ذكرى يوم الإحصاء العنصري سنة 1992

وليد حاج عبدالقادر / دبي 

خاص لموقع ولاتي مه 
كانت فعلا ليلة رائعة وخريفية بامتياز سنة ١٩٩٢ وكنا قبلها بليلة قدانجزنا كونفرانس الفرعية لحزبنا حزب الإتحاد الشعبي الكردي / فرع الدرباسية / وعلى هامش الكونفرانس توشوشنا انا والرفيق محمود عمو ابو مسعود عن الخطوة العملية للقيادة المشتركة وضرورة التقيد التام بالسرية المطلقة وضرورة ايجاد صيغة ما للإيحاء للرفاق بأننا لربما مقدمون على فترة عصيبة سيتخللها استجوابات واعتقالات، وبالفعل نبهنا الرفاق بأنه يتوجب عليهم تنظيف بيوتهم من كل الوثائق السياسية والكتب الكردية وماشابه، وضرورة الحذر الشديد لأن الحزب لديه معلومات أكيدة عن حملات مداهمات واعتقالات، وعدت الى الحسكة ودعيت لاجتماع طارئ لفرعية الحزب، وطلبت فيها من الرفاق المسؤولين ابلاغ الرفاق كلهم بضرورة تنفيذ ذلك وتنظيف البيوت وحتى من سلاح فردي لمن يملكه وكذلك توصيتهم بتنفيذ اي مهمة حزبية أكلفهم انا والرفيق بشير ابو كاوا، ومن دون علم مسؤوله المباشر، اي لا حاجة للرجوع اليه وفعلا بدونا كخلية نحل واذكر ان كونفراسنا كان بتصوري بعد ذلك بأيام معدودوة وحددنا المكان ايضا ومن سيحضرها و …
 عقدنا اجتماعا لممثلي منطقة الحسكة للأحزاب الثلاث حينذاك وبحضور العضو القيادي في القيادة المشتركة السيد عبدالباقي يوسف ابو آشتي وفي الإجتماع أصريت كممثل لحزبي بأن يتم توزيع المناطق على الأحزاب لتوزيع ولصق المنشورات فيما حاول بعضهم وتمسكوا بتشكيل مجموعات مشتركة وامام اصراري واقتناع ممثل حزب / الموحد / الصديق دارا تيريش معي تم اعتماد توزيع الأحياء على الأحزاب تحت طائلة المحاسبة الحزبية، وكان ابو آشتي قد جلب معه المنشورات ايضا ولم اخبر اللجنة حينذاك ووعدتهم ان يستلموها قبل المباشرة باللصق والتوزيع بساعتين وفعلا تم اعطاء كل حزب حصته وبوشر بالتنفيذ وأكاد أجزم بأن كل المناطق والمواقع التي حددناها تم لصق المنشور و .. بعد التاسعة مساءا بدأت حركة سيارات الأمن والشرطة ولا أخفي سرا فأمام وقوف اية سيارة او حتى اصوات اطاراتها من بعيد كنت أتهيأ نفسيا لطرقات على الباب وكنت قد استعدت نفسيا لذلك تماما واستيقظت نهار اليوم التالي وعند نزولي من شقتي اول من التقيت به كان الصديق الراحل سليمان سليم ممثل حزب الديمقراطي التقدمي حينذاك ومعه شخصية من الدرباسية وبادرني بالسؤال هل المنشور / الملصق هي بالفعل انتم من نفذتموها أم هناك مدسوسين مثلما حدث قبل سنين ؟! قلت لا هي من القيادة المشتركة ونحن من نفذناها ونتحمل مسؤوليتها و .. طبعا كنا قد أوصينا الرفاق بألا يتصلوا او يتواصلوا معي تحت اية ظرف وفي حالة الضرورة يمكنهم التواصل مع شخصية مستقلة وذي مصداقية وعلى تواصل معي – وهو الدكتور عبدالرحمن خليل كونه ابن منطقتي وصديق قديم وايضا كان يسكن بجوار بيت عمي جد أطفال وكان هناك امكانية التسلل الى منزله عبر الاسطح وحدث ذلك فعلا وكنت قد اخبرت اهلي بإخباره عن أي امر يحدث لي – و … بالفعل كنت أحس بأنه حتى نبضات قلبي هي تحت المراقبة وتردد اسمي كثيرا وانظار العملاء كانت تلاحقني و .. بعدها بعدة ايام، جاءت دورية للأمن العسكري واقتادتني الى قسمهم في الحسكة وتفاجأت بوجود الصديق محمد خير حج حسين من حزب الموحد والصديق الراحل أبو جوان ابراهيم محمد علي من الشغيلة وليبدأ سلسبيل التحقيقات والضغوطات .. بقينا عندهم حوالي عشرة ايام وليطلق سراحنا، وكم شعرت بالزهو عندما خرجت وعلمت بأن الرفاق قد انجزوا كونفرانسهم بنفس التوقيت والمكان مع يقينهم بعلمي بذلك ولكن ثقتهم كانت جد عالية بأنه يستحيل ان تستطيع الأجهزة ان تنتزع مني هكذا امر .. وبقيت اسبوعا بعيد اطلاق سراحي وليعتقلني الأمن السياسي وأيضا من مكان عملي بشركة الرصافة في الحسكة، ومنها تم اقتيادي الى غياهب الزنزانات والمعتقل فمحكمة امن الدولة وسجن عدرا والتي لا تخلو من سير وذكريات كما ونضالات بدروس وعبر …
.. 
بعد اعتقالي من قبل الأمن السياسي في الحسكة تم اقتيادي مطمش العينين وقيدت يدي مع شخص تأكدت من لون بدلته السماوية وهمهماته بانه الرفيق بشير ابو كاوا وصعدوا بنا الى سيارة استيشن وتوقعت بأن وجهتنا هي دمشق او دير الزور، ولكن المسافة التي سارت فيها السيارة كانت مؤشرا لي بانها قامشلو، خاصة بعد نزولنا الى قبو وما ان ازاحوا الطماشة حتى تيقنت بانه هو ذاته فرع مكتب الحبوب سابقا والذي اصبح مقرا ثانيا للامن السياسي، وطبعا فكوا القيود وتغامزنا أنا وبشير و .. وضعونا في الممر أنا وهو مقيدي اليدين والطماشات تسد اعيننا، وبين الفينة والاخرى يطلطل علينا أحدهم من طاقة الباب وهو يزمجر ويهدد، في لحظة ما تجرأت وهمست لبشير، ويبدو انه لم يسمع صوتي، مع ان الحارس اخذ يزمجر ويهدد .. كانت الدقائق تمضي ببطئ شديد، وشخصيا كنت مرتاح البال قليلا، فأنا اعلم بأن لي ناسي في الخارج هنا بقامشلو ولكن : مجريات التحقيق فيما بعد أثبتت بانه لا صداقات مع الأمن في اقبية المعتقلات سوى لمن استرخص ذاته وباع مصداقيته على حساب قضية شعبه .. مضى التحقيق سريعا وبصراحة أكبر كانت لجلستين بإدارة المجرم علي مخلوف والمساعد أول ابو يوسف وكان يساعدهم رقيب أول مصطفى .. وسبب الجولات القصيرة استدركناها لاحقا أنا وبشير والصديق دارا تيريژ ويونس حمي ابو سربست في مراجعاتنا بالمعتقل، حيث ان واحدا من أعضاء اللجنة في مدينة الحسكة كان قد رضخ للأمن في شعبة الحسكة وبصم لهم – للمقدم علي حموي – حيث ادلى في اعترافه بكل التفاصيل واصبح عميلا بدرجة امتياز لهم فيما بعد ..  لن ادخل في تفاصيل السرد حيث ان الضبوط كانت قد سلمت صورا منها لهيئة الدفاع وساضيف هنا فقط بانه ولمجرد انتهاء التحقيق وتوقيعنا أدخلونا النظارة الكبيرة ولنتفاجأ بوجود الراحل شمس الدين أبو جوان وهو أيضا من الحسكة وكان قد اعتقل بتهمة انتمائه لحزب العمال الكردستاني .. وأمضينا في تلك الزنزانة اكثر من 15 يوما، ويبدو بأن جماعة الأمن قرروا بعدها بنقلنا الى الفرع القديم بالقامشلي، ذلك الفرع بقبوه الذي كنت اعرفه، وتم اقتيادنا مقيدين، وما ان هبطنا الدرج حتى لمحت الراحل محمد ابراهيم ابو لورين في النظارة المواجهة للمدخل ومعه شخص آخر تبين فيما بعد انه الراحل محمد شريف ابو زيد، ضموني أنا الى الرفيقين الراحلين، وبعدها بقليل نادونا وضمونا الى الباقين، فأصبح مجموعنا نحن الكرد من القيادة المشتركة ثمانية إضافة الى معتقل كردي من كردستان تركية على حساب ـ ب . ك . ك ـ وكان يحمل الجنسية الفرنسية واسمه ـ علي ياشل قايا ـ وبقي مصيره حسرة في قلوبنا حتى اللحظة … إضافة الى الزبائن ـ المعتقلين ـ الطيارة .. وأتذكر بأننا كنا ننام على بطانيتين ونتلحف باثنتين .. والهم الكبير كان بالدخان حيث سيكارة ـ فايسوري ـ بعشرين ليرة أما المشروبات الساخنة والحمام فهي كانت عملة نادرة .. ومجمع الضيافة !! كانت عبارة عن ردهة بنظارتين واحدة جعلناها غرفة العمليات أو التحليل، خاصة لمن يصيبه الأرق ولا يستطيع النوم وكذلك كانت هي غرفة المدخنين المفضلة كونها ذي نتوء في الأعلى ويمكن إخفاء السجائر أو القداحة . وكم من مرة أيقظنا الثنائي ـ شريف أو أبو لورين ـ ومعهم الصديق ـ دارا ـ الذي لم يكن يدخن ولكنه كان الأخف في الوزن وبالتالي الصعود على الأكتف لجلب الدخان أو القداحة .. وهذا المجمع بالذات كانت المرة الثالثة التي استضفت فيها من قبلهم ولكنها تتميز الآن بدهانها الذي يشي بحقيقتها فتتوائم مع توصيفات روائع الكتاب والفنانين إن في رسمهم أو بكلماتهم للزنزانات، وبالفعل تواترت الى ذاكرتي ذكرى أول استجواب لي أوائل السبعينات ونفس النظارة وذاك المخطوط بالقلم على الجدار ذكرني باستراحة الفنان الرائع الراحل محمد شيخو .. و .. صممنا أن يكون لنا أثرنا أيضا والذي أبدع فيه الراحل شريف أبو زيد حيث استوحى من أحد أحاديث ختيارنا أبو سربست فرسم صورة ـ آبي حبونو ـ ذاك الذئب الذي أصابته ما أصابته من الويلات في كبره .. وأصريت أنا أن أكتب تحتها وحفرا بالكردية ـ آبي حبوني ـ بدلا من ـ حبونو .. والذي صار مثار تعليقات كثيرة كما وأن الصديق سليمان أوسو والذي اعتقل من بعدنا واستضيف هو أيضا هناك علم من خلال الصورة أو تلمّس وجودنا هناك من قبله .. وبالفعل وبعد سنتين وعند إعادتنا الى قامشلو .. كان ذاك ال ـ آبي حبوني ـ مازال يشمخ ويتمرغ على جدار الحائط، وصرنا نسأل الرفاق والأصدقاء كل من يستجمم عندهم فيما إذا ما كان ـ آبي حبوني ـ مازال صامدا …                             
….
نعم هي ديرك كانت وبقيت ديرك رغم ترهلنا نحن وبقيت هي ديرك.. ملأى دائمة بكنوز ذكرياتها المتجددة، قامات كالجبال كانت هاماتهم ولما تزل تفرز كينونتها باستدامة متدفقة كماء جمها الذي يعترض كل الموانع فيستمر .. هي ديرك ومن رجالاتها من ضحى بأكثر من نصف سنين حياتها اعتقالا وسجنا وملاحقة.. هي ديرك الذي كان حمالها يعرف ماذا كان يعني ال / بيشمركة / وذاك الذي يجرجر عربته من خلفه وهي مثقلة بحمولتها التي ستنقل ليلا ومن جديد اليهم ال / بيشمركة / هي منبت وعي وساحة نضال قامات مثل الراحل كنعان عكيد آغا / وفي محيطها / دهام ميرو / و نايف باشا وابنه نواف ولن ننسى احمدي ملا ابراهيم ولا حاجي عبدالعزيزي حسو وأخوه احمد وحتمي سنردد مع الشاعر رينجبر هدير الآهات المختزنة ولن ننساها ابدا: عين ديور لسببين  .. حاجي عبدالكريمي ملا صادق وابنه فتاح ويأبى شيخي وانين المه يهدر مع ماء الشط .. نعم احمدي شيخ صالح.. هي بعض من اوجاع ذاكرة تكاد السنين وآلام الغربة تفتك بها ساعة تلو أخرى.. لكل هذا فقد نويت أن أفرغ مافي تلك الجعبة من بقايا إرث نضالي لقامات مازلت تتعملق بصمودها شموخا في وجداني الشخصي، مستفيدا من العلاقات العائلية من جهة والإرث النضالي المتشارك بينهم ووالدي قادي كري الذي رافقهم سنين طويلة .. لن اركز مطلقا على الحيثيات ونمطية الكتابة التوثيقية بل : اولئكم الشخصيات كما كنا نتلمسهم او هم انعكسوا في وعينا الطفولي حينها و .. مؤثراتها الى الآن .. لذا العذر مسبقا فسأتناولهم من زاويتي كابطال، قادة، ولحد الآن اتلمس ان اقتدي بهم / أقله في وفاءهم وإخلاصهم /، ولهذا ولعل مازال من رفاقي في المعتقل والذين تم اقتيادنا الى ذات الحجرة ممن كنا سوية في معتقل قامشلو يتذكرون .. نعم .. في جماعيتنا المغلقة علينا تلك بعد كانت وكنا محاصرين بداخلها في سجن عدرا.. واتفقنا ان تكون أولى رسائلنا الى الخارج وبإجماع الثمانية كنا حينها  الى / الراحل كنعان عكيد، الراحل دهام ميرو، الراحل محمد نذير شمس الدين، المناضل خالد مشايخ، والمناضل محمد فخري … / وكان هناك مناضل آخر لا أتذكر اسمه واتفقنا اي واحد منا تأتيه زيارة عليه ان ينقلها الى الخارج و .. فعلا قدم الوالد رحمه الله يوم ٣٠/١٢/١٩٩٢ لزيارتي ونقلت له الرسالة بأمانة … 
….
يتبع

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقد شهدت البشرية تحوُّلاً جذرياً في طرق توثيقها للحياة والأحداث، حيث أصبحت الصورة والفيديو- ولأول وهلة- الوسيلتين الرئيسيتين لنقل الواقع وتخليده، على حساب الكلمة المكتوبة. يبدو أن هذا التحول يحمل في طياته نذر موت تدريجي للتوثيق الكتابي، الذي ظل لقرون طويلة الحاضن الأمين للمعرفة والأحداث والوجدان الإنساني. لكن، هل يمكننا التخلي عن الكتابة تماماً؟ هل يمكننا أن ننعيها،…

ا. د. قاسم المندلاوي الكورد في شمال شرق سوريا يعيشون في مناطقهم ولا يشكلون اي تهديد او خطر لا على تركيا ولا على اي طرف آخر، وليس لديهم نية عدوانية تجاه اي احد ، انهم دعاة للسلام في كوردستان والمنطقة والعالم .. ويزيد نفوسهم في سوريا اكثر من 4 مليون نسمة عاشو في دهاليز الظلم و الاضطهاد ومرارة الاحزان…

د. منصور الشمري لا يُمكن فصل تاريخ التنظيمات المتطرفة عن التحولات الكبرى في أنظمة التواصل، فهي مرتبطة بأدوات هذا النظام، ليس فقط من حيث قدرتها على الانتشار واستقطاب الأتباع، بل كذلك من جهة هويتها وطبيعتها الفكرية. وهذا ما تشهد عليه التحولات الكبرى في تاريخ الآيديولوجيات المتطرفة؛ إذ ارتبطت الأفكار المتطرفة في بداياتها بالجماعات الصغرى والضيقة ذات الطبيعة السرية والتكوين المسلح،…

بوتان زيباري في قلب جبال كردستان الشاهقة، حيث تتشابك القمم مع الغيوم وتعزف الوديان أنشودة الحرية الأبدية، تتصارع القضية الكردية بين أمل يتجدد ويأس يتسلل إلى زوايا الذاكرة الجمعية. ليست القضية الكردية مجرد حكاية عن أرض وهوية، بل هي ملحمة إنسانية مكتوبة بمداد الدماء ودموع الأمهات، وحروفها نُقشت على صخور الزمن بقلم الصمود. ولكن، كما هي عادة الروايات الكبرى،…