د. محمود عباس
هناك اختلافات واضحة بين المشروع القومي الكوردي والمشروع الوطني الكوردستاني، أو ضمن الجغرافيات السورية والعراق وتركيا وإيران كأوطان افتراضية، وذلك ضمن مسارات نضالية متنوعة، تناولهما بعض أطراف الحراك الكوردستاني، كمشروعين متكاملين، علما أن أهداف الحراك والشعب تختلف ضمن كل جزء، يتناوب ما بين مسيرة إثبات الذات كقومية كوردية لها خصوصياتها ضمن الجغرافيات الوليدة، والمعترفة بها دوليا، إلى سويات المطالبة بكيانات فيدرالية كوردستانية ضمن وطن ذات سلطة لا مركزية، فيدرالية، كما تم في العراق، وظهرت لبعض الوقت في سوريا، قبل أن تخمد تحت حجج، وإملاءات خارجية.
المشاريع أو المشروع القومي، بمعزل عن الوطني، في منعطفاته ومساراته، يختلف بين أمة وأخرى، بين شعوب في مرحلة التحرر، أو التي لها كيانات وأنظمة، فهو لدى بعض الأنظمة دون شعوبها، مخططات لإلغاء الأخر، وعند الآخرين مسيرة للبناء والتطوير، ولدى بعض الشعوب والحركات التحررية منهجية لإثبات الوجود.
بالنسبة للشعب الكوردي دون الحراك السياسي، وحتى اللحظة، المشروع واضح وشامل، غايته التحرر، وهو أوسع من مجرد فكرة أو نهج يتبناه حزب قومي، ومن المفروض أن يحدد حراكنا الكوردي على أسسه:
1- إستراتيجية نضال كلية الحراك، وغايته.
2- توعية المجتمع الكوردستاني وتأهيله لنضال عصري.
3- إقناع الأنظمة المحتلة لكوردستان الاعتراف بحق الشعب الكوردي في تقرير مصيره.
4- نقل الشعب من مرحلة الصراع مع الأعداء إلى البحث عن الدروب العصرية للتحرر.
وهو يختلف عن مشاريع الأنظمة المحتلة لكوردستان، أصحاب الكيانات السياسية المستقلة، والتي لا بد لها كدول من عرض مشاريع متعددة، تتناوب ما بين الاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، وغيرها. ترافقهم مشاريع سياسية، والتي من توجهاتها إلى جانب مواجهة الخلافات الداخلية، طمس الكورد كقومية، وقضيتهم حصرا، وتدمير عناصر تكوينهم كأمة، ولهذا تتكرر ديمومة الكوارث في الأوطان المسماة جدلاً بالوطن العربي أو الإيراني أو التركي.
المشروع القومي، عادة تتبناه الحركات الثقافية أو الإدارات المتعددة الاختصاصات، وتنقلها القوى السياسية من الواقع النظري إلى المجالات العملية، لكن عند شعبنا الكوردي، كانت المعادلة عكسية، وحيث ظروف الاحتلال وضحالة الوعي المعرفي، المهيمن في مراحل بروز المفهوم القومي في منطقتنا، والتي عانت منها، ليس فقط شعبنا، بل حراكنا الكوردي منذ تبلوره إلى مرحلة تأسيس الأحزاب الأولى على مستوى كوردستان، وهو ما أدى إلى تكرار الأخطاء، وعدم التخلص من التآكل الداخلي، وبقاء المطلب الكوردستاني كمفهوم وغاية غير واضحة ومطمورة ضمن أبعادها العامة، وهو ما أدى إلى ظهور التناقضات والخلافات ضمن الحراك، ليس فقط على الأهداف الآنية بل وعلى المشروع القومي الكوردستاني، وكانت هذه من أحد أهم الحلقات المفقودة بين المشروع القومي كنظرية والممارسة العملية، رغم ما رافقه من نشر بعض الشعارات دون إدراك مضمونه الكوردستاني، كالسير على درب البرزانية، والبعض أستخدمه كواجهة لمجابهة مخالفيه، وليس لدعم المشروع القومي في مناهج الأحزاب ودورياتهم، والذي ظل دون المستوى القومي والوطني، ربما بسبب الظروف الأمنية، والتعامل مع الواقع، رغم بعض الإيجابيات، لكن في الواقع الكوردستاني خلقت شرخا بين الأطراف، مجتمعا وحراكا، وأدت إلى تهميش القضية الكوردستانية داخليا وخارجيا.
ففي العقود الأولى من تبلور المشروع القومي بين مجتمعنا، تلقفها شخصيات وفيما بعد مجموعات كانت حزبية-سياسية أكثر من أن تكون سياسية – ثقافية، وهو ما أدى إلى أن يصبح العبء كبيرا على الحراك الثقافي عندما بدأ بالظهور على الساحة وحاول تعديل المفهوم وتصحيح المسارات، وعلى أثرها ظهرت الخلافات الأولى بين الحراكين الثقافي والسياسي، وتوسعت بين الأطراف الحزبية المتأثرة بالطروحات الثقافية العصرية. وتعد هذه من أحد الأسباب التي أدت إلى ظهور التضاربات بين أطراف الحراك السياسي، حول مفهوم المشروع القومي الكوردي، والانتقال من المشروع الكوردستاني الوطني إلى مشاريع محصورة ضمن الأجزاء المحتلة، لتظهر بعدها مفاهيم طوباوية في الواقع العملي وعلى سوية الثقافات المهيمنة على كل جزء محتل، كالبعد الوطني، والخلاف بين الوطن الكوردستاني، ووطن الجغرافية المعاشة مع الشعوب المحتلة أنظمتها لكوردستان، ووطن المواطنة، ومن ثم المفاهيم الأممية المتعددة التوجهات، جلها تحت جدلية التعامل السياسي حسب الأنظمة الشمولية الدكتاتورية.
فظهرت الأسئلة الجدلية على الساحة الكوردستانية، بعضها ظلت دون أجوبة مقنعة ودراسات أكاديمية، وبعضها الأخر زادت من الشرخ بين مدعي حملة المشروع القومي:
1- هل هناك مشروع قومي كوردي، أم وطني كوردستاني، وعلى أيهما يتم الاتفاق أو الاختلاف؟
2- هل الأحزاب الكوردية متفقة على المشروع القومي الكوردستاني؟ وكم من المشاريع القومية موجودة الأن على الساحة؟
3- هل الأحزاب الكوردية تختلف على مشاريعها أم على ما يملى عليها من القوى الخارجية؟
4- ما دور القوى الخارجية في تكوين المشروع القومي أو الوطني وتحديد سقف المطالب؟
5- ماذا يعني المشروع القومي الكوردستاني بالنسبة للقوى المحتلة؟
7- وهل هي تتوافق على ما يتم طرحه من قبل الحراك الكوردي على الساحة الإقليمية والدولية؟
8- وهل ما يتم عرضه على الساحة الدولية يعكس مطالب الأمة الكوردية، والممتدة ما بين إثبات الذات إلى التحرر؟
المجتمع الكوردي يظهر وبعفوية على أن مشروعهم القومي، هو جزء من الوطني، وهو إقامة كوردستان موحدة مستقلة، وفي كثيره تختلف ما يناضل من أجله الحراك الكوردي، أو على الأقل ما يتم طرحه على خلفية الظروف الأمنية والسياسية والعلاقات الدولية، وفي هذه الحالة فإن برامج الأحزاب متراس للدفاع عن الذات ضد قوى الأمن وإدارات الأنظمة الشمولية، ثم يتم الادعاء على أنه يتضمن مشروعا قوميا، في بند المطالبة بالحقوق السياسية، وبالتالي يظل حقيقة المشروع القومي في اللاوعي الحزبي، وهو ما يدفع بالأعداء على عدم الثقة بالبرامج الحزبية، ويتم توجيه تهم الانفصال وتجزئة الوطن، وعلى أنهم يناضلون من أجل الاستقلال، وفي الواقع كل هذه كانت تسبق التحقيقات الأمنية مع المناضلين الكورد.
من الغرابة، وعلى خلفية التجزئة بين أربعة جغرافيات، لكل منها ثقافاتها وأساليبها في النظام والتعامل مع الكورد كشعب وقضية، ساقت حراكنا الكوردي والكوردستاني إلى مسارات مختلفة، ومتضاربة أحيانا، إلى أن أصبحنا نرى أوجه الشبه بين العالم العربي في ماضيه وحاضره، أثناء وجوده ككتلة واحدة تحت ظل الإمبراطورية العثمانية وحيث التنقل بدون حواجز حدودية، والتعامل بالعملة الواحدة، تحت ظل السلطة الواحدة، لتنتقل بعد سقوطها إلى دول بجغرافيات منفصلة، وكيانات اقتصادية متباعدة، وعملات مختلفة، ومن ثم توجهات سياسية قومية متضاربة بل واحيانا متصارعة، وهو ما يتم توجيه الأمة الكوردستانية نحوها اليوم، وحيث ظهور مشاريع قومية متنوعة الاتجاهات والأهداف يتماشى والجغرافيات الوليدة والمجزأة لكوردستان، والتي يتم فيه زوال الكلية الكوردستانية، وقد تؤدي في جدلية التحرر إلى ظهور كيانات كوردستانية بحواجز مماثلة لما عليه الدول العربية.
فهل القوى المحتلة هي الملامة أما أن الحراك الكوردي-الكوردستاني له اليد الطولا في هذا الشرخ المتزايد مرحلة بعد أخرى؟
نحن شعب لم يجمعنا كيان سياسي، ولا نظام كوردستاني، ولا دستور مشترك، ولا قوانين تشريعية نبنى عليها قادمنا، جزأتنا الأنظمة الشمولية الدكتاتورية، مع ذلك أستمرينا كأمة متماسكة في بنيانها، وظل الانتماء اللا شعوري إلى الوطن الغائب حاضرا، وعلى أسسه لم تتأثر الهوية الكوردستاني، والتي توجهنا كشعب قبل الحراك الثقافي-السياسي نحو الاتفاق على مشروع قومي ووطني عام هدفه النهائي التحرر، رغم محاربته من قبل الأنظمة، وتشويهها داخليا على خلفيات متنوعة حزبية-سياسية.
فالمشروع القومي الكوردي-الكوردستاني، يعني ديمومة الصراع مع المحتلين، بالحوار والطرق السلمية، وعمل على إقناع شعوب المنطقة أن محاربة الأنظمة العنصرية للكورد إعاقة للتنمية وتطور الوطن، وتجهيل للمجتمعات، وترسيخ للكراهية بين القوميات والأديان. كما وأن من أحد أهداف المشروع القومي-الوطني الكوردستاني، قبل التحرير تصحيح التاريخ المحرف في المنطقة، وإقناع الشعوب على أن حرية الشعب الكوردي هي مساهمة فعلية لخلاصهم من الأنظمة الشمولية الدكتاتورية.
الولايات المتحدة الأمريكية
11/1/2022م