التوريط المجاني (الكردي)

مروان سليمان

الإفتقار إلى الرؤية السياسية الجامعة و الهدف الذي يجمع أبناء المجتمع الكردي يعتبر في الحقيقة أحد أهم الأسباب التي خلقت الأزمة الوطنية الكردية و أدت إلى تصدع القضية و الأهداف التي تجمع الكرد في جميع أماكن تواجدهم و كما هو معلوم بأن الحركة الوطنية الكردية إنطلقت بعد تشكل الدول و الأنظمة أي أنها نشأت تحت سلطات الإحتلالات و كان الهدف هو تحرير كردستان و استمر لفترة قصيرة حتى بدأ التحول نحو برنامج مرحلي كإستجابة لمتطلبات المرحلة و التماثل للواقع الذي يعيشه الكرد بين أربع احتلالات و يمكن أن يكون نتيجة تطور الفكر السياسي في ذلك الوقت أو إستجابة لتطورات العملية الوطنية للقضية الكردية في الصراع بين الدول القائمة و بناء على هذا، يجب عدم الافتراض أن حال الكرد وحركتهم الوطنية كانت ستكون أفضل لو جرت إدارتها على نحو أفضل، 
ذلك بأن الشعب الكردي ووفقاً لإمكاناته الذاتية ليس لديهم القدرة بمفردهم على هزيمة أعدائهم، بمعنى الكلمة، ولا على دحرهم، لأن ذلك سيحتاج إلى عوامل دولية و أقليمية بالإضافة إلى التوافق الكردي الكردي أيضاً، لكنهم بإمكانهم وحدهم، وبامتلاكهم إدارة وبُنى ورؤى ملائمة، من أجل كسب الصراع بالنقاط. وعليه، فإن الكرد مع قيادة أكفئ  ومسؤولة، كانت ستكون أحوالهم أفضل من النواحي التالية: التقليل من التكاليف والتضحيات المقدمة في العملية النضالية، والتي كانت باهظة جداً، ومن دون أي توازن ولو نسبي للإمكانات المتاحة،؛ و الأمر الآخر إمكان توفُّر بُنى  سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، في مختلف أماكن وجود الشعب الكردي، وذلك قياساً بحال التفكك والتدهور والتهميش للكرد و ظروفهم على جميع الأصعدة ؛ والحفاظ على المكانة السياسية والأخلاقية للقضية الكردية العادلة والمشروعة. وهنا يمكن الحديث عن غفوة، أو عدم إدراك الحركة الوطنية الكردية لركيزتين في العملية الوطنية النضالية: ا الركيزة لأولى، مواجهة الأعداء وسياساتهم الاستيطانية والعنصرية، والركيزة الثانية بناء المجتمع الكردي، وتنمية موارده  وتعزيز حركتهم وترسيخ العوامل التي تساهم في صمودهم في أرضهم.
 أن الحركة الوطنية الكردية تم استدراجها مبكراً إلى منزلق تجزئة قضيتها، وبالتالي تجزئة رؤيتها حول الحل العادل للقضية الكردية، بحيث باتت الأنظمة الغاصبة لكردستان شديدة العنصرية تجاه كل ما هو كردي في كل مكان و تتبع أساليب عدوانية و عدائية تجاهممم و بقيت هذه الأنظمة تتعامل مع الشعب الكردي كعدو وفقاً لاستراتيجية واحدة قائمة على الإحتلال واقتلاع الشعب الكردي من جذوره وعمليات الاستيطان التي جرت على أرضه و لا زالت مستمرة  ومرتكزة على سياسات ونظم قانونية متعددة، من أجل تجزئة الكرد وتفكيك قضيتهم وتذويب حقوقهم. وظلت الأنظمة أيضاً تتعامل مع الشعب الكردي كوحدة متكاملة، و تعتبر هذه الأرض أراضي قومية تتبع لهم، في حين انطلى ذلك على الحركة الوطنية الكردية التي باتت تنفذ وفقاً لما يطلب منها، تبعاً لأوهامها بإمكان تحقيق حق المواطنة . ونجم عن ذلك أن الحركة الوطنية الكردية استبعدت الشعب عن معادلاتها، على صعيد الرؤى والأحزاب.
ضرورة الخروج من الانحصار في الخيار الجزئي فيما يتعلق بالأرض والشعب والحقوق، أو في خيار فكرة التحرير التقليدية التي تقوم على حصر الصراع في الأرض فقط  كما في قنديل، وعلى تخيّل امتلاك القوة، وتوفر المعطيات الذاتية و الأقليمية والدولية المواتية لإستعادة الحقوق المشروعة  كلها، وهذا بالمناسبة تخيّل مشروع، لكن مشكلته أنه ليس واقعياً ولا عقلانياً بعد جميع التجارب التي مرت، وعلى ضوء ظروفنا والظروف المحيطة بنا، فإن البديل  يتمثل في إدخال تعديلات على فكرة النضال و الكفاح المسلح، بما يفيد استعادة التطابق بين شعبنا وأرضه وقضيته، ومراجعة الوسائل وأشكال العمل والخطابات التي سادت طوال العقود الماضية و لا تزال، وتطوير معانيها بحيث لا تقتصر على الكفاح المسلح على الأرض، بل تشمل أيضاً، تحرير الكرد من علاقات المستعمرين والعنصرييين والهيمنة  و التبعية، وإضفاء قيم الحقيقة والعدالة والحرية والمساواة والمواطنة الديمقراطية عليها. وهذا كله يتطلب التأسيس على نقطة مركزية تنبع من وحدة الأرض والشعب والقضية، مع خصوصية كل وضع، وتكون منطلقاً للرؤية السياسية الكلية، وللكيان السياسي ككل. ميزة تلك الفكرة أنها، أولاً، تفتح المجال أمام حركتنا الوطنية للاستثمار في التناقضات للأنظمة الغاصبة لكردستان تفضي إلى تحقيق مصلحة شعبنا، وهو ما يتطلب توفر معطيات ذاتية ودولية لمصلحة شعبنا. إلّا إن من الصعب بصورة عامة، تصور منجزات كردية ، بعد التطورات والمتغيرات التي حدثت في المنطقة و العالم ككل، لكن لا يجوز بأي حال من الأحوال الإبقاء لعقود على واقع الانحصار بخيار واحد، أو الامتناع من تصور إمكان نشوء تحولات تفضي إلى بروز القضية الكردية كقضية أرض و شعب يجب حلها عالمياً مع إزالة الأضرار التي لحقت بالشعب الكردي و تعويضه.
 من مفارقات الحركة الوطنية الكردية أنها انطلقت على أساس استعادة القضية من الأنظمة الغاصبة، إلّا إنها عادت واستندت إلى تلك الأنظمة في كفاحها المسلح، وذلك بحسب فرضيتها عن طريق تحقيق الأهداف  بالتوريط العقلاني. وبالنتيجة، فإن تلك الحركة هي التي تورطت في الصراعات كما في المنطقة الكردية في سوريا و في كردستان العراق و حتى في كردستان ايران، ها هي تلك الحركة وصلت إلى “التورط” المجاني واللاواعي في تحقيق مصالح الأعداء، بدلاً من “التورط” الواعي في مصارعتها مع الأعداء، والذي نمّ عن سذاجة ورغبوية في التفكير السياسي، إلى حد اعتقاد أصحاب تلك الفكرة أنهم أوصياء عليها التي هي أصلاً تهمش مجتمعاتها وتعزلها عن المشاركة السياسية. والأساس هنا الخلط في الفكر السياسي الكردي بين مستويين في الصراع ضد الأنظمة الغاصبة، كون الشعب الكردي مستهدف في وجوده و حقوقه 
باختصار، نحن إزاء صراع صعب ومعقد ومركب، ومتداخل مع الأوضاع الإقليمية والدولية، وعلينا ملاحظة ذلك، سواء في سعينا لإيجاد حلول للأسباب الأساسية المولدة للأزمات الوطنية الكردية، بمختلف تجلياتها، أو في سعينا لإعادة بناء العمل الوطني الكردي، على صعيد الرؤى والأحزاب وأشكال العمل والعلاقات.
السلك التربوي- المانيا
09.10.2021

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…