ثنائية زمن «الخرط» والخلط!

إبراهيم اليوسف

لا أدري، من  هو أول من أوجد مصطلح- خلط الأوراق-  الذي لطالما تابعنا تطبيقاته- التعاملية اجتماعياً أو سياسياً- على أيدي بعض البهلوانات الذين  يتصرفون وفق خطط  فطرية شخصية مشوهة، أو استراتيجية تضليلية، لتشويه كل ما هو إيجابي، منطلقين من نصرة ما هو سلبي، بعد أن يعيوا من رفع ما هو سيء إلى مقام ما هو إيجابي، فلا يبقى في أيديهم إلا إطلاق أحكام قيمة تعسفية على الطرفين، كأن نقول يبقى القاتل والضحية إنسانين. لهما طبيعة بشرية واحدة، أو أن نزيد قائلين: كلاهما خطاءان.  كلاهما ابنا آدم وحواء، وما قابيل وهابيل إلا شقيقان، إلى ما هنالك من مرادفات مضللة، مزيفة، لنهدر-في التالي- دم الأخير، ونشيد بالأول!
بداية أشير إلى أن بعض القراء الأكارم قد يخيل إليهم أن مفردة- الخرط- ماهي إلا عامية صرفة، فحسب، وهوما قاله بعض المعجميين اللاحقين، إلا إن المفردة من عداد ما هو فصيح، وقد وردت في بعض معاجم أو قواميس اللغة كما في” تاج العروس” للزبيدي، وآخرين، من  قبله ومن بعده، ومن هنا فإن الخرط هو الكذب، والخراط: الكاذب، وحتى المفردة التي يستخدمها العوام: “الخرطي”  لتؤدي المعنى عينه!
وإذا كان المصطلح جد قديم، وليس مهماً معرفة من أطلقه فإننا نستطيع وضمن مرحلة ما- ككرد سوريين- أو ككرد كردستان الغربية- أن نتتبع الخط البياني لاستخداماته مع بداية الحرب، سواء من قبل  بعضهم من لئام المعارضة السورية ومتشدديها وراديكالييها وداعشييها وفصائلييها  المسلحين المأجورين-  وهنا فإنني لأخصص جداً ولا أعمم- أو من قبل حواة قوافلهم ومهرجيهم، ومناصريهم  المحليين والإقليميين الذين لطالما ثأروا من أي كردي لمجرد حدث ما، مهما كان فردياً، وراحوا يعادون ب ي د- مثلاً، لمجرد أنه كردي حسب معاييرهم، رغم  كل ما أفادهم، وأضرَّ ملته، في المقابل، بدعوى الأخوة مع من تبقى منهم، أو منا، وما إن تتبع مواقف هؤلاء- ولا أعمم- سترى أنهم- في الأصل ضد كل ما هو كردي، وقس على ذلك مواقف حكام الدول التي تتقاسم و تتناهش فيما بينها خريطة الكرد!
ومع هيمنة- أو استيلاء- حزب العمال الكردستاني على جزء كردستاني وما حوله مما لا علاقة لهم بهما، لاسيما في ظل الحاجة الكبرى إليه في بيته. مأواه. مكانه، ليؤدي ذلك  دور أكثر من معبر، وليكون معبر أكثر من عابر، ومن دونما عِبرة أو عَبرة، ولا أعني هنا مفهوم المعبر المستهلك حدودياً، لنمضي أبعد، سواء أكان ذلك: دولياً أو إقليمياً أو أيديولوجياً، وفي خدمة مجرد حزب واحد- بدأنا نجد قلة من حسني النوايا، أو من ضيقي الأفق، و حتى المغرَّر بهم، إلى جانب كثيرين من الرماديين: سواء أكانوا لاعبين مهرة أو مقهورين  مغلوبين ملزمين أو متطوعين، ناهيك عن الانتهازيين، وأدوات اللعبة باتوا يشتغلون ضمن هذا الفضاء: تشويه العمل النضالي لاسيما الحزبي المشهود له و في عمق إرثه وحاضره، ومحو هذا الجانب، و التشكيك بكل نضال تاريخي واعتباره جزءاً من المؤامرة، و اختلاق جوانب مضيئة للمتجني/ الجاني، أو مساواته بالآخر/  المتجنى عليه، ليتمَّ توجيه البوصلة إلى أولهما، كمخلص ومخلص، و كملاذ، لطالما بات يقود دفة شؤون الخلق، ولو مكرهين. ثمة تفاصيل كثيرة، وأمثلة تكاد لا تنتهي، ووجوه وأسماء، في هذا الميدان، نحتاج إلى معجم بل أطلس كامل لتحديد جغرافياتهم و زمر رؤاهم وأهدافهم، ما أدى إلى نسف ثقة أوساط كثيرة منا بذاتهم. بمحيطهم. بتاريخهم. بمستقبلهم، لاسيما في ظل انفلات الإعلام، وإمكان الأمي أداء دور العالم وصاحب النظرية الكبرى، حتى وإن نصب هؤلاء أنفسهم كمدافعين عن كل ذلك، تمثيلاً، أو إنهم كانوا كذلك في يوم ما، ولو كأصحاب نوايا غير مشتغل عليها، مع ملاحظة أمر مهم وهو أن آلة الشر باتت- وعلى غير عادة آلة قمعها وعنفها- تتقبل من انقلبوا عليها في يوم ما، أو من نقدوها، أومن ينقدونها جزئياً لطالما يصيب ديناميت افتراءاتهم من يعمل على نحو صحيح على الصعيدين المحلي والكردستاني، وإن كان لابد من أن أشدد على مسألة مهمة وهي إنني مع أي نقد موضوعي، وبوتائره العالية- ضمن حدود نقد العمل والأداء- غير المشخصن، لأي طرف كان!
من صلب النص 
جاء المصطلح- في مظنتي- من عالم لعب الأوراق/ الشدة- أو الكوشتينة، التي كانت تعتمد ضمن سيمائيها الرمزية المجسدة أربعة أصناف/ كتائب متماثلة: البستوني- الكبة- السنك- الديناري ديناري، ولقد انتشرت اللعبة في الشرق الأوسط عن طريق دول الاستعمار والانتداب وأدت دوراً تنويمياً تجهيلياً

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…