د. محمد مصطفى
صرح السيد جميل بايك في مقابلة له على قناة ستيرك بأن أوجلان قد أكد لكل الاحزاب السياسية بأن مكان حل القضية الكوردية يمر خلال البرلمان وطالب بإنشاء لجنة قانونية وان يكون كل شي قانونياً .
والسيد صلاح الدين دمرتاش أصبح يردد مراراً القول ان حل القضية الكوردية لا يتم إلا تحت قبة البرلمان
والحق يقال بعد عام 2000 لعب اوجلان دور داعية السلام. إذا سافرنا عبر الذمن نلاحظ:
إن حزب السيد دمرتاش قد خالف البنود العشرة التي دعى إليها أوجلان في نوروز 2013 من خلال مبادرته، في مرات عديدة يمكن الاشارة الى بعضها:
المرة الاولى: عندما فاز حزب العشوب الديمقراطية ب 78مقعداً نيابياً ،رفض اقتراح الرئيس أردوغان بتشكيل حكومة ائتلافية على الفور.
المرة الثانية: عندما صوت حزبه الى جانب أحزاب المعارضة، تحالف الامة في إنتخابات التشريعية عام 2018، في حين طالب أوجلان إلتزام الحياد .
المرة الثالثة : عندما دعى الى العصيان المدني في عام 2013 فورعودته من روسيا، صرح بأنه سيقيم 40 كانتون في تركيا.
تم نسف العملية السلمية التي أقامت بجهود مدنية من الخييرين من أتراك وكرد على مدى خمسة عشرة عاما.
شن دمرتاش حرب كلامية داخل البرلمان وخارجه بدل اللجوء إلى لغة الدبلوماسية والحوار، دخل في مشاحنات وخصومات، مع زملائه النوائب الاتراك الذين يخالفونه الرأي ودأب على افتعال العداوة والخصومة مع أركان النظام وخصوصاً رئيس الجمهورية،وجعل من الإستهزاء به شغله الشاغل.
يعرف التاريخ بأن هناك حروب قد قامت من أجل كلمة واحدة وكما يقول المثل التركي (جرح اللسان أشد من جرح السنان) ففي أقل من دقيقتين وصف دمرتاش رئيس الجمهورية ذات مرة سبع مرات بالكذاب (يلانجي) أكبر كذاب وأكبر متأمر في تاريخ تركيا، إلى أن أردوغان لم يرد عليه بشكل شخصي ولو لمرة واحدة.
رئيس كتلة برلمانية يجب عليه التحلي باللياقة الدبلوماسية ويبحث عن مشتركات مع زملائه ويسعى لكسب ودعم وصداقتهم، و يجعل من أعداء الأمس أصدقاء.
إن من يتابع أحاديث السيد دمرتاش يستنتج وكأنه يسعى الى خلق عداوة شخصية مع رئيس الجمهورية إذ تجنى عليه عشرات المرات ان لم يكن أكثر، فالفيديوهات واضحة للعيان، فهو لم يقل كلمة إيجابية واحدة يوما عنه .
تبنى خطاب شعبوي مبتذل وعمل على تأجيج الأحقاد عبر إثارة وتهييج الحشود والغوغاء ، مما أدى إلى أستقطاب مضاد في الشارع من جانب الأتراك القوميين.
هذا الرجل كان يتصيد فقط السلبيات وكان يتحدث بنبرة موتورة تنم عن التحدي للأخر المختلف معه وكأنه عليكي بطي و يبحث عن ذاته بين الحشود في المهرجانات التي أصبحت متاحة بفضل ديمقراطية أردوغان ، مع التلويح بالأصابع والصياح في أغلب الأحيان بدل اللجوء إلى لغة الأقناع والحوار البناء مع أنه قد أصبح عضواً في البرلمان بعد مجيئ حزب العدالة والتنمية الى السلطة .
وكما تقول أخت دمرتاش في مقابلة لها في موقع خبر24 (كنَا نخاف ان نتكلم حتى في بيتنا بلهجتنا الزازاكية) تقصد قبل مجيئ أردوغان إلى الحكم. ومن الجدير بالذكر ان دمرتاش لم يتعلم بعض الاغاني الكوردية الا في عام 2012 كان ذلك ايضاً في ظل حكم حزب العدالة والتنمية.
وقد صرحت السيدة ليلى زانا في عام 2013عندما كانت تقوم بدور الوسيط بين أوجلان والحكومة: ان أردوغان هو الوحيد الذي يمكنه حل القضية الكوردية في تركيا الى أنه تم إ قصائها فيما بعد من العمل السياسي بفعل الدسائس.
والحق يقال ان أردوغان هو اول رئيس تركي أنفتح على القضية الكوردية.
قام بخطوات عملية في هذا الاتجاه ،أذ الغى سياسية التمييز بين الاكراد والاتراك وكذلك سياسية الصهر القومي وقام بتنمية مناطق جنوب شرق أناضول واعترف باللغة الكوردية وحتى الاحزاب التركية الاخرى قامت بتصحيح سياساتها باتجاه الكورد بعد إنفتاح حكومة العدالة والتنمية أنتقل العدوى إليها، كحزب الشعب الجمهوري (كمال كليجدار اوغلو) الذي أقترح مؤخرا ضرورة أن تلجأ الدولة إلى هيئة شرعية لحل القضية الكردية وحزب الجيد السيدة الحديدية وحزب داوود أوغلو الذي يطالب ايضاً بحل القضية الكوردية وحتى السيد فتح الله غولن كان قد صرح انه لا يجب ان تورث القضية الكوردية للأجيال القادمة.
منذ عام 1993 عندما أطلق أوجلان أول مبادرة سلام ومنذ عام 2000 كان يرى حل القضية الكوردية بالوسائل الديمقراطية والحوار تحت قبة البرلمان إلا أنه هناك من لا يطبق توجيهاته بخصوص الحل الديمقراطي، وخاصة نسف العملية السلمية 2015 . مسؤولية من؟
إطلاق العصيان المدني في ظل عدم تكافئ القوى وحفر الخنادق بين المدنيين العزل في البلدات والمدن وفتح باب الجحيم.
فالمبدأ الثامن من استراتيجيات الحروب يسمى اقتصاد القوى.
ما الفائدة من ندم سري ثريا أوندور أو دمرتاش بعد أن سالت كل هذه الدماء البريئة في سلسلة حروب عبثية وخاسرة وكما يقال لا ينفع الندم بعد العدم.
لقد تبين جلياً ان إقامة 40 كانتوناً كانت ليس بتلك السهولة مثل الدق على الطبل والطنبورة، وتنظيم حفلات الرقص.
لقد دعى أردوغان في عام 2015 حزب الشعوب الى شراكة حقيقية للاكراد وللأتراك في حكم تركيا إلى أن دمرتاش سارع الى الرفض فور اعلان النتائج وكانت هذه فرصة سانحة للاكراد ان يصبحوا شركاء وسادة لتركيا وأن يصبح هو أو غير وزيرا لخارجية تركيا .
كان يمكن تجنب سلسة الحروب العبثية الخاسرة المتتالية على مدى ستة سنوات من الخراب والدماروالكوارث في المناطق الكردية داخل تركيا وخارجها من عفرين إلى قنديل.
لولا اللعب بالنار لما كانت عمليات مثل غصن الزيتون ونبع السلام ودرع الفرات.
ان الذي جرى كان العكس ان من أعلن قرار العصيان المدني فتح أبواب الجحيم على مصراعيه .
تم تدمير مدن وبلدات وتم تهجير اكثر من نصف مليون كوردي من أماكن سكناهم في جنوب شرق أناضول .
وقتل ما يقارب من 5000 كوردي و500شخص من الشرطة التركية حسب احصائيات الجيش التركي وامتدت لهيب الحرب إلى عفرين وتل ابيض وتدور رحاها إلى يومنا هذا على مدى 6 سنوات على جبهة تمتد قرابة 1500 كم من عفرين الى قنديل، حتى نابليون وألكسندر العظيم كانوا فكروا ملياً قبل فتحها .
وقد صرحت مؤخراً بيانات وزارة الدفاع التركية بأنه قد تم تحييد 18500 كوردي والسؤال هنا من يتحمل قرار الحرب واعلان العصيان المدني في المناطق الكوردية منذ 2015 في ظل عدم تكافئ القوى والخلل وهل قام حزب الشعوب بمراجعة نقدية لأخطائه في تلك المرحلة وحاسب المسؤولين عن تلك القرارات الخاطئة.
أن حروب الخنادق والبنادق ولى عهدها والحركات الثورية في القارات الثلاث فارقت الصراعات المسلحة ولجأت إلى الحلول البديلة ومعظم الحروب أصبحت الكترونية تقوم الآلة العسكرية بدور العامل البشري.
لقد تعاظم جبروت الجيش التركي في ظل حكم أردوغان وهذا واضح لكل خبير عسكري ،حيث قام بكسر شوكة الآلة العسكرية الروسية في ليبيا وسوريا وكرباخ.
أوجلان يؤكد على أخوة الشعبين التركي والكوردي فالاكراد والاتراك تجمعهم اخوة التاريخ والجغرافية والدين والدم وتداخل الكورد في المجال الحيوي التركي أكثر فأكثر في الوقت الحاضر. والأحزاب التركية الاساسية أصبحت أكثر إنفتاحا على القضية الكردية.
وكما قال الفيلسوف الفارسي عمر الخيام منذ ما يقارب من الف سنة (لكي تجد الطريق الى الهدف المنشود عليك ترك الدرب القديم) أي من المهم تصحيح المسار في السياق التاريخي، أي الطريق القديم لا يصلك الى المكان الجديد،
أي لا يمكنك ان تحارب تركيا على كافة الجبهات وتتحالف مع أعدائها وتحل القضية والكوردية تحت قبة البرلمان كما أوصى بها أوجلان في نفس الوقت.
لقد آن الآوان بعد أكثرمن 20 عاماً من دعوات السيد أوجلان السلمية، الاقتداء بها وتفعيلها في المعترك السياسي أي وقف دورة العنف وكرة النار ووقف النزيف الكوردي التركي .
الظروف باتت سانحة أكثر من ما مضى لإطلاق مبادرة سلام جديدة من خلال أصدقاء الشعب الكوردي عبر القنوات المتاحة.
.لقد أثبتت الحياة إن المبالغة في الطموحات ينم عن عدم نضج سياسي من خلال الترويج للأوهام وكما يقول المثل التركي من لا يرضى بالقليل لن يحصل على الكثير.
أن قرار السلم والحرب في يد السيد جميل بايك يمكنه أعلان وقف إطلاق نار للمرة العاشرة من جانب واحد.
السلام التركي الكردي هومفتاح السلام في سوريا أيضا، وحتى مصير أوجلان نفسه يرتبط بمدى نجاح عملية سلمية جديدة.