إبراهيم اليوسف
موت عالم موت عالم!
ظهيرة يوم 17-9- 2021 لن أنسى وقائعها البتة، وما كنت لأنسى وقعها علي، لو إن الأمور سارت باعتيادية، من دون أن يحدث ما يحدث، ويهزني كما الآلاف-إن لم أقل الملايين- الذين عرفوا الرجل الاستثنائي. الاستثنائي- كما هو، وليس تحت حمأة عاطفة مغتلية، إذ تفاجأت باتصال فيديو/ واتس، فهرعت لأرتدي قميصاً، بعد أن عاجلت في فتح الكاميرا مبتعداً عن مجال دائرة عدسة الهاتف، بعد إدارتها إلى الجدار، إلى أن أنتهي، وكلانا يكلم الآخر:
احزر- عمي- من عندي؟
سلفاً، كنت مدركاً من ضيفه الذي ودعته من بيتي قبل السفر، وإن لم أكن لأعلم أنه سيزوره، وسيلتقيه، في السليمانية، ضمن إطار مصادفاتي، مدهش، فقلت له: محمود عندك، وأطلق ضحكته
تأخرت، في الظهور أمام الكاميرا أعتذر. كنت أرتدي قميصي
كان عليك أن تبقى كما أنت. كلنا هكذا، عادة!
ثم راح يعاتب ضيفه وهو يضحك مما أقول:
إني أريد أن يبيت الليلة عندي ولكنه مصر أن يودعني بعد الغداء
جد له ابنة حلال!
قلتها ممازحاً
ثم واصل ضحكه عالي الإنسانية والبراءة والنبل، وهو يقول: ليرافقني غداً، نذهب إلى” ” هناك عشرات بنات الكرام الجميلات: خلقاً وخلقاً
ثم واصل حديثه إلي، مصراً بأن يكون الحوار بيني وبينه- فحسب- وكأنه يقول لي” أما ضيفي فلقد التقيتما دعنا نحك أيضاً”
ياعم!
قالها، فقلت له:
انت ابن خال أبي
كما كنت أرد عليه في مثل هذا الموقف من الخطاب الذي لم يبدله يوماً
أعرف قصة جدك، فلقد كتبت عنه وعن عمنا حميه- بالإنابة- عمنا ملا إبراهيم- سمي جدي- ومتمم قراءة رسالة- إجازة جدي- بعد أن غاصت عينا الشيخ أحمد الخزنوي، بالدموع، وهو يقرؤها، بعد إصرار من جدي أن يتتلمذ على يدي الشيخ- خريج تكية آل حضرت معه- بعد أن قبله شيخاً، خالعاً عباءة- الكبرياء- وهو شأن العلاقات التكيوية: بين أي شيخ ومريديه، وإن كان جدي أول خلفاء الرجل، وهذا ما تناوله علاء، وكان على علم به، وهو يكتب الجزأين الأوليين، من معجم رجال الدين الكرد الذي كان يعد العدة لاستكمال جزئه الثالث- وهلمجرا- مستدركاً بعض الخلل الذي انتاب الجزأين المطبوعين!
بعد دقائق من الاتصال، ودعني علاء، وهو يقول:
خطط أن تزور كردستان!
كورونا أجل أكثرمن مشروع زيارة
أرجو الشفاء لعمتي أم أيهم. سلم على أخوتي شبابك وراح يعدُّ أسماءهم واحداً واحداً كأهل بيته، ولعلهم رغم قربه مني، أقرب إليهم، وما بينهم أقوى. ثم أنهى الاتصال. ربما، استشعر أنني أعمل، وهو جد حريص، في مثل هذه الحالات، على وقت سواه، الأمرالذي استشعرته من قبل، أثناء مراجعتي اللغوية لكتابين من كتبه:
لا أطبع روايتي من دون مراجعتك للمخطوط. أطمع في- ملاحظاتك- أكثر من التدقيقات اللغوية التي تجريها أنت!
التواصل الافتراضي:
لايمكن أن نسمي العلاقة بيني ود. علاء بأنها تأسست افتراضياً، وإن تم التواصل بيننا قبل عشرين سنة، عبر- مسنجرالهوتمايل- والبريد الإلكتروني، والهاتف، وذلك لأنه ابن أسرة صديقة، وكان بيني ووالده من العلاقة الشخصية ما سأفرد له مساحة ما. ناهيك عن العلاقة العائلية التاريخية التي بين أسرتينا، بما يعزز العلاقة بيننا، ويكرسها، ويوثقها، إذ إن اللقاء الثاني- تم بيننا في الإمارات- وهوما سأفرد له مساحة مناسبة من الكتابة، بينما كان اللقاء الأول قد علق في ذاكرة علاء، إذ قال لي:
انشددت إليك، لأول مرة، عندما قدمت إلى موعد بينك ووالدي في عيادة أحد الأطباء وأنا طالب صف سابع أو ثامن1986- لربما كان ذلك في عيادة د. حسن مهوس أو عيادة د. شيخموس خضر رحمه الله- شخصياً لا أتذكر، وإن راح يرجح هو الأول، أدامه الله، ومما قاله:
كان سبب اللقاء أن أبي طلب منك نسخة من مجموعتك الشعرية” للعشق للقبرات والمسافة” 1986، وقال: إنك أهديته إياها، وقد صحبتها معي إلى الإمارات وعليها توقيعك، ورفضت- آنذاك- تقبل هدية ما لقاءها، وقال: هذا ما أعجبني فيك، للعلم أنني وبعد حوالي ثلاثة عقود ونصف من عمر طباعة كتبي، لم أستلم” يداً بيد” ثمن كتاب لي، إلا ماتم عبرالمكتبات، أو ماتم عبر الحزب الشيوعي السوري الذي وزع ديواناً لي، وأنا في- العسكرية- وهو” هكذا تصل القصيدة”، وكان وراء ذلك أصدقاء ورفاق أعزاء، أو أصدقاء ندرة أو صديق يتيم، هوأ. خليل مصطفى، تحديداً، وقال:.
منذئذ حلمت أن أكون شاعراً
وراح يرسل إلي مقاطع من نصوص شعرية وقصصية وخواطر ومقالات، قبل أن يقوى عوده، بل وبعد ذلك، وكان يصر أن أقرأ أعماله الإبداعية. أقدم لبعضها، وأدققها، وأكاشفه بملاحظاتي، ولطالما اقترحت عليه حذف مفردة، أو عبارة، لأسباب كنت أقولها له، باعتباره يجمع بين ثقافتين، إحداهما دينية والثانية دنيوية، وكان جاداً، مجتهداً، هنا وهناك
يتبع…..
*في الحلقات التالية سأكتب عن نبوءاته وشهادات ضيفه ففيها المثير، ناهيك عن بعض ذكرياتنا وما بيننا