صدرت الأعداد الأخيرة من نشرات الأحزاب الوحدة ويكيتي والتقدمي وركزت جميعها على المرجعية الكردية والظروف التي تمر بها ومدى أهميتها ومن المعرقل لتكوين تلك المرجعية، كل طرف شرح وجهة نظره باللوم على الطرف الأخر وقدم بعضاً من الحجج التي تثبت رؤيته.
قبل الدخول في التفاصيل لابد لنا من ذكر أن أي حوار جاد يهدف إلى إنشاء إطار وبناء موقف سياسي والتوصل لمؤتمر عام، تكون المباحثات سرية جدا ً بحيث يتم التعتيم على الجانب الخلافي حتى يتم السيطرة عليه بين المتحاورين وعدم توسيع دائرة النقاش حولها وتلك تعتبر أهم شروط النجاح ، وعكسها الخروج من أزمة إلى أزمة أخرى لا ترضي المتحاورين جميعا ً
ففي العدد 169 من نشرة الوحدة والتي جاء في العنوان الافتتاحية عن القضية الكردية بين الاستحقاق القومي والوطني ركزت على أن الأطراف التي تمكنت من التوافق على رؤية سياسية مشتركة، لن يكون من مصلحتها ومن حرصها على مصداقيتها ، الاختلاف على مواضيع شكلية من قبل نشر تلك الرؤية أو عدم نشرها وإن الآليات التي يفترض بها تنظيم عمل المؤتمر الوطني المنشود يجب ألا تكون موضع خلاف إذا توفرت النوايا الصادقة فعلا ً.
عند قراءة هذه السطور لا يسعنا إلا أن نشكر صاحب القلم الذي كتبه حيث ابتعد عن المهاترات ولم يمس أي طرف بسوء وكوّن موقفا ً وسطا ً بين موقفين متحاورين هما نشرها أو عدم نشرها ولكن يبادر للذهن سؤال هام من أين أتت هذه المواقف ولماذا توقفت على هذه الناحية حتى يكون هناك موقفان و موقف وسط يتبناه حزب الوحدة والذي بدوره كان طرفا ً في الاجتماع العام للتحالف الذي خرج بعدة مقررات وليست مقترحات ليعرضها على الأطر الأخرى وهذه المقررات فيها إيجابية من حيث الآلية ولكن الوقت لم يكن في صالحه كان الأجدر أن تكون آلية عقد مؤتمر منتهية قبيل أي حوار بهذا الشأن وليس بعد الأزمة التي تحاك حول نشر الرؤية بحيث يفهم منها عرقلة نشر الرؤية وليس تسهيل عمل المؤتمر الوطني ، وحزب الوحدة لم يوفق في أن يكون وسطيا ً بل لم يمتلك رؤية خاصة به تعتمد على أسس وحقائق وقوانين يتعامل بها العالم جميعاً كل ما هناك عتب على الطرفين وهذه نية صادقة يمكن الاستفادة منها في المستقبل للمساعدة في حل بعض الأمور ، لكن تهرّب من فرض قوانين المتعامل بها وهي الاتفاق بين الأحزاب والتوقيع على بيان يوجز أهم النقاط ونشرها ومن ثم العمل على إيجاد صيغة توافقية لمشروع سياسي متكامل بين الجميع يعرض على مؤتمر يُتفق على آلية انعقاده، وهذا ما حصل مع إعلان دمشق والذي الحزب الوحدة أحد أطرافه، وليس بطرح مقررات أحادية الجانب و الأطراف داخل في الحوار، مما نستنتج أن حزب الوحدة لم يساعد بجدية في حل لغز انعقاد المؤتمر الوطني بخصوص المرجعية الكردية .
أما عدد504 من جريدة الديمقراطي والتي نشرت عددها تحت عنوان لماذا التخوف من مؤتمر وطني كتب فيها
((فهم في البداية وضعوا شروطا تلو الشروط مقابل مشاركتهم، مرة قالوا لا نقبل وجود رؤية مسبقة (المقصود بها الرؤية المشتركة للتحالف والجبهة)، ومرة قالوا نعدلها وطلبوا إضافة عبارات وجمل تتعارض مع الهدف من تشكيل المرجعية وخاصة لجوئهم إلى أسلوب المزاودة في طرح شعارات وظيفتها عزل الحركة الكردية عن الحركة الوطنية، ثم وصل بهم الأمر إلى اشتراط وضع هذه الجملة في المتن أو الهامش ؟؟ أو هل ننشر أو لا ننشر ما يريدون من وثائق لكي تفرض على الحركة قبل انعقاد المؤتمر..
من شروط تعجيزية لا تعدو عن كونها عراقيل لاأكثر ولا أقل.))
كل الذي كتب ضمن القوسين دون استثناء مجرد اتهامات بغية وضع الطرف الأخر في خانة المعرقل الوحيد مما سيخلق إشكالية الشك لطبيعة القواعد والأسس التي يقوم عليها مبدأ الحوار، فحزب التقدمي ومنذ تأسيسه لم يكن الوحيد من دعاة الوحدة الوطنية أو القومية بل كان دائماً طرفا إن كان كردستانيا ً أو ضمن الحركة الكردية في سوريا والنشرات التي صدرت عنه تبرهن ذلك من خلال المهاترات و الشجب على صفحات الديمقراطي وعندما ينشر مقال بهذا الحجم من التهم على الطرف الأخر ، ويكوّن قناعة خاصة به بأنه على صواب ولا يزال مشروع والرؤية على طاولة الحوار وجميع الأبواب مفتوحة عدا باب واحد وهو التراجع، لذلك يكون التفكير في خصم يعلق عليه أخطاءه ويتهرب من الاستحقاق الرئيسي إلى خلق إشكالية هامشية ، يفهم منه وجود نية الانقسام من جديد وجعل تفكير الكردي ينقسم بين الدجاجة أولاً أم البيضة.
وفي نهاية المقال وبعد وضع عدد من البنود تعبّر عن موقفه ورؤيته و يختم : ((وهكذا فان الأمور واضحة ولا تتحمل التأويل أو الغموض ، فمن يريد توحيد الكلمة وتشكيل المرجعية يتخلى عن الشروط ويشارك في المؤتمر، أما المماطلة ووضع الشروط والشروط الإضافية..
فهو مجرد خوف من الموقف الجماهيري، ليس إلا..)) ويمكن نقد هذه الخاتمة ببساطة ووضوح أن الحزب التقدمي غير صادق مع نفسه لأن الدعوى لتوحيد الكلمة والتخلي عن الشروط هو نفسه يطالب بها كون لديه جملة من الشروط والمقررات حول توحيد هذه الكلمة البسيطة فلماذا لا يتخلى هو عنها قبل دعوته ويكون هدفه توحيد الرؤية، وقد سُرّب أن له تحفظات على الرؤية بشكل عام، مما يثبت أن التقدمي أكثر المتضررين من نشر الرؤية وتوحيدها، قد تسبب له إشكالية تنظيمية أو سياسية، إما العزل عن الحركة الكردية في حال إصراره على موقفه، أو التخلي عن تحفظاته وشروطه والانخراط بشكل جدي ضمن الحركة الكردية.
أما نشرة يكيتي العدد149 والتي افتتحت عددها بعنوان كي لا تبقى الحقيقة غائبة من يقف وراء تعثر المرجعية الكردية حيث سرد موجزا ً عن القصة الحوارية بين الأطر الثلاثة مرقما ً العنوانين من واحد لخمسة وقد حاول قدر الإمكان توجيه التهمة في عرقلة انجاز نشر رؤية وتشكيل مرجعية كردية على كاهل الحزبين التقدمي و الوحدة، بحيث يكون حزب يكيتي خاليا ً من المسؤولية التاريخية بهذا الشأن ، قد يكون من السهل الادعاء بأن التحالف لم يتعامل مع لجنة التنسيق كإطار يجمع ثلاثة أحزاب كردية ولكن عدم شرح أسبابها فيه إجحاف بحق البعض كما أن عدم مناقشة الرؤية السياسية للجنة التنسيق لن يكون عائقا ً لتعديل الرؤية المتفق عليها بين التحالف والجبهة، و أن تبني الرفض لكل ما يصدر من الآخر وترجيح النوايا السيئة دون مبرر من له الحق ومن عليه الحق ذريعة للتهرب من إيجاد نهاية توافقية على ما يدور بين الأطر الثلاثة ، ولا يخفى على احد أن البرامج السياسية للتحالف والجبهة ، أحزاب لجنة التنسيق هم أصحابها وقد يكون بخط أيديهم أيضا ً؛ إذاً الأرضية التوافقية موجود قبل بدء الحوار ولكن ما يعرقل هذه الجهود هي الشكليات والخلافات الشخصية والتي تنشر بين حين والآخر مما يوسع دائرة الاختلاف.
كما أن سرد هذا الموجز والتهديد بنشر ما تبقى منه يشجع الآخر الذي بحوزته أيضا حجج وبراهين على عدم جدية يكيتي في تحقيق مرجعية كردية والعمل على ترتيب أوراقه في هذا الجانب، وكمراقب للوضع الكردي برأيي أن نشر هذا الموجز لا يخدم بتاتا ً مشروع الرؤية والمرجعية بل يخدم الانقسام والرد وفتح أبواب على الحركة الكردية نحن بغنى عنها، وكما ذُكر في الافتتاحية أن ما توصلت له الأطر الثلاثة يعتبر انجازا ً لا يمكن التراجع عنه لذلك ما يفعله حزب التقدمي وحزب يكيتي يدحض هذا الادعاء لأن ما بقي على الطاولة يمكن العودة إليه لتذليل الفوارق أما أن تنشر على الجموع دون اتفاق وكل طرف يعطي لنفسه الحق بالادعاء أنه سلك مسارا ً صحيحا ً ستكون هناك مساحة مفتوحة للمواجهة.
القضية الكردية أمام مخاطر كبيرة وتواجه في الوقت نفسه مشاريع هامة بحيث أصبحت محور النقاشات الجارية على مستوى الوطن سواء أكان في المعارضة الوطنية أم النظام الذي أصبح يدرج بعض القضايا في خطابه السياسي (قضية الأجانب) لذلك بقاء الأحزاب الكردية خارج دائرة الفكر السياسي والتعامل بأساليب قديمة في الحوار وافتقارها لمبادئ الاختلاف والتواصل مع الحفاظ على ما أنجز في المراحل السابقة سوف تجعلها تعيش في فراغ وانقطاع مع جماهيرها لغياب مشروع سياسي جامع يستند على الشرعية وفق القوانين الدولية ويلبي الطموحات القومية الكردية في سوريا.