هل يمكن ان يتجاوز الكرد في سوريا المأزق الراهن؟

اكرم حسين 

الكرد في سوريا ، امام مأزق مُحْكم ، شديد التعقيد في اولوياته وتفاعلاته ،  فالجزء الاساسي منه ، له علاقة بالمقتلة السورية التي حدثت خلال السنوات العشر الماضية ، التي بدأت ثورة ، وانتهت حرباً اهلية وعسكرية وطائفية ، وباتت تعيش انسداداً وانغلاقاً واستنقاعاً قد يطول امده ، لكن المأزق الاشد ايلاماً وقتامةً هو الوضع الذي باتوا فيه من تدخلات خارجية وقوى شمولية ومجموعات مسعورة ، باتت جزءا لا يتجزأ من حاضرهم ومستقبلهم ، كما هو الوضع في لبنان واليمن وفلسطين ، والسؤال الذي  يحرق اللسان ، ويتبادر الى الذهن بشكل دائم هو كيف يمكن ان يتجاوز الكرد في سوريا المأزق الراهن؟ ما هي الادوات والاليات؟ وكيف السبيل الى ذلك؟ 
هذا السؤال يختصر كل الاسئلة الاخرى التي يمكن طرحها في هذا السياق ، وبات اُسّاً لها  بعدما حصل من وقائع عيانية ملموسة  تفقأ العين ولا تحتاج الى شرح او برهان ، وخاصة بعد ما وقع في الاحتجاج الذي دعا اليه المجلس الوطني الكردي في مواجهة رفع اسعار المازوت والخبز وفرض الاتاوات والاعتقالات وهجوم مجموعات تطلق على نفسها اسم ” جوانن شورشكر” اجتاحت المكان ، وتهجمت على وسائل الاعلام ، ونددت بالمحتجين عبر شعارات بذيئة،  واصابت الناس بالحجارة ، والنتيجة مجموعة من الاصابات  .
ان السعّار الذي جرى ، قد اظهر حجم العداوة والحقد الذي تم زرعه في نفوس هؤلاء الشباب نتيجة التطرف الأيديولوجي ، والتأسيس على قاعدة ” نفذ ولا تعترض”  ، فقد وصل الامر بهم الى حد التهجم على اهاليهم وذويهم  . 
صحيح ان الشأن الكردي الخاص يتعلق بالشأن السوري العام  ، ويرتبط به ارتباطاً وثيقاً ، ومن مصلحة جميع الشموليات خنق الديمقراطية ، وتغييب الرأي المخالف ، وانتهاك حقوق الانسان ، لكن السوريون ومنهم الكرد لم يخرجوا في اول ايام الثورة من اجل اعادة نظم او سلطات اكثر قمعاً واستبداً ووساخة فقد خرجوا من اجل الحرية والكرامة ، وبناء وطن اكثر عدلاً وديمقراطية واحتراماً للإنسان ولحرية التعبير والاختلاف ، وهو ما يمكن ان نطلق عليه المواطنة المتساوية بإطلاق بغض النظر عن العرق او الجنس او الدين ، رغم ان هذه العبارة اصبحت تستفز عموم كردنا !
نحن ابعد ما نكون عن الطموح الذي خرجنا من اجله وحلمنا به ! فالركائز التي تبني عليها القبليات والميليشيات عليها وجودها ، تكمن عادة في خنق الاخر ونفيه واقصائه وادانته ، وصولاً الى اعتقاله وتصفيته ، لان ذلك ما يضمن لها اساساَ ديمومتها واستمرارها في وضعها الراهن ، دون ان تعلم بان في ذلك نهايتها وفنائها !
امام هذا الواقع المعقد في كل اتجاهاته ومستوياته ، ماذا يمكن للقوى السياسية الكردية ان تفعل ؟ وبعبارة اخرى يمكن القول  ماذا يمكن للمجلس الوطني الكردي ان يفعله باعتباره مسنود اقليميا ودولياً ؟
اعتقد  في اولى الاعمال التي يجب ان يبادر اليها المجلس الوطني الكردي  هو عقد مؤتمره الذي تقرر عقده في اقرب وقت ، واعتباره الخطوة الاولى والمدخل الحقيقي للإصلاح للتخلص من حالة العطالة والترهل اللتان اصابتاه بسبب تأخير انعقاد المؤتمر لسنوات طويلة ، وتغير الكثير من الاوضاع السياسية والاجتماعية والدولية ، وفي هذا السياق لا بد من تكريس المؤسساتية ، والاعتماد على الكفاءات بعيداً عن المحاصصات الحزبية ، وتكريس مبدأ التداول الذي بدونه لن تستقيم الاوضاع ، وتتحقق المشاركة الفعالة ، وتتوسع القاعدة الشعبية والجماهيرية كشرط اساسي لتفعيل دوره  في جذب المكونات القومية والاجتماعية ،  بمعنى اخر ان يتحول المجلس الى ملاط  بين القوى والاحزاب والمكونات المختلفة ، لكن كل ما سبق سيبقى نافلاً وليس بذي اثر، اذا لم يستطع المجلس الوطني الكردي من تعزيز علاقاته الاقليمية والدولية ، وخاصة مع الدول المؤثرة والفاعلة في الملف السوري كأمريكا وروسيا وتركيا وبعض الدول العربية كالسعودية ومصر وقطر .
هذه الملاحظات قد لا تكون صحيحة ، لكنها استحضرتني من واقع ما حصل منذ يومين في مدينة قامشلو .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…