لا للتفريط واستغلال الوحدة السّياسيّة والثقافيّة الكُردية في سوريا

دلشاد مراد

لطالما شغلت مسألة الوحدة السّياسيّة حيزاً واسعاً في نقاشات وأعمال السّاسة والمثقفين منذ بدايات تشكيل الحركة السياسيّة الكرديّة في سوريا في خمسينيات القرن المنصرم، وحتى هذه اللحظة لم تتحقق الوحدة المنشودة على أرض الواقع رغم أنَّه الشّعار رقم واحد لجميع التنظيمات الكُردية.
كون السّياسي معروف بانحيازه فهو مُلزم باتباع سياسات وقرارات حزبه، وبالتالي أمكن للفئة المثقفة وخاصة /المرموقين/ منهم أن يلعبوا دور الوسيط بين الفرقاء السّياسيين ولكن دون أن يقدروا على إلزام الفرقاء بالوحدة السياسيّة، وبسبب التناقضات الشّخصية سابقاً والأيديولوجية والحزبية حالياً لم تتمكن أيُّ شخصيّة كُردستانيّة من توحيد الحركة السّياسية الكُردية في سوريا، 
فالذاكرة السّياسية غير البعيدة تُذكرنا بمحاولة الملا مصطفى البارزاني بتوحيد جناحي اليسار واليمين ولكنّه فشل وبدلاً من ذلك ظهر حزب ثالث الأمر الذي زاد من الأزمة السياسيّة الكرديّة سوءاً، كما أنَّ محاولات تشكيل مرجعية سياسيّة كرديّة في روج آفا باءت بالفشل رغم موافقة الطرفين على تأسيس (الهيئة الكرديّة العليا)، وبالتالي لم يبق سوى تجريب وساطة تمثل قوة دولية كُبرى وهذا ما يحصل على أرض الواقع.
ودون أن ندخل في حيثيات وتفاصيل الحوارات الأخيرة للفرقاء السّياسيين (أحزاب الوحدة الوطنيّة والمجلس الوطني) والتي كانت بمبادرةٍ من قائد قوات سوريا الديمقراطية (مظلوم عبدي) وبوساطة أمريكيّة، إلّا أنَّ نتائجها ستكون لها ارتدادات سواءً سلباً أو إيجاباً. وبالتالي ليس ببعيد أن تكون الدعوة الأخيرة للمجلس الوطني الكُردي لوقفات احتجاجية واستغلال موضوع الغلاء وارتفاع الأسعار في سبيل تقوية أوراقه على طاولة الحوار والضغط على أحزاب الوحدة الوطنيّة على تقديم تنازلات هي بالنسبة لها شروط تعجيزيّة.
وقد نوهنا سابقاً عن محاولات حثيثة لاتحادات المثقفين والكُتاب وبعض الكُتاب المستقلين بموازاة الحوارات التي كانت تُجرى بين الفرقاء السّياسيين لتوحيد صفوف المثقفين وتمثيلهم في المرجعية السياسيّة الكُردية المفترضة، او بالأحرى كان أعين مثقفين بعينهم على الدخول بالمرجعيّة السياسية سبباً في إثارة الموضوع وكان مشروعهم كالآتي: انعقاد اجتماع عام للكُتاب والمثقفين الكُرد ينتخب فيه ممثلي المثقفين في المرجعيّة الكُردية. وبعد مماطلة الفرقاء السّياسيين وعدم حصول أي تقدم في حواراتهم حصل تخبط في صفوف المثقفين وفشلوا في تحقيق مساعيهم السّابقة الذكر، بل وكانت معظم اجتماعاتهم مجرد شعارات وخطابات دونكشيوتية دون أن يكون لهم أي دور في الحوارات الأخيرة، ودون أن يبحثوا في واقع المثقفين وتشتتهم وكيفيّة العمل على توحيد الطاقات الثقافية والرفع من النهضة الأدبيّة والثقافيّة، ودون أن ترتقي بعد مستوى النقاشات في الاتحادات عن الأنشطة التقليديّة التي لا تحقق أي تقدم على أرض الواقع. والأمر الذي نتأسف له هو أنَّ كلَّ اتحاد يرى في نفسه الاتحاد الجامع للكُتاب والمثقفين دون أن يناقش أي منها في مؤتمراتها واجتماعاتها مسألة وحدة الكُتاب والمثقفين بشكلٍ جاد.
وهكذا نرى إنَّ حالنا- نحن الكرد – ليست على ما يرام، ولو استمرَّ الحال على هذا المنوال وسط استمرار الاحتلال التركي لأجزاء من روج آفا وشمال سوريا، فلن تتردد تركيا في استغلال ذلك وتنفيذ تهديداتها المستمرة بقضم المزيد من الأراضي وسط تشتت أصحاب الأرض، فالوحدة الكُرديّة ومعها الوحدة الكرديّة العربيّة السريانيّة تحصين ودرع حماية لشمال وشرق سوريا لا ينبغي التفريط فيها أو استغلالها لغايات حزبية ضيقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الزاوية الأسبوعية “الحديث الثقافي”، صحيفة روناهي في شمال شرق سوريا،  29 أيلول 2021م.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نبذة عن الكتاب: يسعدني أن أقدم لكم العمل البارز لصديقي العزيز، ريبرهبون، مؤلف كتاب ” نقد السياسة الكوردية (غربي كوردستان أولاً)”. هذا الكتاب هو استكشاف عميق للمشهد السياسي الكردي، يقدم نقداً ورؤية للمستقبل. إنه رحلة فكرية تمزج بين التحليل التاريخي والواقع الحالي، وتبحث في الحلول للتحديات التي يواجهها الشعب الكردي، خاصة في غربي كوردستان (روجافا). يقدم المؤلف تأملات صادقة في…

د. محمود عباس الزيارة المفاجئة التي قام بها أحمد الشرع، رئيس الحكومة السورية الانتقالية، إلى إسطنبول، لم تكن مجرد جولة مجاملة أو لقاء بروتوكولي، بل بدت أقرب إلى استدعاءٍ عاجل لتسلُّم التعليمات. ففي مدينة لم تعد تمثّل مجرد ثقلٍ إقليمي، بل باتت ممرًا جيوسياسيًا للرسائل الأميركية، ومحورًا لتشكيل الخارطة السورية الجديدة، كان الحضور أشبه بجلوس على طاولة مغلقة،…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا الإسلامي، لا شيء يُوحِّدنا كما تفعل الخلافات، فبينما تفشل جهود الوحدة السياسية والاقتصادية، نثبت مرارا وتكرارا أننا نستطيع الاختلاف حتى على المسائل التي يُفترض أن تكون بديهية، وآخر حلقات هذا المسلسل الممتد منذ قرون كان “لغز” عيد الفطر المبارك لهذا العام، أو كما يحلو للبعض تسميته: “حرب الأهلة الكبرى”. فبعد أن أعلن ديوان الوقف…

قدم الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، السبت، تشكيلة الحكومة الجديدة، والتي تكونت من 22 وزيراً. وقال الشرع في كلمته خلال مراسم الإعلان عن الحكومة في قصر الشعب: “نشهد ميلاد مرحلة جديدة في مسيرتنا الوطنية، وتشكيل حكومة جديدة اليوم هو إعلان لإرادتنا المشتركة في بناء دولة جديدة.” وجاءت التشكيلة الوزارية على الشكل التالي: وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني وزير…