وليد حاج عبدالقادر / دبي
خاص لموقع ولاتي مه
كان فعلا اربعاء أسود بكل ما تحتويه هذه العبارة من سواد !! .. كانت الساعة حوالي السادسة والربع صباحا حينما استيقظت فجأة، وكأن مناد يناديني بأن هناك اتصال لك !! لم يخب ظني .. وبالرغم من أن الموبايل كان على وضعية الصامت إلا أن لمعان الشاشة وومضاتها اوحت بأن هناك من يتصل !! … تفاجأت من عدد الإتصالات خاصة وأنها من ولدي هفراز في هذا الصباح وعلى غير عادته، وبسرعة البرق عاودت الإتصال به وأحاسيسي كلها تراكبت في سؤال ويزاحم سؤال !! رد علي ابني وسألته : ( خيره كوري من ؟! .. )، أجاب : ( نه خيره او نه تشتك )، وليجهش في بكاء عنيف .. سألته : قل قل ماذا حدث !! … اجاب ونحيبه يعلو : عمو هشيار مات … لبست ثيابي بسرعة وانطلقت الى حيث بيت اخي هوشيار في دبي حيث ابني هفراز هناك ..
ومع وصولي كان فلات محمد علي ايضا قد وصل .. اتصلت مع الصديق ابراهيم اليوسف في الشارقة وانا محبط وكذلك الصديق وليد توفيق واللذين أصرا على القدوم ولكنني رفضت وطلبت منهما الذهاب الى اعمالهما وان يتركاني لوحدي .. أصر ابني ان يسافر وفعلا غادر الى بيروت ومنها الى قامشلو , وبالرغم من اصرار فلات وتوصية والده ل الا يدعني لوحدي .. ترجيته ان يتركني بوعد ان أتصل به لاحقا !! ومع هذا أصر ان يصحبني بسيارته الى حيث أرغب، وانطلق بي الى حديقة عامة حيث نزلت وتدرجت بالحديقة ابكي المي .. نعم اعزتي : ان تكون في الغربة لابل ويتشاركك اخاك الى ماقبل ثلاثة أشهر ومن ثم يودع هذه الحياة وانت لا تستطيع ان تطبع قبلة الوداع الأخيرة على خده ؟! .. ان لا تستطيع ان تحتضن ابنه او ابنته وهما يذوبان حزنا ودمعا ؟! .. أقفلت جهاز الموبايل لأن الخبر كان قد انتشر بين الأصدقاء !! هي لحظة لربما تمنيتها ان اكون معه ولو عبر السراب والخيال .. ومع دموع عيني التي ما استطعت ان أخفيهما .. تقدم مني عامل الكافيتيريا بالحديقة وكان يعرفني واستفسر عن السبب .. قلت له وانا انتحب ويبدو أنني كنت أريد حافزا، احتضنني بطريقته وذهب ليعود بعد قليل وبيده كاس من القهوة المرة .. تركني لوحدي اقتعدت الأرض وبدأت بكتابة نعوتي لأعز صديق وأخ / وأنا أشيعك الى مثواك الأخير / .. الكلمات هدأت من انفعال البكاء وانطلقت خارجا من الحديقة وليلحقني عامل الكافيتيريا بقهوة أخرى وهو يلح علي بالجلوس عنده ولكنني اعتذرت .. توجهت الى أقرب محل انترنيت وأخذت اطبع ما كتبته وبعدما ارسلته الى المواقع عرجت على موقع ولاطي مه فإذا بخبر الوفاة والنعوة منشورة فيها من قبل السيد ابراهيم يوسف مشكورا !! .. فتحت هاتفي واذا بعشرات رسائل الإتصالات .. في الحقيقة هناك شعور عام عندنا نحن الكرد : مهما اختلفنا ! دائما يوحدنا الألم .. و .. اتصل فلات … رديت عليه .. سألني : خال انا قادم لآخذك !! والله والدي / كان محمد علي بسوريا / غاضب مني جدا، وان لم نتكلم معه سوية سيزعل مني بشدة .. وفعلا قدم واتصلنا مع والده ولكن هيهات ان تنطلق الكلمات فقط هي الدموع كانت .. و .. أصر علي أن يبقى ولده معي وهكذا كان .. / للعلم حتى قبل وفاة هشيار بيوم كنا متزاعلين انا وحمد علي أبو شيرو الى حد القطيعة حينها .. ولكنها وحدة الألم ونبل مشاعره ايضا … فعلا : سيبقى جرحك أخي هشيار الما مستداما …
…….
أبي :
كما عودتني أن أبحث عنك وقت شدتي وألمي، عيناي كانتا تجولان كل المحيط والحمى تغرقني لحظتها كما فيض نهر دجلة، وفي الأفراح كنت أركض واركض واركض لأنقل لك بعضا من افراحي ..
ابي :
ما أحسست لحظة رغم كل الظروف ورغم تجاوزي عقدي السادس قرب منتصفه بأنني وكطفل قد تيتم منذ أمس، ورغم الألم ابتاه وكذاك الطفل عينه حينما صرت أبكيك وانت تتألم بشدة من الم الحصى التي كانت تحاصر كليتك، وأنا الموجوع كنت أشتكي عجزنا عن المساعدة ..
أبي :
لازلت أتذكر فصيح كلماتك وبنبرتك التي أعشق نطقها .. القبو بالكامل لكم واحتفلوا فيها كما يحلو لكم، لن اسمح لكم بالخروج هذه الليلة .. نعم كانت ليلة رأس السنة حينها التي تلت سقوط ضحايا فيها قامشلو الحبيبة .
أبي :
وأنا الموجوع من اعماقي، أجل، من أعماقي تصرفت وكطفل وانا الجد، نعم أبي : عدت الى ارقام هواتفك أتأمل ! عجبا ! من سيرد علي ؟ هل سأسمع همسك، صوتك الهادئ ؟ أم تلك النبرة التي أدرك من تراتيل حروفها احمرار وجهك، وتلك العقصة كماركة مسجلة وملكية كانت لك ! .. ترددت ابتاه ! جربت الرقم المسجل باسمك في قامشلو .. رنين وكأنه قادم من عميق محيط بلا قرار .. رقم موبايلك السوري .. لا صوت ! .. الرقم التركي ؟! .. والألماني الذي توهني بصداه و .. رقم بابا منزل الشام ! أجل ابي كل هذا حدث في هذا الصباح والوجع ديدنه قد تقمص في كياني .. أجل ابتي ! تقمصت شخصيتك وحفيدك كوران ومن حوله أخته الكبرى شيندا وزوجها عماد وآرام وفين وزوجة حفيدك وابنهما جيار .. أجل ابتي وكانت هي بذاتها امهم السنديانة الوارفة عطفا وحنينية .. وعندما تتراكم على اي كان اوجاعه، قد تكون هي بسمة طفل او طفلة بلسم شاف، سيما إن كانت عبارات مصدرها طفلتي الصغيرة التي ستبقى بنار ام الثلاثي هشيار وجين وسامان، وليبقى ألق أخيهم هفراز رفيق الدرب ذلك السند الذي كان .. أجل ابتي : كم هو جميل وسيبقى الأجمل : حينما أراهم لأولادي وأولادهم من خلال عينيك ..
لذكراك أبي وها نحن على بعد ساعات لنستقبل عاما جديدا … لا يسعني الا أنا أقول : الرحمة لك .. الرحمة لك ..
31/12/2019
…..
أخي هوشيار :
أن تخرج والشمس تبشرك بقدوم يومه الجديد من سنته الجديدة .. أن تخرج والسكارى المحتفون منذ ليلة الأمس وحتى هذه الساعات من صباح اليوم الاول .. أجل ! .. أن تخرج والسكارى والمحتفون يعودون الى بيوتهم .. أجل ! وكأنها يومك .. يومك الاول وسنتك الجديدة أيضا وهذه الغربة التي اصرت ان تحفر بملازم من الماس قد على قلبك وجسدك وأنين الغربة بدقائقها تسرطنت واخذت تفتك رويدا رويدا ياااأخاه انت .. هي مرثيتي منذ لحظات رحيلك وكل سنة وفي مثل هذا اليوم نحن كنا نرتع كؤوسا لنكن واقعيين .. و .. نرقص ونغني ونلقي النكات .. أجل أخي وهي الصباحات كانت وكل قد تمدد في زاوية او على اريكة وانت توقظني .. وليد وليد .. انهض لووو .. راباا و .. قهوتك سياسية .. هي مرة ! لا اطيقها ! .. القهوة علي لتتصحصح ولكن ! الشاي عليك انت إعدادها ولن نفطر إلا عليها ! .. وهي مهمتك ! .. رباه ! يا الأخ انت كنت وضجيج مللي يعلو .. أووه دعني هشيار رجاءا .. مرهق وأريد أن استمر في النوم .. ومع رائحة القهوة التي كانت تفوح وتضج بها حيطان الدار وبقايا من اثر الامس لا لا صباحات اليوم لازالت هي ذاتها .. أللله ؟! هوشيار نعم هوشيار هأنذا وحيد انا وحيد انا اجترح آهات لو أن الجودي كان لربما انحنى ! .. أجل هوشيار ! هي عادتي .. هي عادتي منذ رحيلك وها انا أحوم حول ذلك البيت العتيد الذي كلما مررت ومن سوء حظي اني امر مرات ومرات .. هي آهات تلي آهات ! .. وسريلية حزن تتدفق وما قابلها من تلك الفسحة .. آه ياالفسحة ؟ ألا زلت تتذكرين أسمائنا ؟ .. الا زلت تتذكرين احاديثنا ؟ .. ألا زلت تتذكرين مآسينا وأفراحنا ؟ .. لابل وجدالاتنا واحيانا حتى خلافاتنا ؟ . .. الا ايتها الساحة انت !! .. هوشيار ! .. هوشيار ! .. البيت مازال هناك .. نعم ! وبجانبها شيد في تلك الفسحة التي يااما غرزت في رمالها سياراتنا .. لقد شيد فيها فندق ضخم ويقابلها فيما يلي تلك الفسحة مول .. أقسم لك أخي أنني لا أتردد عليها إلا فيما ندر ولحالات طارئة لأن أنفاسك لاتزال تملئ المكان ..
أخي هوشيار :
كان صباحي، كما قبل سنة، وكما قبلها وقبلها وقبلها، هو هذا البيت العتيق احوم من حوله وادندن أحيانا أغان كن نرقص كما ليلة أمس وهي تلك الجاذبية التي تشدني اليها ذلك الشارع المسمى بشارع الخليج وبناية جيسكو أتأمل ! .. ربااه ! .. المداخل الثلاثة ؟ .. عجبا ! .. أي مدخل علي ان أسير ؟ .. حاولت مرارا كما السنة الفائتة أن أصعد عبر الدرج .. و .. اقف امام باب الشقة أتأمل الرقم المدون على الباب الخارجي ! .. أخي وصديقي .. صديقي وأخي .. خانتني اقدامي هذا الصباح وان طفت المكان اروح واجيء، وأجيء وأروح قبلها .. قبلها يا أخي ! ..كانت رائحة قهوتك تملئ المكان، وما أن كنت ادخل المبنى هي فوح رائحة قهوتك الجاذبة كانت تتلقاني ..
اخي هوشيار ..
في كل يوم ومن اية سنة ابتدأ يومها منذ رحيلك هي سرياليتي وعشقي وذلك الحنين .. ذلك الحنين الذي أقست فيه لغتنا بشدة .. لغتنا، لغة امنا ! فاختزلتها بحروف تنهش في حنينيتنا .. هي – mêhil – .. نعم ! وهو ذاته الحنين يا أخي وصديقي .. وهي آهاتك ياالغربة التي تجبلت واختلطت كرياتها الحمراء بأبيضها ..وهي دبي .. نعم وهي دبي تلك المترافقة كانت وظلت .. اجل وظلت ياأخي ! .. نعم ظلت تجترح من صميم اللواعج آهاتها .. وتنثر في فضاءاتها عشقا دام ديمومة الحنين الى طلتك اخي .. و .. هي الحياة كانت مشتركة .. وكنت لسنين طويلة صندوق سري وسحري، لابل .. لابل وكما أخاك واخي الكبير الذي حضني، نعم حضني لأكون ما أصبحت عليه .. و .. لتحضني بعد سنين من ضمور طالت وكادت ان تطيح بي .. هي فعلا لربما استطاعت ان تخطو خطوات سريعة وكسرطان ينثر في كينونتي وعقلي .. أجل أخي .. أجل اخي : وإن كان لا للاخ إطلاقا منة .. أجل اخي وإن كان لأخينا الكبير، ذلك السنديانة وهو له ماله كما وعليه ماعليه .. أجل أخي ! هكذا كنت، وكنا هكذا .. ولازلت اتذكرها لتلك الليلة : كنا وثلة من الأصدقاء التموا من حولنا ونحن ندور في الأحاديث، وكانت تلك اللحظة التي الححت علي ان ابدأ بالكتابة من جديد .. نعم وليد ! يجب ان تبدأ فتدون .. اكتب كل ماعندك .. أخي لقد بلغ السيل الزبى وتراكمت آهاتك بمجاميع إرث يكاد ان يفتك و .. نعم كانت هناك ومن بعدها آهات – هاي هاي ممو – وأيضا نثريات زمبيل فروش وسيامند ذلك الحلم الذي راودني وكنت قد باشرت بكتابتها قبل رحيلك بسنين في المعتقل .. أجل أخي سيبقى ترانيم كلماتك كما وهي أيضا … أجل ! .. كما كان في ذلك النهار، وأظنه يوم الجمعة كان قبل يومين من نضالنا العملي سنة ١٩٩٢ حينما التقيتك في الدار الكبيرة – مالا مظن – كما كنا نسميه، وقلت لك : بلغ تحياتي للوالد وأخبره بأنني الآن مشروع اعتقال أدرك ذلك ..لو تم اعتقل اربعة سأكون الخامس وحتما لن يتجاوزني الرقم العاشر .. رجاءا أخبر والدي وجميع الاخوة ألا يبحثوا عن خلاص فردي لشخصي .. اجل ! .. أجل أخي ! .. كم كبرتم جميعا في عيوني أخي .. كم أكبرتموني أخي وسيبقى وسام ابي .. أبوك اخي قلادة وشمت بكبريائها صدري ! .. أجل أخي : لازلت أتلقط كلماتك حينما رديت على ذلك الشخص – لو قبل والدي ووليد لما رحلوه الى الشام .. والدي قال : هو ليس باحسن من رفاقه والله لو قتلوه لن ندفع اموالا لنهينه به طوال حياته .. – نعم اخي : هي سريالية وجد وقد تعانقت بوجدانية أخ ورفيق وصديق كنت وشوارع دبي هذه وازقتها .. ليتك اخي .. ليتك اخي وروحك – أجزم – انها كنسمات الهواء رافقتني وترافقني الآن، وهي أصبحت أيقونتي هذه الصباحات في كل يوم يبتدئ فيه سنتنا الجديدة، وانا أحوم في الأمكنة كأطلال مستدامة وتصر أن تبقى كشجرة التوت تلك وهي تعانق سحب فضاءات دجلة وعين ديوار، وهي ذاتها شجرة التين تلك اخي، وانت كنت الطفل بعد ونحن نعتليها لتلك الشجرة .. رباااه يا أخي !! … رباه ياالصخور كبيرة كنت حينها في عيوننا ورغم ذلك كنا نتسلقكم صعودا اليها شجرة التوت فنرمي باجسادنا الى حيث بركة ماء القلتين بجانب نبعها – عينديور – وانت أخي الطفل الجميل كنت، التقطك من يديك واخانا نذير يتلقاك في الاسفل يقفز بك الى حيث حوض الماء .. ومن لحظاتها البعيدة تلك خلتك أيقونة وهي – الأيقونة – ما خابت في الظنون ابدا ..
أخي ..
وها أنا العائد بكليتي الى صندوق أشجاني أفتحها عبرات .. عبرات تحكمت في وزاحمت نهاري فاعود اليها، احاول وبجدل اعتباطي أن ألملم تلك الآلام وان أعيد تلك الدموع فاخزنها ولكن ؟ من يدري يا أخي ؟ .. من يدري يا أخي ؟ .. نعم ! من يدري يا أخي ؟ .. وها قد دخلنا سنة ٢٠٢٠ وكذلك الراعي الكوجري ألملم بسماتك .. طلتك .. أحاديثك .. نبرات صوتك الذي لازال صداه يحوم في أذني .. و … هي – تيركا غم و كولا – أحملها بين طيات قلبي وأراكمها من جديد ككريات دمي بأبيضه واحمره وأقول : هل ستطول في الأيام واعود من جديد قبل إشراقة شمس اليوم الأول من سنتي القادمة فأطوف تلك الامكنة .. لا أدري أخي .. لا أدري يا اخي .. لا أدري حقيقة يا أخي .. يومي هذا كان غير كل السنين الماضية .. و .. لوعتي أيضا تراكمت … نعم أخي : لوعتي أيضا تراكمت، واصبحت للجسد همته وطاقته التي تتناثر أشلاءا تفتك بها الحنينية من جهة وأنين غربة أخالها ستطول سرمدا ..
أخي
لك الرحمة ولذكراك الذي أصر ألا تتلاشى حتى وان تناثرت أشلاء جسدي وبقي فيه خلية واحدة حية ستكون هي حاملة لذكراك … اخي .. صديقي .. رفيق غربتي كنت .. أحن أليك .. أحن اليك .. ولن أبالغ إن قلت : أنك الحنين اخا كنت في غربتي .. لك السلام .. لك الرحمة .. الراحة الابدية لك أخي هوشيار …
1 / 1 / 2020
…..