حزب العمال الكردستاني بين الإرهاب و المقاومة و الدفاع

آلان عثمان

يقوم حزب العمال الكردستاني بالعمليات المسلحة منذ عام 1984 و يتبع الحزب حرب الگريلا أي ما يتعارف عليه بحرب العصابات (الكر و الفر) و هذه الطريقة استخدمت من قبل الثوار الشيوعيين و حتى حزب الله اللبناني (الإسلامي) استخدم نفس الطريقة في حربه مع إسرائيل و بحسب الخبراء العسكريين تعتبر حرب الگريلا من أصعب أنواع الحروب و من الصعب التغلب على هذا النوع من الحروب خصوصاً إذا كانت الگريلا تلقى مساعدة من السكان في منطقة الحرب.
لماذا يقوم حزب العمال بالعمليات المسلحة؟ تأسس الحزب في عام 1978و في عام 1980حدث انقلاب 12 أيلول العسكري في تركيا و قد نتج عن هذا الانقلاب أعمال مأساوية بحق الشعب الكردي و حركة حزب العمال و في 15 آب 1984 كان الخيار العسكري أمام حزب العمال الكردستاني نتيجة للانقلاب العسكري في تركيا.
لكن قبل هذه الأحداث كلها كان هناك وضع في تركيا يقوم على إنكار و جود الشعب الكردي و كان التلفظ بكلمة كردي لوحدها تزج صاحبها في المعتقل و كانت تطلق تسمية أتراك الجبال على الشعب الكردي الذي يعيش على أرضه التاريخية منذ آلاف السنيين و حرم الشعب الكردي من ارتداء زيه الكردي و التكلم بلغته الكردية.

نتيجة هذه الأوضاع ظهر حزب العمال الكردستاني رافعاً شعار تحرير كردستان عن طريق الكفاح المسلح و في فترة قصيرة جداً حصل الحزب على شعبية بين الكورد في كردستان و الدول الأوربية التي يتواجد فيها الكورد.
طبيعة أعمال حزب العمال الكردستاني, إن أهم ما يميز حزب العمال الكردستاني عن غيره من الأحزاب التي تنتهج الطريق العسكري بأن الحزب لم يوجه سلاحه للمدنيين و لم يتبنى لحد الآن أي عملية استهدفت المدنيين بعكس الجيش التركي الذي أستهدف المدنيين الكورد فقد كان هدف الحزب الجيش التركي حتى لم ينقل حربه إلى الأراضي التركية فقد كان يحارب في جبال كردستان تركيا و قصة 38 ألف قتيل من الجانبين فيها شيء من المغالطة لأن الحرب جرت في المنطقة الكردية و بالتالي يكون الجانب الكوردي (المدنيين) الأكثر تضرراً أما الأتراك فضحاياهم كانت بين العسكريين الذين يهاجمون حزب العمال و قد قام الجيش التركي بإحراق أكثر من 3 آلاف قرية كردية كما فعل الكثير من الأعمال الإجرامية بحق الكورد حتى أطفال الكورد الصغار أخذوا حصتهم من هذا القتل.
الإرهاب الكلمة الأكثر إثارة للجدل فحتى الآن لا يوجد تعريف محدد لهذه الكلمة و هذه الكلمة تستعمل من قبل طرفي الصراع و كل طرف يتهم الطرف الآخر بالإرهاب فالفلسطينيين ينعتون الإسرائيليين بالإرهاب في حين لا تتردد إسرائيل على نعت أغلب الفلسطينيين بالإرهاب و هذا الأمر يحدث في أي صراع مسلح فكل طرف يتهم الطرف الآخر بالإرهاب لكن بحسب المنطق و العقل هناك محتل و من حق من سلبت منه أرضه الدفاع عنها بأي طريقة.
 الإرهاب و المقاومة هل أصبح للكلمتين نفس المدلول؟ الإرهاب شيء قديم جديد لكن تسمية الإرهاب أصبحت في عصرنا تطلق على كل من يحمل السلاح و لا يفرق بين من يحمل السلاح لأجل الدفاع عن حقه في الوجود و من يحمل السلاح لأجل القتل و على هذا المقياس يعتبر المقاومين الفرنسيين الذين حاربوا حكومة فيشي والنازية هم أيضاً إرهابيون و يعتبر كل من رفع السلاح في وجه مغتصب إرهابي باستثناء المهاتما غاندي و القليل من الجماعات و الشخصيات التي سمحت ظروف المرحلة أن يحصلوا على حقهم بطرق سلمية.

       
و أفضل طريقة للحكم على حزب العمال فيما إذا كان إرهابي أو مقاوم هو أن نجري مقارنة بينه و بين الحركات التي تقوم بالعمل المسلح و في نفس محيطه (مع وجود الفارق بين حزب العمال و بين هذه الحركات و الجماعات من عدة نواحي) فمثلاً نرى بأن الصراع بين الأمريكيين و الجماعات المسلحة في العراق نتج عنه مقتل المئات الألوف من المدنيين لكن لأحد ينكر بدور أمريكي في هذه الأعمال إلا أن لتلك الجماعات حصة كبيرة في قتل المدنيين و رغم هذا تطلق تلك الجماعات على نفسها أسم المقاومة و يطلق الشعب العربي من المحيط إلى الخليج تسمية المقاومة على هذه الجماعات, و في فلسطين نرى بأن حماس لا تتردد إذا سنحت لها الفرصة بتنفيذ عمليات مسلحة داخل إسرائيل و لا يهم فيما إذا كان القتلة من المدنيين أو العسكريين لأن من وجهة نظر حماس كل الإسرائيليين عسكريين و مع هذا فالعرب من المحيط إلى الخليج مع حماس و يراها كحركة مقاومة و لا أحد من العرب ينعت هذا الحزب بالإرهاب حتى الأنظمة العربية لا تتجرأ على نعتها بالإرهاب إلا أن بعض الأنظمة العربية قد تقوم بالتنديد – فقط – في بعض الأحيان بعمليات حماس, أما حزب الله الذي له وضع مختلف في طريقة الحرب فهو أيضاً لم يتردد في الدفاع عن نفسه أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان فقد قام بضرب المدن الإسرائيلية بصواريخه و هو أيضاً يعتبر حزباً مقاوماً في نظر كل العرب، و الشيء الذي يثير العجب بأن حكومة أردوغان تجلس مع هذه الأطراف الثلاثة و تتوسط لإيجاد حلول بينها و بين خصمها في حين نرى بأن حزب العمال الكردستاني الذي أعلن وقف إطلاق النار من جانب واحد أكثر من مرة و هو حتى الآن ملتزم بوقف إطلاق النار و مستعد للحوار مع حكومة اردوغان لكن دعوات الحزب للحوار لم تلقى لحد الآن جواباً لدى أردوغان الذي يتوسط في حل قضايا فلسطين و العراق و لبنان و لا يتدخل لحل أهم قضية في تركيا.
الحملة الإعلامية التي تشوه حقيقة حزب العمال الكردستاني في الإعلام العربي، قبل اعتقال الزعيم الكردي عبد الله أوجلان كان حزب العمال يحظى بتغطية جيدة خصوصاً على المستوى الخارجي رغم قلة الوسائل الإعلامية في ذلك الوقت مقارنة بهذا الوقت, فقد كان يستغل حتى الصحافة التركية و قد كان الحزب يملك رصيد من التأيد بين العرب على المستوى الشعبي لكن هناك أمور كثيرة حصلت فحكومة أردوغان التي تعتبر حكومة إسلامية في نظر العرب بينما أصبح حزب العمال في نظرهم حزب كافر عميل يعمل لأجل مصلحة أمريكيا و إسرائيل و مع الأسف فالجماهير العربية تنظر إلى الأمور بقلبها و بالطبع لا لوم على الجماهير العربية فتركيا تعمل بشكل جيد على المستوى الإعلام العربي و بالتالي يتوجب على الجانب الكردي مخاطبة هذه الجماهير عن طريق الإعلام العربي و إذا لزم الأمر حتى بشراء مساحات في الجرائد و شراء الوقت في المحطات العربية, كذلك الأمر بالنسبة لقضية الإسلام و التي تستغل من قبل حكومة أردوغان على كافة المستويات فقد أستغل الإسلام لوصل حزبه إلى البرلمان و بأصوات كردية في حين لم يفعل الجانب الكردي نفس الشيء, مع وجود الكثير من الشخصيات الدينية الوطنية التي كانت تستطيع التأثير على تلك الجماهير و للعلم فالكنيسة في أمريكيا لها دور كبير في الانتخابات الرئاسية الأمريكية كما يعتبر رجال الدين من المؤثرين في اتجاهات الرأي العام فكيف الأمر إذا كنا في مجتمع لازال فيه الدين يعتبر أساس المجتمع,على الكرد جميعاً الانتباه إلى اللعبة التي يلعبها أردوغان بإسم الدين فالكورد شعب مسلم و تاريخه معروف ماذا فعل لأجل الإسلام.
حزب العمال الكردستاني كغيره من الحركات التي حاربت لأجل الدفاع عن حقوقها و التاريخ زاخر بمثل هذه المقاومات و إذا أصبحت كلمة الإرهاب مرادفة لكلمة المقاومة فهذا أمر آخر.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…