د. محمود عباس
بين فترة وأخرى أتلقى بعض الانتقادات من الأخوة القراء مفادها أنني أطيل في كتاباتي، وبعض منها غير مفهومة، وقسم بعيد عن الواقعية، ومنها ما لا تمت إلى التحليل العلمي…
أرى أن مثل هذه الانتقادات تجانب الحقيقة نوعا ما. فأنا في كتاباتي لا أميل إلى أي فريق ممن يتصارعون فيما بينهم. أحاول قدر طاقتي أن أكون محايدا، مبديا رأي فيما أراه خطأ من أحدهما أو من الآخر بقصد لفت نظر القارئ الكريم أن هذه الصراعات لا تزيد أطرافنا إلا حدة واستدامة، وفضلا عن ذلك غالبا ما تكون تلك الصراعات مصدرها إملاءات محتلي كردستان، وفي بعض الأوقات تشاركهم الأطراف الدولية…
لم أكن راغبا في الرد عليهم بمقال لولا إصرار بعض الأخوة الكرام من متابعي كتاباتي. ونزولا عند رغبتهم أخرج بهذا الرد المتواضع لهؤلاء عسى أن يتوضح لهم مغزى ما أنشره إن كان على صفحات المواقع أو على وسائل التواصل الاجتماعي.
لكان لطيفا من جانب منتقدي لو صارحوني عن الجهة التي أميل إليها في كتاباتي؛ حتى أعرف مَن أناصر ومَن أعادي. فالصراحة أساس إصلاح النفس إذا كانت مخطئة أو كانت مضللة من قبل هذه الجهة أو تلك. كي لا أطيل الحديث في هذا الباب سأدخل من دون مقدمات إلى أكثر الانتقادات المكررة.
1- انعدام الواقعية
ربما يكون فحوى المقال أو مغزى البوست عصيا على منتقدي الكرماء فتبدو لهم أنها بعيدة عن الواقع، كونها تقصد التنويه إلى أسباب ومسببات الصراع الدائر بين الأطراف دون أي تفضيل لأحدهم على الآخر، كما ويتطرق المقال إلى المسبب الحقيقي وأساليبه الملبوسة بالوطنية والحرص عليها، يغيب عن هؤلاء القراء المقصود، ويتيهون في معمعة الصراع الدائر، ويلتبس عليهم مضمون المقال ظانا أنه بعيد عن الواقعية. فالمحتل له أساليبه المتقنة لتضليلنا، ويبدو لنا أنه لا دخل له فيما نتشاجر عليه مما يحدو بهم القول مبتسمين من وراء شفاههم ولسان حالهم يقول عنا: ما أذكاهم…؟
2- الميل إلى هذا الطرف أو ذاك
عندما يتخذ المراقب أو المتابع موقف الحياد تجاه المتصارعين، يتهيأ لموالاتهما أن يرى فيه ميلا إلى هذا الخصم أو ذاك، علما يقف الكاتب على مسافة واحدة من كلاهما، جاهدا تبيان الأخطاء التي يقعون فيها، وأحيانا، وهذا الغالب، يكون أحدهما أكثر خطأ من مقابله، فيحاول إضاءة ذلك للقارئ الكريم، على ما يبدو أنه يرى تلك الإضاءة ترجيحا لأحدهما على الآخر.
3- التحليل الموضوعي
لكثرة الصراعات الجارية على ساحتنا، والكم الهائل من المدافعين عن أحدهما مقابل الآخر، وبالعكس تظهر المقالة لمدافعي عن الطرفين؛ بُعْدها عن الموضوعية، وكل حسب تمعنه فيما كتبه صاحب المقال. لاستفاد الكاتب لو أن أحدهم ضرب له مثلا بخصوص ابتعاده عن الموضوعية.
4- التكرار متعمدا
لا يخفى على المتابع لصراعاتنا أنها تكرر نفسها من حيث المقصود، لكنها مكسوة برداء المناسبة، فتبدو وكأنها جديدة، حيث لا جديد فيها سوى كسوتها الموائم للمناسبة.
5- إملاءات الغير
من جملة ما انتقد به أنني أكتب بإملاءات جهات ما، وليس بدافع الوطنية. لكني ما أراه في هذه الصراعات أنها تلهينا بذاتنا وننسى السبب والمسبب. لو أن منتقدي الكرام راجعوا مقالاتي وبوستاتي من البداية لوجدوا ما أكتبه هو بدافع الغيرة والوطنية، وليس بإيعاز من الجهات.
6- المساواة بين الضحية والجلاد
باعتبار أبرز المتصارعين في ساحتنا هما طرفان، وفي مجرى صراعهما يكون أحدهما أكثر خطأ فأتوسع في أخطائه بشأن هذا الصراع الجاري بينهما، فيفهم منتقدي الكرام أنني أفضل أحدهما على الآخر، ولا اتبع الحق فيما أكتبه عن الحاصل. أظن لو أنه تجنب الجنوح نحو هذا أو ذاك واتخذ موقف المراقب المنصف لما وجد في كتاباتي ما يساوي بين الضحية والجلاد.
7- الشعور بقساوة المعاناة
منتقدي الكرام: أتألم لآلامكم ومعاناتكم في الداخل، ولكن ليس بالقدر الذي تعانونها. وما أكتبه اقصد من ورائه أن أقف على أخطاء المتصارعين كمراقب ومتابع، وليس كمن يأخذ طرفا، ليس لشيء؛ إنما لأن صراعهما نابع من إملاءات خارجية، وليست لمصلحة الشعب والقضية معا، ومما ينعكس ذلك على السكان وباء وكوارثا. صحيح هناك من يعاني أكثر من الآخر، لأن أسلوب أحدهما ألين من غريمه، لذا أشدد عليه أكثر.
8- تعمية البصيرة
وتعلمون جيدا أن الطرفين في صراع مستمر، ومن ورائهما جحافل من المطبلين والمزمرين لهذا الطرف أو ذاك وينتقدون مسببي آلامهم ومعاناتهم دون أن يرى موالاة أحدهما معاناة وآلام مقابله. والعلة في هذا يعود إلى تعمية الأطراف لبصيرتنا وبأسلوب يبث الشقاق بين مجتمعنا، ومن جراء ذلك نتحول إلى جمهور كجمهور الألعاب الرياضية، الذي يؤيد هذا الفريق، ومقابله مؤيد لذاك. هنا تخدرنا حمية وحماس المساندة ولا ندرك أن الجهتين مُنْتَدِبَتَيْن علينا ونحن لهما جمهور، فننسى واجبنا تجاه أنفسنا.
9- قصدي من الكتابة
أما ما أكتبه أسعى فيه مخاطبة جمهور كليهما لينتبها إلى خطأ الخصمين المتصارعين. وأجاهد لأبين عدم صوابهما بقدر استطاعتي؛ لكي تعي الجماهير أن مولاة أحد الطرفين ليس لصالحها. فالغائب عنها هو أن الأكثر معاناة يميل إلى المنتدب الأخف وطأة، فيدافع عنه، ويحسد جماهيره وترى معاناتها مقارنة مع معاناته ليست بمعاناة، فتقع بينهما العداوة. لو أن هذا المعاني شعر أن مقابله يعاني مثله، ولو أقل وطأة منه، وتآخى معه، وحثه على إنقاذ نفسه من مسببي معاناته؛ كون مصيبته أخف، وتكون فرص النجاح لديه أكثر منه؛ لتجرد كلا المتصارعين من الاتباع؛ ولأحس المنقذ من أحدها بمعاناة أخيه، ولسعى إلى إنقاذه هو الآخر.
10- الحاصل
فالذي يحصل لنا كوننا كجمهور نعادي بعضنا بعضا جراء صراعهما، وهما بكل أريحية ينفذان إملاءات وأجندات المحتلين والمعنيين بمنطقتنا. علينا نحن المعانين من الطرفين المتصارعين أن نتعاضد ونتكاتف للتخلص منهما، ولا نحسد بعضنا بعضا، ولكن كيف؟ وذلك عندما يشجع الطرف المعاني أكثر الأخف منه وطأة، ويسديه النصائح، ويحثه على العمل من أجل الخلاص بنفسه لينقده، حينها لن يكون لأمثال هؤلاء المنتدبين مكان بيننا للقيادة.
فكتاباتي تقصد في فحواها الانتباه على هذا الغائب عنا، لذا يرى قسم أنه غامض ولم يضع النقاط على الحروف. لو أمعنوا النظر فيها قليلا للاحظوا أنني أحاول جهد طاقتي أن ألفت انتباه القراء الكرام إلى هذه الناحية.
الولايات المتحدة الأمريكية
25/12/2021م