عندما الدبلوماسية تصبح مطيّةً للتشيّع

جان كورد
على أثر مأساة حلبجة الكردية في عام 1988 التي راح ضحيتها الآلاف من المدنيين جراء استخدام نظام القتلة في بغداد للغازات السامة ضد الكرد، أتانا خبرٌ بأن لدى السفارة الإيرانية في مدينة بون التي كانت عاصمة لألمانيا آنذاك شريط فيديو مسجّل عن نتيجة القصف المروّع، حيث جثامين الكرد المدنيين في الشوارع، فذهبنا أنا وأحد مسؤولي فيدراسيون (فه يكا كوردستان) إلى السفارة على أمل الحصول على نسخةٍ من ذلك الفيديو. وبالفعل استقبلونا بترحاب وقالوا لنا: انتظروا قليلاً لننسخ لكم عن الشريط نسخةً تأخذونها معكم، وشرعنا نتحدث نحن وأحد مسؤولي السفارة الذي أبدى ترحابه بمجيئنا، وكان ذلك في “يوم الأرض” الفلسطيني، حيث كانت في مدينتنا بون مظاهرة تضامنية مع الفلسطينيين، فسألت المسؤول الايراني الشاب، الفخور بموقف بلاده من قضايا التحرر الوطني في العالم، عما إذا كانوا سيشاركون في تلك المظاهرة، فقال كمن فوجئ بسؤالي: “-كلا، فنحن جهة دبلوماسية ولا نشارك في المظاهرات.” 
وإذا به يغيّر مجرى الحديث مباشرةً، إذ سأل: “-ألا تقرؤون الكتب؟” فقلت: “-أحبّ شيءٍ في الحياة على القلب هي القراءة.” فابتسم كمن أوقعنا في الفخ، وقال: “- تعالا معي.” فإذا به يأخذنا إلى قبو كبير مليء بشكلٍ مثيرٍ للعجب بالكتب بلغاتٍ عديدة، منها الكثير بالعربية وقليلٌ منها بالكردية، وقال: “- خذوا ما تشاؤون منها” وذكر بأنها هدايا من ثورة الشعوب الإيرانية لشعوب المسلمين كلها، فسألته عن ديوان الشاعر الكردستاني (نالي) فأشار إلى طرفٍ من أكداس الكتب، فإذا بي أرى العديد من الآثار الأدبية الكردية، ومن بينها ديوان الشاعر نالي، وديوان أحمدى خاني (مه م وزين) وكتب للأطفال وكتب مترجمة إلى الكردية من الفارسية عن الإسلام من وجهة نظر ما يسمى بالثورة الإسلامية، وقال لي: “- لك ما تشاء من هذه الكتب.”، فملأت كرتوناً كبيراً بالكتب العربية والكردية (بالحروف الكلاسيكية) والمجلات، في حين أن زميلي المسؤول عن (فه يكا كوردستان) أخذ كتاباً واحداً لأنه لم يجد أثراً آخر للكتب المترجمة إلى التركية أو الكردية بالحروف اللاتينية.
بعد أن جاء مسؤولٌ ايراني آخر بنسخة من كاسيت الفيديو، توجهنا إلى باب السفارة للخروج، فلمحت كتيّباً بالعربية موضوعاً للعرض في المدخل من بين كتيبات أخرى عن إيران والحضارة الفارسية والثورة “الإسلامية!” فسألت الذي أعطاني الكتب عمّا أستطيع أخذ نسخة من ذلك الكتيّب، أو أنه عرض عليّ أخذه، لا أتذكّر جيداً، وكان من مطبوعات مطبعة حكومية رسمية في طهران وعلى الغلاف هذا العنوان (الثورة الإسلامية في ايران قمة الثورة الاسلامية العالمية)… ثم توجهنا على مهل صوب مقّر جمعية (مركز كوردستان) الذي كان في وسط المدينة، وفي طريقنا رأينا مظاهرة يوم الأرض للفلسطينيين بالقرب من (بيت المدينة: السراي) من عدة مئاتٍ من الناس، يسير في آخرها ذلك الموظّف الإيراني الذي قال بأنهم دبلوماسيون لا يشاركون في المظاهرات، وفي يده علم فلسطين، ونظر إلينا بدهشة، كما نظرنا إليه مندهشين لسرعته في الالتحاق بالمظاهرة وكذبه الصريح علينا بأنهم دبلوماسيون لا يشاركون في المظاهرات.
في مقر (مركز كوردستان) شرعت في تفحّص الكتب والمجلات التي في الكرتون، ثم أخذت الكتيّب الصغير الذي أخذته من باب السفارة وقرأت فيه عبارةً كهذه شدّت انتباهي حقاً: “- إن الرسول الأكرم (ص) لم يكمّل رسالته ولم يتمم نعمته وإنما جاء من بعده أولياؤنا ليكملوه ويتمموه.”، فتذكّرت في الحال الآية الكريمة التي عكس هذا الذي أراه تقول: “-اليوم أكملت لكم دينكم وأتمت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا”
ثم قررنا أن نذهب إلى بيتي، قبل أن يتم عرض الفيديو في الجمعية لننظر في الكاسيت المروّع عن حلبجة وأهلها الشهداء، وليبكي كل من شاهده من أفراد عائلتي وضيوفي معنا يومذاك، من قبل أن يتّم عرضه على روّاد مقر الجمعية…
ومنذ ذلك اليوم، تكوّنت لديّ القناعة بأن السلك الدبلوماسي الايراني مساهمٌ في نشر الأفكار السخيفة التي تتعارض مع جوهر الدين الحنيف..
 22/12/2021

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…