الأنفاق الفكرية

وليد حاج عبدالقادر/ دبي

في الحراك الدبلوماسي الأخير والموازي لمآلات ما يجري على الأرض السورية ، بات غالبية المتابعين لهذه الازمة وبالتاكيد من ضمنهم اهل سورية يدركون بأن مايتم عمليا هي ليست بدعوة جادة للحوار ، بقدر ماهو اسلوب جديد لإدخال الآخرين الى بيت طاعة النظام ، خاصة بعد فشل كل تجارب العنف والإستبداد وبقمعه الممنهج ، إن من يكون اصلا قد اوجد في قاموسه مصطلح الحوار كما هو معنى الحوار ، لايطلب من الآخرين الرضوخ لسقف قناعاته هو و … تحت مسمى الحوار !! وليفرض هنا السؤال الأهم ؟ على ماذا سيتم الحوار ؟ … إن الجادين في قضايا الإنفتاح على هكذا قضايا / اعني الحوار /  يفترض بهم التمهيد لها بعشرات الخطوات ، ولن تكون تنظيف المعتقلات وطي ملف الإعتقال السياسي  الا بدايتها ، كما والقضية القومية الكردية بإعادتها الى اولوياتها ، وحتمي لأننا ندرك جميعا بأن حلقات تقهقر وتضييق العمليات العسكرية ستبدأ بسقوط مسبباتها و .. 
من حقنا ان نقرأها تصريحات جيش النظام ومنتاجاتها من القوى العسكرية الرديفة ، وما حققتها من نتائج على قاعدة خفض القوة وخفض التصعيد ، وممارسة سلوكية الضربات العسكرية العنيفة على قاعدة الباب المفتوح للمصالحات المناطقية ولكن : بصيغها الفردية ، وقد اثبتت هذه الظاهرة في كثير من المناطق نجاعتها ، لابل وحولتها لكامل الصراع فيها الى مظاهر فردية ، ومع الأيام بات واضحا إن ما حققه النظام عبر الروس من مصالحات في مناطق عديدة مرشحة لتنفيذها في مناطق اخرى ، قابلها تصعيد للنضال السلمي والمظاهرات التي انطلقت / ستنطلق من جديد – محافظة السويداء مثالا – وقد لا  يتوفر مطلقا – مجددا – مبدأ فرط القوة المستباحة الآن . إن دونية التعاون كما الموقف لابل وكنسف حقيقي لمفهومية الحوار ، وذلك على قاعدة ان يكون لك موقف مع المعارضات الأخرى و .. خارج الأطر الكردية . أو الحوار من اجل الحوار ، وكذلك رفضه فقط من أجل الرفض ، هي إذن وفي الأغلب مواقف مكشوفة من اساساتها ، وفي الواقع السوري فقد اصبح مفهوم الحوار فقط من اجل الحوار ، هي مثل النكتة الوقتية او سحابة صيف عابرة ان لم يوفر الداعي لها لأبسط المقومات او الممهدات كسبل لإنجاحها ، لابل ستبقى مجرد بروباغندا هادفة لا أكثر أيضا ، إن للتفرد بعنجهية ولضبضبة البنية الذاتية القابلة في اية لحظة للتصدع . أما رفض الحوار لمجرد الرفض فهو ايضا متمم للحالة الأولى ان لم تتوضح حيثيات ذلك الرفض ، بقدر تحويطه على أنه مجرد رفض للإشكالية التي يدعو اليها الآخر ، و تحت مسمى الحوار وفي نسف علني لمبدأ وتعريف كما وفهم الحوار بكونها / المطلوبة / كإملاءات لا تخرج بالمطلق من مدلولية اعادة انتاج الاستبداد ومفرداته . 
إن البحث عن طوق النجاة لفئة – حزب هو غيره البحث عن سلام ! فهل لوحظ بوادر لكتل غميقة عديدة وقد تحركت في خاصية الأزمة السورية ؟ بقدر ما يتبدى في الملمح مجرد مؤشرات قوية تنحى لفرض العودة الى حضن النظام – مثلا – بعد يقينها بهوبرة الأمة الديمقراطية ؟ . فمنذ انطلاقة العمل السياسي الكردي في سوريا اعتبرت حركتها السياسة قضيتها كجزء لا يتجزأ من ديمقراطية الدولة ، إلا أن مطبات بعض القوى ومصادرتها بالقوة المكتسبة لمسار الحركة وقيادتها كهواة مبتدئين ! ولتدار كما مسرح الدمى بعصي وخيطان ، اثبتت مع الأيام بأن الحركة السياسية الكردية غير الدخيلة عليها ، وكنقطة سجلت لهم في بداية الثورة قبل اقتحامها من قبل المتسلقين كان : رفض التحاور مع النظام وإرجاع الطائرة المرسلة من رأس النظام خاوية ، وحينها ماكان قد سقط ١٢ ألف شهيد و٢٢ ألف جريح . وفي الواقع ان هكذا أمور ستدفعنا جبرا للعودة الى نوع مو السفسطة ، وكمفهوم اوسع لمعناه الرئيس وكجدل بيزنطي ، اي وبمعنى : ما ان تفتح فمك حتى يقال لك ـ المعركة وضروراتها ـ و ـ التوازن الإستراتيجي ـ والصراع مع العدو ! وأن تقول ـ فلان ـ يقال لك : يا أخي ماراح أجادل لا بالبيزنطي ولا بالسفسطة ؟  و .. كل ما أعرفه أن الأحزاب وجدت لتخدم قضايا شعوبها ، لا الشعوب وجدت لتحقيق شعارات الحزب ، بما يعني ان الحزب الذي يرى في شعبه ـ عقل ناقص وعبيد وبين كل خمس كلمات ـ ليست جمل ـ بحاجة الى تطهير وإلا فالتدنيس هو لا محالة مصيره ، وهذه الحالة ستدفعنا الى سلسلة من الاسئلة تتطلب اجابات عنها مثل : 
– ما الفرق بين فرض العقيدة بالقوة او بسط الارادة وايضا بالقوة ؟ . اوليست هي عينها متلازمة الاحزاب العقائدية واثوابها المزركشة غرائبا وعجائبا ؟ !! . ما الفرق بين نظام احفاد س ونغ اتباع زوتشه و عباءة الخميني المتشبثين بدشداشة خامنئي ؟!! . والجواب هو بلغة واحدة وبنطق تسويفي ما اختلف في جوهره ولن يتقدم !! ثنائية الكفر والخيانة وهي تمتشق غصن الايمان والوطنية الموصوفة ومن جديد متلازمة العقيدة والارادة المفروضتين هكذا عنوة !! . 
منذ أكثر من خمسين سنة هلكنا الأسد بإبنه ، وتحت بند وبمقصلة المقاومة والممانعة والتوازن الإستراتيجي مكبلين في مصيدة البعث وتحت شعار ـ كلّ شيء في سبيل المعركة ـ .. تلك المعركة المسكينة والتي كانت خاتمتها يوم كنا صبيّة وإذ بها أطاحت بالقنيطرة وجبل الشيخ بقمتها ، وبعد حوالي 30 سنة وبفضل تقيا عباءة نصرالله ولحى فقهاء الظلام وبعبعة – خودي نهشتي الخامنئي – الملبوك باتصالاته الموبايلية مع الولي الفقيه مستفسرا عن نوعية العشاء الذي يبتغيه ، جعجعة ومصطلحات باتت مادة تندّر وببسمة صفراء حارقة مثل ربيع الثورات التي ستنجز بالدعاء والصلوات ما عجزت عنها كل الخطط والبرمجيات ، وكل ذلك فقط ببعض من تعاويذ الديمقراطية العصرونية وتتبيلات الأمة الديمقراطية في مواجهة أمريكا والحركات القومية الإنفصالية .. وفجأة إذ بنا وتحت يافطة المقاومة العصرية ، ومثل – play station – تنهمر علينا آلاف من لعب الغميضة يحاول أدعياءها ممارسة سياسة التمريق كواحدة من مقتضيات ولاية الفقيه بحلته الجديدة ، ومن جديد على ذات طراز عودة الولي المنتظر .. فهل علينا انتظار عودة ـ غوتو ـ أو الإحتماء برداءه إن تعذّرت فينا الظروف والإنضواء تحته ؟ .. أحيانا كم تبدو بعض الردود والإجابات في بعض المسائل وليبدو التبرير مرادفة للتمطيط وكلاهما ذي فحوى ومحتوى كما وحشوة واحدة . إن الأنفاق الفكرية حفرت من لحظة خروجهم يوم الحشد برفقة المغمورين إلى المعبر ورسخت في الأذهان التي تنجذب وفق ايماءات المبشرين التي تقسم بأغلظ الإيمان مثل ( صوفي عبدالكريم شعبي الديركي المسكين ) والذي قال بانه رأى ملائكة زرق تحارب في الجولان سنة 1967 . إن الجمود العقائدي والفكري والتنظيمي الحزبي هي بالفعل باتت مصطلحات كلاسيكية ولكنها ترسخت كالباطون في ذهنية بعض من ذوي / الاحتياجات مافوق الطبيعية / .. ان ترى – مثلا – العالم فقط حسب ما تصوره لك عدساتك !! فكم من الة تصوير التقطت منظرا لنفس المكان ولربما بنفس النوعية وعين الزاوية والمسافة فتبدو واحدتها سبحان الخالق البارع واهب الجمال والثانية فيها من الغباشة ما تضاهي ضعف منطق مصورها البائس .
ان الرعاف الشوڤيني وبنكهتها العنصرية ، والتي تكلست في ذهنية بعض متتبعي نظم الإستبداد حتى تداخلت في آفاق وعيهم انماط كثيرة من الإستبداد وما ابتدأت بالإستلاب لتعبر مساحات شاسعة فتمأسس لثقافة الكراهية ؟! .. ومنها عربيا كما تحف د . عبدالرزاق عيد ودرره أنموذجا !! .. أن يشتغل واحدهم نادلا او ماسح أحذية !! أوليس أفضل من ذاك الذي يجز الأعناق او يتزنر بمواد تفجيرية مع ان اولئك الصنف المحسوبين على البشر فيها من كل الملل والنحل ، وهنا من جديد سيبرز ذلك الفرق الكبير في فهم أبعاد وتعاريف الممارسات الديمقراطية وكمثال بين التطوع للتظاهر والإحتجاج وجبرية العمل تحت رهاب كتاب التقارير وعيون اجهزة الأمن ! . وسأختتم هنا وكمثال من واقع سورية وعلى أرضية التضامن مع مدنيي ادلب ، وأمنيات القضاء على النصرة واتباعها وكل من وضع يده في يد إردوغان وثلته : وفي واحدة من لقاءاتي على قناة الحدث ، تواجهت مع عصبوي اردوغاني حتى العظم ، وفي الجدل ذكرته بمقايضات اردوغان وقبضه حتى ثمن قنينة الماء وكيف أنه باشر بتقطيع خارطة سوريا الى بقع يقايضها بدءا من الزبداني والمعضمية وداريا والشام الى القصير وتلكلخ وحمص وكانت حلب الكعكة الكبرى لإفراغها وهاهي ادلب ، وسيكون من الغباء الشديد إن لم تفهم الحاضنة الغابة من تسيير الباصات الخضر ، واتذكر بأنني بعدها بنهار التقيت مع ثلة من السوريين من بينهم عاشق بونابرت – مخياله التركي – وعاتبني جدا كيف انني ارى اردوغان بهذه الزاوية الضيقة !  … أجبته : لن أقول فكر ككردي ولو لثانية .. بل : ستستيقظ يوما كسوري وستعود الى يوميات اردوغان وتسلسلات كلماته : لن نسمح بحماة ثانية ، وحينها ستتذكر كلماتي .. نعم ، تضاربت المصالح وافتكت من بعضها ولكن الخيوط ظلت مقبوضة عليها بقوة ، وسأتساءل هنا ببراءة : هل فات اردوغان سحب أخلص خلصائه من السيجريين والخوجييين وسيصعب عليه تشكيل كتائب مرتزقة يتكلمون اللغة العربية ويمنحهم عميله الأخونجي الجنسية الليبية فيرميهم في نار الصراع على ليبية والمتوسط ، اولم يحدث ذلك ؟ اردوغان في نقي عظامه إرث من النزعة الإجرامية لبعض من سلاطين عثمانه الذين فتكوا بإخوانهم واولادهم وهو – أي اردوغان –  اولوياته تتمحور في : شخصه وعائلته والرئاسة وحزب على مقاسه ومن بعد ذلك فليكن الطوفان . 
وبجمل اخيرة اقولها لحزب اتحاد ديمقراطي ؟! … فشلكم السياسي ليست نتاج قوة الآخرين بقدر ماهي بسبب فشلكم في قراءة المشهد لا بمتوالية الزحوف المقدسة ومنطق القوة الفائضة التي قد تكون مفيدة واستفدتم منها مرحليا / وقتيا !! ولكن بقيت آفاقها عندكم مثل ورقة الباصرة مجهولة وتتخذون من التخمين قاعدة رئيسة أضف عليها مبدأ أساس وهو إثباتكم وبلا منافسة بأنكم عاجزون عن قيادة الناس في بيئة يكون فيها السلام والطمأنينة سائدة … في رده على سؤال في واحدة من المؤتمرات التي تعقد في دبي وبحضور قادة عالميبن كبار قال سمو الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي ، وفي إجابته وهو يخاطب سمو الشيخ محمد بن زايد وفي عهد ابو ظبي بما معناه / النجاح أخي محمد من عوامله أنك قد تملك خمسين بالمائة من عواملها أما الخمسين الباقية فهي من فشل الآخرين / … وأنتم يا حزب اتحاد ديمقراطي تتركون الجامع وتطيرون معها الكنيسة !! لا كردا تزعمون كانتماء ديمقراطي ولا ديمقراطية تمارسونها مع كردكم الحقيقيين و .. طبيعي ان يكون المحلس الوطني الكردي ممثلا في مؤتمرات جينيف التي تتالت ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صدرت للكاتب والباحث د. محمود عباس مؤخراً ثلاثة كتب جديدة، وبطباعة فاخرة، ضمن سلسلة مخطوطاته التي تتجاوز الأربعين كتابًا، متناولةً القضايا الكوردية من مختلف جوانبها: النضال السياسي، والمواجهة مع الإرهاب، والتمسك بالهوية الثقافية. تُعدّ هذه الإصدارات شهادة حيّة على مسيرة د. عباس، الذي يكتب منذ أكثر من ربع قرن بشكل شبه يومي، بثلاث لغات: العربية، الكردية، والإنجليزية. إصدارات الدكتور محمود…

اكرم حسين تستند الشعبوية في خطابها على المشاعر والعواطف الجماهيرية، بدلًا من العقلانية والتخطيط، حيث أصبحت ظاهرة منتشرة في الحالة الكردية السورية، وتتجلى في الخطاب السياسي الذي يفضل دغدغة المشاعر الجماهيرية واستخدام شعارات براقة، ووعود كاذبة بتحقيق طموحات غير واقعية، بدلاً من تقديم برامج عملية لحل المشكلات المستعصية التي تعاني منها المناطق الكردية. إن تفاقم الاوضاع الاقتصادية وانتشار الفقروالبطالة، يدفع…

خالد حسو عفرين وريفها، تلك البقعة التي كانت دائمًا قلب كوردستان النابض، هي اليوم جرحٌ عميق ينزف، لكنها ستبقى شاهدة على تاريخٍ لا يُنسى. لا نقول “عفرين أولاً” عبثًا اليوم، بل لأن ما حدث لها، وما يزال يحدث، يضعها في مقدمة الذاكرة الكوردية. لماذا عفرين الآن؟ لأن عفرين ليست مجرد مدينة؛ هي الرئة التي تتنفس بها كوردستان، والعروس التي تتوج…

خليل مصطفى ما تُظهرهُ حالياً جماعة المُعارضة السورية (وأعني جماعات ائتلاف المُعارضة المُتحالفين مع النظام التركي) من أقوال وأفعال مُعادية ضد أخوتهم السوريين في شمال شرق سوريا، لهي دليل على غباوتهم وجهالتهم ونتانة بعدهم عن تعاليم وتوجيهات دين الله تعالى (الإسلام).؟! فلو أنهُم كانوا يُؤمنون بالله الذي خالقهُم وخالق شعوب شمال شرق سوريا، لالتزموا بأقواله تعالى: 1 ــ (تعاونوا على…