وليد حاج عبدالقادر / دبي
في ظاهرةٍ أصبحت متكرّرة، لا بل وباتت منظّمة وممنهجة في أكثر من جزءٍ كُردستاني، وتصاعدت بتواتر واضح رافقت صعود بعض التنظيمات الراديكالية والمشفوعة بزعمٍ قومي كُردستاني، والتي مارست منذ بداية انطلاقتها عسفاً قومياً، استهدفت الطاقات الشبابية والطلابية ( أواخر سبعينيات وحتى أواسط ثمانينيات القرن الماضي ) وانتهجت بدراما واكبت مرحلةً أشبه ماكانت بالصدمة التي أنتجت شعوراً بالنكسة وحالةً من التشاؤم المشوّبة بيأسٍ قاتل رافقت انهيار الحلم القومي بعد سلسلةٍ من الثورات والتضحيات الجسام، وبالأخص سنة 1975 وما تلاها،
هذه الحالة التي شاهدتها أمم وشعوب كثيرة، سجّلتها صفحات تاريخها وأولدت مجاميع متمردة على كلّ شيء، وبنزعة متطرفة وأيضاً في كلّ شيء، لا تركن الهدوء ولا الفكر المتزن والمستقر، تتسارع لتسبق الزمن وتراكبه ضياعاً ومن جديد للزمن، هذه التنظيمات التي تمدّدت وكرقعة شطرنج ممغنطة تحت سقف شعاراتٍ طنّانة استهدفت عاطفة الجيل الشاب واستدرجتهم إلى الجبال حرقاً للمراحل لا إنتاجاً لها، ومع حرق تلك المراحل كانت أولى الأوراق المحروقة هي ذاتها البرامج والمنهجيات ومعها الخطط، لابل حتى أولئكم النبلاء الذين وضعوا أرواحهم على أكفّهم وضحّوا بها في سبيل نبل القضايا التي آمنوا بها، تلك القضايا التي بنيت عليها تلال الشعارات ولم تزل و إن اتجهت هي بذاتها – الشعارات – لتصبح في مواجهة عدائية – إلغائية من قبل مبتدعيها، وحوربت بمنهجية تشطيبية / إلغائية ما استدرج الشباب لأجلها، وبعيداً عن التنظير التأريخي، وما فعلته وتفعله هذه المنظومة الراديكالية، إلا أنّ ممارساتها في أجزاء كُردستان كلها تشي بأمورٍ لم تعد غائبة مطلقاً، وباتت كلّ مشاهدها المنتجة تنحى إلى صفر النتيجة قومياً، لابل وأصبحت كمتلازمة للتضحية بها لصالح القوميات المتسيّدة سواءً كانت فارسية أوعربية وتركية، هذه الظاهرة التي ابتدأت بالتهجين اللغوي والثقافي، كما وظاهرة التنمر المكتسبة من أدوات وأجهزة القمع للنظم السائدة والتي كانت هي مَن تتعامل معها وتديرها وتوجّهها حسب مصالحها، ولتتمدّد هذه الظاهرة وتتجه نحو تقمص ذات النزعة في ايجاد بدائل وطنية واهمة كما نظام الأسد والجولان وصدام حسين وصراعه مع الخميني ناهيك عن تركيا وأحلامها المتجدّدة تجدّد الذهنية العثمانية، وباختصار، وفي العودة إلى منظومة حزب العمال الكُردستاني، وسلسبيل التخبطات الفكرية والآيديولوجية، إلى درجة البحث في ركام النظريات التي عفت عنها أزمنتها من جهة، و تتالت في تنوعها واختلطت حتى تاهت فيها آفاق الفهم والبعد المعرفي، فترى أمراً نابذاً وقد تحوّل إلى جاذب، والديمقراطية إلى عكسها والثورة إلى ضدها، والأحكام والقرارات التعسفية والدكتاتورية التنظيمية إلى شرعية ثورية، وباختصار من جديد : فقد أبدع المستبدون وبإسم الحرية والديمقراطية فمجّدوا ظاهرة الخمير الحمر وببولبوتية جديدة لدرجة باتت مقولة إنّ الثورة لا تاكل مبادئها كافية بقدر ما تفتك برفاقها، وهنا، فإنّ الفتك ليس في استهداف المعارضين بقدر ما أنّ أبشعها هو النيل من الشعارات الراقية لأجيالٍ تربّت تأريخياً على أهداف سامية وبطموح جمعي للمجتمع المعني وبعد جلّ التضحيات وبشطحة جديدة تحت عنوان مستجد يعتبر السابق خطيئة والجديد مطوب، لا يلبث وبتأثير شطحة أخرى أن تشرعن لإزاحات متتالية، ويمكننا تشخيص تتالي هذه الظاهرة من خلال سلسلة الأهداف المزاحة والمبادئ المستجدة ودائماً بما يتوائم مع سايكولوجية الأوحد في مضارب التقية والتابعية التي لا يميّزها عن الكهنوتيات سوى بالتنظير المبالغ، لابل وعسف قانون نفي النفي وبما يتواءم مع سايكولوجية الولي – القائد المتجدّد برؤية تجريبية جديدة وبالتأكيد من دون أية معيار نقدي بشقيه الذاتي والعام، هذه التحولات المفاجئة ومن دون أية سابقة أو خطوة تمهيدية، ناهيك عن فرضها وبعسف من فوق وبأدوات مختلفة أشبه بكتاتيب ودورات ما سميت بالثورات الثقافية، يأخذ فيها تطويب القائد وتمجيده الحيز الأكبر، وتشطب منها أيضاً كلّ – الخرافات – السابقة وتبشر بالمستجد والتي مثل الشرنقة قد لا تكمل دورتها التشكلية، إلا وقد تفتّق ذهن القائد الفذ برؤية ومنهجية جديدة . إنّ أسطرة القائد وبإسم الشرعية الثورية وكما أية تقية مشابهة لا تضفي سوى إلى التطويب مجدّداً حتى لأية شخصية قد تكون، والذي – تلك الشخصية – قد تمارس بحكم ذلك التطويب دوراً دكتاتورياً يضفي هو على ذاته مثل جموعه المرتهنة وكقطيع عليه فتمنحه تلك الهالة والعصمة من الخطأ، وعليه يستسيغ القطيع – مثلاً – مقولة شطب القوموية الخاصوية وإضفاء بعدٍ فضفاضٍ على كلماتٍ جوفاء ولكن طنّانة أيضاً، وعليه فلا ضرر أن نلغي البعد القومي بجغرافيتيه البشرية والطبيعية و – بماكياجات – نجمل كلمات مثل – الأمة الديمقراطية – ولا حرج إن عدلناها الى – أخوة الشعوب – بلبوسها الفارسي أو التركي منها والعربي، هذا اللبوس المبهم والذي ينتج كأمرٍ حتمي أهمية القائد الفذ والملهم والضرورة، والتي تقزم في المقابل الجميع ويبقى القائد الذي يحوط بهالة أشبه بالمرشد أو الحكيم لابل والنبي الهادي لتابعيه، وفي حالة أوجلان فإنّ الأنشطة التي تنفّذ من أجل إطلاق سراحه، تضاهي أضعاف ما تنفّذ من أجل قضية شعبٍ ووطنٍ، لابل أنّ كلها تختزل لتتقمّص إن لم نقل تتغوّل في شخصه.
إنّ الواقعية السياسية، وكقضيةٍ تخصّ مصير شعبٍ، يفترض بأنّ الحركات السياسية تسير فيها وفق برنامج صريح وواضح، الأمر الذي يحتّم على الأطر المنظمة بأن تكون معاييرها ليس قادتها ومرشديها بل القضية الأساس التي وجدت لسببها كلّ الأطر المنتجة، لا أن تصبح كلّ الجغرافيا مجرد أداة جذب للقوى المعادية بعد تهيئة وتقديم كلّ المبررات لها للزحف عميقاً حتى خارج جغرافيتها كما فعل اردوغان وجيشه لمهاجمة عفرين وسري كانيي وگري سبي و .. بحجة محاربة حزب العمال الكُردستاني مجسدة بصور ومجسمات كبيرة لأوجلان، ومسيرات تحتشد في غير مواقعها الفسيحة من جهة والمزدحمة بملايين البشر ممن يزعم أوجلان وسدنته بأنهم يمثّلونها.
# – طلبة : اسم – لقب كان يُطلق على المجموعة التي تحوّلت فيما بعد إلى منظمة الآبوجيين أواسط السبعينيات والتي مارس أعضاءها سلسلة من الإغتيالات بحق نشطاء الأحزاب والمنظمات الكُردستانية واستمرّت بأعمالها رغم تحولها الى حزب وتغيير اسمها الى حزب العمال الكُردستاني