خفايا التوافق

أحمد مرعان
بعيدا عن المناظرات على المنصات .. والخطب الرنانة في المحافل والاعتصامات.. وعن المؤامرات التي تحاك في الغرف المظلمة..
علينا أن نتقرى الحقائق، ونرسم معالم الخطط المبدئية لمحاكاة الوقائع بمصداقية، علنا نرتقي إلى مستوى الأحداث للمحافظة على البقاء، والبدء بالتغلغل في ماهيات الحدث، وقراءة الأهداف القريبة والبعيدة، لمن نصبوا من أنفسهم حكاما على مقدرات الشعوب والأمم، بمجرد تحريك قطعة على رقعة الشطرنج، لتتوالى الأحداث والمعارك والتناحرات إلى مستوى القتل والتدمير والتخريب والتهجير والضياع في الشتات ..
لكل حركة موجبات، والمتمرسون لهم آراؤهم الخفية في صناعة الموت، تحت مسميات شتى، مع القدرة على إطلاق شعارات يخيل إلى المتقاتلين بصوابية قتالهم لنيل حقوقهم..
والعدالة الإنسانية أنشودة يتغنى بها المنشدون، ليُرقص الموالين على جراحات الزمن، وحثهم على التضحية والفداء، وكأنهم ثيران تتناطح على الحلبات بالتصفيق والتصفير وحركة الرايات الحمراء التي تثير غرائزهم نحو عناوين النصر، وهم لا يشعرون بالإذلال والجراح والتنكيل ..
تتبدل المفاهيم والقيم وفق معايير يحددها السادة في نظر الموالين، ولا يدركون أن أسيادهم تُبعٌ لأسياد آخرين في الخفاء، وتتوالى السلسلة نحو الأفق الخفي، والكل خونة للحفاظ على مقتنيات وأجندات تضيع في الزحام بمبررات يصطنعونها لتمرير المواقف على البسطاء إلى النهايات المجهولة بالضياع حتماً ( ما بني على الباطل فهو باطل )..
فهل علينا أن نصدق كل ما يقال أم أن علينا أن نقرأ الواقع بما يحدث ونتنبأ المستقبل المجهول ..
اختلطت الدوافع، وضاعت القيم إلا عند من رحم ربي، وهم كثر، ولكنهم مغيبون عن ميادين صناعة القرار، والأكثر إيلاما ووجعا عندما تأتيك الطعنات من ذوي القربى الذين يدعون المساندة والتأييد ..
الاستعمار في بدايات القرن التاسع عشر كان شكله واضح المعالم والأهداف، وتصرفاته توحي الى حماية مصالحه والعمل على استغلال المستقبل تحت مسميات الوصاية والانتداب للضحية الضائعة، وسرعان ما تبدلت الخطط للانسحاب في منتصف القرن المنصرم، على أن يتم تجنيد القادة بدلا عنهم للحفاظ على مصالحهم ليكونوا الجباة والرعاة وتنفيذ وصاياهم لقاء استمراريتهم بالسلطة، ومع بدايات القرن العشرين تم تحريك قطع آخرى من الرقعة الشطرنجية لتتطور إلى خلق الفتن وفق معطيات المرحلة بعد حقنهم نتيجة الضغوط الممارسة من قبل السلطات المحلية، لتتضارب الشعوب ببعضها لتجزأة المجزء كما يقال، وبناء عليه ظهرت ميلشيات وتيارات وجماعات وأحزاب كلٌ يدّعي أحقيته بقيادة المرحلة القادمة، ويصدر بياناته الرنانة التي تدغدغ مشاعر مواليهم، والكل إلى زوال بعد حين ..
تُرى أين كنا وكيف سنكون ومتى نكون وماذا سيكون ؟!
هذا التساؤل برسم الدول الفاعلة والمستفعلة وتوابعهم في تأجيج الفتن والصراع الجامح للأحداث ..
هذا على الصعيد العام الذي يدركه القاصي والداني بالقراءة والمتابعة والمواكبة من قلب الحدث..
أما ما هو المجهول والمبهم والخفي، وليس بمقدور قارئ متتبع ولا محلل سياسي متمكن ولا حتى بمقدور حكام تلك الدول المتناحرة أن يتنبؤوا بقراءة المستقبل القريب حتى ..
ولو أعدتم النظر في الكم الذي يقاتلون ويُقتلون دون هدف واضح، ولاحظتم تدني مستوى التعلم والتعليم، وتابعتم مناطق الصراع والنزاع على الرقعة الجغرافية، لأدركتم الحقيقة الخفية وراء ذلك ..
إذا..
ما العمل حيال تلك المعضلة والمصائب والنوائب:
هل الاستسلام والخنوع والخضوع ؟
هل المقاومة بالسلاح والعتاد ودفع الشباب للقتال حتى الموت ؟
هل الهجرة إلى بلاد الشتات وترك الأرض والعرض لمن لا يستحق البقاء ؟
هل هذا سيرضيهم ويشفي غليلهم ..
هل هي تحولات تاريخية ستندثر كما اندثرت ممالك وامبراطوريات وحضارات كانت قائمة عبر التاريخ ..
ليس من أمل منظور إلا بالعقول الراقية والاحتكام إلى لغة الحوار والاعتراف بأحقية الأنسنة والعيش الكريم أسوة بدول العالم المتطور التي تسودها الحرية والديمقراطية وفق قوانين وأنظمة ودساتير تحافظ على الصفاء والنقاء والبقاء وديمومتها ../ ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد.   الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء…

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…