الخطاب القومي والأممي لدى الكورد بين الازدراء والابتذال «4»

زاكروس عثمان

على ما يبدو ان الابوجيين الأمميين  لم يفهموا جيدا اسباب عداء الشيوعيين للقومية، فقاموا بترديد مقولات الأممية الفارطة واعلنوا العداء للفكر القومي الكوردي دون تبصر، ولم ينتبهوا إلى ان الشيوعيون طرحوا مبدأ الأممية انسجاما مع فكرهم السياسي ـ الاقتصادي الذي يتمحور حول الصراع الطبقي لفرض دكتاتورية البروليتاريا, لهذا انطلاقا من هذه القناعة قالوا بان العامل الاقتصادي هو الذي يقسم المجتمع، وليست القومية العرق و الثقافة، ولكن الطبقات الحاكمة ” اقطاع وبرجوازية” تعمل على تعزيز الفكر القومي من أجل طمس الصراع الطبقي، ومن هذا المنظور اعلنت الأممية الشيوعية عدائها للفكر القومي، 
وعلى ما يبدو ان الابوجية الأممية تنطلق من فرضية ان كوردستان دولة مستقلة تضم مجتمع يتألف من طبقات متمايزة متصارعة، وان هناك سلطة كوردية تمثل الاقطاع و البرجوازية، تعزز الفكر القومي لإخفاء الصراع الطبقي، ولكن الواقع يقول ان الاحتلالات المتعددة لم تسمح للمجتمع الكوردي بالنمو الاجتماعي والاقتصادي حتى يتبلور في طبقات بينها حدود واضحة تشعل الصراع الطبقي، فيما السواد الاعظم من المجتمع الكوردي شرائح متنوعة من الطبقة الكادحة، مع اقلية من الفئات الميسورة ملاك اراضي برجوازية صغيرة متوسطة، لم  تصل إلى مستوى الطبقات الرأسمالية  في البلدان المستقلة، والتي تمتلك رساميل واستثمارات ضخمة ينتج عنها طبقتين واضحتي المعالم العمال والرأسمالية، وفي العقود الاخيرة خفت صوت المنادين بالصراع الطبقي حتى في الدول “الرأسمالية” المفروض حسب زعم اليساريين انها بؤرة الصراع الطبقي، فاين البروليتاريا الكوردية واين الرأسمالية الكوردية حتى يكون هناك صراع طبقي، هل حدث انك سمعت كورديا يُقَدم الصراع الطبقي على هدفه القومي.
شيء محير ان الابوجية لا يصوبون هذا الخطأ حتى لا تكون أمميتهم ممجوجة،  لماذا لا ينظروا إلى القومية الكوردية نظرة اكثر واقعية وينظرون نظرة اقل طوباوية إلى الاممية، لا أظن ان العقل الجمعي الكوردي يقتنع  او يثق بالأممية كمشروع حل للمسألة القومية، لان هذه الدعوة ليست اكثر من تغليف لسياسة الصهر القومي لتذويب الكورد في القوميات الغالبة التي تسيطر على كوردستان.
انه من جوانب القصور والكسل المعرفي لدى دعاة الفكر القومي الكوردي “البارزانية”  انهم لا يبذلون جهود كافية لمواجهة  محاولات تشويه هذا الفكر، ولكن هل نستطيع الدفاع عن فكرة ونحن نجهل ماهيتها، هناك مئات من اللاعبين الفاشلين المزيفين في روزئافا محسوبين على النهج القومي، يقبضون الرواتب دون طائل، تسمعهم يكررون (النهج القومي) طيب يا عمي انت تتبع الفكر القومي، تعال اشرح لنا ماهية هذا الفكر، اليس من واجبك ان تزيل عنه كل القذارة التي يلقيها عليه الأمميون، هل الفكر القومي الكوردي يلغي القوميات الاخرى في كوردستان، هل يمتلك نزعات شوفينية ـ عنصرية، هل لديه ميول سلطوية، ما هي تصوراته لبناء دولة وتشكيل مجتمع، هل الفكر القومي الكوردي شر مطلق ان كان يبحث عن حق الامة الكوردية في ان تحكم نفسها بعيدا عن سيطرة الاجنبي، ان الاجابة على هذه الاستفسارات وغيرها العشرات تحتاج مركز ابحاث ودراسات خاصة بالفكر القومي الكوردي، يضم مفكرين وباحثين، يعتمدون منهج البحث العلمي في تفنيد الاباطيل التي تستهدف الفكر القومي الكوردي، الغريب ان رعاة القومية الكوردية لم يفكروا بعد بدعم مشروع فكري كهذا، في الوقت الذي تصرف فيه ملايين الدولارات على احزاب مشلولة سياسيا وإيديولوجيا، وعلى مؤسسات ثقافية إعلامية غير معنية بتوعية الجمهور بالفكر القومي بقدر ما تهتم بإرضاء الجهة التي تمولها. 
ان وجود مؤسسة كوردية للدراسات القومية مسألة مهمة للغاية، طالما هناك هجمة مُرَكَزة لا تستهدف الفكر القومي الكوردي فحسب بل كذلك تستهدف أيضا القومية الكوردية ذاتها، والامر الخطير ان هذه الهجمة عبارة عن سموم إيديولوجية يتم نشرها من العمق الكوردي، وربما يكون العلم خير وسيلة للوقاية من هذه السموم،  بالعلم يمكن انتاج قراءة كوردية معمقة للقومية والفكر القومي، للوقوف على مراحل تطورهما، ودراسة تجارب مرت بها قوميات وشعوب مختلفة، للخروج بمحصلة والاستفادة منها في إجراء ابحاث متعلقة بالفكر القومي الكوردي، حيث هناك مئات المسائل والمواضيع التي تحتاج ابحاث للخوض في جزئياتها.
يدعي كثير من ـ المشلولين معرفيا ـ  في روزئافا بالانتساب إلى البارزانية لكنهم يشوهون جوهر هذه المدرسة العريقة، فالبارزانية ليست كلمة جامدة، بل هي تيار جار يمتلك قابلية الديمومة والتجدد، غني بمضامين حية تحتاج الشرح كي يفهمها الكورد والاصدقاء والخصوم، ان تعريف الناس بالفكر القومي الكوردي امر ضروري لمواجهة محاولات مكافحة القومية الكوردية وتخويف الناس من هذا الفكر، بكلام اخر ان اكتفاء الكورد القوميين؟ في روزئافا بالقول “انا قومي” يؤثر سلبا على هذا الفكر، لان مواقفهم وافعالهم تناقض شعاراتهم القومية، كما انه يولد انطباع لدى باق المكونات بان الفكر القومي الكوردي يلغي القوميات الاخرى، ما يضعف ثقة الكوردي بهم وبالشعار الذي يرفعونه، ان المطلوب من انصار النهج القومي هو تبيان زيف وبطلان مقولات أممية منقرضة، لمواجهة الفكر التضليلي الهدام الذي لا يستهدف البارزانية كتنظيم سياسي بل بحجة منازعةPDK  يكافح القومية الكوردية, ولعل العلم يكون السلاح الناجع  في هذه المواجهة، به يمكن المقارنة بين حسنات الفكر القومي وسيئاته، بين الفكر القومي وبين الأممية لتبيان ايهما اكثر تلبية لمطالب الكورد وايهما اكثر قابلية لتحقيق هذه المطالب.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…