على طرفي معبر سيمالكا

د. محمود عباس

 ما يعانيه شعبنا في غربي كوردستان مأساة، فاقمها إغلاق المعبر؛ شريان الحياة، هناك إما سيكون ضريحا، والقبر جاهز، أو أنه سيواجه مواقف الإدارتين، الذاتية والإقليم الفيدرالي للحفاظ على الحياة، ووضع حدا لخلافاتهم. فالجاري كارثة أضيفت على سابقاتها، وهي أحدى خلفيات الصراع بين الطرفين المتناقضين المتضاربين حزبيا-سياسيا وتبعية أو مراعاة للقوى الإقليمية، فيتم إغلاقه أو فتحه حسب مصلحة هذا الطرف أو ذاك. فما ذنب الرضيع أن يحرم من الحليب، والمريض من الدواء.
  الأغلبية الكوردية لا تهمها خلفيات الفعل، ولا تأويلاته، بقدر ما ترى أن إغلاقه دمار كارثي، وللعامة الحق بمثل هذا الموقف، فهناك المجاعة على الأبواب، والشتاء يطرقها، وتجار الحروب يحتفلون، ومحتكري الأسواق أصبحت لهم حججهم، ودموع الأطفال لا توقفها إلا لقمة تسد الرمق، فمن من المسؤولين في الجهتين وقف على باب الفرن ساعات ليحصل على أرغفة بالكاد يمكن مضغها، ومن قاسى البرد القارس داخل الدار مفضلين الجلوس بلا نار على وقود ينشر السم في الأجواء. 
  الصراع بين الإدارتين، هي التي تعجن العوز والألم والدمعة ليكون الخبز شبه المفقود من الأسواق، وتقتل قدرات المواطن على شراء الكفاف من حاجياته، ويسرع في تحطيم المواطن الذي يحلم بساعات من الكهرباء، ولقمة بلا ألم، ومحاكمة المتسببين. طرف يقبل ويمرر الإملاءات الخارجية، وكثيرا ما تكون قراراتها مسلوبة، ومن بينها التحريض المؤدي إلى أغلاق سيمالكا، تحت مسوغات العلاقات الدبلوماسية. المنهجية ذاتها أدت إلى تهجير قرابة مليوني كوردي من المنطقة، بغض النظر عن عوامل الحرب والدمار الاقتصادي. فنفي الفعل والرغبة بما حصل لا تلغي النتيجة، ولا تخفف من مآسي الشعب في الداخل، فما تم كان على مستويات تتجاوز قدرات (محركي) جوانن شورشكر، الذين ليسوا سوى أدوات بسيطة مكونة من مجموعة من الشباب غرت بعقولهم، يؤسف له.  والطرف الثاني وحيث النزعة الإقليمية، التي روجتها كمفهوم بين الحراك الكوردستاني عامة، إلى أن أصبحنا نسمعها من مسؤولين كبار، ومن بينهم المتحدث الرسمي عن عملية إغلاق المعبر، دون التنويه إلى محدودية القدرات.
  من هم الذين حركوا قرابة مئة شاب ولم توقفهم أية قوة عسكرية؟ وهل حقا أمن الإقليم تعرض إلى الخطر؟ أم أنه سقط في فخ المؤامرة، وتم إغلاق المعبر، كما كانوا يريدون؟ فالمستنتج منه أنها العداوة ما بين الطرفين، ومن مخرجاتها، منهجية الترويج ضمن الحراك الكوردستاني، وهي لو فرضنا جدلا أننا أمام مرحلة تحرير كوردستان، سنسقط في مستنقع عدة كورستانات لا تختلف ما عليه الدول العربية، بل وربما على صراع أعمق.
   لا شك للقوى الإقليمية الدور الواضح والواسع في ديمومة الخلافات، وما يجري على المعبر اليوم تتجاوز جغرافية الصراع الداخلي، فهي من ضمن متطلبات مصالحهم المستقبلية، والمسرحية التي شاهدناها لم تكن سوى بوابة لتمرير مؤامرة نفذتها مجموعة، رضخ لها الطرفان، إن كانت على خلفية مصالهم أو تحت ضغط أوامر خارجية. 
الولايات المتحدة الأمريكية
21/12/2021م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…