وليد حاج عبدالقادر / دبي
خاص لموقع ولاتي مه
عندما تكون رهين ذاكرة ثقلى بأحداث ووجوه لشخوص كانت الفكاهة ديدنهم وطبع الأثر في صميمية صفائح مخك ! .. أن تكون من ديريك ومولود فيها منتصف الخمسينيات وعاصرت ال – كولكات – يستحيل ألا تتذكر خوكي – خوكاز – و – رزقو نرمو – وبجانبهما سلويي فقه حسن – العم أبو بهيج – ولن استرسل لا في ذكر : حاجي محمدي صور ولا لوند أو خليلي فقه حسن ولا نادري إيرسي و قبلهم حاجي موسى يي شاهين إيرسي و حاجي يي يعقوب وطبيعي ان تابعت الإسترسال ستصلني الأسماء الى قامات عديدة وساكتفي بصالح وحاجي اوصماني كولكي و حاجي عبدالرحمن وحسو وقدريي عبدالغني وفرماني بمبي وكثيرون، وعمره لن اتجاوز كبرويي – صوبا جيكر – .. اعمام ورجالات لن تمحى ذكراهم بالهوينى .. عليهم رحمة الله وعفوه … بعضهم بشخوصهم وأسمائهم الحقيقية المتواترة ذكرتهم في غالبية كتاباتي الروائية حسب ما ازعم ..
قامات مثل هؤلاء الذين عمدوا لاخوية حقيقية في بيئة تعانقت فيها الكنائس والمساجد وتوحدت كثيرا من العادات والتقاليد وانماط التعايش، ولهذا لم يكن قط مستغربا تلك المناحة الحقيقية التي سادت ديريك حينما جاءت الباصات لتقل جزءا عضويا متآلف كان قد أصبح من ابنائها، واعني بها ماسمي بإعادة ترحيل الأرمن الى ارمينيا، ولازلت أتذكر : .. نعم بكت البلدة كلها وخرجوا جميعهم نساءا ورجالا واطفالا كثيرون قدموا من القرى المحيطة وحتى من جزيرا بوطان. . مشهد تراجيدي غلبت عليها الدموع الحارقة وغالبيتنا كنا نبكي بحرقة والباصات الطويلة تلك كانت كعادتها تحمل حرقة مجرد دخولها شارع بلدتنا الوحيدة و الوادعة فهي تأتي لسوقيات الجيش كانت وهي الآن قادمة لترحل من بين أحضانها عوائل تشاركونا مع الأجداد سنين طويلة و .. كنا ندرك بأن كثيرين منهم ربما لن يتمكنوا من زيارة هذه البقاع ثانية ، ولعلها هي الأرضية الصلبة التي رسخت في عليها تعاطفي الكبير مع أي إنسان يقتلع من داره ودكانته رغم ما أثير حينها بموافقة من رحل وإن من لم يرغب بقي وبالفعل كان هناك من بقي .. هي ولنسمها كما نشاء : إعادة الأرمن أو هجرتهم لابل تهجيرهم والباصات قد امتلأت بركابها وسلسلة الناس تجري ورائهم وتتداخل الأصوات والنحيب والبكاء وكل يحاول أن يرسخ في ذهنيته بصمة أخيرة لجار، صديق، قريب والباصات تتحرك ببطئ شديد وأجزم بأن آخر باص كان في ركن بيتي باسيلي سقتين وأجدان علي وأولها على الطلعة بعد الكازية الثانية وبالهوينى كانت الباصات تتدرج ونحن ثلة الأطفال نسعى بكل جهدنا تلقط زملائنا وتوديعهم .. و،، اختفت في النزلة آخر الباصات ونحن نتأمل بعضنا ونعدد : كم من البيوتات غادرت بلدتنا و .. كم سنشتاقهم وهل ستستطيع المسافات ان تلغيهم من ذاكرتنا .. بثقة أقول لا : فلا زلت أتذكر الكثيرين منهم وسمعت بعد سنين طويلة من بعض الأصدقاء الذين ابتعثوا إلى الاتحاد السوفياتي بأنهم أهلنا الأرمن كانوا وكأنهم لازالوا في أزقة ديريك الحبيبة .. نعم هي ترحيل بعض من ذاتنا كانت ولا أدري إن كان قد بقي بعض من جيلهم الأول حيا ..
…..
أيام عملي في شركة الرصافة للإنشاء والتعمير وفي بداية عملي فيها بمدينة الحسكة، منتصف عام 1983، كان لي معارف كثر قبل ذلك فيها، وطبيعي ان جل علاقاتي كانت مع الشباب الكورد ومن كل الاتجاهات السياسية، وعلى ما أذكر كان هناك شخص اسمه مرعي الحسن من الأخوة العرب وهو عامل مقسم وحيث ان خال أولادي وابن خالتي فؤاد حسني كان أيضا عامل مقسم فكنت أتردد على المقسم بين الفينة والأخرى وحيث ان لغة فؤاد الكردية كانت حينها بين بين كنت اتكلم معه بالعربية وصادف ذات يوم كان مرعي هو الوحيد في المقسم، ودردشنا قليلا وليفاجئني قائلا : أستاذ وليد ! بياناتك كتير على نياتك ؟ .. أجبت : كيف ؟ قال شايف علاقاتك مع هلكم كردي عنصري ! .. سألته : مين تقصد ؟ قال نذير ابو شاهين ومحمد خضر معو وووو ؟ .. قلت : طيب شوفيها ؟ .، قال ناس عنصريين ولو يطلع بإيدهم رح يمزقوا سوريا لألف قطعة ما راح يقصروا ؟ والله لو بإيدي لفصلتهم كلهم من وظائف الدولة ؟! .. هزهزت براسي وترددت قليلا ولكنني آثرت التروي ولم أعلق ! فقط بعد برهة قلت له : ممكن توصلني مع السيد عبدالقادر معجون ( أبو نوروز ) ؟ قال : أكيد ! رن عليه وأعطاني السماعة ! سلمت على أبو نوروز بالكردي وأكملت ( eve ezê bême cem te )وانصرفت وانا أتطلع في وجهه الذي أصفر وأحمر وعيناه أسبلتا نحو الأسفل ومن يومها وحتى آخر ساعة لي هناك انقطع حتى السلام بيننا .. فيا جماعة الخير : أتذكر رائعين كانوا معنا أيضا من الطوائف والقوميات ولكن غرضي هنا فقط هو ان الإنسلاخ الممنهج هو ذاتوي محض وبقدر ذلك تفقد قيمتك المعنوية كفرد او مجموعة، ولا أستبعد مطلقا أن يكون مسؤولا كبيرا عند قوات سوريا الديمقراطية، ولما لا فالزمن هو مثل – روژين عنتر – ايامات عنتر والتي ( حسب رواية الصديق محمد صالح ابو بروسك ) الذي يختزن بعضا من الحواديت الفولكلورية وـ بعضه اكتسبها ـ من خاله أبو سربست ـ الله يذكره بالخير ـ وتتمحور مجريات يوم عنتر كالتالي، وبالأخص هذا المطر الجميل الرائع والبرق يهدر في السموات مقرقعا فيذكرني بديريك حينا وعين ديوار حينا آخر .. الجو تغير بالأمس عدّة مرات بين غائم وغائم جزئي ـ وأنا لم أنس جغرافيتي بعد ـ وبما أننا كنا على موعد رسمي هكذا كان حالنا والطقم والكرافات ـ على فكرة لولاه لما لبست الكرافاة لأنني ببساطة لا أعرف كيف أربطها ـ فكنا مع التغييم الجزئي نشلح الجاكيت ولا نلبث أن نعود فنلبسه وهكذا … فقال الصديق أبو بروسك .. أنها أكثر ما تشبه ـ وقصده على النهار وتقلباته ـ كما قصة عنتر و ـ جوكا توته فاني ـ أو ـ جوكا توته واني ـ وملخصها بأنه وما نسميه نحن في تراثنا الكردي وتقلبات ظواهر المناخ أو حالات قدوم ظواهر موسم مخادع .. كأن نكون لا نزال ـ مثلا ـ في الشتاء وتتبادر وكأنه الربيع وهذا ما حدث تحديدا ل ـ جوكا توتواني ـ حيث ظنت وأشعة الشمس الدافئة بأن الربيع قد أقبل فظهرت الى أغصان الشجرة تبني عشّها وأخذت صغارها وهم ب بريش الزغب ووضعتهم فيها ومالبث الجوّ أن اكفهر قليلا ولكن عاد من جديد الى نقاءه .. أمام زقزقة ولهو الصغار فتح عنتر عينيه وقد استفاق من سباته الخريفي والشتوي وقال في نفسه .. عجيب أمري كيف نمت الى هذا الحد وهاهو الربيع وقد أقبل والطيور تمرح .. نهض من رقدته وسار عنتر في الجبال والسهول ومالبث الجو ان ابترد والغيوم تكاثفت وهبّت موجة برد جبلي قارس فهطلت الثلوج بكثافة غريبة وبالويل والصراع المستميت استطاع عنتر ان يصل بجسده المنهك صوب دياره وما أن وصل الى تخوب حقله .. تأمّل الشجرة المتثاقلة بحملها من الثلج المتجلّد وعش ـ جوكا توته واني ـ وهي بفراخها وقد التحمتا مع نتف الثلج المتجمد . هي الأمور أن تجاوزت فيها وتخطيت مراحلها مستاثرا أو .. متعمدا والقفز على ثوابتها كما ومعطياتها فكم من قفزة بهلوانية كانت فيها من الإستعراض اكثر ما استوجب لتودي بصاحبه الى التهلكة … و .. مازالت أيامات التحول الطقسي المتسارع وتراثنا الكردي هي .. نعم يقال لها ـ روزين عنتر ـ .. ترى أيجب عليّ التعليق أم أتركها لصديقي أبو بروسك ؟ .
..