعلان عن جمهوريتين والاعتراف بهما، ظهرت مواقف متقاربة من (محاولة روسيا تغيير الحدود المرسومة باتفاقيات واشراف دولي)، ومحاولتها (إعادة كتابة قواعد النظام العالمي باسلوبها)، وضرورة التصدي لها.
.
راس نظام الطغمة الحاكمة بروسيا – بوتين – أمر باقتطاع مناطق من أراضي دولة أوكرانيا المستقلة – وامرباالتدخل لحماية (الروس والكنيسة الارتوذوكسية ) في أوكرانيا، أي إعادة انتاج (المسآلة الشرقية) من جديد، انها سابقة خطيرة في العلاقات الدولية تمهد للحروب، والصراعات العنصرية، وعلى سبيل المثال : يحق لإيران ضم مناطق من آذربيجان، وأفغانستان التي ينطق سكانها اللغة الفارسية، او احتلال تركيا لاقاليم في دول اسيا الوسطى، والعراق ينتمي سكانها الى القومية التركية أو أو أو، واللافت ان اول نظام اعترف. بالجمهوريتين المزعومتين كان نظام الأسد. 
     الازمة الاوكرانية
كل من يتابع تطورات الازمة الأوكرانية في الأسبوعين الأخيرين يتوصل دون عناء يذكر الى الاستخلاصات التالية : ١ – ان النظام الروسي هو من افتعلها لاهداف توسعية، وانطلاقا من العصبية القومية الروسية المغالية، ٢ –ليس بخاف على أحد تلك اللغة الاستعلائية العدوانية المتعجرفة التي يستخدمها الدكتاتور – بوتين – وافراد طغمته الحاكمة مع الاوكرانيين، والعالم باسره، ٣ – ينضح الخطاب الإعلامي، والسياسي الروسي، بالمبالغات، والالتفاف على الحقائق، بصورة مدروسة ولذلك فقد الصدقية تماما، ٤ – من السهولة بمكان مقارنة المشهد الروسي الان مع وقائع الصعود النازي قبل نحو ثمانية عقود، من جهة التشابه بين ” الفوهرر والقيصر ” من حيث ( الايماءات – والحركات – والتصرفات – والتوجهات القومية التوسعية عليي حساب أراضي الشعوب الأخرى ) كما ان مساحة التشابه في الاعلام الدعائي – البروبكندا – تتقلص كليا بين كل من – غوبلز – من جهة و – زاخاروفا، و لافروف من الجهة الأخرى، ٥ – استحوز الخطاب الهادئ، والوطني الصادق للرئيس الاوكراني على اعجاب شعبه، والعالم باسره، وكم هي الهوة سحيقة بين منطق الاكاديميين، والباحثين من كييف الذين تستضيفهم القنوات العربية حيث يفصحون عن آرائهم بحرية واحيانا بتتباين واختلاف، وبين نظرائهم بموسكو الذين لايخرجون عن الخطوط المرسومة لهم من الأجهزة، ٦ – كم اشفق على ( محللين ) سوريين يقيمون بروسيا، ويكيلون المديح للنظام الحاكم وسياساته، الذي هو في الوقت ذاته محتل لبلادهم.
   من جهة أخرى اذا كان رأس طغمة موسكو يسعى الى احياء الإمبراطورية السوفيتية فذلك ليس من حقه لانه خرج على النظام الاشتراكي وتحول دكتاتورا مليارديرا فاسدا، وان شعوب الاتحاد السوفييتي سابقا اختارت دروبها، ونظمها السياسية بمحض اراداتها، واذا أراد احياء هذه السابقة، فلينتظر من يحاول احياء امبراطورية – هابسبرغ – والامبراطورية العثمانية، والامبراطورية الصفوية، وقبل ذلك الإمبراطورية الرومانية.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…