شيخ شامو نعمو، وداعاً من القلب

 إبراهيم محمود
أن تسمع برحيل أحدهم، وأنت تعرفه عن بعد، غير أن تعرفه عن قرب ساعة رحيله. هكذا الحال مع رحيل شيخ شامو نعمو، الشخصية الكردستانية والإيزيدية المعروفة، رئيس مركز لالش الثقافي ومستشار رئيس الوزراء لشئون الإيزيديين،على إثر إصابته  بكورونا، ووفاته في أحد مشافي أنقرة، الثلاثء المصادف لـ 18-1/ 2022.
نعم، عرفتُ الراحل الكبير بظله الوارف، بفعله، بحضور شخصيته عن قرب. كيف لا، ومركز لالش ذو المكانة الثقافية والدينية والاعتبارية، الإيزيدي، قريب من المكان الذي أقيم فيه في دهوك، ومن خلال أنشطة مختلفة، وما عرِف به من خفة الروح في استقبال زائريه .
كنت أتابعه وهو يستقبل ضيوفه، مرحّباً بهم، وهو ينظر حيث يتوزع ضيوفه وزائروه، تأكيداً على مدى اهتمامه بالجميع، وتقديره للجميع، وبعينين نقيتين، ونفَس هادىء، ووجه بسيم .
كنت أقدّر فيه خفة روحه تلك، وتلك الديناميكية في روحه، وهو يتكلم عند اللزوم، ويلتزم الصمت ماضياً إلى الفعل عند الضرورة، كنت أتابعه، وفي الوقت نفسه، أوزع نظراتي بينه حين يتحدث إلى أحدهم، أو يصغي إليه في المجلس، أو حين ينتقل من جهة إلى أخرى، وبين الآخرين، من مقامات مختلفة، وكلهم أنظار عليه، وهو ما كان يشرد عن أي كان .
في تلك اللحظات كانت ترتسم في مخيلتي صورة حية أخرى له، صورة الرجل الإنسان، صورة المسكون بالحب لأهله وأناسه وعقيدته دون أي انغلاق. لقد كان رجلاً مجتمعياً بحق .
هذا الرجل الإنسان، هذا الإيزيدي المهيب، هذا اللالشي باقتدار، وهذا الكردي بجدارة، وهذا الكردستاني في قوله وفعله، وحيث يمارس أنشطة مختلفة، جسّد أكثر من حياة، دون ذلك ربما يصعب علينا استيعاب حقيقة العلاقة الوجدانية بينه وبين المحيطين به أبعد من حدود الإيزيدية.
وفي وضع كهذا الذي يعيشه الكرد، وهذا الذي يعيشه أهلنا الإيزيدية في صعوبته وحساسيته، لا بد أن ظل رجل كهذا، ظل إنسان وهو بهذا العنفوان ووضوح الرؤية، ورباطة الجأش، يكون ماثلاً أمام العين، وفي العين له مكانة، وأبعد من مجرد الرؤية الحسية، حيث يكون القلب .
أقولها وأكرر قولي هذا، وأنا أسمّيها شهادة مني، حين كنت أصافحه لحظة زيارة لالش، أو للمشاركة في أحد أنشطته، مصافحة تعلِم بحرارة تتجاوز محيط راحة اليد، والرؤية العينية كذلك، حيث تكون لملامح الوجه مصداقيتها في تثبيت النظر، وتأكيد التقدير والاحترام.
يا لها من خسارة، خسارة كبيرة في وضع كهذا، خسارة روحية لالشية المقام، إيزيدية الدمغة، كردية العلامة بالمقابل، مع رحيل من هذا النوع الإنساني الخاص، رحيل من أشرتُ إليه .
وهنا، لا أملك إلا أن أتوجه بالعزاء، أحرَّ العزاء، لأفراد عائلته، وأهله، وأحبته،وإيزيدييه وكرده طبعاً، وأنا أعزي أصدقاءه والأحبة العاملين معه في مركز لالش، ولزملائي في البحث العلمي والجامعي كذلك، ولعلي على يقين تام، أن رجلاً من هذا القبيل، وعرِف بتلك الروح المنوَّرة، لا بد أن يأتي من بعده من يمكنه سلوك الطريق المعبَّد نفسه، بما هو إنساني وخيّر وكله عطاء.
تلك هي الشجرة ذات الاخضرار. وتلك هي الثمار التي تسمّيها.
بورك في الاسم الشجرة والثمرة !

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

درويش محما ظهور حزب العمال الكردستاني في اواخر السبعينات من القرن الماضي، هو أسوء ما حصل للكرد في تاريخهم المعاصر، وأفضل ما قد يحصل لهم في المستقبل القريب هو اختفاء هذا الحزب بكل فروعه ومشتقاته؛ وكلما سألني احدهم عن كيفية التخلص من هذه العاهة المستديمة التي اصابت الكرد في مقتل، كنت اقول: بقاء هذا الحزب من عدمه بيد انقرة….

كنت خلال يوم الجمعة 13/3/2004م مصاباً بكريبٍ شديدٍ، حين اتصل بي محافظ إدلب السيد حسين الهدّار رحمه الله، إذْ علم بأنّني مريضٌ، وأعلمني أنّه سيزورني في منزلي.. هيّأتُ نفسي كي أدعوه لتناول طعام العشاء في مطعم الشلال في حلب، وبينما نحن في طريقنا باتجاه المطعم، وردني اتصالٌ هاتفيٌّ من السيد سليم كبول محافظ الحسكة، رددتُ عليه، وراح يسألني الدكتور سليم:…

إبراهيم اليوسف عندما اغتصب الدكتاتور حافظ الأسد (1930- 2000) كرسي الحكم عبر انقلابه المشؤوم في 16 نوفمبر 1970، فإن موجة من الغضب هيمنت على سواد السوريين، ومن بينهم البعثيون الذين صعد إلى سدة السلطة عبر سلمهم، قبل أن يكسره لئلا يرتقي ويلحق به أحد. إلا أنه سرعان ما أعلن تغيير طائفته- على ما أذكر – لإرضاء السنة، وقد…

مضت سبعة أعوامٍ على الاحتلال التركي لمنطقة عفرين- أقصى شمال غربي سوريا في 18 آذار 2018م، بمشاركة ميليشيات ما سمي بـ “الجيش الوطني السوري”، التي كانت مرتبطة بالائتلاف السوري- الإخواني، وبغطاءٍ من فتاوى “الإمام الخطيب” و “علماء مسلمين متطرفين” و “المجلس الإسلامي السوري- استنبول”… ولا تزال الانتهاكات وارتكاب الجرائم المختلفة مستمرّة، رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر على سقوط نظام…