أين الخلاف بين مقترحكم وبين دساتير البعث فيما يتعلق بالقضايا الأساسية يا وحدة دعم الاستقرار ؟.

شاهين أحمد

في الـ 7 من تشرين الأول الجاري 2021 عقدت ماتسمى بـ ” وحدة دعم الاستقرار ” فعالية مدنية في مدينة عنتاب بـ تركيا حضرتُ كـ ” ضيف ” جانباً من مناقشاتها إلى جانب بعض أعضاء اللجنة الدستورية ونحو 100 شخصية سورية أخرى ، وكذلك ضيوف آخرون من غير السوريين . كما أن السيد هادي البحرة الرئيس المشارك للجنة الدستورية من طرف المعارضة قد حضر عبر برنامج الزووم ، وكانت هناك مداخلات من قبل شخصيات أخرى مثل كابرييل كوريية وغيره . ووزع القائمون على الفعالية كتيب صغير على الحضور بمسمى ” مقترح دستور من المجتمعات المحلية السورية ” تضمن الكتيب المذكور خلاصة عمل هذه المنصة المدنية خلال قرابة عام كامل من العمل المتواصل ، أقامتها المنصة خلالها 140 ورشة ، وحضرها 2000 شخص حسب ماورد في الكتيب المذكور . 
وكما ورد في الملخص التنفيذي للمقترح المذكور بأن المقترح هو نتاج ورشات ومناقشات شملت نقابات مختلفة وندوات وملتقيات …إلخ . بداية من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن فتح باب النقاش حول هكذا قضايا وطنية سورية تمس الشعب السوري بمكوناته القومية والدينية والمذهبية ومستقبل بلدهم أمرٌ في غاية الأهمية ، وإذ أشكر القائمين على هكذا فعاليات أود إبداء بعض الملاحظات حول الفعالية المذكورة ومقترح القائمين عليها :
أولاً : من الناحية الشكلية : تسمية المقترح بإسم ” دستور من المجتمعات المحلية السورية ” فيه الكثير من الخطأ ، ويثير الشكوك ، ويضع علامات استفهام حول المجهود برمته ، وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار بأن االعمل كان محصوراً في مساحةٍ صغيرةٍ جداً من سوريا ، كما ورد في الملخص التنفيذي نفسه و لم تشمل سوى 10% من مساحة محافظة حلب فقط ، دون بقية المحافظات السورية البالغة 14 محافظة . وبالتالي كان من الأفضل أن يكون المقترح معبراً عن الواقع وبإسم المساحة الصغيرة التي شملتها الفعاليات المذكورة فقط مثل ” مقترح دستور منطقة إعزاز وتوابعها مثلاً ” .
ثانياً : من الناحية التمثيلية : طالما أنكم ذكرتم في الملخص التنفيذي لمقتركم بأن المناقشات شملت مناطق إعزاز والباب وجرابلس والمقيمين في مدينة غازي عنتاب  …إلخ . السؤال هنا لماذا لم نجد من بين الحضور ممثلين حقيقين عن الكورد والتركمان الذين يشكلون معاً الغالبية في تلك المناطق ، حيث لمسنا هيمنة عربية سنية مناطقية واضحة في هذه الفعالية مع كل الاحترام ” للمكون العربي السني الكريم ” الذي ربما دفع الثمن الأكبر من خسائر المحرقة السورية ، ونعول عليه كثيراً في شراكتنا لبناء سوريا الجديدة .
ثالثاً : من ناحية المضمون ، وسنركز في هذه الحلقة على المبادئ الأساسية التي تشكل الأساس لأي دستور ، لأن هذه المبادئ تعرف الدولة وشكلها وهويتها وطبيعة نظام الحكم فيها وكذلك المكونات التي تشكل شعبها وجوداً وحقوقاً …إلخ . ولنبدأ بذكر بعض تلك المبادئ الواردة في الصفحة ( 6 ) من مقترح دستور ماتسمى بوحدة دعم الاستقرار . 
1 – المادة ( 1 ) سوريا دولة موحدة مستقلة ذات سيادة …… ونظام حكمها شبه رئاسي .
بمعنى أن الصلاحيات التنفيذية موزعة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ، يعنى الإبقاء على ماهو عليه في سوريا منذ خمسين سنة . 
المادة ( 5 ) : عاصمة الجمهورية العربية السورية هي دمشق . قد لانختلف فيما يتعلق ببقاء دمشق عاصمة لسوريا الجديدة ، لكن كلمة العربية في إسم الدولة لايقبلها مختلف مكونات الشعب السوري بإستثناء مكون وحيد ربما ، علماً أنه داخل هذا المكون أيضاً هناك شريحة لابأس بها من العقلاء يرفضون حشر سوريا بزاوية ضيقة وإلباسها لوناً قومياً يتيماً . وخاصة أن الجميع متفق على أن سوريا ” دولة متعددة القوميات والثقافات والأديان والمذاهب ” . من المستفيد من هذه العصبية القومية ؟ . أين الخلاف في مقترحكم عن رؤية البعث الذي ألحق أشد الأضرار بسوريا من وراء هذه النزعة الشوفينية ؟.
2 – المادة ( 7 ) : دين رئيس الجمهورية هو الإسلام . لماذا ؟ . وما المبرر في حصر الرئاسة وحشرها في مستنقع الخلافات الدينية والمذهبية طالما أن سوريا بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب ؟ . وبأي حق تسعون لحرمان أنصار ومعتنقي بقية الأديان ( مثل المسيحيين واليهود والإزديين وبقية المذاهب مثل الدروز والعلويين ) من هذا الحق ؟. وكذلك مامدى تطابق هذا البند مع مبدأ تكافؤ الفرص ، والمساواة في الحقوق والواجبات ؟!.
3 – المادة ( 8 ) الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع . لماذا لا نعتبر دساتير الدول المتقدمة مثل سويسرا وألمانيا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية وماليزيا وكندا … إلخ ، وكذلك مختلف الكتب السماوية والمنتج الفكري والثقافي والإنساني بشكل عام هي مصادر لتشريعاتنا وقوانيننا ؟. ألم تكن تلك الحقبة السوداء التي دمرت بلدنا ، وهجرت نصف شعبنا وخاصةً شبابنا وعقولنا كافية كي نعود ونتمسك بتلك النصوص الإشكالية الإقصائية ؟. 
رابعاً : السلطة التشريعية :  ونقتبس هنا ماورد في مقترح ماتسمى بوحدة الدعم والاستقرار ” وهي البرلمان أو مجلس الشعب ، وظيفتها تمثيل الشعب لأجل سن القوانين ومناقشة الموازنة العامة وإقرارها ، والبت في القرارات الهامة مثل توقيع الاتفاقيات الدولية ، الدخول في المنظمات العالمية ، إعلان الحرب ، منح الثقة للحكومة ومراقبتها ومحاسبتها وحجب الثقة عنها ” . أين الخلاف في ماورد في مقترحكم وبين ما هو قائم ومعمول به في سوريا منذ خمسين عاماً ، وخاصة أن السلطة التشريعية تعتبر إحدى أهم السلطات التي تدير البلد ؟. ألم يكن من الواجب عليكم أن تنتبهوا إلى أهمية هذه السلطة ، وجعلها كما يلي : البرلمان السوري يتكون من مجلسين ، الاول : مجلس النواب ويتكون من ممثلي الشعب حسب النظام النسبي التمثيلي . والثاني : مجلس المكونات : ويعود إليه القرارات الأساسية داخلياً وخارجياً ، وتكون آلية اتخاذ القرارات فيه وفق مبدأ التوافق لمنع هيمنة مكون واحد على سوريا مستقبلاً .
خلاصة الحديث 
مع شديد الأسف كانت المفردات الأساسية الضرورية والمتلازمة ” الشراكة – التوافق – التوازن ” مغيبة تماماً عن مقترحكم ، مما جعل الجهد المبذول برمته غير مفيد ، وطغيان هذا النمط من التفكير كان خلف تراجع التعاطف الدولي تجاه قضية شعبنا ، وبروز ملامح تفكير جدي من قبل اللاعبين الفاعلين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية بإعادة النظر في كل مايجري في سوريا ، وقد يكون إعادة تأهيل النظام مع بعض الإصلاحات هو القاسم المشترك ، وقد يكون البديل ؟. وماذا يعني إعادة تأهيل النظام بالنسبة لأطياف المعارضة السورية الرسمية المتمثلة بالائتلاف الوطني،وكذلك منصات المجتمع المدني المحسوبة على المعارضة والمنتشرة في المهاجر ومواقع اللجوء ؟. هل بات الوضع بحاجة لتشكيل جسم آخر وبمسمى جديد كنوع من دوام إدارة الأزمة السورية ؟ . أم أننا نحتاج لمحاولات جدية لتأسيس إطار وطني جديد ، بذهنية مختلفة من كل من يؤمن بالمشروع الوطني السوري الجامع من مختلف شرائح الشعب السوري ، وإبعاد الراديكاليين الإسلاميين وكافة الأدوات الحاملة للمشاريع العابرة للحدود سواءً كانت قومية أو دينية أو مذهبية من هذا الجسد الوطني المأمول ؟. هل المعارضة بتركيبتها الحالية مؤهلة وقادرة على تقديم بديل مقبول وطنياً وإقليمياً ودولياً لنظام البعث ؟. هل نحن كسوريين نمتلك الحد الأدنى لإرادة القرارات الخاصة بمصيرنا ومستقبل بلدنا ؟. بعد كل هذا الفشل وعلى مدار عشر سنوات ، هل وصلت النخب التي تتصدر المشهد المعارض إلى قناعة بأنهم فشلوا في قيادة الشعب ، وبالتالي ضرورة المراجعة ، والوقوف على الأسباب ، وتغيير الواجهات ، وصياغة مشروع وطني حقيقي بعيد عن الأسلمة السياسية ومشروع البعث القوموي ؟. لماذا فشلت المعارضة السورية الرسمية في القيام بواجباتها تجاه ثورة الشعب السوري ؟. هل مازالت الأطر الرسمية للمعارضة بدءاً بالمجلس الوطني السوري الذي تأسس في الـ 2 من تشرين الأول 2011/ اكتوبر برئاسة الدكتور برهان غليون ، ومروراً بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الذي تأسس في الـ 11 من تشرين الثاني / نوفمبر 2012 برئاسة الشيخ معاذ الخطيب ، وكذلك مؤتمرات رياض الأول والثاني ، والمنصات المختلفة مازالت صالحة للإستمرارية ، أم أنها بالأساس كانت عبارة عن أدوات لإدارة الأزمة السورية من خلالها ؟. هل مازالت الأطراف المؤثرة داخل المعارضة السورية الرسمية تعيش أوهام الخلط  والسعي للوصول إلى السلطة والحكم وكانت الثورة مطية وأداة ، وبين أهداف الثورة التي خرج من أجلها السوريون أملاً في التخلص من الاستبداد وإقامة البديل الوطني الديمقراطي ؟. ومع شديد الأسف أن عقد كامل من الموت السوري لم يغير ذهنية ” البعض ” ، وما لاحظناه من مناقشات ومداخلات حتى مداخلات أعضاء اللجنة الدستورية الذين حضروا الفعالية المذكورة لم تخرج من مساحة التعصب القومي والشوفينية المقيتة ، ولم ترتق لمستوى تضحيات الشعب السوري ، وبقيت مفردات العروبة والإسلام السني مسيطرة على المناقشات والمداخلات . بتقديري لو أن الأموال التي صرفت على هذه الورشات تم صرفها على الأيتام والثكالى في مخيمات اللجوء والنزوح في الداخل والخارج كانت أفضل بكثير من صرفها على هكذا فعاليات لم تتمكن من الخروج من مستنقع الموروث الفكري والثقافي للشوفينية المقيتة والأسلمة السياسية اللتان ألحقتا أشد الضرر بالشعب السوري . 
ملاحظة : وهنا أريد أن ألفت عناية الإخوة الأعزاء العاملين في مجال مثل هذه الفعاليات المدنية بأن الأغلبية المعتمدة في مسارات الديمقراطية في البلدان المتقدمة ، ناتجة عن وعي مجتمعي أساسه الأغلبية السياسية الناتجة عن التقافة الوطنية المتجذرة في تلك المجتمعات ، وليست تلك الأغلبية الناتجة عن الطائفية المعتمدة في مقترحكم .  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…